|
المضامين التهكمية الساخرة في(لايعني) للشاعر حميد الحريزي مقاربة اسلوبية
طالب عمران المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 7084 - 2021 / 11 / 22 - 14:13
المحور:
الادب والفن
" ليس من نص ادبي دون (أدبية) ولا أدبية دون نص أدبي" ميشال ريفارتير (لا يعني) مجموعة شعرية للشاعر حميد الحريزي شاعرا يعني فيها الكثير ، قبل أن أسبر غور النصوص سعيا لتقفي الظواهر الاسلوبية والميزات الفنية والجمالية اقف عند عتبة العنوان فلا استطيع تجاوزه باعتباره العتبة الاهم بما له دور مهم كنواة دلالية. عنونة المجموعة (لا يعني) وهي عبارة عن كلمة مفتاحية ، جاءت كاستنباط معجمي مشتق من داخل النصوص وهو ايضا عنوان لأحد قصائد مجموعته الشعرية.. نص (لا يعني )، بمجرد قراءة النص نكشف مبررا قويا لاختيار العنوان اذ يتكرر ليصل الى (90) مرة ، ويعد العنوان هو الاشارة والرابطة الاولى بين الشاعر ومضمون الرسالة و المتلقي (المرسل/رسالة/ ومرسل اليه) حيث يحمل العنوان في تركيبته اللغوية سمة اسلوبية (لا يعني) والذي يعد هذا الاسلوب انحرافا عن القاعدة (انزياحاً)متجاوزاً من خلاله العلاقات السياقية ، ليخلق لمجموعته الشعرية علاقات جديدة وسياقات لغوية غير مألوفة لأجل اثارة المتلقي ولعل الوظيفة التأثيرية هي من أَجَل تلك الوظائف. استهل النص ب(لا ) لا النافية التي تدخل على الجملة الإسمية والجملة الفعلية . اعتمد الشاعر اسلوب النفي هو طريقة انكار او نقض فكرة أو حجة أو موضوع ويراد به نفي جملة او دليل وهو ضد الاثبات1 اعتمد الحريزي اسلوب النفي الذي يعكس حالة القلق الوجودي في وجدانه ، ولا شك أن أسلوب النفي يوحى بحيوية التجربة، وقدرتها على التوازي مع تفاعلات الواقع. وإن التعامل مع أداة النفي في انثيالاته الشعرية وهو يعي تماما بدورها الدلالي ، كما في المفردات : لا يعني/ لا يهمني/ لا تقهر/ لا تنسى/ لا تجد /لا تغمض/ لا تستجيب/لا تأسف/لا تندفع / لا ترتقي /لا تصرخ /لا تنتصر/لا يتألم/ لا لا ضجر ... في اضمامتها 70 عنونة ، الاسلوب الذي اتبعه الشاعر في صياغة عنونة نصوصه جاءت عنونة مفردة ربما قد يراها الشاعر اسلوبا في تكثيف الدلالة وآخر مركب سواء كان جملة اسمية او فعلية معظمها عنونة دلالية لا توجد في متن النصوص اذ نرصد مجموعة (لا يعني) نرى الشاعر قد اعتمد اللغة المباشرة في العديد من قصائد الومضة التي تكشف لنا عن لمسات معبرة عن افكار مكثفة ، نصوصاً وامضة تبنى عادة على عدد محدود من الكلمات بأسلوب مكثف ومختصر ، حيث جاءت قصائده الوامضة كشكل جديد يقوم على القصر والتكثيف والاختزال ويعزز ذلك تمسكها بعنصر الادهاش تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشيه تثير المتلقي بسطورها القليلة المختزلة وهي" نمط من انماط القصيدة العربية فهي قصيدة النضج والاكتمال كونها القصيدة التي تستفز عقل المتلقي وفكره"2 اتجه (الحريزي )صوب المغامرة في ارتياد عوالم تجريبية تحت سلطة الحداثة مما دفعني لرصد هذه الظاهرة وتحولاتها لدى الشاعر (الحريزي) من خلال مجموعته الشعرية (لا يعني) والتي تعبر عن مدى نزوع الشاعر نحو الاشتغال على الحداثة وآلياتها ، وان خصوصية أدبيته لا تكمن في اسلوبه فحسب بل في دلالته التعبيرية والرمزية . اهم الظواهر الاسلوبية في شعر حميد