أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - تصحيح مقياس القيمة















المزيد.....



تصحيح مقياس القيمة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 7067 - 2021 / 11 / 4 - 10:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تحديد
منذ ثلاثمئة عاماً تقريباً وعلم الاقتصاد السياسي، الَّذي يمفصل حول القيمة مجموعة القوانين الَّتي تتيح فهم وتفسير عمليتي الإنتاج والتوزيع داخل النظام الرأسمالي على الصعيد الاجتماعي، يصر على أن يستخدم مقياساً، ووحدة قياس، غير صحيحين في قياسه للقيمة. في هذا المقال سوف نقدم فرضية تسعى من أجل تصحيح المقياس، ووحدة القياس، السائدين في حقل قانون القيمة.
مفاهيم أولية
القيمة هي خصيصة من خصائص الشيء، صفة، تميزه وتحدده. وهي على هذا النحو مثل الوزن والطول والحجم والارتفاع،... إلخ. فإذا كان للشيء ثقل ما (مطرقة مثلاً) قلنا أن للشيء وزن. ذو وزن. وإذا كان للشيء بعد ما بين طرفيه (مثل طريق أو قطعة نسيج) قلنا أن للشيء طول، ذو طول. وإذا كان الشيء يشغل حيزاً ما (طاولة مثلاً أو مقعد)؛ قلنا أن للشيء حجم، ذو حجم. وإذا كان للشيء طول عمودي من قاعدته إلى رأسه (مثل قاعة المحاضرات)؛ قلنا أن للشيء ارتفاع، ذو ارتفاع. والأمر نفسه بالنسبة للقيمة؛ فالمنتوج الَّذي يكون نتيجة العمل (أياً ما كان: حُر، مُستَعبَد، مُسخَّر، تعاقدي)، وبالتالي يحتوي على قدرٍ أو آخر من ذلك المجهود الإنساني والَّذي يتجسد في هذا المنتوج، يصبح له قيمة، ذو قيمة. على أن نفرق بين المجهود الإنساني الذي يتجسد في المنتوج كقيمة، وبين عملية البذل الفعلي لهذا المجهود كعملية قد يتم من خلالها خلق القيمة، أو لا يتم، فعمل البائع في المتجر على سبيل المثال لا يخلق قيمة.
والقيمة، كروح تسكن جسد المنتوج، لا تعتمد في وجودها على قياسها أو تقديرها؛ إذ لا يصح في العقل أن نقول أن الشيء بلا قيمة لأننا لا نعرف بعد قدر المجهود الإنساني المبذول في إنتاجه. ذلك لأن القيمة، كخصيصة، تثبت للشيء بمجرد أن داخله هذا القدر أو ذاك من المجهود الإنساني، ولا يكون قياس القيمة، أو تقديرها بكمية من شيء آخر، إلا في مرحلة تالية لثبوت القيمة ذاتها. تماماً كما أن قياس الطول لا يكون إلا تابعاً لثبوت خصيصة البُعد بين طرفي الشيء.
وحينما تثبت الخصيصة المجرَّدة من الناحية الكيفية (الوزن، والطول، والحجم، والارتفاع، والقيمة،... إلخ)، فلا يبقى أمامنا سوى التعرف إلى هذه الخصيصة من الناحية الكمية الملموسة باستعمال المقياس ووحدة القياس الملائمين لطبيعة الشيء المراد قياسه.
والمقياس هو الأداة أو الآلة الَّتي بها تقاس الخصيصة المطلوب معرفتها كمياً. فمقياس الطول هو الشريط المقسَّم إلى سنتيمترات أو المسطرة، وليس البُعد بين طرفي هذا الشيء، أما وحدة القياس فهي السنتيمتر. وبالتالي حينما نقول أن طول قطعة النسيج 12 متراً، فهذا يعني أننا استعملنا الشريط المقسَّم إلى سنتيمترات أو المسطرة، كمقياس للطول، واستخدمنا السنتيمتر كوحدة قياس.
بيد أن الأمور على ما يبدو لا تسير بشأن مقياس ووحدة قياس القيمة على هذا النحو من الوضوح؛ فالاقتصاد السياسي يعي أن القيمة هي مجهود إنساني متجسد في المنتوج. ولكنه حينما يقيس هذا المجهود فإنما يقيس الوقت الَّذي يبذل (خلاله) المجهود دون أن يقيس المجهود نفسه. أي دون أن يقيس القيمة الَّتي يريد بالأساس قياسها! فضلاً عن الخلط بين المقياس ووحدة القياس. فقد رأى آدم سميث :
"أن ما ينتج عادة في يومي عمل أو ساعتين من العمل يستحق ضعف ما ينتج عادة في يوم عمل أو ساعة عمل...". (ثروة الأمم، الكتاب الأول، الفصل السادس).
ويسير ريكاردو في نفس طريق سميث، ولكنه يصل إلى مقياس مختلف نوعاً ما، وهو الكمية الوسطية للعمل المبذول في إنتاج الذهب:
"حيث يمكن للذهب أن يعتبر سلعة تنتج بأجزاء من الرأسمال... الأقرب للكمية الوسطي الموظفة في إنتاج جل السلع فيمكن أن تكون هذه الأجزاء بعيدة بنفس المسافة من الحد الأقصى للرأسمال... بحيث تشكل معدل وسطي". (المباديء، الفصل الأول، القسم السادس).
