عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 7082 - 2021 / 11 / 20 - 08:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لقد تطور نشاط الانسان الاقتصادي وصولا الى الصناعة الحديثة على مر التاريخ. وتشكل الصناعة عدة عمليات لتحويل المواد الخام الى منتجات نهائية تسهم في توفير حاجات الناس , حيث تأثرت الصناعة بشكل عام بالتطورات التي طرأت على الحياة البشرية اذ حدثت تزامنا مع تطور مراحل البيئة الاقتصادية المؤثرة على نمو المجتمعات وازدهارها .
اما الصناعات التحويلية ( Manufacturing) ، فهي عمليات تعتمد على القدرة البشرية والآلات من أجل الوصول الى تنفيذ الإنتاج على نطاق كبير . ووفقا لهيئة الأمم المتحدة , تعد الصناعات التحويلية عمليات تحويل ميكانيكية لمواد عضوية او غير عضوية , بهدف الوصول الى مواد جديدة عن طريق استخدام وسائل يدوية او آلية وصناعة الورق والخشب والمواد النفطية والمواد الكيميائية والصناعات البلاستيكية والمعدنية وصناعة الإلكترونيات كأجهزة الحاسوب والآلات وصناعة الأجهزة الكهربائية وغيرها .
وفيما يتعلق بالسودان فإنها تصنف بأنها من اكبر الدول العربية الأفريقية حيث انها تحتل المركز ( 17) بين دول العالم من حيث المساحة , وتشكل مساحتها ما نسبته (8,3% ) من مساحة قارة افريقيا بأكملها , وهي غنية بثرواتها الطبيعية الزراعية بشقيها النباتي والحيواني , بالإضافة الى الثروة المعدنية المختلفة والمصادر المائية وغيرها . ولكن على الرغم من امتلاك السودان لموارد هائلة وامكانيات اقتصادية كبيرة جدا الا انها تعد من دول العالم الفقيرة والأقل نموا من الناحية الاقتصادية بسبب عدم توفر الأموال اللازمة لاستثمار الموارد التي تمتلكها الدولة وفشل وعجز الحكومات الاسلاموية في ادارة شؤون البلاد وعدم توفر الارادة السياسية القادرة على تحويل البلد الى بلد صناعي متطور وبلد منتج ومصدر للمنتجات . وبقيت السودان تعتمد على استيراد السلع المصنعة من الخارج وتصدير السلع الأولية الى جانب استيرادها الوقود من الخارج ايضا على الرغم من انتاج الطاقة الكهرومائية من خلال استغلال خزان ( الروصيرص) الموجود على نهر النيل . كما عانى السودان عجزا في الميزانية ولفترات طويلة , الأمر الذي ادى الى ضعف اقتصاده, كما ان لضعف البنية التحتية وشبكات النقل في السودان دورا كبيرا في ضعف انتاجيته , اضافة الى معاناته من العجز في انتاج الطاقة والماء النقي وعدم وجود امكانية لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية للشعب السوداني بالشكل المطلوب والتي لا تتناسب مع اعداد السكان المتزايدة , ولذلك انتشرت الأمراض البيئية والأوبئة وتفشى الجهل والأمية , كما تأثر السودان من سوء التغذية الأمر الذي جعل ذلك احد معوقات العملية التنموية .
يعتبر قطاع الصناعة في السودان صغيرا نسبيا حيث ان الصناعات التحويلية والتعدين يساهمان معا بأقل من ثلث الناتج المحلي للبلاد , كما يستخدم فيهما نسبة قليلة جدا من الأيدي العاملة .
اما الصناعات السائدة في البلاد فتتمثل بإنتاج بعض الأغذية والمشروبات وتكرير السكر وانتاج الزيوت النباتية وصناعة الصابون والمنسوجات القطنية , كما ينتج السودان الأحذية والأسمدة الكيميائية والاسمنت , ويدخل تكرير النفط ايضا ضمن النشاط الصناعي في السودان وكذلك صناعة الالبان . وتعد صناعة النسيج من اقدم الصناعات في السودان حيث تم انشاء عدة مصانع للغزل والنسيج في البلاد وتم رفع شعار يشجع على ارتداء ما يصنعه السودانيون بأيديهم لتقليل الفجوة بين الانتاج والاستهلاك . كما تعد السودان ثالث اكبر دولة في قارة افريقيا من حيث انتاج السكر وتصنيعه , ويعتبر انتاج السكر من الصناعات الرئيسة في البلاد .
