|
الحب يبدأ طفلاً
سلمى الخوري
الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 22:58
المحور:
الادب والفن
كان باب الدار مفتوحاً على مصراعيه كما هي العادة في القرية التي يعيش بها الأهل والمعارف والذين يعيشون بطوق واحد من التقاليد والعادات التي تؤطر علاقاتهم التي تتميز بحماية الواحد للآخر من الأقرباء والجيران ، ولذا فهم لا يهابون اللصوص في حال ترك الباب مفتوحاً لأن قلما تحصل حادثة التجاوز من غريب لهذا العرف المتعارف عليه . تركت سلوى دار اهلها ودخلت الى البيت المقابل حيث الباب المفتوح يناديها على الرحب والسعة، توجهت الى الغرفة التي تجلس فيها العائلة وهي غرفة مستطيلة الشكل والأَسِرّة ممتدة على طول الجدران حيث يستخدمها أفراد العائلة للنوم سواءً في الليل أو النهار حسب أحتياجهم لها وفي نفس الآن هي غرفة لأستقبال الضيوف من الأهل والمعارف . كعادة أهل القرية عند مدخل باب الغرفة يخلع الداخلون الى الغرفة أحذيتهم ويتركونها في الصحن الذي صمم كحوض منخفض عند الباب حتى لا ينقلون الأتربة أو الوحل من خارج الدار الى داخل الغرفة ولهذا تجد الصحن ممتلئاً بالأحذية النسائية والرجالية . دخلت سلوى الطفلة ذات السبع سنوات الى الغرفة ووقفت عند الباب ، ثم تطلعت الى الجالسين وهم منشغلين في حديثهم وضحكهم ، وبقيت واقفة منتظرة لبضع دقائق ولم يلتفت إليها أحداً كما هي عادة أهل البيت ، سحبت جسمها ببطء الى الأسفل وجلست على الأرض عند الأحذية في داخل المنخفض عن سطح أرضية الغرفة ، ثم أمتدت يدها الى فوهة ثوبها وفتحت أزراره الثلاثة العلوية حتى توسع الفتحة حول الرقبة وبعدها سحبت فتحة القميص على جهة اليمين وكشفت عن كتفها كما لو أنها تريد أن تبدوا بمظهر الفقير المتسول لأن القميص مهلهل ، ثم أحنت رأسها الى طرف اليسار لتبدوا بمظهر النفس والشخص المنكسر معنوياً وكما يستجدي الفقير وهي تتطلع بعيون ملؤها طلب الأنتباه الى وجودها ، وبعد حوالى الدقيقة أنتبهت لها الشابة الضيفة وكانت تجلس مقابل الباب وحينها كانت منشغلة ومنسجمة بالحديث والضحك مع ربة البيت ، وتوجهت الى الطفلة مجامِلة ومرحِبة بها: - مرحبا .. من أنت .. ؟ الطفلة لم تردْ وأستمرت بالتظاهر بالحزن والإنكسار، ولكن سؤال الضيفة نبهَ أم البيت إليها فاستدارت نحوها وسألتها بأسلوب حنون ممزوج بالتعجب من وضعها ، - يا .. !! حبيبتي لماذا أنتِ جالسة هناك ؟ ماذا جرى ؟ لم تردْ الفتاة الصغيرة على سؤال أم البيت بل استمرت جالسة في مكانها لغاية في نفسها . ثم عادت إليها أم البيت ، - تعالي تعالي عزيزتي ، تعالي أجلسي بجانبي حتى لا يصيبك البرد . فأنا لم أراك منذ البارحة . لم تردْ عليها سلوى ذات السبع سنين ، بل أستمرت في مظهرها الإستعطافي الذي قصدت من ورائه جلب عطف وإنتباه أهل البيت وهم أم البيت وأبنتها ذات التسعة عشر من عمرها وأخاها الأكبر وعمره واحد وعشرون عاماً . واليوم جاء لزيارتهم عائلة خالهم وهم الأبن الأكبر وأختيه . أما سلوى وهي عادة تأتي الى بيت جيرانها لكونهم ليس لهم طفلا ، وكلهم بالغين ، وعلى الدوام يلاطفونها بحب وحنان كما لو أنها طفلتهم ، واليوم لم يلتفتوا لها لأنهم مستمتعين مع أقاربهم الذين لم يزوروهم منذ عدة اسابيع ، فحز في نفسها وظنت أنها فقدت العز الذي دائماً كانت تفرح به عندما تاتي إليهم بإعتبارهم الجيران القريبين ، فيستمتعوا بوجودها لأنها تنشد لهم الأناشيد التي تعلمتها في المدرسة ، وتكلمهم عن أصدقائها ، وماذا تعمل في البيت في مساعدة والدتها وتراقب أخاها الصغير عندما تكون أمها منشغلة في تدبير المنزل ، وتفرح عندما يسألونها أن تغني لهم وترقص وهم يستمتعون بحركاتها واستجابتها لهم وخاصة في ذلك الزمن البعيد لم يكن في القرية لا تلفاز ولا موبايل فالحياة الأجتماعية والتواصل الأجتماعي كان بالأجتماعات والزيارات العائلية . عادت إليها تناديها مرة أخرى : - أنت حبيبة قلبي ما أحب غيرك .. يلا ركضي حبيبتي ... تعالي إلى حضني أستبشر وجهها بإبتسامة جميلة وهي تنهض لتسرع الى الأم الكبيرة لتلتصق بركبتيها كما لو أن السيدة هي والدتها ، وصارت تلتف حول نفسها يميناً ويساراً مبتهجة بذراعي ربة البيت وهي تحتضنها لتمنحها قبلات دافئة وهي تقول لزوارها "هذه أبنتي ونحن كلنا نحبها فهي مثل الملاك ". أحست الطفلة بالزهو والفخر بنفسها وقلبها ينبض حباً لهذه العائلة التي منحتها هذا الشرف الذي تتمنى هذه الطفلة أن لا يكون طفل آخر يأتي الى هذه العائلة ويقاسمها هذا الحب الذي تريده لنفسها فقط .
#سلمى_الخوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهداء مستشفى الحسين
-
بيوتنا ما عادت بيضاء كالنجوم
-
آني سكران
-
بلا إستئذان
-
حلم ذات ليلة
-
الذل الأسود
-
والله كلكم كذابين
-
مناجاة أم جندي
-
متى نفهم ؟؟
-
وهي مندهشة
-
يلا حجية
-
الحرب والحب
-
بماذا تفكرين ؟ ماذا بك ؟
-
هل تراني !!؟؟
-
آلو ….
-
أسئلة للأدانة
-
ماما هذولة الكفار ؟
-
القفص الزوجي
-
القتل الأهوج
-
أنكتة هي ؟
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|