أما ماركس فهو الَّذي يبلور الصيغة النهائية لمقياس القيمة ووحدة قياسها، ويقرر أن القيمة تقاس بكمية العمل، وكمية العمل تقاس بالوقت الَّذي يبذل (خلاله) العمل:
"... كيف سنقيس مقدار القيمة؟... أن ذلك سيكون بكمية ما تتضمنه من العمل... أما كمية العمل فتقاس بطول العمل، بوقت العمل، ووقت العمل يجد معاييره في أجزاء محددة من الزمن كالساعة واليوم...". (رأس المال، الكتاب الأول، الفصل الأول).
حتى ذلك غير صحيح؛ لأن القيمة في جوهرها هي كمية عمل متجسد في المنتوج. وحينما يقول ماركس أن القيمة تقاس بكمية العمل، فكأنما يقول: أن القيمة تقاس بالقيمة! أو أن كمية العمل المتجسد تقاس بكمية العمل المتجسد! وهو قولٌ لا معنى له!
والاقتصاد السياسي، وفقاً لمذهبه على هذا النحو، حينما يقول أن القلم قيمته 30 دقيقة فإنما يعني أن المجهود الإنساني المتجسد في القلم قيمته 30 دقيقة. بيد أن هذا المذهب في قياس القيمة وما يترتب عليه، إنما يتصادم مع أصول علم القياس، بل ويتعارض مع مفهوم القيمة ذاتها؛ إذ لا يصح علمياً القول بأن المجهود الإنساني المبذول في سبيل إنتاج الشيء يساوي (ك) من الدقائق أو (ع) من الساعات. وإن جاز القول بأن المجهود الإنساني المبذول في سبيل إنتاج الشيء تم خلال (ك) أو (ع) من الدقائق أو الساعات. بل وحتى حينما نقول أن المجهود الإنساني بُذل خلال (ك) من الدقائق أو تم خلال (ع) من الساعات، فلا يعني ذلك أبداً أننا قمنا بقياس هذا المجهود الإنساني؛ بل على العكس، ذلك يعني أننا عرفنا فحسب الوقت الَّذي أنفق خلاله هذا المجهود دون أن نعرف قدر هذا المجهود. عرفنا الزمن الَّذي تكونت خلاله القيمة، ولكن، دون أن نعرف مقدار القيمة نفسها! ولأن الاقتصاد السياسي يمضي مجافياً العلم حينما يؤكد، كمسلَّمة، عبر مئتي عاماً أن قيمة السلعة تقاس بالوقت المنفَق في سبيل إنتاجها؛ فإنه بتلك المثابة يضعنا في أزمة معرفية؛ إذ يتعين الاختيار بين أمرين:
- إمَّا الإقرار، علمياً، بأننا نستخدم مقياساً خاطئاً للقيمة؛ لأننا نقيس الجهد الإنساني المتجسد في المنتوج باستعمال وحدة قياس الوقت! كأننا نحاول قياس الطول بالريختر، أو قياس الارتفاع بالجالون الإنجليزي!
- وإمَّا الاعتراف صراحة بأن فهم الاقتصاد السياسي للقيمة هو الخطأ ويحتاج إلى مراجعة؛ لأنه يقول أن القيمة (جهد إنساني) متجسد، ثم يتعامل معها (كزمن) منفَق!
وعليه، فإذا كان فهم الاقتصاد السياسي للقيمة صحيحاً، فيجب تصحيح المقياس. أما إذا كان المقياس صحيحاً، وبالتالي وحدة القياس أيضاً صحيحة؛ فيجب أن يعاد النظر في مفهوم القيمة نفسه.
والواقع أن فهم الاقتصاد السياسي للقيمة هو فهم صحيح؛ على الأقل استناداً إلى الجذور اللغوية لكلمة Value الَّتي سوف يستخدمها، كمصطلح، للدلالة على احتواء الشيء على قدر أو آخر من المجهود الإنساني. وإن أمكنا هنا الاكتفاء بإرجاع هذا الخلل الَّذي أصاب علم الاقتصاد السياسي في مقياس القيمة، ووحدة قياسها بالتبع، إلى عدم تبلور علم القياس وتخلّف أجهزة القياس نفسها في مرحلة نشأة الاقتصاد السياسي. ولذا، لجأ علم الاقتصاد السياسي إلى أقرب وحدة قياس معروفة آنذاك، ووجدها في وحدة قياس الوقت، أي الزمن المنفَق في سبيل إنتاج الشيء، وأصبح من المستقر، خطأً، القول بأن قيمة الشيء تقاس بكمية العمل المنفَق في سبيل إنتاجه. وحينما تبدو كمية العمل عَصيَّة على القياس في مرحلة تبلور علم الاقتصاد السياسي يضطر مؤسسو العلم إلى تحديد هذه الكمية من العمل المبذول بواسطة وحدات من الزمن المنفَق (خلاله) هذا العمل! بما يعني، في التحليل النهائي، اعتبار الوقت، الزمن، هو المقياس النهائي للقيمة؛ وهو ما لا يعني الخلط فحسب بين المقياس (كمية العمل) ووحدة القياس (الساعة، اليوم،... إلخ) وكلاهما خطأ! بل يعني، وهذا هو الأهم، طمس مفهوم القيمة!