اما بالنسبة الى صناعة الالبان في السودان فهي تواجه كثيرا من الصعوبات التي جعلت 50% من الألبان المنتجة خارج الدورة الاقتصادية باعتبار انها تنتج في القطاع الرعوي وشبه الرعوي وادت الى تدني استهلاك الفرد من اللبن الى 80 لتر في العام , بينما اشارت منظمة الصحة العالمية الى أن استهلاك الفرد يجب ان يصل الى 250 لترا في العام . هذا ويتم انتاج الالبان في السودان عبر ثلاثة أنظمة : الرعوي , وشبه الرعوي والحديث . وتقدر الألبان المنتجة في السودان بحوالي 7 مليون طن معظمها في القطاع الرعوي وشبه الرعوي و50% منها خارج الدورة الاقتصادية. ومن اهم المعوقات التي تواجه صناعة الألبان في السودان هي : تدني الانتاجية اضافة الى أن الأبقار غير متخصصة في انتاج الألبان وبعيدة عن الأسواق وعدم توفر وسائل التبريد الكافية. اما الانتاج في القطاع الحديث فهو افضل بكثير.
يبلغ معدل نمو انتاج القطاع الصناعي في السودان وفقا لإحصائيات عام 2017 بنسبة ( 2,5 % ) فقط , ويمكن القول ان اسهام قطاع الصناعة في اقتصاد البلاد تبلغ نسبته ( 2,6%) فقط . كما توجد في السودان صناعة مهمة الا وهي صناعة الاسمنت وهي من الصناعات الاستراتيجية وتعتمد على توافر المواد الخام خاصة الطين والكلس. وصناعة الاسمنت في السودان لها ميزات اقتصادية واجتماعية لأنها من الصناعات المولدة لصناعات اخرى وتسهم في انعاش صناعة البناء والتشييد بجانب النمو والتوسع المضطرد لسوق العمل والنمو السكاني مما يجعل صناعة الاسمنت ومنتجاتها صناعة رابحة لا خسارة فيها .
الصعوبات التي تواجه القطاع الصناعي في السودان : -
1) ضعف قدرة السلع الصناعية على المنافسة الداخلية او العالمية .
2) ندرة الطاقة او ارتفاع اسعارها ما يؤدي الى توقف الانتاج .
3) التوجه العالمي لإلغاء حماية السلع المحلية .
4) ضآلة بعض الاستثمارات الموجه للصناعة .
5) ضعف البنى التحتية.
6) ارتفاع الرسوم والضرائب المفروضة على الصناعة .
7) عدم تقيد بعض الصناعات بالمواصفات والمقاييس واجراءات مراقبة الجودة .
8) ارتفاع تكاليف الانتاج بالمقارنة مع بعض الدول المتقدمة اقتصاديا بسبب تدني المستوى التكنولوجي والانتاجي واسباب اخرى .
9) ضعف البنى المؤسسية الصناعية والأطر التنظيمية والتشريعية الخاصة بتطوير الانتاج الصناعي وكيفية تسويقه.
10) عدم توفر الحماية للمنتجين والمستهلكين .
11) سياسة اغراق السوق المحلية بالمنتجات الصناعية المستوردة وعدم قدرة الصناعية المحلية على منافستها ولأسباب عديدة .
12) محدودية الأسواق المحلية التي تؤثر على التسويق ومن ثم الانتاج .
13) محدودية وصول الكثير من المصنوعات الوطنية الى اسواق الدول المتقدمة .
14) صعوبة استيراد المكائن والمعدات اللازمة للإنتاج الصناعي وغلاء اسعارها اضافة الى الجمارك والرسوم المفروضة عليها مما يرفع من تكلفة الانتاج .
15) ضعف دراسات الجدوى الاقتصادية .
