حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7065 - 2021 / 11 / 2 - 08:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ما مدى مسؤولية الجمهور الذين يستبد بهم الطاغية، في نهاية المطاف، عن صناعته، أو في بناء آخر للسؤال: هل بوسع الطاغية أن يكون طاغية لولا قابلية الجمهور لقبول الطغيان، وتمكين الطاغية من رقابهم؟
كيف نفسر«نجاح» الكثير من الطغاة عبر التاريخ في أسر كتل كبيرة من الجمهور، تسير خلفهم وهي مغمضة الأعين، مؤيدة كل ما يفعلونه، حتى لو كان ذلك ضد مصالح هذه الكتل الجماهيرية ذاتها؟
هل كان بوسع النازية أن تتحول إلى ما تحولت إليه من طغيان بحيث قادت البشرية إلى حرب عالمية مدمرة استمرت سنوات، لولا أنها وجدت حولها الأعداد الهائلة من المؤيدين داخل ألمانيا وحتى خارجها. وما يقال عن النازية يمكن أن يقال عن ظواهر مشابهة لها عرفها التاريخ.
كيف بوسع تنظيم إرهابي مثل «داعش» أن يستحوذ على أذهان وأفئدة أعداد ليست قليلة من الشبان العرب الذين يأخذون أنفسهم نحو التهلكة جرياً وراء أوهام، ولا يترددون في اقتراف ما تقشعر الأبدان من مجرد التفكير فيه من جرائم، فضلاً عن الإتيان بها، بخلاف الفطرة السوية التي ولدوا بها وربتهم عائلاتهم عليها؟
ولأننا بدأنا أمثلتنا بالنازية، فإننا قد نجد جواباً، أو ما يشبه الجواب، عند زعيمها هتلر الذي قال: «الجماهير مثل امرأة تنتظر من يغازلها»، ولو سعينا لشرح العبارة لوجدنا أن هتلر يقصد أن من يفلح في دغدغة مشاعر الجماهير، يفلح في كسبها. مهارة الديكتاتور أو الطاغية تكمن هنا: معرفة نقطة الضعف في الجماهير: دغدغة عاطفتها، باللعب على أوتار القوة والمجد والعظمة وما إليها.
في أحد مؤلفات أمين معلوف قرأت له العبارة التالية، أو ما هو في معناها: «الجماهير لا يجب إقناعها.. يكفي تهييجها». ولعل هذه العبارة تفسر ما قلناه أعلاه بإيجاز وبلاغة، لأن الحشد عادة لا يفكر بعقله، إنما بحماسه.
لا يمكن هنا، ونحن نتناول هذه المسألة، إغفال الكتاب الشهير لجوستان لوبون: «سايكولوجيا الجماهير»، ففي أحد مواضعه يقف الرجل عند نقطة شديدة النباهة حين يقول: «إن الأفراد حين يتحولون إلى جمهور يتسمون بعقل جمعي يحملهم على أن يشعروا ويفكروا ويعملوا بأسلوب مباين لأسلوب كل فرد منهم على حدة إذا ما كان بمعزل عن الآخرين».
علينا ألا نستغرب بعد ذاك، كيف أن الحشود الهائلة التي تملأ الساحات سرعان ما تنفض، فيعود كل فرد فيها إلى ما كان عليه.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