حسناً، فلندع جانباً، مؤقتاً، ما ذكرناه أعلاه، ولنفترض، مؤقتاً أيضاً، أننا على خطأ، ولنعتبر بالتالي أن الاقتصاد السياسي محق في استخدام كمية العمل لقياس القيمة! ولنساير الآن مؤسسي العلم في مقياسهم! وسنلاحظ أن الآباء المؤسسين لعلم الاقتصاد السياسي متفقون على أن القيمة تقاس بكمية العمل وكمية العمل تقاس، كما ذكرنا، بالوقت الَّذي يبذل (خلاله) العمل، ولكنهم مختلفون في ماهية هذا العمل.
فلقد رأى سميث، الَّذي كان يخلط بين القيمة والقيمة التبادلية كما سنرى في حينه، أن قيمة السلعة تتحدد بكمية العمل المبذول في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبَادل بها. أي أنه يقيّم السلعة (م) بكمية العمل المنفَق في سبيل إنتاج السلعة (ك) الَّتي تُبادل بها، وليس بكمية العمل المنفق في سبيل إنتاج السلعة (م) نفسها:
"أن تقدير قيمة السلعة التبادلية بكمية من سلعة أخرى يعد أمراً طبيعياً". (ثروة الأمم، الفصل الخامس).
أما دافيد ريكاردو الَّذي حاول، وربما ادَّعى، تصحيح سميث، فلقد ذهب إلى أن القيمة تتحدد بكمية العمل النسبي المنفَق في إنتاج السلعة. أما المقياس فهو، وكما ذكرنا، كمية العمل الوسطي المبذول في سبيل إنتاج الذهب الَّذي يعد بدوره سلعة بإمكانها أن تقوم بدور القيمة التبادلية للسلع المختلفة.
ويعود ماركس، في نهاية المطاف، إلى آدم سميث إنما دون أن يقيس قيمة السلعة بكمية العمل المنفَق في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبَادل بها، بل يقيسها:
"بكمية ما تتضمنه السلعة من العمل". (رأس المال، المصدر نفسه).
والآن، فلنأخذ في اعتبارنا اتفاق الآباء المؤسسين واختلافهم على نحو ما بيَّنا أعلاه، ولنطرح السؤال المهم الآتي: ما هي أهم خصائص المقياس؟ والإجابة المباشرة والواضحة هي: الثبات. أي أن المقياس، ومن ثم وحدة القياس، يجب أن يكونا ثابتين حتّى يمكنهما القيام بوظيفتهما. إذ لا يمكن قياس القيمة بمقياس هو نفسه متغير. وكمية العمل في الحقيقة تعد نموذجاً واضحاً لهذا المقياس المتغير الَّذي لا يمكن الاحتكام إليه لقياس القيمة؛ وذلك لأن الأعمال تختلف عن بعضها البعض من جهتي المشقة والبراعة: فطبيعة عمل حارس العقار تختلف عن طبيعة عمل البنَّاء من ناحية المشقة؛ ومن ثم تختلف ساعة عمل حارس العقار عن ساعة عمل البنَّاء. كما أن طبيعة عمل الحلَّاق تختلف عن طبيعة عمل الجرَّاح من جهة البراعة، ومن ثم تختلف ساعة عمل الحلَّاق عن ساعة عمل الجرَّاح. والواقع أن هذه المشكلة واجهت فعلاً الاقتصاد السياسي، وبعد أن اعترف بأن:
"إيجاد أي مقياس دقيق للمشقة أو للبراعة ليس بالأمر الهين". (ثروة الأمم، الكتاب الأول، الفصل الخامس).
يضطر إلى التسليم بأن:
"التبادل لا يتوازن نتيجة أي مقياس دقيق، بل بالمساومة والتوافق في السوق...". (ثروة الأمم، المصدر نفسه).
وريكاردو يسير كالعادة في طريق سميث، ويوافق على مبدأ قدرة السوق على التسوية بين الأعمال المختلفة:
"إن تقدير نوع العمل يتم في السوق بناء على الدقة... ومهارات العاملين وكثافة الجهد المبذول". (المباديء، الفصل الأول).
أما ماركس الًّذي تجاهل وجود أزمة حقيقية نتيجة اختلاف الأعمال من جهة الشدة والبراعة، وبدلاً من أن يعيد النظر في مقياس القيمة ووحدة قياسها، فلقد أكد هو أيضاً على:
"أن النسب المختلفة التي يتم بها إرجاع أنواع مختلفة من العمل إلى العمل البسيط كوحدة لقياسها تحددها عملية اجتماعية تجري من وراء ظهور المنتجين". (رأس المال، الكتاب الأول، الفصل الأول).