الحريزي اسلوب التكرار سواء كان صوتا او لفظاً( أسم، فعل) ، العبارة ، المقطع واسلوب المفارقة كمفارقة العنوان ، او المفارقة اللفظية ، ومفارقة السخرية ، والمفاجأة اما من حيث السياق التركيبي في مجموعته نجد اسلوب الحوار وسياق التداول كما في قصيدته (لا يعني) و حيث كان احد المتحاورين هو المتكلم والاخر متلقياً حوراً شعرياً منسقاً ومركباً تركيباً منضبطاً ودالا ، حوار مشتمل على بعض الحِكم والمواقف الحياتية وبهذا الاسلوب في خطابه الشعري يتصور كل قارئ انه المقصود هو شخصياً ، مما اضفت على تشكل القصيدة صبغة جمالية ص20: 1 حين تمرح أكوام القمامة في شوارعنا ليل نهار لا يعني إننا نعشق المزابل بل لأنها تمتلك حرية التجمع والتجوال كما تشاء 2 أكوام القمامة تقتحم بيوتنا دون استئذان لا يعني إن بيوتنا بلا أسجية بل لأن القمامة تحمل صور السلطان اتخذ الشاعر من قصيدة الومضة قصيدة رؤيا تركز على فكرة شعرية ، يسعى الى تناميها بطريقة شعرية خاطفة يحمل في ذلك مبدأ المفاجأة الاسلوبية بالنهاية المفارقة يحدث متعة فنية موجزة بمعنى عميق مبتعدا عن الحشو والزيادات محققا التواصل بينه وبين المتلقي: حين تستتر الشمس لا يعني إنها تخشى الغيوم الشمس تلبس جلد الأرض لتشارك الزهور متعة الاستحمام بزخات المطر وفي نصه: أن يكون لك وجهان لا يعني إن لسانك مشطورا إن يكون لك وجهان يعني انك ماهر في ارتداء الأقنعة اراد الشاعر ايصال رسالته بالتركيز على ذاتها فقط بلغة شعرية (أدبية ) تعبيرية وبأسلوب تهكمي ساخر الى المتلقي وبلغة مباشرة . وظف الشاعر كلمات تحمل في طياتها شحنات موسيقية حادة من خلال توظيفه الى اسلوب التكرار سواء كلمة او حرف او جملة تعبر عما يختلج في صدره من ومواقف حماسية ،قضيته التحرر وفضح المفسدين نصوصا تهكميّة ساخرة، ، يفضح السياسيّين السراق : عرس العناكــــــــب ص90 جاء الفجر بلا ريش يتوكأُ على زعانف اسماك القرش يقتحم شبابيك معتقة بالسواد يحمل بدلات زفاف لجوارٍ عشقت احضان الخصيان جاء الفجر محمولا على اكتاف سعالي العصر أرعب العنادل في مهد الحوت الازرق أهدانا اردية النمل الملكية وأجلسنا على عروش من صفيح أتى الفجر يحمل اسوار الصين فسجدت له منائر الغجر بأفواه مختمة وأدبار معطرة بعطر الشرق شنفت ادبارهم له طربا فانتحر الحمار في ساحة الرقص جاء الفجر بلا ذَنَبٍ فاستباحت الغربان مؤخرته نلاحظ ان الشاعر استعمل في كثير من الجمل الشعرية كلمات لها سياق صوتي متقارب كقوله: اقتيادك/ شكواك/ صوتك/ اطفالك/قلبك/.. الخ المعذبين / السلاطين/ المظلومين/ الزنازين/ .. الخ عذره/ امره/ زهره/ ذله / ظله/ نحره / عطره/ سعره / ثغره/سره/ ظهره ..الخ ان مثل هذا الصوغ من المفردات يشكل ايقاعاً داخلياً يتناسب وطبيعة الموضوع الذي يفصح فيه عن انهيار القيم الاخلاقية وضياع المبادئ. كما نجد الشاعر في نص له من قصيدة (عرس العناكب ) استبدل حرف التاء الساكنة بالهاء وكأنها يريد ان يبدي للقارئ تنهداً عميقاً هو اشبه بالزفير الذي ينجم عن هّم وغّم يثقل الكواهل: لن يقبل عــــــــــــــــــــــــــــــــذره ؟!! ص93 مهما عظم امره لن يقبل عذره ... لن يقبل عذره من قتل عصفوراً من خرب عشاً من سحق زهره ...