|
كميل أبو حنيش قصيدة -في الظل نسوني-
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7086 - 2021 / 11 / 24 - 02:43
المحور:
الادب والفن
كميل أبو حنيش قصيدة "في الظل نسوني" " أقبع في صمت العزلةِ والظلِّ وحيدًا لا تشرقُ شمس الصبحِ على نافذتي... لا العصفورُ يغرّد على أغصاني... والجدران تحاصرني... وتضيق عليّ إذا اتّسع خَواء القلب.. الأبواب تسدُّ طريقي وأحبّائي... تركوني في الظلّ طويلًا ونسوني... ☆☆☆☆ أتنفس من رئة الأرقِ التكوني ساعاتي وتطيلُ أنيني... أقرأ خطّ الحظّ المتعرّج في كفّ الزّمن احدّق في ماضي الأيام واستكشف أيّام الآتي فأتوه بخارطتي... ويساور قلبي ألقٌ ونداءٌ سريٌّ يخلط شكّي بيقيني... ☆☆☆☆ والظلُّ الدّاكن يمتّص رحيقي... يخلط ألواني يغرقني في لجّة صمتي... أستسلم للعبث... وأدنو من هاوية العدم ولا ألبث أن أنأى... وأعود لهاجس تكويني... وأحوك رداءً يحميني من برد الليل... وأفرد أجنحتي.. وأطيرُ لعلّي في لحظة حلمٍ أغدو كسحابة عشقٍ بيضاء تسافر في الآفاق... وتهطُلني فوق سهوب الآمال... فتحيا الأحلام وتحييني ☆☆☆☆ أترقبُ شمسًا... غير الشمس التّأتي من سقف السّاحة في السّجنِ... أترقب بدرًا يتكوّر في اللّيل... نجومًا تتلألأ بسماء العشق... فقد ينساني العالم... لكنّي لن أنسى شكلَ أحبّائي وطقوس صلاة حنيني... لن أقطعَ حبلي السُّرّي مع الشّوق... يعود وينتعش الشّغف... ويألفني الحبُّ ويحميني... ☆☆☆☆ أتكاثف في صمتي... أفتح نافذة في سرداب العزلةِ... وأطلُّ لعلّ الأقدار ستعرفني... فيخيّل لي أنّ العالم ينكرني... فأنادي أُمّي... قائمة الأحباب بقلبي يبتسم الكونُ... يمدُّ يديَهِ فيدنيني... فأعود لطينة تكويني.." كلما خرجت القصيدة من داخل الشاعر تكون أقرب للمتلقي، وبالتأكيد للشاعر أيضا، وكلما كان الشاعر إنسانيا في طرحه، وصل ما يقدمه/يكتبه بصورة أسرع وأسهل للقارئ، وكلما استخدم الشاعر لغته هو، اللغة التي يستخدمها/يتقنها، كلما أصبح أقرب للجمهور. كل هذه نجده في قصيدة "في الظل نسوني" التي كتبها الشاعر من داخل سجون الاحتلال، فعندما يصارحنا الشاعر بما يشعر به/يحس به، بالتأكيد يكون صادقا معنا ومع نفسه، وبما أن القصيدة موجهة لنا نحن القراء ابناء جلدته، فهذا يجعلنا نهتم بما جاء فيها، خاصة أن العنوان "في الظل نسوني" يحمل العتب لنا نحن المتلقين. القصيدة مؤلمة على صعيد الفكرة، وعلى صعيد اللفظ، ففي المقطع الأول نجد: "أقبع، لا (مكررة)، الجدران، تحاصرني، تضيق، خواء، تسد، تركوني، نسوني" واللافت في هذا المقطع أنه جاء بلغة سهلة وسلسة بعيد عن اللغة المعجمية، وهذا ما يؤكد على صديق لفظ "أحبائي" الذي استخدمه الشاعر، فلو كنا غرباء/رسميين لما خاطبنا بهذه اللغة (العادية)، وتأكيدا على قربنا منه، يحدثنا بما يشعر به، بما هو داخله، فحضور الأنا من خلال: "أقبع، وحيدا، نافذتي، أغصاني، تحاصرني، علي، طريقي،أحبائي، تركوني، نسوني" من هنا يمكننا القول أن القصيدة خارجة من داخل الشاعر، وتعبر عما يشعر به وهذا لا يكون إلا بين الأصدقاء/الأحباء/المقربين. بما أننا الأقرب على الشاعر، سيخاطبنا/يدخلنا/يعرفنا على تفاصيل ألمه/ما يشعر به، من هنا نجد الصراع الذي يعانيه، الصراع بين واقع السجن والأمل بالتحرر: "يخلط شكي بيقيني" ورغم أن فكرة الألم والقلق واضحة في المعنى، إلا أننا نجدها في الألفاظ أيضا: "الأرق، أحدق، ألق" فوجود حرف القاف، الذي له (دوي) عند لفظه يؤكد على حالة الألم/الصراع/الأرق الذي يعانيه الشاعر، وبهذا يكون المقطع قد أوصل فكرة المعاناة من خلال مضمون المقطع ومن خلال الألفظ ومن خلال الحروف التي يتشكل منها اللفظ. وما يؤكد على حالة الأضراب/الصراع/الالم استخدامه لألفاظ متقاربة في اللفظ ومتباعدة في المعنى: "الأرق/الق، خط/يخلط" كما ان وجود ألفاظ متناقضة المعنى: "شكلي/بيقيني" يرسخ حالة الألم/الصراع التي مر بها الشاعر. قبل مغادرة المقطع الثاني ننوه إلى أن هناك ألفاظ متعلقة بالزمن/بالوقت: "ساعاتي، الزمن، الأيام، أيام" وهذا يشير إلى أن الزمن/الوقت يشكل أحد عوامل الضغط/الألم المعناة التي يمر بها الشاعر، وبهذا يكون المقطع الثاني قد قربنا من معناته، وعرفنا على مشاعره وأحاسيسه أكثر. المقطع الثالث جاء بصورة وسيطية، بمعنى أنه يحمل بوس الواقع، وفرح المستقبل، فالمعاناة نجدها في بداية المقطع، من خلال الفكرة ومن خلال الألفاظ: "الداكن، يخلط، يغرقني، استسلم، للعبث، هاوية" والامل بالخلاص نجده في ألفاظ: "أحوك، رداء، يحميني، أفرد، اجنحتي، أطير، حلم/الأحلام، سحابة، عشق، بيضاء، تسافر، الأفق، سهوب، الأمل، فتحيا، تحييني" وإذا ما اجرينا مقارنة بين السواد والبياض في هذه المقطع سنجد الغلبة للبياض، حيث تتفوق الأفاظ البيضاء على تلك السوداء. واللافت في البياض، أنه جاء متعلق بالفضاء: "أجنحتي، أطير، سحابة، الأفق" وهذا يأخذنا إلى العقل الباطن للشاعر، ورغبته في التحرر/الخلاص من ضيق المكان وقسوة الجدران، وفيما يخص ذات الشاعر نجده يركز على الخيال/الحلم الذي نجده في "حلم/أحلام، الأمل" وفيما يخص رغبته في الحياة والتشبث بها، نجدها في: "أحوك، يحميني، فتحيا، تحييني" وكأنه يقول أن رغبته في الحياة الكاملة/المطلقة رغبة أصيلة ومتجذرة فيه، من هنا نجده يستخدم معاني وألفاظ تشمل كل جوانب الحياة السوية/الطبيعية/العادية. المقطع الرابع يهيم الشاعر في فضاء الحرية، من خلال: "شمسا/شمس، بدرا، نجوما، تتلألأ، بسماء" وهذا الاتساع في الفضاء ناتج عما مر به من ضيق السجن، ذلك المكان القاسي والمؤلم والموحش، لهذا نجده يحلق في الفضاء، وكأنه يريد تعويض ما فاته من مد البصر ومتعة عالم السماء وما فيها. كما نجده يركز على العاطفة وما يحمله من مشاعر حب وحنين: "العشق، أحبائي، حنيني، الشوق، الشغف، يألفني، الحب" فكل هذه الألفاظ متعلقة بالعاطفة، بما هو روحي، وبما أنه تحدث في بداية المقطع على عالم السماء، فجاء حديثه الروحي ليتلائم مع حالة الصفاء/النقاء/البياض، من هنا جاء المقطع الرابع يتلاقي فيه المكان/الفضاء/السماء مع هيام الشاعر العاطفي/الروحي، وهذا يشير إلى حالة التماهي بين الشاعر وما جاء في القصيدة، التي أخذته إلى عالمها، وأخرجت من جدران السجن، فحلق في فضاء رحب وأخذنا معه وعرفنا على تفاصيل جمال الشمس، القمر، النجوم. بعد أن غادر الشاعر السجن، وأخذ كفايته من الحرية، والطاقة التي تساعده على التشبث بالحياة، يجذبه الواقع إلى السجن، ويجذبة السجن إلى الواقع، فقد تزود بما يقويه على البقاء حيا، وتزود بحب الحياة ليواجه السجن، من هنا نجده حزينا، لكن حزنه ليس بالحزن القاتل، بل هو الحزن إنساني، حزن الناعم، وليس ذلك الحزن الممزوج بالغضب والإنفعال، لهذا نجده يستخدم ألفاظ: "أتكاثف، صمتي، العزلة"، وإذا ما استثنينا لفظ "سرداب" وتقدمنا من بقية الألفاظ سنجدها تحمل الأمل بالتحرر والخلاص: "افتح، نافذة، وأطل، ستعرفني، فأنداي، أمي، الأحباب، قلبي، يبتسم، الكون، يمد، فيدنيني، تكويني". طريقة صياغة المقطع الأخير، تؤكد على أن الشاعر ما زال قويا/ محتفظا بالأمل، فبعد أن شاهد جمال السماء وما فيها، أصبح أكثر إيمانيا وقدرة على الصبر، وأكثر جلدا على مواجهة الواقع، لهذا نراه مصرا على ممارسة الحياة الطبيعة والسوية، مستعينا بأمه، وما استخدامه للفظ: "أمي، تكويني" إلا تأكيدا على هذه الرغبة. القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بؤس الواقع في رواية -ما تساقط- عفاف خلف
-
القصيدة الكاملة -لم أشأ- عبد السلام العطاري
-
الأنسجام بين اللفظ والفكرة في قصة -انصياع- -فوزية الكوراني-
-
محطات التيه السعيد عبدالغني
-
حكاية سر الزيت وليد دقة
-
أثر السجن في رواية -الجهة السابعة- كميل ابو حنيش
-
البوح بالعشق في -نَبيّ العشق في أديرة العشّاق- زينة جرادي
-
تماثل الفكرة مع الأدوات في الأبواق -مأمون السعد
-
رواية غدي الازرق ريما بالي
-
مأمون السعد قصيدة -كيف لا أسمو إليك-
-
تألق فراس حج محمد في الدفاع عن النبي (ص) في كتاب -من قتل مدر
...
-
حروف من ذهب للكاتب الأسير قتيبة مسلم
-
ديوان أثر من ذيل الحصان عبود الجابري
-
حصاد سنابل الكلمة اللقاءات الأدبية في ملتقى بلاطة الثقافي
-
العادي والمتميز إلى المعلم والأخ والحبيب -وجيه مسعود-
-
الدهشة في الومضة: منذر يحيى عيسى
-
الأسطورة والحاجة إلى المرأة في -تمرين بي- أكرم فارس عريج
-
المرأة وأثر حضورها في قصيدة - ترخي اشتداد سلاسك- كميل أبو حن
...
-
التماهي في قصيدة -مدراج النور- بكر زواهرة
-
ديوان حجر الوحش يوسف المحمود
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|