والواقع أن السوق لن يسوى الأمر كما ظن مؤسسو علمنا، بل أنه لن يبعدنا فحسب عن أصول العلم وهدف الكشف عن القانون الموضوعي الحاكم للظاهرة محل البحث، بل ولسوف يزداد الأمر تعقيداً؛ فالسوق نفسه قد يجعل ساعة عمل حداد (الضرورية اجتماعياً) تساوي ساعة عمل نجار (الضرورية اجتماعياً) في مكان، وهو نفسه الَّذي يجعل ساعة عمل الحداد تلك تساوي عشرة أضعاف ساعة عمل النجار في مكان آخر. وفي الحالتين لم يخبرنا السوق ولا علم الاقتصاد السياسي عن سبب ذلك، أي لم يخبرنا أحدهما أو كلاهما عن سبب التساوي بين الساعتين، ولا عن سبب الاختلاف بينهما. إن كل ما بإمكانهما فعله هو الإشارة إلى الوضع الراهن. التقلبات الَّلحظية. ما هو آني، دون بلوغ القانون الموضوعي الَّذي يحكم نسب التبادل الطبيعية بين الأعمال المختلفة. وبناءً عليه، يمكن القول بأن علم الاقتصاد السياسي، وعبر ثلاثة قرون من الزمان، يستخدم مقياساً غير ثابت لقياس القيمة. وحينما يدرك الاقتصاد السياسي أن كمية العمل ليس بإمكانها القيام بوظيفتها كمقياس للقيمة؛ لأن الأعمال تختلف عن بعضها من جهتي الشدة والبراعة؛ نراه يحيلنا إلى السوق، وهو ما يعنى هجر العلم توقفاً عند ما هو معطى. إنما يعني الكف عن البحث عن القانون الموضوعي الحاكم للظاهرة محل البحث. الأمر الَّذي يوجب علينا تصحيح مقياس القيمة ووحدة قياسها ابتداءً من الفهم الصحيح للقيمة، وبالتالي إعادة فهم أساسيات علم الاقتصاد السياسي, العلم المنشغل بظواهر نمط الإنتاج الرأسمالي المتمفصلة حول قانون القيمة.
تصحيح مقياس القيمة
وقبل أن نقدم فرضيتنا بصدد تصحيح مقياس القيمة، وبالتبع تصحيح وحدة قياسها، يجب أن نؤكد، وبوضوح تام، على أن الاستناد إلى وجود فارق بين القيمة ومقياس القيمة، لتبرير استخدام المقياس غير الصحيح، وتلك هي الحُجة الأزليَّة الجاهزة الَّتي قد يواجهنا بها البعض، لا يجيز أبداً استخدام المقياس الخاطيء والإصرار على أنه المقياس الصحيح. فلا يجوز علمياً، ولا يستقيم في العقل، محاولة استخدام الترمومتر مثلاً لقياس الارتفاع؛ فالأول أداة تستخدم لقياس درجة الحرارة، والثاني هو طول العمود من قاعدة الشيء إلى رأسه. ونفس الحكم بالنسبة للقيمة فلا يصح علمياً ولا عقلياً، حتى ولو قيل لنا أن للمصطلح قدسيته المنزهة، أن نقول أن القيمة هي مجهود إنساني متجسد في المنتوج ثم نقيس هذا المجهود المتجسد بوحدة قياس الزمن الَّذي ينفق (خلاله) هذا المجهود! والحقيقة العلمية هي أن المجهود الإنساني المبذول في سبيل إنتاج الشيء، والَّذي يتجسد في المنتوج، إنما يقدر بالسُعر الحراري الَّذي هو وحدة قياس الطاقة الحرارية الَّتي يحتاجها ويكونها وينفقها الجسم لكي يقوم، وأثناء القيام، بعمله، وذلك عن طريق استهلاك المواد الغذائية، أي تحويل الطاقة الكيميائية (الغذاء) إلى طاقة ميكانيكية (العمل). هذه الطاقة حينما تتجسد في المنتوج تكسبه القيمة. ويمكن استخداماً لوحدة القياس هذه، وهي وحدة قياس ثابتة، معرفة قدر الطاقة الَّتي يستقبلها الجسم وكذا الطاقة الَّتي ينفقها، أي قياس ما يحتاجه الجسم في الظروف المختلفة، وعند آداء أي نوع من الأعمال. وسنرمز للسعر الحراري بالحرفين (س. ح).
كمية استهلاك الطاقة، بالسُعر الحراري، الَّتي يبذلها رجل قياسي (65 كجم)



طبيعة الحركة نشيط، مثل: (أعمال مكتبية، محام، طبيب، محاسب، معلم، مهندس معماري، عامل في متجر) متوسط النشاط، مثل: (عمال البناء، باستثناء الأعمال الشاقة، معظم عمال الصناعة الخفيفة، صيادو الأسماك) نشيط جداً، مثل: (بعض الأعمال الزراعية، النجار، الأعمال غير الماهرة، عمال الحديد، عمال المناجم، الرياضيين) نشيط بصورة غير عادية، مثل: (الحطاب، الحداد، جر العربات)
في الفراش (8 ساعات)
500
500
500
500
في العمل (8 ساعات)
1100
1400
1900
2400
خارج ساعات العمل (8 ساعات)
700 - 1500
700 - 1500
700 - 1500
700 - 1500
مجموع الطاقة المبذولة (24 ساعات)
2300 - 3100
2600 - 3400
3100 - 3900
3600 - 4400
متوسط
كمية الطاقة المبذولة
2700
3000
3500
4000

كمية استهلاك الطاقة، بالسُعر الحراري، الَّتي تبذلها إمرأة قياسية (55 كجم)



طبيعة الحركة نشيطة، مثل: (الأعمال المكتبية، معلمة، ربات المنزل، معظم المهن الأخرى) متوسطة النشاط، مثل: (عاملات في الصناعات الخفيفة، عاملة المخازن أو المتجر) نشيطة جداً، مثل: (بعض أعمال الحقل وبصفة خاصة أعمال الفلاحة) نشيطة بصورة غير عادية، مثل: (أعمال الإنشاءات، رياضيات)
في الفراش (8 ساعات)
420
420
420
420
في العمل (8 ساعات)
800
1100
1400
1800
خارج ساعات العمل (8 ساعات)
580 - 980
580 - 980
580 - 980
580 - 980
مجموع الطاقة المبذولة (24 ساعات)
1800 - 2200
2000 - 2400
2400 - 2700
2800 - 3200
متوسط كمية الطاقة المبذولة
2000
2200
2600
3000
وكمية الطاقة تلك، هي الَّتي لم يصل إليها علمنا حينما توقف عند قياس القيمة بوحدة قياس الوقت. أما آلة القياس، الثابتة كذلك، والَّتي تستخدم في القياس فهي الكالوريميتر ويمكن بواسطتها قياس الطاقة الحرارية المنبعثة من الجسم أثناء قيامه بالمجهود.
