منير المجيد
(Monir Almajid)
الحوار المتمدن-العدد: 7067 - 2021 / 11 / 4 - 12:27
المحور:
الادب والفن
كان القسّ «ندوڤو» على وشك أن يُنهي قدّاس يوم الأحد في كنيسة قرية «باسوثو»، مُصّراً على إستعمال لغة «الخوسا» التي تحتوي على حروف تُلفظ بطقّة لسان مُميّزة، والتي هي واحدة من إحدى عشر لغة رسمية في جمهورية جنوب أفريقيا، حينما قال، وهو يراقب القرويين، الذين يعرفهم فرداً فرداً، المُجتمعين في كنيسته المبنية من الطين والقش:
زمن المُعجزات لم ينته بعد يا أخواتي وأخوتي! من كان يُصدّق أن يأتي اليوم الذي تنتهي فيه ديكتاتورية البيض، أو حتى اليوم الذي نحّى فيه شعب زيمبابوي «روبيرت موغابيه»؟ لقد تمّ الأمر، لأن الربّ، يسوع المسيح، شاء أن يضع حدّاً لآلام المؤمنين.
دمدم بعض الحضور، ونطق آخرون باسم المسيح.
إعتباراً من اليوم، وحتى قدّاس الأحد القادم، سأصوم وأمتنع عن تناول الطعام. لن أشرب سوى الماء، لأنني سوف أتبع خطى الربّ، سوف أعبر النهر مشياً عليه، تماماً كما فعل يسّوع المسيح على نهر الأردن المُقدّس».
أضاف القس، فَعَلتْ أصوات الحضور بالصلوات، وتأوّهت النساء، وأُصيب آخرون بالدهشة.
بعد أسبوع، وقف القسّ مرّة اخرى، وكان واهناً مُستنفذاً، وقال بصوت لا يكاد يُسمع، أمام الحضور الذي زاد عدده كثيراً عن الأسبوع المُنصرم، بعد أن إنضمّ إليه فلاحون وصيادو غزلان وأطفال ورضّع تعلقوا بأثداء أمهاتهم المُشرعة: أشقائي، لن أقول الكثير اليوم، لنذهب معاً إلى ضفة النهر.
يُسمّى النهر بـ «ليمپوپو»، بعد أن يتجدّل مع نهر «ماريكو»، الذي يشقّ مساره نابعاً من سلسلة جبال «ڤيتڤاترسراند»، مارّاً في عدة دول جنوب أفريقية.
وقف الناس في أنساق طويلة صامتين، حتى الرضّع توقفوا عن البكاء. إلتفت ندوڤو إلى رعيته، ابتسم، ثم انتصب هناك بثبات إلهي، وخطا، دون تردّد، أولى خطواته إلى ماء النهر الذي بلّل حذائه.
في الخطوة الرابعة ظهر فكّ هائل الحجم وجرّ القسّ من قدمه اليُسرى إلى العمق الضحل. شاهد القرويون رؤوس تمساحين آخرين وسمعوا أصواتاً مبهمةً وفوضى وماءً معكّراً ورذاذاً عالياً، ثم إنتهى كل شيء بصمت رهيب انتشر كشرشف على المكان.
اختفى القسّ تماماً، ومنذاك تغيّر إسم ليمپوپو إلى «نهر التمساح».
#منير_المجيد (هاشتاغ)
Monir_Almajid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