|
مُبدعٌ من سُحماتا
محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 7090 - 2021 / 11 / 28 - 23:56
المحور:
القضية الفلسطينية
مشاعره نحو فلسطين تجري في عروقه مع الدّم، شأن غالبية الفلسطينيين. لطيف ومحدِّث لبق. ويتحلّى بعدد من الصِّفات التي تؤهله لأن يكون فناناً؛ كالجرأة والصدق والأمانة والإخلاص والاستعداد للتَّضحية والبذل ونكران الذّات والأخلاق الرفيعة. أعماله مميزة تؤرِّخ بطريقته الفنيَّة معاناته وعزيمته وتطلعاته. كما أنَّه حافظَ على هويته الفنيّة الفلسطينيّة والتي تَجلَّتْ في أعماله من خلال اختياره للموضوعات التي عكست قضيته الوطنيّة بنكبتها ونكستها، وأبعادها النفسيّة والاجتماعيّة والسِّياسيَّة. هو عُملة نادرة في مخيمات اللُّجوء في لبنان مُثقَّف ملتزم ومناضل عنيد. وهو بحقٍّ أحدُ أفضل مَنْ نقدَ "القائد" الفلسطينيَّ السَّاقط، بعد الفنّان ناجي العليّ، ورسمَهُ على هيئة حمار، ذاك الذي ركب موجة النِّضال أيّام الثّورة ولبس ثوب المسالم أيّام الاستسلام. حياته كلها عزّة وكرامة وهيبة ورونقاً وأملاً بالعودة إلى كامل التُّراب الفلسطينيّ. إنّه الفنّان الفلسطينيّ برهان اليماني ابن سُحماتا -قضاء عكا، صاحب الخطوط الحادّة في الرَّسم التي تميل كثيراً إلى الحزن والقسوة، وهي انعكاس طبيعيّ لفترة النَّكبة وحياة الذُّلِّ التي عاشها في المخيمات، وما تلاها مِنْ تخاذلٍ وتآمر. الفنّ بالنِّسبة إليه، نوع من التَّعبير عن الحلم الفلسطينيِّ والتَّجسيدِ للجرح. برهان اليماني: الإنسان والفنّان لماذا اليماني؟ تعود التّسمية إلى أحمد علي سليمان جدّه لأبيه الذي كان يخدم في الجيش التُّركي [العثماني] في اليمن. وبعد هزيمة تركيا في الحرب بقي في اليمن لمدة 15 سنة، ثم عاد إلى فلسطين ولُقِّبَ باليماني. برهان حسين سليمان اليماني (أبو وائل)، مواليد قرية سُحماتا عام 1941، وفي عام النَّكبة، وتحديداً في تشرين الثَّاني، ضاع في وادي القرن هو وأخته نظميّة (أسمهان)، وبعد رحلة بحث وعذاب طويلة عَثرَ عليهما خالُهُ جميل قدُّورة. بعد وصولهم إلى لبنان قَسْراً، بدأت رحلة اللُّجوء من مكان إلى آخر، ومن مخيّم إلى مخيّم داخل الأراضي اللُّبنانيّة. وكأنّ هذا الظُّلم لم يكن كافياً، بل جاء بعد ذلك دَورُ المكتب الثّاني (المخابرات اللُّبنانيّة)؛ فعاش برهان، مثل الكثيرين من أبناء المخيّمات، معاناة متواصلة من مطاردة المكتب الثّاني له، حيث سُجنَ أوَّل مرّة وهو بعمر 16 سنة في سجن الرَّمل في بيروت؛ لأنَّه كان ناشطاً في صفوف حركة القوميِّين العرب. وفي عمر 11 سنة وزّع بيانات للحركة. ومكافأة له على نشاطه، حسب قوله، تمَّ فصلُهُ من حركة القوميِّين العرب عام 1961، وفي العام 1967، بعد هزيمة حزيران، طلبوا منه العودة إلى صفوف الحركة، لكنّه رفض ذلك مدّة من الزّمن. كان برهان اليماني من أوائل الذين انتقدوا جورج حبش (الحكيم)، وفي نيسان 1973 ترك صفوف الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. حال الفنان برهان اليماني لا يختلف كثيراً عن حال الفنّان ناجي العلي وسائر الفنّانين؛ فالفنّان لا يستطيع أن يبقى طويلاً داخل الأطر الحزبيّة الضَّيقة. قال لي ذاتَ يومٍ، عندما زرته في منزله بمخيم البدّاوي شمال لبنان في شهر نيسان/أبريل 2007: "لم أتوقّع أن أكون يوماً ما رسَّاماً، بدأت الرَّسم بعمر 9 سنوات، يوم كنت تلميذاً في الصَّفّ الثّالث الابتدائيّ. الرّسم الأوّل في حياتي كان عام 1951، وهو عبارة عن بورتريه لمدير مدرسة الصّبيان الأولى الرّسميّة للبنين-ميناء طرابلس الأستاذ بطرس دوره. وفي العام 1956 فزت في المرتبة الأولى بمسابقة نظَّمتها الدّولة اللّبنانيّة لكلّ مدارس المعارف في لبنان، وهي عبارة عن رسم حُرّ". في حزيران 1961 وفي إحدى مسابقات الرّسم في طرابلس استحقَّ الفنّان اليماني المرتبة الأولى؛ ولأنّه