دعونا نتقدم خطوة إلى الأمام، فالعامل الَّذي ينتج القيمة، أي مَن يبذل المجهود الَّذي يتجسد في المنتوج، يحتاج إلى وسائل معيشة ضرورية كالمواد الغذائية، والملبس،... إلخ.
ولنبدأ بالمواد الغذائية الَّتي تمده بالطاقة والَّتي تمكنه من القيام بالعمل بعبارة أدق نبدأ من الإنفاق الفعلي للمجهود الَّذي يتم خلاله تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة ميكانيكية. فوفقاً لعلوم الغذاء والفيزياء والكيمياء الحيوية ووظائف الأعضاء، صرنا نعرف، وعلى نحو دقيق علمياً، كمية السعرات الحرارية الَّتي تستهلك أثناء بذل الأنواع المختلفة من المجهود الإنساني والَّتي تتجسد بدورها في المنتوج. فها نحن صرنا نعرف (انظر: الجدولين أدناه) أن عامل البناء يستهلك 1400 (س. ح) أثناء 8 ساعات، أي أن منتوجه يتجسد فيه 1400 (س. ح). والعامل في مصنع الحديد وخلال نفس المدة يستهلك 1900(س. ح) وبالتالي يتجسد في منتوجه1900 (س. ح)، والحداد يستهلك 2400 (س. ح) وبالتالي يتجسد في منتوجه2400 (س. ح)، وعاملة المصنع الَّتي تستهلك1100 (س. ح) سوف يتجسد في منتوجها 1100 (س. ح)، أما المعلمة فتستهلك800 (س. ح) ومن ثم يتجسد في الخدمة الَّتي تؤديها800 (س. ح). وهكذا. معنى ما سبق، أن معرفتنا بقيمة القلم، وبالتبع معرفتنا بقيمة أي شيء، سلعة أو خدمة، يكون نتيجة العمل، إنما ترتبط بمعرفتنا بكمية الطاقة المبذولة في سبيل إنتاجه، وليس بالزمن الَّذي تبذل (خلاله) هذه الطاقة كما دأب علم الاقتصاد السياسي على ذلك طيلة قرنين من الزمان.
ووفقاً للجدولين أعلاه، كما نلاحظ، لم يتم الاعتداد بما يحتاجه الفرد المنعزل من السعرات الحرارية؛ لأن الأفراد يختلفون فيما بينهم من حيث الطول، والوزن،... إلخ، فالفرد الَّذي يحتاج إلى قدر معين من (س. ح)، قد يحتاج غيره إلى أقل منه أو أكثر. ولذا، يتم الاستناد إلى كمية السعرات الحرارية الضرورية، وسنرمز لذلك من الآن بالحروف (س. ح. ض) وهي الَّتي تُمكن العامل العادي من ثلاثة أمور: يعمل، ويعيش كعامل، ويجدد إنتاج طبقته على الصعيد الاجتماعي. فالأجر إذاً لا يتضمن فحسب ما يؤمن للعامل الحياة لليوم التالي، إنما يتضمن أيضاً ما يؤمن للجيش الصناعي، أي أبناء الطبقة العاملة، الحياة حتّى يمكن الدفع بهم إلى سوق العمل.
وعليه، يكون من المفهوم لما يفوق أجر المهندس المعماري أجر الحداد؛ على الرغم من أن الحداد يستهلك 2400 (س. ح. ض) في حين أن المهندس المعماري يستهلك فقط1100 (س. ح. ض). فالأجر لا يتضمن فحسب كمية السعرات الحرارية الضرورية اجتماعياً كي يعمل العامل، ويعيش كعامل، إنما يتضمن أيضاً كمية السعرات الحرارية الضرورية الَّتي يتم إنفاقها كي يصبح المهندس مهندساً والحدَّاد حدَّاداً يمكن الدفع بهما إلى سوق العمل. أي أن الطبقة الرأسمالية تضمن بالأجر، الَّذي تدفعه، أن يخلق العامل مثله، وبالتالي تضمن تجديد وجودها الاجتماعي بضمان وجود الطبقة العاملة.
