كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 7077 - 2021 / 11 / 14 - 20:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في متابعة الرد على الخلفية الإيديولوجية و السياسية لمغالطات و لأوهام عثمان السعدي, و أساتذته.
يقول السعدي:"علم الفينيقيون البربر الصناعات القابلة للتصدير كالسيراميك، وصناعة المعادن، والنسيج والمجوهرات: كالخلاخيل، والتيجان، والخلالات (المشابك)، التي تصنع في صورة كف مبسوطة الأصابع. والتشابه واضح بين مجوهرات القبائل (بالجزائر)، والسوس (بالمغرب)، وبين المجوهرات القرطاجية. أما ديانة قرطاج فهي التي كانت منتشرة بالمغرب كالإله (بعل عمون)، والإلهة (تانيت)، وكان هذا الإله منتشرا بالعالم العربي كله". ويضيف, يقول غوتييه: أن اوغسطين عندما كان يسأل هؤلاء الأهالي في دروسه الواعظة، ما هو أصلكم ؟ كانوا يجيبونه : نحن كنعانيون". (P. Cintas: Ceramiques Puniques, Paris 1950. Revue Africaine, Vol. 100, 1956
إستطان الأقلية الفينيقية ببلاد الامازيغ (قرطاج) لم يكن عامل حاسم في تطور الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية لدى الأمازيغ غير إضافة عنصر التجارة, من غير المستبعد أن العنصر الفينيقي تعلم صناعة السيراميك و المعادن و النسيج و المجوهرات من الأمازيغ. و بلاد الأمازيغ كانت معروفة منذ القدم بتواجد المعادن و إستخدمها الأمازيغ في صناعات شتى. مؤخرا توصلت إكتشافات أثرية الى أن اسلاف الأمازيغ أول من صنع الألبسة, والتشابه في صنع المجوهرات يؤكد أن حرفيي وصناع قرطاج كانوا أمازيغ وتأثروا من تقنيات الصناعية الأمازيغية, كما أن جنود قرطاج كان أغلبيتهم أمازيغ, وإقتصر مهام من هم من أصول فينيقية على السياسة والتجارة (قرطاج كان أغلبية ساكنتها أمازيغ و ليسوا فينيقيون).
في تفنيد أوهام و إختلاقات السعدي, أقتبس مقتطف من دراسة أكاديمية تتحدث عن التطور الإقتصادي و الإجتماعي والثقافي في بلاد الأمازيغ في العصور القديمة : "انخرطت شمال إفريقيا في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لبلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط. لم يقتصر الأمر على المناطق الساحلية, ولكن أيضًا في مناطق واسعة من المنطقة الشمالية من الصحراء, التي كانت الظروف المناخية و النباتية مقبولة في ذلك الوقت, مما جعل الزراعة وتربية الماشية أمرًا ممكنا. و كذا ما أظهرته المنحوتات الصخرية دليل على ثقافة مادية من العصر الحجري الحديث, مثل السيراميك والفؤوس الحجرية المقطوعة والحجارة المشقوقة والمطاحن الحجرية. اتخذ التحول إلى منطقة شمال إفريقيا مسارا مختلفا. في الشمال, كان السيراميك قيد الاستخدام يتوافق مع بصمة الخزاف من العصر الحجري الحديث في منطقة البحر الأبيض المتوسط. انتشر على طول الساحل بين برقة و البلاد المغاربية في أواخر الألفية السادسة" (, ص. 97-98), تأليف جماعي Weltgeschichte bis Herausbildung des Feudalismus.
وعن هنري باسي الذي يستمد منه عثمان السعدي تحجره الفكري, يأخذ منه بلا شك ما يفيده ويترك ما لا يناسبه, يقول هنري باسي:"كثيرا, لا توجد تأثيرات قرطاجية في المجوهرات أو في أنماط زخارف الأقمشة البربرية" وفيما يخص الصناعات الأمازيغية فيقول:" حيثما أمكننا التأكد من أصل التقنية البربرية يمكننا الجزم أنها غير قرطاجية, في أحيان اخرى, عندما لا نعرف أصل التقنية, يمكننا القول أنها ليست بونية"
) Les influences puniques chez les berbères(. Henri Basset, p. 335.
