|
رواية غدي الازرق ريما بالي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 03:28
المحور:
الادب والفن
رواية غدي الازرق ريما بالي من سمات العمل الجيد امتاع القارئ، فلمتعة هي الهدف الأهم في الأدب، وبدونها يفقد الأدب احد أهم أهدافه، فرغم أن الرواية تتناول موضوع هجرة الوطن/حلب، إلا أن طريقة تقديم الأحداث، واستخدام فكرة التلاقي بين حالتين/واقعين/مجتمعين، اسهم في ابعاد الرواية عن المباشرة، وقدم فكرة الألم الذي تعرضت له "ندى" بطريقة مخففة، فالتلاقي/التماثل بين حالة "ندى" من جهة وبين حالة "إيفا ومارتا" من جهة أخر، وتماثل سلبية "نبيل" وهيمنته على "ندى"، مع هيمنة "بابلو" على "إيفا ومارتا"، والتشابهة بين "غدي وبوريس" جعل الرواية تأخذ بعدا إنسانيا تجاوز سوريا/حلب، ليصل إلى "إسبانيا وفرنسا. فمأساة "ندى" كانت أخف من مأساة "إيفا ومارتا"، وما تعرضتا له على يد "بابلو" يتجاوز كثيرا ما تعرضت له "ندى" من زوجها "نبيل"، فالعلاقة الشرعية بينهما كانت أخف وقعا عليها وعلى القارئ، من تلك التي كانت بين "بابلو والتوأمين/الشقيقتين "إيفا ومارتا" اللتان وجدتا الذل والخداع وما يشبه الإغتصاب من "بابلو". وبما أن الساردة ركزت على أحداث تجري في دول أوربية، إسبانيا وفرنسا، فإن هذا أيضا أسهم في ابعاد القارئ عن الأجواء الدامية في سوريا، فالمكان البعيد بالتأكيد لا يترك أثرا كالمكان القريب/الحميم الذي نحن ونشعر بقربنا منه، وكأن الساردة كانت تعي أهمية المكان وأثره على القارئ العربي، فأرادت أن توجد مكان آخر، يبعد القارئ قليل عن التوتروالإنفعال، فكانت فرنسا وإسبانيا هما مركز الأحداث. وبما أن الحدث الرئيس يتمثل بالهجرة من الوطن/سوريا، وما تعرضت له "ندى" من أذى نفسي على يد زوجها "نبيل"، خاصة بعد مقتل ابنها ووحدها "غدي"، الذي كان يعمل في الهلال الأحمر، فإن الحديث عنه مرهق لها، لأن احديث عن الألم هو ألم، خاصة عندما يكون الحديث متعلق بالمتحدث/بالمتكلم نفسه، فأوجدت ألم آخر، أرادت به أن تعزي نفسها والقارئ به، (فمن ينظر إلى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته)، هذا ما وجدنا في رواية "غدي الأزرق". "ندى" سنحاول الدخول إلى بعض التفاصيل في الرواية، لتوضيح بعض جوانبها الفنية وما حملته شخصياتها من صفات إيجابية أم سلبية، "ندى" الشخصية المركزية في الرواية، وهي من سرد الأحداث بشكل اساسي، أضافة إلى "إيفا" التي أخذت دورها أيضا، وتحدثت بحرية أكبر من تلك التي تحدثت بها "ندى" وهذا يعود إلى أن المرأة الغربية تتمتع بحرية أكثر من المرأة الشرقية، فتحدث عن علاقتها ببابلو وما فعله معها دون حرج، بينما كانت "ندى" أقرب إلى المحتشمة، لهذا ركزت في حدثها على المعاناة النفسية أكثر من الجسدية، فعن علاقتها "بنبيل" وكيف كانت تستسلم له تقول: "لم