أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان خواتمي - الملفوف الساخن














المزيد.....

الملفوف الساخن


سوزان خواتمي

الحوار المتمدن-العدد: 1655 - 2006 / 8 / 27 - 14:48
المحور: الادب والفن
    


صفعة واحدة .. ثقيلة .. قاسية .. ظالمة .. و كافية لتنبئه بما قد يليها .
قليل من العنف ، كمزاح ثقيل من صديق سمج جعله يعترف .
- ستنطق يا ابن الكلب .
الكف القاسية هوت فوق صدغه مثل سيخ النار ، أزَّ خيط الألم ، اتقد خده ، فصرخ مستجيراً .
- أرجوك يا سيدي .. سأعترف .
وقد اعترف لسببين ، أولهما انه ابن كلب كما كانت تصرخ والدته حين تفور بغضبها ، والثاني أنه يستطيع احتمال برودة بلاط السجن لسنتين إن وقع بين يدي قاض رحيم أو ثلاث كحد أقصى ، ولكنه لن يحتمل صفعة أخرى من كف الضابط الأخطبوطية ..
سالت دموعه ..
روى تفاصيل سرقاته على مسامع الضابط :
- أما ما بقي من المال والذهب فقد خبأته داخل كيس خام في (طاقة ) حمام بيتي ، خوفاً من اللصوص .
- أعطني عناوين البيوت التي سرقتها يا ذكي زمانك .
كخطف البرق تذكر : فيلا في الشهباء ، و أربعة بيوت في المحافظة ، وواحد في منطقة الشيخ طه ، ومحلان في التلل ، وأشرطة كاسيت من سيارة كانت مفتوحة أمام أحد دور السينما ، محفظة صبية في إحدى سيارات السيرفيس ، هاتف نقال .. سطل لبن من دكان جارهم أبو يوسف ..
استغرق الاستجواب الليل بطوله .. وحين غمر ضوء النهار صفحة السماء .. أغلق الضابط المحضر على أقواله ، أطفأ المصباح الجانبي .. تمطى متثائباً لاعناً حرامية منتصف الليل .
رماه الشرطي في زنزانة رطبة ، وناوله بطانية تفوح منها رائحة عرق حادة ، بين عظام جسده المتكومة و البلاط البارد المتسخ ، بساط لا لون له ، ذاك تفصيل لا أهمية له ، فالإعياء نال منه ، ثنى مرفقه تحت رأسه ، لملم باقي جسده على نفسه ، أغفى متعباً ، وشوق حثيث لحضنها الدافئ يتسرب بين مفاصله ، يهدهده حتى ينام .
*******
ظهيرة البارحة فقط كان أسعد رجل في العالم . يطحن بين أضراسه لقمة ساخنة تغلي ، فهو يحب محشي الملفوف المحمّض بدبس الرمان الذي تطبخه زوجته نجاح وتقدمه له ملهلباً .
نجاح ست بيت شاطرة ولا كل الستات ، لها نفس طيب في الطبخ والنفخ ، حمامها ومطبخها يشعان نظافة ، إضافة إلى أنها تنقلب امرأة مثيرة حين تقشر له التفاح وتلقمه الفصوص بيدها ، فيقضمها ثم يأتي على الأصابع الملونة بالأحمر القاني .
قال له أبوها : خذها بالثوب الذي عليها ، وزغردت زوجة أبيها .
أحبها منذ كانت تلعب على رصيف الحارة ، وانتظرها بعين قلقة حتى تكور نهداها .
حين ضمها إلى صدره صار أكثر الرجال سعادة .
غرفة فوق السطوح بملحقاتها كانت كافية آنذاك ليعيشا نعيم الحب .. متى كبرت أحلامهما ولم يعد المكان يتسع ؟
حين تزوج نجاح ، كان يعمل سائقاً لشاحنة المعلم حسن يسافر بحمولة الخضار والفواكه من حلب إلى السعودية ، جلوسه وراء المقود في عتمة الليل وغبش الطرقات الموحشة لم يكسبه الثروة التي تذيقه طعم الملذات ، بل إن صوت أم كلثوم الذي يرافق دربه كان يجعل من قلبه خرقة بالية يعتصرها الشوق إلى دلال نجاح وغنجها .