يتردد دائما لدى أصحاب الأطروحة الأسطورية في صناعة الأصل الشرقي الكنعاني, كالقول , يقال أن اوغسطين قال:" إن سألت الأهالي... قالوا: نحن كنعانيون" ويؤخد هذا القول و كأنه العلم اليقين. خرافة كنعان ولدت حسب الأساطير اليهودية لصناعة النسل النوحي بعد "الطوفان". المسيحيون يؤمنون بما يسمى بالعهد القديم, وبأساطير نوح و نسله, وأوغسطين هو قديس مسيحي يؤمن بقصة نوح و أولاده, و ولادة البشرية من نسله الشرقي, مهد الديانة الإلهية اليهودية والمسيحية و أرض الأماكن المقدسة. و الإنتماء الى الأرض والسلالة المقدستين كان شرف لأوغسطين و تلاميذته المسيحيون. و هو نفس العشق والشرف لمرتزقة شمال افريقيا من البربر المستعربة, الإنتماء الى الشرق و العروبة المقدسة.
من تخريفيات عثمان السعدي , الإدعاء أن ديانة قرطاج هي التي كانت منتشرة ب"المغرب" كالإله (بعل عمون), والإلهة (تانيت),وكان هذا الإله منتشرا بالشرق الأوسط كله. ما يجهله عثمان السعدي أن الإله الذي عبد في صور و صيدا كان الإله بعل (لم يعبد في الحجاز والنجد), وعندما إستقر الفينيقيون ببلاد الأمازيغ, تأثروا بالثقافة الأمازيغية و هذا ما يظهر جليا في العبادة, بتوحيد الإله الفينيقي بالإله الامازيغي حمون (أمون) ليصبحا إله واحد (بعل حمون), الذي عبد في قرطاج و ما بجوارها, أما الإلهة تانيث فهي ربة عبدت ببلاد الامازيغ, فقد أكد هيرودوت بأن الإغريق تعلموا من الليبيين قيادة العربات ذات الخيول الأربعة و عبادة بعض الآرباب مثل الربة أثينا ( والتي هي تانيث الربة الأمازيغية) و الإله بوصدون. وبلاد الأمازيغ عرفت عبادة ألهة متعددة عدا أمون و تانيث.
يقول كامبس " ينذر أن تجد أقواما قد جرى البحث في أصولها من الإجتهاد والتلفيق بقدر ما حدث مع البربر. فقد كانت الروايات تتداول مع أقدم العصور في أوساط العلماء ولدى رواة الأساطير عن أصول سكان شما افريقيا" (البربر ذاكرة وهوية, ص.53) ترجمة عبد الحليم حزل. ويضيف " نفي المؤلفون المعاصرون من الأوروبيين في انقسام شديد لوقت طويل حول البربر, ومهما اصطنع هؤلاء المؤلفون من "الحجج" العلمية في دعم ما جاءوا به من فرضيات فإنهم لبثوا على قدر سابقيهم في العصور القديمة و القرون الوسطى ركونا الى الخيال, وربما فاقوهم جموحا فيه" نفس المصدر(ص. 63).
البحث عن الأصول الخارجية للأمازيغ خاصية إستعمارية, فالأمازيغ هم الشعب الوحيد, المستهدف في حرمانه من سيادته على مجاله الجغرافي, والمستهدف بتغيير هويته الإثنو-ثقاقي و اللغوي, والمستهدف في تاريخه. الفكر الإستعماري هو الوحيد جاهد إيديولوجيا و سياسيا الى طمس التاريخ الحقيقي لشمال افريقيا و طمس وإخفاء دور الأمازيغ في صناعة تاريخهم وثقافتهم و حضارتهم, وقد صوروا الأمازيغ عنصر على هامش التاريخ وأحداثه و تحولاته, وهو الطرف اللامفكر فيه, وهذا التهميش و النفي هو لتلبية الإجندة الإستعمارية الباحثة عن المبرر الأخلاقي لشرعنة تاريخية للأنظمة الكولونيالية في بلاد الأمازيغ.