وكما يتم الاعتداد بكمية الطاقة الضرورية اجتماعياً بصدد المنتِج، العامل، يتم أيضاً الاعتداد بكمية الطاقة الضرورية اجتماعياً بشأن المنتوج، السلعة. فحين التبادل، وفقاً لقانون القيمة، يجب أن نأخذ في اعتبارنا الطاقة المباشرة المبذولة في سبيل إنتاج الشيء (المجهود المباشر المتجسد في المنتوج) وكذلك الطاقة المختزنة في الأدوات والمواد الَّتي استخدمت لإنتاج هذا الشيء (المجهود المختزن المتجسد في وسائل الإنتاج)؛ فقيمة المعطف لا تتحدد بكمية الطاقة المباشرة المنفَقة في إنتاجه فحسب، بل وكذلك بكمية الطاقة المختزنة في مواد وأدوات إنتاجه. وعليه، فحين التبادل، تتساوى قيمة المعطف الَّذي تكلف 100 (س.ح. ض) من الطاقة الحية و50 (س.ح. ض) من الطاقة المختزنة، مع قطعة النسيج الَّتي تكلفت80 (س.ح. ض) من الطاقة الحية و70 (س.ح. ض) من الطاقة المختزنة. هذان النوعان من الطاقة، أي المباشرة والمختزنة، هما في الواقع طاقة متجسدة في المنتوج النهائي.
والاعتداد بالطاقة الضرورية إنما يتم على أساس كمية الطاقة الضرورية اجتماعياً وفقاً للفن الإنتاجي السائد، فلو افترضنا أن إنتاج الكمية (ص) من النسيج يتطلب 200 (س. ح. ض) ثم ظهرت آلة جديدة أو تقنية حديثة تتيح إنتاج نفس الكمية بـ 50 (س. ح. ض) فقط، فسوف يتم، في نهاية المطاف، الاعتداد بالقيمة الاجتماعية الجديدة الَّتي تحددت طبقاً للفن الإنتاجي الجديد. سيتم الاعتداد بـ 50 (س. ح. ض) لكل (ص) من النسيج، وسيكون على مَن ظلّ يُنتج النسيج بنفس التقنية القديمة والَّتي تتطلب إنفاق 200 (س. ح. ض)، سيكون عليه وحده مغبة تقصيره بعدم استخدامه الفن الإنتاجي الَّذي أصبح سائداً اجتماعياً. وهو بالتالي حينما يذهب بنسيجه إلى السوق لمبادلته لن يبادله بمنتج أنفق في إنتاجه 200 (س. ح. ض) إنما سيبادله بمنتج أنفق في سبيل إنتاجه 50 (س. ح. ض) فقط.
في إطار تكوين الوعي بماهية القيمة ومقياسها ووحدة قياسها، على نحو ما بيّنا أعلاه، يتعين أن ندرك أن العامل حينما يذهب إلى مصنع الرأسمالي، وطبقاً لعقد العمل المبرم بينه وبين الرأسمالي، لا يقوم ببيع عمله للأخير، إنما يقوم، وفقاً لماركس كما سنبين لاحقاً، ببيع قوة عمله. والفارق بين بيع العمل وبيع قوة العمل هو سبب استمرار الرأسمالية كنظام اجتماعي؛ فالرأسمالي والعامل المأجور طبقاً للعلاقة الحقوقية بينهما يلتزم كل منهما تجاه الآخر بالتزام محدد، الرأسمالي يلتزم بأن يدفع الأجر للعامل لكي يعمل، ويظل على قيد الحياة، ويجدد إنتاج طبقته. وفي المقابل يقدم هذا العامل معادل أجره، بالإضافة إلى عملٍ زائد دون مقابل. وكأن الرأسمالي يقول للعامل، وإعمالاً لأحكام عقد العمل:"إذا أردت أن تعيش، عليك أن تقدم لي عملاً زائداً. نعم سأعطيك ما يسدّ رَمَقك. ولكني لست مجبراً على ذلك إلا إذا قدَّمت لي بالمقابل عملاً زائداً لا أدفع عليه أجراً، ويكون هذا هو المقابل الَّذي تؤديه لي نظير أني أجعلك باقياً على قيد الحياة بما أدفعه لك من هذا الأجر". هذه العلاقة الحقوقية تعني، وبالأساس، أن الرأسمالي يدفع للعامل ما يجعله قادراً على إنتاج القيمة؛ ولكنه في الحقيقة يأخذ منه القيمة الَّتي أنتجها، والفارق بين ما دفعه الرأسمالي للعامل وما حصل عليه فعلاً، يستأثر هو به كقيمة زائدة.
