|
العصا السحرية
محمد عبد الحليم عليان
كاتب و مؤلف للقصة القصيرة
(Eng.mohamed Abdelhaleim Alyaan)
الحوار المتمدن-العدد: 7092 - 2021 / 11 / 30 - 21:36
المحور:
الادب والفن
تتملكني من آن لآخر رغبة الغوص في أعماق البشر و أشعر أحيانا أن لدي القدرة على قراءة أفكارهم و رؤية داخلهم بل و الأدهى من ذلك الشعور بمشاعرهم الدفينة دون بوح منهم بها ،، يكفي فقط أن أتأمل الشخص لأرى داخله بكل وضوح و هذا ما حدث هذا الصباح حينما ركبت القطار المتجه لعروس البحر لا أدري ما دهاني لأقضي يوم عطلتي الأسبوعية في رحلة ذهاب و عودة بالقطار بلا هدف ،، المهم أن ذلك حدث و ركبت القطار و وجدت نفسي أتخذ مقعدا كاشفا للعربة بأكملها لأرى أكبر قدر من وجوه الركاب و أستكشف ما إستطعت من داخلهم تهتز عربة القطار ببطء معلنة مغادرة المحطة و إنطلاقها في رحلتها ،، و إستقرت عيني على تلك الأسرة المتراصة في صفين متقابلين تجلس الأم و إبنتها أمام الأب و إبنها ،، السيدة تبدو ثلاثينية بينما زوجها يبدو وقد تجاوز الأربعين من عمره هكذا تبدو ملامحه و الابنة صغيرة قد تكون في التاسعة أو العاشرة بينما الولد قد نبت شاربه و دخل طور الشباب بمن علي البدء لأستشف ما بداخله و أغوص في أغواره و أسراره سأبدأ بأسهلهم إنها الفتاة ففي تلك السن ليس هناك الكثير من الأسرار البنت جالسة بجوار والدتها يبدو من مظهرها أنها هادئة و خائفة تفتقد الثقة و لا تشعر بالأمان.. عيناها زائغة توحي بأنها تخاف أن تواجه.. و إن إعتادت إختلاس النظر و الأطفال عندما يكونوا على تلك الحالة فهم يفتقدوا الأمان من والديهم و كذلك الحنان و الإحتواء لذلك ستكون شخصية مهزوزة تخاف أن تتخذ قرار أو تتحمل مسئولية و ربما تكون فريسة سهلة لمن يحتضنها .. فعلى ما يبدو لم تشبع من أحضان والديها بل قهرها والديها لذلك ذبلت و هي لم تنمو بعد و كلما حاولت الإستناد على الأم الجالسة جوارها أزاحتها،، فالأم تبدو مثقلة محملة الكاهل بعبء ثقيل سأنظر لإنعكاس عينيها في زجاج النافذة لأقرأ ما بداخلها و أستكشف ما بها هي الأخرى ،، عينيها تبوح بأسرارها فهي إمرأة كادحة تعمل لتعين زوجها في نفقات المنزل و يبدو أنها بدأت الكدح و العمل مبكرا جدا ينبئني مظهرها أن لحظات السعادة في حياتها قليلة و قصيرة ها أنا أخترق ذكرياتها و أعود معها أعوام للوراء حين أنهت دراستها المتوسطة و دفعتها أمها للبحث عن عمل لتتكفل بنفقاتها و تعين والدها في جهازها إذا آتاها عريس ،، رحلة عمل و كفاح لم تسلم فيها من نظرات الذئاب و محاولات التحرش من كلاب أبناء كلاب .. لكنها نجت بأقل الخسائر و إن كان أثر الرحلة بكل ما فيها عالق في وجدانها تتألم بسببه كثيرا و تئن و لكنه أنين صامت تخشى البوح به فيقع اللوم عليها فعادتنا دائما نجلد الضحية و نلومها و نخشى لوم الصياد ،، نضغط على جرح الجريح و نزيد نزيفه و نصفق خوفا ممن جرحه و شق وريده ،، هي و كثير من بنات جيلها المستضعفات تمتلئ ذاكرتهم بحكاوي لم تحكى و لم تطوى و تستمر بهن الحياة يدعين التعايش و يرسمن على وجوههن الفرحة بينما القلب دامي و العيون فاضحة تنبئ بمكنون القلب لمن يجيد القراءة و كثير يجيدها و يتغافل عمدا خوفا من نبش جرح لا يملك تضميده،، و يزيد جرحها ذلك الشاب الجالس أمامها فمنذ سنوات كانت تحمله بين ذراعيها و الآن تعدى طوله طولها و تمرد عليها و تعمد عدم الإستماع لكلامها ،، شاب إنشغل