يكذب و يفند كامبس كل الأساطير و الختلاقات التي روجت لصناعة الأصل الشرقي أو الغربي للأمازيغ, و إستهزاءا من الفرضيات الميتافيزيقية لأقلام الأنظمة الكولونيالية, يقول كامبس" عن أصول البربر, قد نسبهم الى المشرق بمعناه الواسع (الميديين والفرس) و سوريا وبلاد كنعان, والهند , وشبه الجزيرة العربية و طراقيا, وبحر إيجة, و آسيا الصغرى, كما نسبهم الى شمال أوروبا, وشبه الجزيرة الأيبرية, وجزر الكناري, وأشباه الجزر الاطاليا... و الأصعب من ذلك كله "ان الأصل المشرقي و الأصل الأوروبي عنصران لا يمكن الإعداد بهما هما الإثنان, وقد سبق لنا أن تعرفنا عليهما في الروايات الأسطورية للعصور القديمة, وفي الشروح الإرتجالية التي ظهرت في الزمن الحديث, و مما يؤسف له أن الأطروحتين تعانيان من عيوب و نواقص تجعل من الصعب القبول بهما", نفس المصدر (ص. 74).
بذل المؤلفون والحكواتيون أقصى جهد في إبتكار الفرضيات والأوهام لصناعة الأصل الغربي أو الشرقي للأمازيغ, فمن ذهب الى الأصل الهندي للأمازيغ (كالتبرونر و ك. ريتر) و من ذهب الى الأصول الإغريقية أو الإيجية (د. ل. بيرثولون), ومن ذهب الى الأصل الجيرماني أو الباسكي أو السيلتي أو الغالي. و من إدعى الأصل الشرق الأدنى, الكنعاني و العماليقي ( شعوب من إختراع الأسطورة اليهودية), ومن إدعى اليمنية الحميرية ( أصول لا محل لها من الإعراب, نفاها ابن خلدون شكلا و موضوعا), إستنتاجا من هذه الإختلافات والتعدد في الأصول, أنها نتاج غير موضوعي مبني عن مسلمات و خلفيات إيديولوجية وسياسية في خدمة الإستعمار, وقد حاول كامبس تفكيك هذه المسلمات و الخلفيات الإيديولوجية لفضح أجندتها الكولونيالية, و أكد هيرودوت قبله بخمسة وعشرين قرن, بأن السكان الأصليين لقارة ليبيا إثنان, هما الليبيون (الأمازيغ) و الأثيوبيون, فهيرودوت كان يؤمن بأن الأمازيغ شعب أصلي في بلاده شمال افريقيا, لم يأتي من الشرق و لا من اوروبا.
من تخيلات السعدي و تلاميذته, أن الأسم بربر, راجع الى إسم جزيرة بربرة التابعة لليمن, ما يعني أن الإسم و الأصل راجعان الى اليمن (كما يقال, ضرب عصفورين بحجر واحد), نفي الأصل المحلي للأمازيغ و نفي التسمية الهوياتية (الامازيغ), و رواية الأصل اليمني, فندها ابن خلدون, هذا من جهة. ومن جهة آخرى, ما هو معروف في القدم أن الجزر الواقعة في هذه المنطقة بغض النظر عن أسمائها, كانت تابعة (للحبشة), و أن بربرة هذه مدينة صومالية, يقع فيها ميناء صغير, في العصور القديمة, كانت المدينة جزءا من المدن التجارية الصومالية.