أمثلة توضيحية
ولتوضيح الفكرة نضرب المثل الآتي: فلنفترض أن المجتمع يبدأ عملية الإنتاج وتحت يده مليار سُعراً حرارياً ضرورياً عُبّر عنها بمليار وحدة من الورق الملون، وقد أُثبت بكل ورقة أنها تمثل 1 (س.ح. ض)، ويستطيع الحامل لأي ورقة من هذه الأوراق أن يتخلى عنها ويحصل في مقابلها على وحدة واحدة من مادة غذائية ما، أنفق في سبيل إنتاجها 1 (س.ح. ض). والآن، سوف يقوم الرأسمالي بتحويل 600 مليون ورقة ملونة تمثل 600 مليون (س.ح. ض) إلى وسائل إنتاج (مواد عمل، وأدوات عمل) على النحو التالي: 300 مليون ورقة ملونة لشراء مواد العمل؛ إذ سيقوم الرأسمالي بإعطاء منتجي المواد الخام والمساعدة 300 مليون ورقة ملونة تمثل300 مليون (س.ح. ض) ويأخذ منهم في المقابل ما يحتاج إليه من مواد العمل، الخام والمساعدة، أما الـ 300 مليون ورقة ملونة الأخرى والَّتي تمثل300 مليون (س. ح. ض) فسوف يقوم الرأسمالي بإعطائها إلى منتجي أدوات العمل؛ ويأخذ منهم في المقابل ما يحتاج إليه من أدوات. وبعد أن يكتمل لدى الرأسمالي ما يحتاج إليه من المواد والأدوات، يقوم بشراء قوة العمل. يتعاقد مع العمال كي يقوموا بتحويل المواد من خلال الأدوات إلى منتجات، ويدفع الرأسمالي لهؤلاء العمال400 مليون ورقة ملونة تمثل 400 مليون (س.ح. ض). والعمال الَّذين حصلوا لتوهم على 400 مليون ورقة ملونة سوف يقومون بالعمل كي تعود المليار وحدة من الورق الملون إلى الرأسمالي إنما في صورة سلع قيمتها مكونة من قيمة المواد + قيمة الأدوات + قيمة قوة العمل، أي (300+300+400). ولكن توقف العملية عند هذا الحد غير مجد على الإطلاق بالنسبة للرأسمالي؛ فلقد أنفق الرأسمالي مليار وحدة في صورة ورق ملون، ورجعت له نفس المليار وحدة في صورة سلع. وهي نتيجة لو كان الرأسمالي يقدرها سلفاً ما كان ليتخذ قرار الإنتاج. ومن ثم يجب أن يُنتج العمال في مصنعه قيمة تفوق تلك القيمة الَّتي حصلوا عليها. ينتجون طاقة زائدة. والرأسمالي يعلم ذلك سلفاً، بل أن عقد العمل المبرم مع العامل قائم بالأساس على هذه الحقيقة. فالعامل يستطيع بورقة ملونة واحدة، على سبيل المثال، أن يشتري مادة غذائية ما، بُذل في سبيل إنتاجها 1 (س.ح. ض) مثلاً، ولكنها تمنحه 10 (س.ح. ض) تمكنه من العمل لمدة 8 ساعات، بل ربما أمدته بالطاقة لمدة يوم كامل مؤلّف من 24 ساعة. فبافتراض أن كل ورقة ملونة تعطي10 (س.ح. ض)، وبافتراض كذلك، وهو افتراض للتبسيط بالطبع، أن الـ 10 (س.ح. ض) بمثابة الحد الأدنى لبقاء العامل حياً قادراً على العمل. فهذا يعني أن العمال تلقوا من الرأسماليين 400 مليون (س.ح. ض) ولكنهم ردوا لهم نفس الـ 400 مليون (س.ح. ض) في صورة منتجات، بالإضافة إلى 3600 مليون (س.ح. ض) في صورة منتوج زائد. قيمة زائدة. فالرأسمالي يعطي العامل الورقة الملونة مقابل 8 ساعات عمل، وخلال الساعات الـ 8 لا يبذل العامل 1 (س.ح. ض) إنما 10 (س.ح. ض) هذا الفارق بين ما دفعه الرأسمالي وبين ما حصل عليه هو القيمة الزائدة. والَّتي بدونها يكف الرأسمالي عن الاستثمار، بل ويتوقف المجتمع عن تجديد إنتاجه. نلاحظ هنا أن (مواد العمل وأدوات العمل) دخلت عملية الإنتاج وتجسدت في المنتوج بقدر ما استهلك منها. أي 600 مليون وحدة. وما يقال بالنسبة لوسائل الإنتاج يقال بالنسبة للضرائب، والدعاية،... إلخ، جميعها لا تضيف إلى المنتوج قيمة أكبر، ولا أقل، من قيمتها.
مثالٌ ثان: نحن نعرف أن العامل الَّذي يعمل في مصنع للصناعات الخفيفة يحتاج إلى 1400 (س.ح. ض)، فلو افترضنا أن هذا العامل يعمل في يوم عمل مؤلَّف من 8 ساعات في مصنع لإنتاج الحلاوة الطحينية، وينتج 1400 قطعة، وزن كل قطعة 100 جراماً، تعطي كل واحدة منها 500 (س.ح. ض) تقريباً. فمعنى ذلك أن كل قطعة من هذا المنتج تحتوي على واحد (س.ح. ض) وحينما يقوم عامل البناء، الَّذي يحتاج إلى1400(س.ح. ض) بشراء واستهلاك 3 قطع، فإنه يحصل على1500 (س.ح. ض)، تمكنه من العمل خلال يوم مؤلَّف من 8 ساعات، ينفقها أثناء البناء ومن ثم تتجسد في المنتوج. ولكن الرأسمالي لم يدفع للعامل قيمة عمل البنَّاء، لم يدفع الرأسمالي الـ 1500 (س.ح. ض) الَّتي سوف ينفقها عامل البناء، بل قام فحسب بدفع قيمة الـ 3 (س.ح. ض) الَّتي أنفقت في سبيل إنتاج المادة الغذائية الَّتي بإمكانها إعطاء البنَّاء الـ 1500 (س.ح. ض). وعليه، فإن الرأسمالي سيقوم بدفع 3 (س.ح. ض) ولكنه سيحصل من البنَّاء على1500 (س. ح. ض)، هذا الفارق، وكما ذكرنا، يستأثر به الرأسمالي كقيمة زائدة يقوم بتركيمها لتجديد الإنتاج على نطاق متسع.