تقول له وهي تدلك وتاب رقبته : البيت فاضي من غيرك يا حمودة ...
كانت تتشيطن تحت لحافه وتسأله بهمس مبحوح : متى ستشتري لي مبرومة الذهب التي وعدتني بها ؟.
يرتجف فؤاده هلعاً . ما أقسى زعلها حين يتلاقى قوسا حاجبيها ويتغضن جبينها على هم الوعود التي لا تتحقق!
نجاح تستاهل سوق الصاغة بأكمله ، لكن " العين بصيرة واليد قصيرة " فكل ما اشتراه لها : حلق تخشخش كراته في أذنيها كلما حركت رأسها .
ظل فقيراً ..
عاد ذات ليلة ، ورأى نجاح تبكي وبدنها يرتجف من الحرارة .. لم يكن يملك ثمن الدواء حملها وركض بها إلى العيادة الليلية المجانية .. ساعة انتظار ، وتكشيرة الممرضة ، وتثاؤب الطبيب المناوب ..
اتخذ قراره : سيشتري لنجاح الأساور التي تريدها .
حظه العاثر جعل جرس الإنذار يرن وهو يحاول دخول أحد البيوت ، وبغمضة عين أحاط به كل شرفاء العالم .
*******
نخز الشرطي خاصرته فانتفض مرعوباً .. عرك نعاس عينيه .. لملم أطراف سترته حول صدره ، وتبع خطوات الشرطي الثقيلة .
ضابط الليلة الماضية ، يرتشف الشاي الساخن وبجانبه مدفأة تتقد نيرانها .. شعر بالحرارة تفكفك عظامه المتجمدة .. أراد أن يقترب أكثر ، خده الأزرق والجرح الصغير عند زاوية فمه جعلتاه يتراجع عن الفكرة .
أنار الضابط ثريا ابتسامته العالقة فوق فمه ثم لعقها بلسانه قائلاً :
- لديك زيارة ..
حرك حاجبيه بخبث ثم أضاف :
- حريم .
غيظ يتقد برأسه كجمرة في مهب الريح : لحن قديم .. خشخشة أساورها .. برد عظامه .. دفء حضنها .. ليل الطرقات الموحش .. الصفعات المؤلمة .. رائحتها .. ولقمة ساخنة من محشي الملفوف تحرق سقف حلقه .
ما أن لمح وجه نجاح الطافح الحسن يطل بشبابه من شق الباب حتى وثب إليها كنمر غاضب .. رفع يده إلى الأعلى .. وهوى صافعاً اندهاشها ، ومن غير أن يكترث لدموعها النافرة وصرخة الألم التي فلتت منها ، أدار وجهها نحو باب الغرفة ، ودفعها بقسوة من بين كتفيها إلى الخارج .
زعق بصوت جهوري هز جدران غرفة المحقق الضيقة :
- إياك أن تأتي إلى هنا مرة أخرى لأي سبب .. أتفهمين ؟ ... لأي سبب .



#سوزان_خواتمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب لايفرح
- السين اسمي
- البحرين كلاكيت أول مرة
- افكر بكتابة زاوية وليس لدي فكرة محددة
- كسارة البندق
- لماذا تبكي النساء
- عصفور الغفلة
- قبلة أنيقة لموتٍ محتمل
- تعال كثيراً مادمت أورطك بجنوني
- كتابة بالأحمر الرديء
- عشر خيبات لمولود
- طين يبتكر ضلوعه
- كفن من ضجر
- ِمن يعثر على وجهي؟
- زهر البرتقال
- منذ زمن لم تضحكك طفلة
- أسميك حبيبي
- زمن يشتعل في النسيان
- فانتازيا الحب
- ابتهجوا أيها الرجال : المرأة تؤيد ضربها


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان خواتمي - الملفوف الساخن