الأمازيغ قد دونوا أصولهم قبل آلاف السنين من خلال الكتابات النقوشية التي تركوها آثارا دالة عن هويتهم و آصالتهم و حياتهم الإقتصادية والإجتماعية و تطور أنماط حياتهم, فالرسوم والنقوش المتكتشفة في منطقتي التاسيلي والهوغار و في جبال الأطلس و أماكن متفرقة من بلاد الأمازيغ, تعبر عن الأصول المحلية للشعب الأمازيغي في بلاده شمال افريقيا. و كل الشهادات التاريخية الغير المؤدلجة تنفي الأصول الخارجية. وقد ذكرت لوحة نعمرمر الأمازيغ حوالي 3300 ق.م., بأنه شعب غير النيل, و لا تتحدث على أن أصلهم من الشرق ( و على ما يبدو أن إحتكاك الفراعنة بالأمازيغ كان في دلتا النيل, ولم يكن سلميا, و بلا شك أن الأمازيغ قد إن سحبوا عند هزائمهم نحو جنوب النيل, ولماذا لا نفترض أنهم وصلوا اليمن, ربما ضمن الحملات الأثيوبية على اليمن). كما لا نجد في النقوش المصرية أثر لتسمية بربر, وإنما تشير هذه النقوش الى تسميات منها التحنو و التمحو و الماشوش وفي فترة متأخرة أستعملت تسمية الليبو, ولا تتحدث عن البربر كهوية لشعب شمال افريقيا, فكل المصادر المصرية و الإغريقية و اللاتينية لا تذكر قطعيا تسمية بربري للشعب الأمازيغي. فقد ذكر الفراعنة الامازيغ بالماشوش أوالليبو (الليبيين), وذكرهم الاغريق بمازييس أو ماكسيس, وذكرهم اللاتين بمازيس أو ماديس, وقد ذكروا حسب مجالهم الجغرافي, في فترة تاريخية معينة كذلك بالنوميديين والموريين و الجرمنتيين والجيتول. و في دعم قناعات و إثبات الإسم "أمازيغ" يقول كامبس و هو يتحدث عن الملك الأمازيغي حيارباص الذي إستقبل الأميرة الفينيقية إليسا: "يخبرنا أوستاتيوس عن هذه الشخصية أنه كان ملك المازيس. و من المعلوم أن هذا الإسم الذي حملته أقوام كثيرة من افريقيا القديمة, وهو تحريف للإسم البربري " أمازيغ" و "إمازيغن" الذي تتسمى به هذه الأقوام", نفس المصدر(ص. 188).
فتسمية البرابرة وصف تحقيري أطلقه الرومان (في بداية آنهيار روما) على الشعوب التي قاومت الإستعمار الروماني سواء كان الأمازيغ أو الجرمانيين, أو السلتيين أو الغاليين و غيرهم, وإقتبسها "العرب" من البزنطيين, فلماذا من بين هذه الشعوب كلها, بقي الأمازيغ وحدهم حتى اليوم يسمنون بالبربر؟ الجواب, لأن كل هذه الشعوب, تحررت من نير الإستعمار و أصبحت حرة تقرر مصيرها بأنفسها, و تستمد أسماءها من هويتها الثقافية. أما الأمازيغ فما زالوا تحت الوصاية, فهويتهم الإثنو-ثقافية و لغتهم و أسماءهم و عبادتهم تختارها العصابة الوصية على أمرهم, فمصيرهم يقرره النظام الكولونيالي العروبي.
يقول كامبس في الإسم الحقيقي لسكان شمال افريقيا و الذي هو (الأمازيغ): " يوجد اسم عرقي آخر أوسع انتشار في البلدان البربرية, بل أن انتشاره و اقترانه بأسماء الكثير من المواقع يجيز لنا أن نعتبره الإسم الحقيقي للبربر. نريد الحذر م. ز. ك الذي نجده كذلك في كل من اسم (مازيس) في العصر الروماني و (المكسيس) الوارد عند هيرودوت و (المازييس) الوارد عند هيكاتي, و (المشوش) الذي جاء في الكتابات النقوشية المصرية. و لا يزال كل من الاموهاق في غرب فزان و الاماجيكن في اليبو والامازيغ في الاوراس والريف و الاطلس الكبير يحافظون على هذا الاسم, و التماشق هي لغة الطوارق وهم الذين يسمون أنفسهم كذلك إموشار. غير انك لا تجد القبائليين و لا الشاوية في الاوراس يعرفون حاليا بهذا الاسم. و المؤكد أنه اسم عرقي قد كان له في شمال افريقيا إنتشار كبير خلال العصور القديمة, فالكتابات النقوشية والنصوص تجيئنا بمجموعة من الرسوم ليست كلها بالصحيحة, تجمع فيها
Maxyes,Mzyes,Mzazenes,Mazacences,Mazicei, Maices,
ويمكننا ان نزيد الى هذه القائمة الكلمتين (مازيك) و(مازيكا) كثيرتي الورود في الكتابات المقابرية. وان في اطلاق المؤلفين كلمة (مازيس) على أقوام مختلفة بعضها من البدو الرحل و بعضها من الجبليين و في عصور مختلفة و مناطق متنائية, لما يدلنا بالفعل على أن هذه التسمية محلية و كان صلة بالبربر. فقد درج الناس على أن يأخذوا هذه الصفة بالنبيل و الحر فهي معادلة لكلمة (فرانك) التي كان يتحلى بها الجرمان ثم جعلوها إسما لشعبنا (الفرنسي)".