لن يقبل عذره من اشترى ذله من اغتال الظلام ظله لن يقبل عذره ... من مزق كتابا من قاتل فكره لن يقبل عذره من خان الأمانه من ضاع في بحر الرطانه من باع للأعداء سره... لن يقبل عذره من قبل الأغلال ... من أضاع في الأوحال عطره لن يقبل عذره من هادن الجلاد ومد للجزار نحره من أرخص للفاسدين سعره لن يقبل عذره من باع للسلطان ثغره من ركب الحمار ظهره لن يقبل عذره من ارتضى الطائفية دينا وسلم للعرق امره لن يقبل عذره معجمه الشعري تراه يستخدم بعض الجمل الشعرية والكلمات الدالة على الموت (موت)، ( المقبرة ) ،(الكفن ) ، وقد وردت مفردة (يموت) (35) مرة ( لعل مرد ذلك الى ما تشبع به الشاعر من محيطه فهو ابن بيئته ومرآة مجتمعه لذلك جاءت كلماته في هذا المقام . البناء الشعري لدى (حريزي) فأننا نجده ينأى كثيرا عن الانخراط في توظيف الكلمات المستثقلة والغريبة ، وتلك براعة تحسب للشاعر لأنه يتقصد ذلك المأخذ الشعري منه كي يوصل رسالته لكل قارئ على اختلاف مشارب المتلقي فهو لا يريد ان يشتت الافكار في البحث عن دلالة المفردات وعليه يريد ان يدفع نصوصه لحيز السهل الممتنع : ص29 ان تكون تحت خط الفقر في بلد الذهب الاسود لا يعني انك من التنابلة ان تعيش تحت خط الفقر في بلد الذهب الاسود يعني ان حكامك تحت خط الشرف استطاع الحريزي ان يصنع بصمته ويترك اثره في نتاجاته الادبية سواءً كان نتاجا روائيا او قصصيا او نقديا، او سير ذاتية او من خلال مجاميع الشعرية . المصادر 1- ويكيبيديا الموسوعة 2- قصيدة الومضة في الشعر النسوي في الشعر النسوي العراقي المعاصر أ. م. د فرح غانم صالح ، جامعة بغداد ،كلية التربية للبنات – قسم اللغة العربية. 3- الحريزي ، حميد لفتة ،(لا يعني )، ط1 ، مطبعة الزهراء، مجمع ناشرون ، ايران ، 2021.
#طالب_عمران_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التشكيل اللغوي ودوره في بناء جمالية الصورة في (طلاسم العطش )
...
-
الاسلوب السريالي في الخطاب القصصي عبر الرؤى الحلمية المشفرة
...
-
استراتيجية العنونة في (للريح .. تركنا قمصاننا) للشاعر عبد ال
...
-
مناحي التميّز وطرائق اشتغال السرد في رواية (اوراق لخريف أحمر
...
-
الاتجاه الاسلوبي والتكثيف الدلالي في (ليتها لا تنطفئ) للشاعر
...
-
مشهدية الصورة المكثفة في قصة (عطف) للكاتب عبد الله الميالي
-
تقانات الميتا سرد في - عناقيد الجمر- للقاص غانم عمران المعمو
...
-
جماليات توظيف الميثولوجيا في (أبولو وشظايا الرقص) للشاعر أحم
...
-
- البنیة الزّ مكانیة في روایة (خرابة ميشو)
...
-
تجليات الرمز الصوفي في (مكابدات الحافي)
-
النزعة الغرائبية بين الواقع والمتخيل في رواية تابو للروائي ح
...
-
النزعة الصوفية السوريالية في (فينمولوجيا) للشاعر العراقي احم
...
-
الوعي الكائن والوعي الممكن في (هذا العام نريده مختلفاً...) ل
...
-
الزمكانية .. آليات المفارقة السردية في رواية ( ريم وعيون الآ
...
-
سيمياء النص وكيمياء المادة في (قصائد خافرة ) للشاعر شكر حاجم
...
-
الثنائية الضدية في غزالة الصبا للشاعر كاظم الحجاج (مقال منقح
...
-
الثنائية الضدية في غزالة الصبا للشاعر كاظم الحجاج
-
الليل في -امرأة من جنوب القلب-
-
اتجاهات الرمز .. في ما قاله الغيم للعراق
-
تراسل الحواس في قصيدة (حنين) للشاعر ناهظ فليح الخياط
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|