|
عوار الأمم المتحدة والقانون الدولي
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 16:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأمم المتحدة بشكلها الحالي استطالة لمشروع عصبة الأمم، والذي تم تأسيسه في العام 1920، في محاولة لدرء حرب عالمية ثانية مثل تلك الأولى التي تفنن فيها الأوربيون بتقتيل بعضهم أساساً وفي استغلال دماء أبناء المستعمرات المظلومين لأجل تعزيز سعار تلك الحرب العدمية، وهو ما فشلت فيه بشكل مطلق عصبة الأمم في تحقيقه بعد أن كان الذي كان من دمار شامل عمقاً وسطحاً على المستوى الكوني في الحرب العالمية الثانية؛ وهو ما يشي بعطب بنيوي في آلية تصميمها وأهدافها وآلية عملها التي لم تفلح في تحقيق الهدف الأساسي المناط بها القيام به إبان تأسيسها. وهو العطب البنيوي الذي استمر راسخاً عقب تحولها إلى الأمم المتحدة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وجوهر الخلل العضوي العميق في تكوين وآليات عمل الأمم المتحدة راهناً، يكمن في أنها لا تخضع فعلياً بأي شكل كان صغيراً أو كبيراً لمقررات الجمعية العامة التي يتمثل فيها عموم بلدان الكرة الأرضية، وإنما تعمل بالاستناد إلى آليات عمل مجلس الأمن الدولي الذي لا يخضع فعلياً لأي سلطة سوى سلطة الأقوياء والمنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وأعني هنا الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وهي الدول التي تمتلك حق النقض لأي مشروع قرار لا ينسجم مع مصالحها سواء كانت استراتيجية أو تكتيكية محضة. وهو ما يعني فعلياً تعطيل أي إمكانيات لعمل جمعي تقوده الأمم المتحدة بالاستناد إلى إرادة جميع الدول المنضوية في عدادها، تنظيماً وإدارة وتنسيقاً، يحتمل أن يفضي إلى نسق من العمل الكلياني على المستوى الكوني يمكن أن يفضي لتحسين مآلات حيوات بني البشر وظروفها الراهنة والمستقبلية. وفيما يخص المؤسسات المنبثقة عن الأمم المتحدة، من قبيل اليونيسكو، ومجلس حقوق الإنسان، والأونروا، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها كثير فهي مؤسسات ينخرط في الجهود التي تنظمها الكثير من المجاهدين الأخلاقيين والمنورين الذين يحاولون الاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة القليلة لهم لأجل تحسين ظروف حياة البشر في غير بقعة من أرجاء الأرضين، على الرغم من معرفتهم المسبقة بمحدودية تأثير تلك الجهود لارتباطها العضوي وخضوعها بشكل مباشر لإرادة الدول الغنية نفسها، صاحبة الحل والعقد في مجلس الأمن، والتي دون تبرعاتها فإن مصير تلك المنظمات الأفول والفشل جراء إفلاسها المالي الحتمي في حال توقف تلك التبرعات؛ وهو ما كان مصير الكثير من برامج الأمم المتحدة التي لم ترق للأقوياء، فقاموا بوأدها عبر قطع الإمداد المادي عنها ببساطة. وتلك المعادلة يعرفها جميع العاملين في تلك المؤسسات، والمنخرطين في المشاريع التي تديرها، ولذلك لا يتوقع بزوغ أي نتائج جذرية من رحمها يحتمل أن تعكر توازن المستنقع الراكد الذي يهيمن فيه الأقوياء الأغنياء على مصائر ومآلات حيوات المظلومين المفقرين على المستوى الكوني، على الرغم من أهمية من ينتج عنها مهما كان ضئيلاً. وفيما يتعلق بالقانون الدولي، وما يرتبط به من محكمة للجنايات الدولية، والتي يفترض بها نظرياً إدانة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وهو التوصيف الجرمي الذي ينطبق على كل أفعال طغاة ومستبدي وجلاوزة العالم العربي السابقين والحاليين ومن سوف يأتون من بعدهم من صلب و ترائب أنظمتهم الأمنية الفاسدة، وهو ما لم تستطع تلك