يقول حسن الوزان" إن الشعوب الخمسة المنقسمة الى مئات السلالات و آلاف المساكن تستعمل لغة واحدة تطلق عليها اسم أوال امزيغن, أي الكلام النبيل" (وصف افريقا).
الدلائل عن قدم الامازيغ في موطنهم الأصلي شمال افريقيا, تحدث عنها الفراعنة جيران الأمازيغ و أول من إحتك بهم و كذا هيرودوت (أبو التاريخ) و غيره من المؤرخين. و أثبتها بعد آلاف السنين, بروفيسور غبريال كامبس المتخصص في تاريخ شمال افريقيا, بتقديمه بحث علمي, فند فيه كل الأطروحات المؤدلجة لكتاب المدرسة الكولونيالية, ومنها دلائل عثمان السعدي الوهمية لصناعة أسطورة القائلة: " البربر هم عرب في أصولهم القديمة", ولماذا لا نفترض العكس أن الأمازيغ إنطلقوا من بلادهم شمال افريقيا و إستطنوا اليمن و شيدوا عماراتها, كما أشرت اليه سابقا, و أكيد أن الامازيغ إستوطنوا ما سمي في الأساطير اليهودية بأرض كنعان و الشام, في حملة جيش شيشونق و إنتصاره على ملك اسرائيل و إحتلال هذه المنطقة.
يقول السعدي:" يؤكد المؤرخون العلماء الأوروبيون, من خلال استقراءاتهم لعلم الآثار و النقوش والكتابات القديمة المكتشفة, أن استطان الفينيقيين منذ الألف الثانية قبل الميلاد (أي منذ 3500 سنة) هو الذي مهد لسهولة قبول البربر للغة العربية و الدين الأسلامي في القرن السابع الميلادي ويرون أن اللغة البونيقية التي هي عربية قديمة استمرت قائمة بالمغرب العربي كلغة ثقافة و حضارة و دواوين, حتى بعد تدمير قرطاج, وخلال الإستعمار الروماني, والى ان دخل العرب, فحدث الوصل بين البونيقية التي هي عربية قديمة و بين العربية التي هي لغة حديثة طورها القرآن الكريم و الإسلام"
لم يؤكد الأوروبيون لا على الأصل الآثني "العربي" و لا على الأصل اللغوي "العربي", والصحيح أنهم تحدثوا عن الأصل الإثنو-ثقافي و اللغوي السامي, والقصود بالاصل سام, حسب منطلقاتهم الدينية (اليهود), فكل ما هو مرتبط بسام فهو من أصل يهودي و اللغة العبرية قريبة للغة الآرامية, والفينيقيين بإعبارهم قبيلة آرامية فقد تحدثوا لهجة فينيقية متأثرة بالعبرية و قد كتبوا بالكتابة العبرية قبل أن يتعلموا الأبجدية من الأمازيغ و دونوا بلهجتهم الفينيقية التي هي الآرامية المتأثرة بالعبرية, أما البونيقية هي اللغة المصطنعة في قرطاج, تشكلت نتيجة تطور تاريخي من التشابك و التمازج بين العنصر اللغوي الفينيقي و المكون اللغوي المحلي الأمازيغي, والبونيقية لغة قرطاج و لغة التعليم والتدوين داخل قرطاج أو المحيط المرتبط بقرطاج, ولم يذكر أحد من اللسانيين أن الأمازيغ العاديين في بلادهم تحدثوا بالبونيقية, واللغة الوحيدة السائدة أنذاك كانت الأمازيغية, و ما ذكره السعدي مجرد مغالطات و أكاذيب, فالأمازيغ لم يفهموا لغة الغزاة "العرب", و لم يتقبلوها بسهولة ( إلا بعد قرون) لأنها أجنبية و غير مفهومة سميت بلغة الخشب بعجميتها (إكشوضن) و به سمي الأعراب لخشونتهم و قساوتهم, كما أنها كانت مرتبطة بالقسوة والعنف والموت مثلها مثل الإسلام الذي رفضه الأمازيغ, وفرض عليهم بالقوة بعد إنهزامهم أمام الأعراب, يقول ابن خلدون: "قال ابن زيد: أن البربر إرتدوا عن الاسلام, بإفريقية والمغرب اثنتي عشرة مرة".
