أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد العراف العياشي - على الرصيف














المزيد.....

على الرصيف


احمد العراف العياشي

الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 08:38
المحور: الادب والفن
    



خرجت من المنزل مثقلا بالهموم ومتاعب العمل انخرطت في عملية المشي بلا هدف ولا اتجاه ابحث عن خلاص يعتقني من أصفاد الواقع و يخرجني من متاهات ومنعرجات الحياة فقررت أن أتجرد من ذاتي و اجعلها حرة طليقة، متحدية كل التقاليد والقيم والقيل والقال، قلت لزوجتي أنا سأسافر عبر الزمان والمكان، سوف لن تعرفيني لتستفسري عما تبقى من وضعيتي الصحية والعقلية والنفسية، ولكنها لن تتمكن مني بعد أن أفلت من قبضتها، همهمت قائلة: انه التوكال، انه فعل ساحر، سوف أزور الولي الفلاني وللا الفولانية لجلب البركة وطرد السوء، لم أكثرت لما تقوله وانطلقت كالسهم، أسائل العالم المجهول وأبحث عن نفسي في واقع متعدد الأوجه والصفات،في المكان بلا حدود وفي زمان لا متناهي.
اختفت أمامي كل الوجوه التي أعرفها وتعرفني، انفتحت أمامي كل الممرات التي كانت مغلقة، وكل ما كان مستحيلا صار ممكنا، جلست على طوار الرصيف بعد أن تجاهلت كراسي المقاهي التي تلتهم مؤخرة الزبناء فقد زاد حجمها وتمددت كدنتها تستغيث منها الأريكة و تحتج وتطلب الخلاص، جلستي كانت مريحة، لا ينقصني في تلك الفترة إلا الصولجان، أراقب المارة وألاحظ تصرفاتهم عن كثب، انخرط رجل في عملية المشي يحرك يديه، يكلم نفسه، يصارع الجزار ويناشد الخضار ويتوسل البقال ليمدد له مدة تسديد الدين ويهيء مبررا لزوجته وأطفاله الذين يعانون الإملاق والفقر، فلا المريض منهم لقي دواؤه ولا المتمدرس امتلك الدفتر والقلم، ولا الرضيع استمتع بجرعات حليب" نيدو" التي عمت وصلات إشهاره كل الأرجاء والأركان ولا....ولا...، يسألني عن حرفة التسول هل هي مريحة؟حاولت إقناعه عن وضعيتي المؤقتة دون جدوى، فانا فقط أريد أن أشاهد البشر يؤدون أدوارهم على خشبة مسرحية الحياة بدون ستار ولا إضاءة ولا ماكياج ولا إخراج فانا ابحث عن المعقول في اللامعقول، وما أن انصرف صاحبنا حتى لمحت شابا بشعر أشعت متأبطا ملفا، يبدأ في العد من خنصره إلى بناصره: شهادة الدكتوراه، شهادة الإجازة، شهادة البكلوريا، شهادة عدم الحياة، شهادة قلة العمل، شهادة شهادة... يخاطب نفسه: سأضع ملفي في الإدارة واحصل على راتبي وأتزوج حبيبتي واقتني السيارة واشتري الشقة، ثمن الشراء بثمن الكراء ويمحونني التسهيلات، ألف شقة في الربع الخالي وألفا شقة في الثلث المنسي و ...ما أن انتهى من العد حتى أصيب بنوبة صرع أوقعته أرضا، تناثرت شواهده في الشارع وبدأ في الصراخ: الشواهد ها هي والخدمة فين أهي؟ أصيب بجن البطالة والفقر، ووصفة علاجه عند وزارة التشغيل، احتمى بي وهو يرتعد وكأنه مطارد، دثرته بمعطفي وأجلسته على الرصيف بعد أن جمع الرجل التائه الأوراق، وانضم إلينا فأصبحنا ثلاث جثث تبحث تنتظر وتلاحظ، همست في أذنيه: إنك الآن خارج الزمان، والمكان جزيرة الرصيف، فقل ما شئت واخرج خزين لا شعورك واغتل رقيبك، تمرد على ذاتك واجعلها تنعم بالحرية وعش معي حياة الرصيف وانفض عن نفسك سديم الوحدة وعلق مشاكلك على مشجب الزمان ولا تحاول أن تفك طلاسيمه وإن فعلت فسوف تغرق في بحر الأوهام وأنت على يقين أنك لا تحسن العوم، توقفت حركاته وقعد بجانبي على الرصيف، رق الجميع لحالنا، وبدأت الجموع تتكاثر وشكلنا طابورا من المرصفين، نحاول أن نخصي الزمان وأن نتمرد على الطابوهات التي تكبلنا، التحقت العانس والخادمة والعامل والموظف الصغير والخماس والطالب والمطرود من الدراسة، وشكلنا سلسلة بشرية متماسكة، أمواج بشرية تنتظر، لكن ماذا تنتظر؟ ومن تنتظر؟ وكم سيدوم الانتظار؟ فلن تنال منا الهراوات ولا خراطيش المياه ولا القنابل المسيلة للدموع أي شيء لأننا أصحاب الرصيف والهامش تخلينا عن وجودنا وعن إحساساتنا وعن كينونتنا، فالزمان عندنا غير محدد، أما المكان فنحتله مؤقتا، فمن أراد الالتحاق بنا فالعنوان هو الأرصفة أو الرصيف الكبير، وأرجو من تعرف على العنوان لا يخبر أبنائي وزوجتي لأنهم سيحاولون إرجاعي إلى عالمهم وأنا أرفض ذلك.



#احمد_العراف_العياشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوردة الحمراء
- في انتظار عودة المختفى
- الشاعر
- الغريبة
- حكيمة


المزيد.....




- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد العراف العياشي - على الرصيف