المحكمة الدولية القيام بأي من جزئيات ذلك الواجب المناط بها، لأسباب عضوية تتعلق بآلية تكوينها البنيوي التي تشترط أن إحالة أي مجرم أو جرم بعينه إلى تلك المحكمة يجب أن يكون من مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، وهو الذي أشرنا إلى عوامل خلله وخوائه البنيوي من أي احتمالات للقيام بأي فعل مؤثر لا ينخرط في سياق تحقيق استدامة هيمنة الأقوياء الأثرياء على المستضعفين المظلومين في أرجاء الأرضين. وهو الواقع المأساوي الذي تجلى في أن الغالبية المطلقة من الجرائم والمجرمين الذين تحاكمهم محكمة الجنايات الدولية هم من المجرمين المارقين الذين لم يستشربوا أصول ونهج الاستبداد والإجرام بحق الإنسانية لمصلحة مجتمعات الأقوياء الأثرياء أنفسهم و أصحاب مفاتيح الحل و العقد فيها، والذي يشترط تقديم حصة الأسد من غنائم الاستبداد والحرب على المستضعفين والتغول على حيواتهم إلى أولي الأمر من الأقوياء الأثرياء أنفسهم سواء عبر شركاتهم العابرة للقارات أو عبر مفاقمة تخمة خزائن مصارفهم بأموالهم غير الشرعية، وشراء أسلحة وذخائر منهم لقتل المستضعفين الذين يتغولون على حاضرهم ومستقبلهم؛ وفضلوا بشكل ما العمل بشكل حر خارج شروط لعبة هيمنة الأقوياء على المستضعفين الكونية، وهو ما اقتضى من الأقوياء استخدام أدواتهم البيروقراطية الدولية الحصرية في تحويل أولئك «المجرمين الناشزين» إلى محكمة الجنايات الدولية، لتلقين كل «المجرمين الطَيِّعِين» درساً في أصول الالتزام بشروط اللعبة وتذكيرهم بمصائر من تخول لهم أنفسهم تناسي من هو السيد ومن هو العبد حتى لو كان طاغية مجلجلاً بين أبناء جلدته من مظلوميه ومفقريه ومقهوريه.
#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)
Mousab_Kassem_Azzawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاتيح جوهرية لترقية الصحة
-
جرائم الإبادة الجماعية
-
الميل الطبيعي للسَّلْمِ والسلام
-
هل الأدمغة الأكبر حجماً أكثر ذكاءً؟
-
الحروب والخلافات البينية العربية
-
سبل التكيف المثلى مع شيخوخة الجسد
-
مفاعيل النظام العالمي الأشوه
-
دور السموم البيئية في سُعَارِ الوباء الكوني لبدانة الأطفال
-
العرب ولعنة النفط
-
آفاق الإعلام البديل
-
نسق الاتحاد الأوربي وترياق الفوات العربي
-
مقاربة نقدية لطوفان الإدمان على المخدرات
-
الفُصام والاكتئاب وخلل الكيمياء العصبية الدماغية
-
بصدد ملامح العقد الاجتماعي والمجتمع المنشودين
-
هل يمكننا مقاومة الشيخوخة؟
-
بصدد التفارق بين المثقف والكاتب
-
ما هو العقل البشري؟
-
مفاعيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المجتمعات النامية
-
بصدد المجتمعية وتداعي الاتحاد السوفييتي
-
خلبية مشعر إجمالي الدخل القومي
المزيد.....
-
-حماس- تصدر بيانا بشأن فلسطينيين تتوقع الإفراج عنهم مقابل 3
...
-
عمدة مدينة اسطنبول أمام القضاء وسط هتافات المؤيدين ودعوات لا
...
-
أكبر تجمع للمسلمين بعد الحج .. مهرجان ديني على ضفاف نهر تور
...
-
مشغلو المسيرات الروس ينقذون جنديا روسيا معتقدين أنه أوكراني
...
-
لماذا يخشى ترمب تخلي -بريكس- عن الدولار؟
-
ترامب: سأفرض رسوما جمركية على السلع الأوروبية لأن بروكسل تعا
...
-
إسقاط 7 مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك الروسية
-
فرق الطوارئ الأمريكية تنتشل جثث 41 ضحية في حادث تصادم الطائر
...
-
زاخاروفا: روسيا قدمت بديلا للكتل السياسية العدوانية على السا
...
-
المغرب واليمن.. توقيع 7 اتفاقيات لتعزيز التعاون
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|