و يؤكد كامبس جذور اللغة الامازيغية في بلادها شمال افريقيا:" و قد استعمل قدامي الافريقيين في المغرب الكبير نظاما في الكتابة, هو النظام الليبي, وعنه تولدت أبجدية التيفناغ المتداولة عند الطوارق... وقد تعرضت هذه الكتابة في البلدان الشمال للمنافسة من اللغة البونيقية و ثم من اللاتينية. فيمكننا التأكيد بأن أسلاف البربر كان لديهم في وقت من الأوقات نظام في الكتابة أصيل, و أن هذا النظام قد سار, كما ساروا هم أيضا, في إنتشار من البحر الأبيض المتوسط الى النيجر" (البربر ذاكرة و هوية) (ص. 44). ويضيف " و عليه, فإن اللغة البربرية التي كانت لها من قبل ذلك الإنتشار الواسع قد صارت مع مضي القرون الى التراجع أمام اللغة العربية, لكن هذا التعريب اللغوي, الذي ساعد عليه دخول الاسلام الى شمال افريقيا و الصحراء, وقد صاحبه ابتداء من القرن 11 تعريب إجتماعي وثقافي, أدى الى تذويب حقيقي لغالبية سكان الدول المغاربية, ولقد كان تذويبا هائلا الى درجة أن سكان بعض هذه البلدان متونس و ليبيا, أصبح السواد الأعظم منهم يقولون يعتقدون أنهم عرب, فهم لذلك يعدون في العرب والحقيقة أن القلة القليلة منهم من يجري في عروقهم شئ من الدم العربي" (ص. 46).
الأمازيغية كانت لغة الكتابة والتدوين, بأبجديتها تيفناغ, الذي استخدمها الفينيقيون في كتابتهم بدل الكتابة العبرية. واللغة الأمازيغية كانت لغة رسمية في مملكة ماسينيسا و ميسيبسا, لغة التدوين, عكس مغالطات عثمان السعدي, و كامبس يؤكد أن اسلاف الامازيغ كان نظام الكتابة أصيل, لكتابة لغتهم الأمازيغية الأصيلة, لا هي فينيقية و لا عربية ولا عبرية.
من سخافة التفكير و الغلو في الخيال, إدعاء السعدي و تلاميذته, القول:" بدأ تاريخ المغرب الأوسط بوصول الفينيقيين الذين سجلوا حضارتهم كأول حضارة بالمدن, حيث تركت بها آثاراً مكتوبة, فأسسوا مبكراً, في القرون الأخيرة للألف الثانية قبل الميلاد, مراكز تجارية". السعدي المستمد خياله من الكتابة الإيديولوجية الكولونيالية التي تصف غير الأوروبي بالمتوحش و المتخلف, و ربط التمدن هذه الشعوب بالوجود الأوروبي, و منها دزاير التي قال عنها ماكرون, أنها لم تكن يوما دولة, و ماكرون مثل السعدي أبناء الأيديولوجية الكولونيالية , الأول يمجد أوروبا و الثاني يربط التطور السوسيو-اقتصادي و التطور الثقافي و السياسي بالشرق, والسعدي مكذبا كل الإكتشافات الآثرية, من الكتابات النقوشية التي تثبت العلاقات الأمازيغية المصرية قبل 3300 سنة ق. م, والتي ذكرت في لوحة نعرمر, التي تعود الى الأسرة الفرعونية الأولى.
فقد أشار كامبس الى هذه المغالطات المدعية أن الأمازيغ منذ مطلع التاريخ كانوا مستقبلين لحضارة المشرق, وأن حفنة من البحارة قد جاءوا لحشد لا عضوي, متوحش, و لا يملك حضارة, و قد فند هذه السخافة, بأن الامازيغ كان لديهم حضارة و قد أتقنوا الفلاحة والزراعة و الصناعة و عرفوا فن العمارة, وعرفوا التبادلات التجارية مع جزر المتوسط و مع مناطق شرق افريقيا, قبل قرون عديدة من صول الفينيقيون الى الساحل الأمازيغ.