أكن أجرؤ أبدا على مخالفته، كنت أقتنع غالبا بكل ما يقوله" ض14، هذا حال المراة في المنطقة العربية التي تخضع لسلطتينن سلطة المجتمع/الزوج/الاب، وسلطة النظام/الدولة، فلا تجد قوة أو قدرة على المواجهة، وتخضع وهي مستسلمة ومقتنعة أنها ضعيفة: "وعلى الرغم من اننا كنا في العمر نفسه، بل على الرغم من أنني كنت أكبره بشهر ونيف، فإنني كنت أشعر دائما بأنه الأكبر والأقوى، والأكثر فهما ومعرفة وذكاء" ص17، هذا الخضوع المستمر يتحول مع الزمن إلى حالة (طبيعية/عادية)، وعندما يتم مواجهة الذكر بحقيقته وبكذبه وعدم معرفته، وعدم صلاحيته للقيادة، يكون رده/فعله: "تركني لأنني عرفت أنه يخونني وواجهته بذلك، تركني لأنني قلت له للمرة الأولى في حياتي أنت كاذب" ص21، هذه حقيقة الفرد/المجتمع المهيمن، فهو يمارس القمع والإقصاء لكل من يعاضه، وبصرف النظر عن العلاقة التي تربطه بالمعارض. بداية التحول علاقة "ندى" بزوجها "نيبل" كانت بسبب ولدها "غدي" الذي أرادته أن يكون حرا وليس طيعا/خانعا/منساقا: "أنا كنت أريده رجلا كاملا، حرا، ليس إلا، أما أنت، فقد أردته مثلك: خاروفا أليفا في مزرعة السلطة" ص123، فكانت بهذا الموقف/ الرؤية ترفض/تعارض نهج النظام وسلوكه تجاه الوطن والمواطن، وأيضا تواكب الأحداث التي تجري في سوريا، والتي تطالب بالإصلاح ومحاربة النهج الفساد والمفسدين. هناك تحولات حدثت "لندى" بعد أن وصلت "فرنسا" فرغم أنها زوجة وزير في سوريا، إلا أنها قبلت العمل بمهنة خدمة العجزة: "زوجة وزير تمسح الغائط عن مؤخرات المعاقين" ص46، وهذا اشارة إلى قدرة المرأة على التكيف مع المستجدات مهما كانت صعبة وقاسية. عملها في المركز جعلها تتعرف على "إيفا ومارتا" ومن ثم على الظلم الذي وقع على "إيفا" بعد أن تم اختطاف ابنها من قبل "بابلو" واستبادله بجثة طفل آخر، فحدث بينها وبين شقيقتها "مارتا" قطيعة دائمة، إلى أن قررت "ندى" الذهاب إلى أسبانيا وإلى قرية التي سكنتها "إيفا ومارتا بابلو" وكشف أن ابنها "كارلوس" لم يمت، بل اخطفف من قبل والده "بابلو" وتعود العلاقة بينهما إلى ما كنت عليه قبل حادثة الاختطاف/الموت، الدافع وراء هذا البحث وكشف حقيقة ما جرى لإيفا تقول "ندى": "...لأنني أتخيل أن عودة خوان كارلوس إلى الحياة بعد أن ظنت أمه أنه قد مات، ستكون بمثابة عودة غدي ابني" ص201، هذا الموقف يشير إلى أن "ندى" لم (تسلم) لمأساتها، وإنها لا تريد أن تتعرض الأمهات لمثل ما تعرضت له من فقد، فسعت جاهدة على (خلق) حياة في "إيفا" من جديد، من خلال عودته ابنها الميت/المختطف، وبهذا تكون قد تمردت على المجتمع الذكوري وتحدته وانتصرت عليه. بعد أن تمنح نفسها لبوريس وتستلم له تحدث نفسها بهذا الشكل: "...ماذا بالنسبة إلى غدي؟، هل قمت بخيانة براءة ملامحه التي انعكست على وجه بوريس؟ أم أنني خنت أمومتي الحرجة بانجرافي خلف شهوة صبيانية كمراهقة خالية الذهن والفؤاد؟ ...فهل تراني ارتكبت ذنبا إذ تمتعت بنفسي بموسمي الازرق؟" ص222، بهذه الأسئلة تكون "ندى" قد أكملت تمردها ليس على زوجها الوزير "نبيل" فحسب، بل على مفاهيمها التي حملتها، وعلى جسدها الذي حافظت عليه من أن يمس، وعلى أموتها أيضا، فهل قبلت أن تمنح جسدها لمن عاملته كإبنها، وتعاملت معه على أنه بديل ل"غدي"، فهل هذا يمثل دعوة لخروج المرأة العربية على كل المفاهيم/المعتقدات/لأفكار؟. "نبيل" يمثل نبي السلطة المزدوجة، لسلطة المجتمع/الزوج، وسلطة النظام/الدولة، فهو يعيش في مجتمع ذكوري منافق، وضمن نظام فاسد: "...سرعان ما اكتشفت أنني لست الأنثى الوحيدة في عالمه. لكنه أنكر ومذب أحاسيس، وقال إنني واهمة وخيالية" ص18، هذه الصورة تشير إلى ان حجم الفساد عند نبيل متراكم ومتعدد الوجوه. صورة الذكر/السيد الذي يلقي الأوامر تبقى مهينة على الشخصيات الذكورية في المنطقة العربية، بعد هروب "ندى" إلى فرنسا، وموت "كمال نعمة" والد "نبيل" يهاتفها بهذه الطريقة: "ـ ستكونين إلى جانبي عند قبول التعازي، أنت زوجتي، وكل ما هو غير ذلك هذيان" ص162، وعندما رفضت، خاطبها: "ستندمين" ص164، بهذه العقلية وهذا الاسلوب يتعامل الذكر مع المرأة، فهي بالنسبة له مجرد ملك خاص به وله، وعلى هذا الملك أن يكون مطيعا ومنفذا لما يطلبه السيد/الذكر. تماثل الشخصيات هناك تماثل بين حالة "ندى وإيفا ومارتا"، وتماثل بين "نبيل وبابلو"، وتشابه بين "غدي وبوريس"، فالرواية تأخذنا إلى ما هو أبعد من مأساة السوري، وهذا يجعلها رواية (عالمية) لأنها تتجاوز الجغرافيا العربية، وتتحدث عن هموم ومشاكل النساء "ندى، إيفا، مارتا"، فحتى أسماء النساء تخدم فكرة التحرر من المكان، والانظلاق إلى نساء وأماكن أخرى، يعانين فيها من سوء المعالمة الذكورية. بداية الحديث عن التماثل/التشابه جاء عن "إيفا ومارتا": "أنا ومارتا وخصوصا بعد رحيل خوان كارلوس المفجع، لم يعد لنا إلا نفسينا، كنا أكثر من مجرد توأمين، كنا بالفعل تجسيدا للمقولة الشائعة والمستهلكة والتي تقول: "روح واحدة في جسدين" وأما الجسدان ، فقد كانا متشابهين كأنهما أيضا جسد واحد" ص33، رغم أن الحديث يدور عن توأمين، إلا أن الساردة اعتبر هذه (مقدمة) لتتحدث عن تشابه أبعد من الشقيقتين/التوأمين، فأخذتنا إلى تشابهة حالتها بحالتهما: "إلى أن اكتشفت متأخرة جدا، وبعد موسمي عنب، أن توأمي كانت تشاركني في رجلي بالطريقة نفسها التي شاركتني فيها كل نفس التقطته في حياتي" ص39، فخيانة "تبيل" مع النساء الأخريات تتماثل مع خيانة "بابلو" لإيفا. وكما فقدت ندى" "غدي" فقدت "إيفا" "كارلوس": "دم أبي الذي أهدروه" ص64، وسبب القتل هو الأب، في حالة "غدي" كان سلوك "نبيل" هو المسبب بقتل "غدي" وفي حالة "كارلوس" كان "بابلو" هو القاتل: "أتيته بالطفل بعد ساعات من ولادته، فأخذه وطلب مني أن أنتظره قليلا، وعاد بعد عشرة دقائق وسلمه لي جثة هامدة!" ص149، لم يقتصر التماثل على الأحداث والشخصيات فحسب، بل نجد الساردة نفسها تعرفت بهذا التماثل وتأكده: "كنت أشعر بأن قضيتها التي انتهت بالانفصال وموت الطفل وغياب الغد، هي انعكاس لقضيتي وقضية شعبي الذي مزقته الحرب، ورؤية مختلفة لها، ومجرد معرفتي بتفاصيل تلك القصة وخفاياها سيعطيني إضاءات رمزية لتفاصيل مخيفة كان قد أعماني عنها حزني وقنوطي. أيفا ومارتا وأنا، نبيل وبابلو" ص155. تعترف "ندى" بحالة التوحد بينها وبين الشقيقتين: " ...خرجت ندى مني وتقمصتني إيفا ومارتا، فوجدتني صبية يافعة تركض خلف أختها" ص181. وعندما دعى "بابلو" إيفا: "تعلي إلى مدريد" ص163، إلى مدريد تماثلت تماما مع دعوة "نبيل" لندى" إلى دمشق، فكلاهما يمارس فعل الأمر، أمر السيد/الذكر للعبد. الاسماء يستوقفنا اسم "غدي" الذي يعني الغد، ويعني غدي أنا، وكأن الساردة أراده به ألقول أن مستقبلها تم قتله، بمقتل ولدها ووحيدها غدي" وبهذا تكون قد جمعت بين فكرة فقدانها الابن الوحيد "غدي"، وبين مستقبلها الذي فقدته بفقدان ولدها. كما أن تماثل الحروفي الباء واللآم في "نبيل وبابلو" يشير إلى تحامل الساردة على من يحمل هذا الاسم، فجعلت حامليها يقومان بأفعال بشعة وقاسية، ولهذا كان الاسمين متقاربين/متماثلين، في اللفظ وفي السلوك/النهج/القول/الفعل.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأمون السعد قصيدة -كيف لا أسمو إليك-
-
تألق فراس حج محمد في الدفاع عن النبي (ص) في كتاب -من قتل مدر
...
-
حروف من ذهب للكاتب الأسير قتيبة مسلم
-
ديوان أثر من ذيل الحصان عبود الجابري
-
حصاد سنابل الكلمة اللقاءات الأدبية في ملتقى بلاطة الثقافي
-
العادي والمتميز إلى المعلم والأخ والحبيب -وجيه مسعود-
-
الدهشة في الومضة: منذر يحيى عيسى
-
الأسطورة والحاجة إلى المرأة في -تمرين بي- أكرم فارس عريج
-
المرأة وأثر حضورها في قصيدة - ترخي اشتداد سلاسك- كميل أبو حن
...
-
التماهي في قصيدة -مدراج النور- بكر زواهرة
-
ديوان حجر الوحش يوسف المحمود
-
همية النقد في كتاب صالح حمدوني -على قيد الضحكة الأبدية - محم
...
-
الفانتازيا في مجموعة خمسون ليلة وليلى يسري الغول
-
الأدبي والسياسي في كتاب -لا تعجب.... زعترنا أخضر-
-
رواية الإنجيل المنحول لزانية المعبد أسامة العيسة
-
أسلوب التقديم في كتاب -قلق العبور- أبو علاء منصور
-
سمير الشريف وفينية قصة الومضة
-
الحلول والتماهي في -ثلاثة نقوش محجوبة- فايز محمود
-
الطين في ديوان -يدور الكلام تعالى- صلاح أبو لاوي
-
تقديم الألم في -رواية بيضة العقرب، رواية السيرة السرطانية- ل
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|