برفاق السوء عن دراسته ففشل فيها و سقط في بئر التدخين و المخدرات يتسول أحيانا ينصب على أصدقائه و معارفه يخترع لكل واحد قصة يستدر بها عطفه حتى يخرج ما بجيبه من نقود و يلوذ بها ليبتاع سجائره و مخدراته التي إنغمس فيها ثم يعود للبحث عن فريسة أخرى و كل ضحية من ضحاياه تطرق باب بيته بحثا عنه و تتعارك مع أهل البيت ليسدوا عنه ما تحايل لأخذه و الأب منكسر يحمل جبالا فوق كتفيه يئن أيضا بلا صوت ملامحه الحادة المتجهمة و علبة السجائر المحلية البارزة في جيب قميصه توحي بأنه موظف بإحدى المصالح الحكومية ذات الرواتب الضئيلة و الجهد الكبير و الذي ينسبه المديرين لأنفسهم لينالوا هم المكافآت والمزايا إضطرته ظروف الحياة أن يعتمد على دخل زوجته ليكمل به ما يحتاجونه من نفقات و ترك ذلك داخله إنكسارا ينفثه في دخان سيجارته و تجاهله لكل ما يدور حوله و كأنه أدخل نفسه في شرنقة خاصة به يؤدي دوره الروتيني بلا إحساس بالحياة ،، حتى أنه حين أراد يوما أن يوجه إبنه و يقومه فاجأه الفتى بكلمات قاسية (قبل أن تلومني عليك لوم نفسك أولا .. لماذا تزوجت إذا لم تكن قادرا على أن تنتشل تلك المرأة من همومها و تتحمل عنها عبئها .. و لماذا أنجبتنا إذا لم تكن تستطيع أن توفر لنا حياة كريمة .. أتريد مني النجاح في التعليم لأحمل شهادة أضعها في برواز خشبي على الحائط و أنا أعلم أنه لا توجد أي فرصة للعمل بها .. أتريد لي مستقبل كمستقبلك .. لا أنا لا أريد ذلك .. سأجمع النقود أيا كانت الوسيلة و أحيا يومي و لن أفكر أبدا في غدي فأمثالنا لا مستقبل لهم) ،،، شعرت بإنكسار الرجل و قهر تلك المرأة و النظرة الحالكة للمستقبل في عين إبنهم و دمعت عيني من المصير المنتظر لتلك الفتاة و تمنيت لو أن معي عصا سحرية أشير لهم بها فتتغير حياتهم في لحظة و أرى الرجل يستيقظ نشيطا يستعد لعمله الذي يحبه و يتقاضى منه أجرا يكفي نفقات أسرته و يفيض و جهده في عمله ينسب إليه لا لغيره لديه تأمين صحي مناسب و تأمين إجتماعي لائق و يتعلم أبناءه في مدارس حكومية راقية تهتم بهم رياضيا و ثقافيا و صحيا و نفسيا و تعليميا و البنت مستقرة و سعيدة تحيا طفولتها تتعلم و تلعب و تكتشف مواهبها و الشاب يشق طريقه وفق ما اكتشفه في نفسه من ميول و مواهب و قدرات و ينال حظه من الحياة بفرص متكافئة مع أقرانه لا يميز أحدهم عن الآخر سوى قدراته و كفاءته و الأم ترتاح من عناء مشوارها لا تحمل هم الغد تحتضن إبنتها و أبنها بصدر رحب و قلب منشرح ،، تنمي مهاراتها و هواياتها لتثري ذاتها مستندة لرجل يعولها،،لا تعمل من أجل لقمة تسد جوعها .
#محمد_عبد_الحليم_عليان (هاشتاغ)
Eng.mohamed_Abdelhaleim_Alyaan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لست بهيمتك
-
ضياع
-
عصر الفتن
-
الصحوة
-
نقطة تحول
-
مراهقة متأخرة
-
وأد طفولة 2
-
وأد طفولة
-
جدران عالية
-
هل ينفع الندم
-
خربشات منقوشة على النيل
-
و يبقى الأثر
-
زفاف أسطوري و جدران متصدعة
-
صدمة و صرخة
-
تأملات مع موسيقى شتراوس
-
لقاء
المزيد.....
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
-
تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر
...
-
المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
-
عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو
...
-
الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|