وعن قرطاج البونيقية ( الإندماج الثقافي الحضاري), يقول كامبس:"اننا نلاحظ منذ بدايات قرطاج أن المدينة قامت على كيانين متواجهين: المدينة التجارية المشرقية, وما يشبه السيادة الليبية ومن البقاء هذين الكيانين المشرقي و الإفريقي, نشأ الواقع البونيقي, و ما كان الآمر مجرد نقل لما كان في صور و صيدا الى الأرض الإفريقية, وإذا كانت التقاليد البونيقية قد بقيت على حيويتها عند قدامي الإفريقيين فلأنها لم تكن عنهم بغريبة, بل تشكلت بين ظهرانيهم في المدن حيث أسماء المواضع و معظمها سام, لا تفلح في اخفاء الإضافة العرقية الإفريقية و ليس من باب الصدفة ان يكون الأمراء و القادة البربر قد إعتبروا قرطاج طول قرون بمثابة العاصمة لهم",(ص.190).
و عن المدن التي إدعى السعدي فينيقيتها, يقول كامبس:"و ينبغي أن ننتبه في المقام الأول وجود مدن بونيقية خارج إقليم قرطاج, وسوف لا نعود بالحديث الى الوضع الغامض للمدن السلحلية, فهي تكاد تكون تحمل أسماء فينيقية و بينها التي تحمل أسماء فينيقية-ليبية, وأخرى تحمل أسماء بربرية خالصة, مثل سيجا, و يتبادر الينا السؤال, هل تكون هذه المدن لا تعدوا كلها عن منشآت بونيقية أو إيبرية بونيقية, ثم ألا ينبغي لنا أن نأخذ بعين الاعتبار أنها قد تكون منشآت محلية أي افريقية؟. فأن تكون بعض البلدات الساحلية منذ بدايات انشائها تتلقى منتوجات متوسطية قرطاجية وأيونية و آثينية, فذلك أمر طبيعي, و لا يمكن أن يقوم حجة علمية صحيحة على الاصل الحقيقي لهذه المدن, ولكن أن تكون مدافن سكان هذه المدن تحتوي علاوة على ذلك أثاثا محليا من كل الوجوه مطابقا للآثاث الذي تم العثور عليه في القبور القروية... فهذه تعتبر مؤشرات لا يستهان بها على نوعية سكان هذه المدن, فعلى الرغم أن سيرتا عاصمة النوميديين الماسيليين, تحمل إسما قد يكون ذا أصل فينيقي, وثقافتها بونيقية, فإنها لم تكن في يوم من الأيام تخضع للسيطرة القرطاجية, و أحرى ان تكون من إنشاء الفينيقيين (ص.192).
المدن التي أدرجت في التاريخ المزور على أنها فينيقية, فقد فكك لغزها الإكتشافات الآثرية لمدافن أهلها الأمازيغ, العلم المؤكد للمدن الأمازيغية ويفند الإختلاقات و المغالطات المدرسة الكولونيالية.
لوح التحنو (الامازيغ), الكتابة النقوشية دونت على لوح التحنو (الامازيغ), العلاقات المصرية-الأمازيغية و كانت هذه النقوش الشاهد عن الحضارة الأمازيغية, مما دونته من رسومات تمثل سبع مدن محصنة عند التحنو (الأمازيغ), وتتحدث الرسومات عن الغنائم التي غنمها الملك المصري بإنتصاره على التحنو, وكانت الغنائم تتوفر عن الثيران و الحمير و الأغنام والمعز. الدلائل التاريخية تقدم أدلة علمية عن المدن الأمازيغية قبل التبادل التجاري الفينيقي الأمازيغي بأكثر من ألفين سنة, وكان الفضل الأمازيغي على الفينيقيين أن أدخلوهم في التاريخ الحضاري من خلال قرطاج (الكيان الأمازيغي المشرقي), بعدما كانت مهمتهم نقل الثقافة و الحضارة المصرية الى بلدان المتوسط ( عنصر التواصل بين مصر و مدن حوض الأبيض المتوسط).
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