ولتقريب الفكرة أكثر بوحدات النقد، الَّتي كانت الورق الملون في مثلنا أعلاه، وبمثال ثالث بسيط للغاية، وواقعي جداً، فإن عامل المصنع الَّذي يتناول عدة جرامات من حلاوة الطحين وكسرة خبز لا تتجاوز قيمتهما 3 جنيهات يمكن أن يعمل لدى الرأسمالي لمدة 8 ساعات وينتج مئات الأضعاف من القيمة الاجتماعية لحلاوة الطحين وكسرة الخبز، والفارق يكون من نصيب الرأسمالي كقيمة زائدة. والعامل عادةً، ولأنه يؤجَّر وفقاً لحد الكفاف، يشتري (أرخص) ما يمكن أن يعطيه (أعلى) درجة من الطاقة الَّتي تمكنه من العمل طوال يوم العمل؛ ولذا، يعد كلاً من الخبز والفول والبطاطس والباذنجان، وبالتبع الزيوت رخيصة الثمن، من أهم أنواع الغذاء لدى الطبقة العاملة، إذ تتميز أثمان هذه السلع بالرخص النسبي، كما أنها تعطي للعامل، بل ولأسرته، أعلى الدرجات من السُعرات الحرارية الَّتي تمكنه، وتمكنهم، من البقاء على قيد الحياة من أجل إنتاج قيمة زائدة؛ متجسدة في منتوج زائد، يدفع بها إلى خزائن الرأسمالي الَّذي بدوره يراكمها من أجل تجديد إنتاجه على نطاق متسع.
فإذا تغلغلنا في عمق عملية الإنتاج الرأسمالي، وقمنا بتحليل علاقات قوى الإنتاج عند أعلى مستوى من مستويات التجريد؛ فسنجد أن السلعة، وفقاً للأمثلة الثلاثة أعلاه، لم تصبح نتيجة العمل الحي (الَّذي يتمثل في قوة العمل) والعمل المختزن (الَّذي يتجسد في مواد العمل وأدوات العمل) فحسب، بل صارت نتيجة: العمل الحي الَّذي يبذله العمال + العمل المختزن في المواد والأدوات بل وفي العمال أنفسهم + العمل الزائد (الَّذي هو عمل حي غير مدفوع الأجر). وبالتالي تصبح قيمة السلعة، كما يصبح منظمها ووفقاً لقانون القيمة هو كمية الطاقة الضرورية الكليَّة، بمعنى العمل الاجتماعي (الحي والمختزن والزائد)، ومن ثم كلّما زادت هذه الطاقة الضرورية الكليَّة كلّما زادت القيمة، وكلما انخفضت تلك الطاقة كلما انخفضت القيمة. تكوين القيمة، وبالتبع منظمها، لا يتغيران. هما فقط يتطوران من (العمل الحي) إلى (العمل الحي+ العمل المختزن) ثم إلى (العمل الحي+ العمل المختزن+ العمل الزائد).
--------------------------------------------------
للمزيد من الشرح والتفصيل أنظر كتابنا: نقد الاقتصاد السياسي.
رابط تحميل الطبعة السادسة:
https://foulabook.com/ar/book/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-pdf
رابط تحميل طبعة مؤسسة هنداوي:
https://www.hindawi.org/books/30314251/
رابط تحميل الطبعة التونسية:
https://foulabook.com/ar/book/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%8C-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-pdf



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية التوزيع في علم الاقتصاد السياسي
- نقد نظرية نمط الإنتاج
- نظرية ماركس في الريع
- تفكيك العقل الأوروبي
- (ما لا تقوله كتب الاقتصاد) تحرير: د.غادة موسى، أستاذ العلوم ...
- مباديء تيار مدرسة الاسكندرية
- رابط تحميل كتاب نقد الاقتصاد السياسي
- حول الصوفية، للباحث بيان اليوسف
- تفكيك الذهن المنتج للاقتصاد السياسي
- خرافة التبادل غير المتكافيء
- القروض الدولية في إطار أحكام القانون الدولي العام
- الديمقراطية في النظم السياسية العربية
- نقد نظرية نمط الإنتاج الآسيوي
- التاريخ العام للاقتصاد المصري
- المركزية الأوروبية، ودورها في تشكيل الاقتصاد السياسي
- تناقضات إنتاج أرباح الرأسمال
- اقتصادات تنزف عرقاً
- دور الزمن في تكوين القيمة
- لقاء موقع حفريات
- من علم الاقتصاد السياسي إلى فن التجريب الحدي


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - تصحيح مقياس القيمة