16) ضعف تدريب الأيدي العاملة الفنية ,
وبهذا الصدد يرى الحزب الشيوعي السوداني ضمن برنامجه ان تضع استراتيجية التنمية الوطنية الديمقراطية قضية التصنيع في دائرة اهتمامها باعتبار أن التصنيع يشكل جوهر التنمية . وهو عملية لا تقتصر على الصناعة فحسب انما تشمل كل قطاعات الاقتصاد الوطني فهذه العملية تعني دخول الآلات والأجهزة والوسائط في قطاعات الاقتصاد كافة ورفع درجة التزود التكنولوجي لهذه القطاعات وما يصاحب هذه العملية من تأهيل الكوادر البشرية والارتقاء بالقدرات المؤسسية مما يفضي الى الارتقاء بكفاءة استخدام الموارد وزيادة انتاجيتها . ويؤكد الحزب الشيوعي السوداني في برنامجه على ان تحقيق عملية التصنيع لأهدافها يستدعي مشاركة العاملين في ادارة المنشآت واتخاذ القرارات وكفالة حقوقهم في الأجر المجزي والضمان الاجتماعي , وانجاز هذه العملية يفضي الى احداث تحولات جذرية في القاعدة الانتاجية بتوسيعها ومضاعفة قدراتها وتغيير هيكلها , كما يفضي الى توسيع صفوف الطبقة العاملة وصغار المزارعين ومتوسطيهم وكذلك صفوف الرأسمالية المستثمرة في دائرة الانتاج وامتداداتها والمثقفين الوطنيين مما يعني تبلور اصطفاف طبقي جديد لقوى اجتماعية قادرة على الوقوف في وجه قوى الاستعمار الحديث وحلفائه في الداخل والحاق الهزيمة بمشروعهم على قاعدة نشأة وتبلور علاقات انتاج جديدة تفتح الطريق امام تطور القوى المنتجة بشقيها المادي والبشري .
ويشير الحزب الشيوعي السوداني الى ان الصناعة التحويلية هي مصدر تزويد كل قطاعات الاقتصاد الوطني بحاجاتها من ماكينات واجهزة ومعدات وأدوات , كما انها القاعدة التي ترتكز عليها عملية توطين وتطوير التكنولوجيا.
ولكي تصبح الصناعة التحويلية قاطرة للتنمية لا بد من ان تتسع قاعدتها خاصة القطاعات المحرضة للطلب على التكنولوجيا الحديثة وانتاجها . وضمن هذه القطاعات تركز استراتيجية التنمية الوطنية الديمقراطية على قطاع بناء الماكينات والمعدات وادوات الانتاج . وتسعى لتوجيه الاستثمار ايضا في الصناعة التحويلية نحو التصنيع الزراعي وتمكينها من تلبية احتياجات الزراعة من مدخلات الانتاج المتنوعة أي الآليات والمعدات والمبيدات والأسمدة وغيرها بحيث تتراكم الأسس المتينة لتكامل الزراعة بشقيها النباتي والحيواني مع الصناعة في اطار الخطط المرحلية وتفعيل الطاقات العاطلة . الاهتمام بصناعة الاسمنت وصناعة مواد البناء الاخرى والصناعات الكيميائية والبتروكيميائية وتوجيه الصناعة التحويلية لتوفير السلع الاستهلاكية وذلك لتلبية احتياجات السكان الأساسية في المدن والأرياف وعلى نحو خاص السلع الغذائية المصنعة والأدوية البشرية والبيطرية والمنسوجات والملبوسات والأحذية , هذا الاهتمام بتلك الصناعات هو اداة استراتيجية التنمية الوطنية الديمقراطية لتوسيع قاعدة الصناعة التحويلية ودفعها الى الأمام لتحتل مركزا متقدما في هيكل الاقتصاد الوطني بالإضافة الى ذلك فإن هذه الاستراتيجية تسعى لأن تصبح الصناعة التحويلية قادرة على خلق فرص استخدام وفيرة لاستيعاب الزيادة السنوية في الأيدي العاملة جنبا الى جنب مع ضرورة تطوير القاعدة الوطنية للتكنولوجيا , لذا فإن البديل الوطني الديمقراطي للتنمية يجمع بين الصناعات ذات الاستخدام الكثيف للأيدي العاملة والصناعات ذات الكثافة الرأسمالية , كما يجمع بين الصناعات كبيرة الحجم والصناعات متوسطة وصغيرة الحجم . هكذا هو موقف الحزب الشيوعي السوداني من التصنيع فلندعم هذا الموقف من اجل تطوير الصناعة الوطنية وتحويل البلاد من بلد مستورد ومستهلك للمنتجات الأجنبية الى بلد مصدر للمنتجات . ومن الضروري العمل على توفير مجموعة من المتطلبات التي يعتمد عليها نمو الصناعات التحويلية مما يحفزها على النمو والتطور بأفضل الأشكال ومن اهم الأمثلة عليها المواد الأولية الخام والطاقة حيث تتمثل القاعدة الأساسية لتنفيذ عمل الصناعات التحويلية في استخدام المواد الأولية وتحويلها الى شكا آخر لذلك يعتمد تحقيق النمو لهذه الصناعات على الاستفادة من جميع اشكال الموارد المتاحة بأفضل الوسائل مع الحرص على توفير العاملين الأكفاء .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