فلسطينيّ، تمّ منحُهُ المرتبة الثّانية. وفي يوم الاحتفال بالفائزين وتسليم الجوائز، هَمَّ رئيسُ الوزراء اللُّبنانيّ في تلك الفترة، رشيد كرامي ليسلّمه جائزته، فرفض الجائزة لأنّه استحقَّ المرتبة الأولى، لا الثّانية، وغادر القاعة. وفي السَّنة نفسِها جمعتهما الصّدفة في مناسبة أخرى، فنظر إليه الرّئيس كرامي مُطوَّلاً، فقال له برهان اليماني: نعم أنا الشَّخص نفسه الذي غادر القاعة رافضاً الجائزة، فابتسم الرّئيس كرامي وهمس في أذنه قائلاً: "المهم الكرامة ولو كنت مكانك لفعلت الشيء نفسه". اشترك الفنّان برهان اليماني في العديد من المعارض في لبنان وخارجه. حيثُ أبدعَ بصمتٍ ورحلَ بصمتٍ أيضا. برهان اليماني الرّياضي استقرّ برهان اليماني في البداية مع أهله في منطقة الميناء-طرابلس شمال لبنان، ثم استقرّ بعد ذلك في مخيّم البداوي. كان برهان يهوى لعبة كرة القدم، وتدرّج مع الزّمن وتطوّر من لاعب إلى مدرب. وفي العام 1950، بدأ برهان يذهب إلى ملعب مدرسة الطّليان الذي يبعد أمتاراً قليلة من منزل عائلته، ليتفرّج على مجموعة من الشّباب الذين يُمارسون تمارينهم وألعابهم هناك. ثم جمع بعض الأولاد من أصدقائه في الحارة وفي المدرسة، وشكّل فريقاً لكرة القدم ثم تسلم قيادته. ومن (1950-1958) لعب مع أشبال الميناء بعد أن ضمّه رئيس النّادي محمّد الدّهيني (أبو حسين) إلى فريقه، فريق الأشبال، ولأنّه كان متميّزاً؛ لعب عدّة مرّات في صفوف الفريق الأساسيّ (درجة ثانية). في العام 1958 انتقل برهان اليماني إلى مخيّم البداوي ولعب مع فريق شباب العرب. وفي العام 1960 انتقل من الكليّة الوطنيّة الأرثوذكسيّة إلى كليّة التّربية والتّعليم، ليقوم بتدريب لاعِبي فريق الكليّة. ثم أصبح فريقُ الكليّة هو فريق الرّياضة والأدب، وأصبح برهان مدرِّباً له ومدرِّباً لفريق شباب العرب في آنٍ واحدٍ. وفي العام 1964 استطاع برهان أن يوصل فريق الرّياضة والأدب إلى فِرَقِ الدّرجة الأولى. وفي العام 1979 عاد برهان إلى فريق شباب العرب. وفي العام 1991 درّب نادي الاجتماعي طرابلس-القُبّة، وخلال عام واحد أوصله من الدّرجة الثّانية إلى الدّرجة الأولى. وفي العام 1992 درّب نادي السَّلام زغرتا، درجة أولى ، ثم درّب أشبال مخيم البداوي. مع أنّ الحزن لوّن جميع لوحاته الفنيّة، إلّا أنّ (أبو وائل) الرّياضي متفائلٌ يُحبُّ الحياة، وإذا واجهَتْهُ صعوباتٌ تجاوزها. وهو مؤمنٌ أنّه في يوم من الأيّام سيعود الفلسطينيّ إلى وطنه، وستعود فلسطين باسم فلسطين. (توفَّاهُ اللهُ صباح يوم الثلاثاء الموافق 24-11-2016، إنّا لله وإنّا إليه راجعون).
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صَقرٌ مِنَ الجَليلِ
-
مواقعُ مهمَّةٌ في أرضِ عشيرةِ عربِ السّمنيّة
-
عشيرة عرب السّمنيّة بين الاقتلاع والتشبث بالأرض.
-
حين تغفو العين وتظل بانتظار الحلم !!
-
عبدالله كلّم : خيط الدّم ، الأفق المُدمّى
-
عشيرة عرب العرامشة: صمود وتشبث بالأرض
-
الأوديةُ والينابيعُ في أرضِ عشيرةِ عربِ السَّمنيّة
-
المُغتصبات الصُّهيونيَّة على أراضي عشيرة عرب السَّمنيّة
-
ستيفانو كياريني : الإيطالي الذي أحيا ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا
-
راوية شاتيلا.. دموع لا تجف
-
أنيس صايغ... الغائب الحاضر
-
فلسطينيو مخيمات لبنان... ذاكرةُ الألم !!!
-
سليمان الشيخ - عناقٌ خلفَ أسلاك المخيم !!
-
رنا بشارة : فتاة الصبّار الفلسطيني
-
فلسطينيو المخيمات... ذاكرةُ الألم !!!
-
أمير الشعراء والبدوية ريحانة مزعل
-
مواقع مهمة في أرض عشائر قضاء عكا - فلسطين
-
اللاجئون من سورية إلى أوروبا.. رحلة الموت لاكتشاف المجهول!!!
-
المستوطنات الصهيونية التي أُقيمت في قضاء عكا قبل وبعد نكبة 1
...
-
مشاهدٌ من مجزرة عرب المواسي في عيلبون
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|