أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مطلق القحطاني - رِوَائِيَّاً أَفْنَانُ الْقَاسِمْ يُشَاغِبُ الْإِلَهَ وَالْحُكُومَةْ !















المزيد.....



رِوَائِيَّاً أَفْنَانُ الْقَاسِمْ يُشَاغِبُ الْإِلَهَ وَالْحُكُومَةْ !


عبدالله مطلق القحطاني
باحث ومؤرخ وكاتب

(Abduallh Mtlq Alqhtani)


الحوار المتمدن-العدد: 7058 - 2021 / 10 / 26 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


أُسْتَاذُنَا الْأَدِيبُ الْكَبِيرُ مَعَالِي الْأُسْتَاذُ الدُّكْتُورُ أَفْنَانُ الْقَاسِمِ الرِّوَائِيُّ وَالشَّاعِرُ والْقَاصُّ والنَّاقِدُ الْمُبْدِعُ وَأُسْتَاذُ مَادَّةِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ الْحَدِيثِ فِي أعْرَقِ الْجَامِعَاتِ الأُورُوبِّيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَخَاصَّةً جَامِعَاتِ السُّورْبُون وَبَرْلِين ومَرَاكِش لِخَمْسَةِ عُقُودْ
كَمَا أَنَّهُ وَانْتَبَهْ لِهَذِه كَانَ أُسْتَاذًا مُحَاضِرًا فِي مَعْهَد بارِيس لِلْعُلُومِ السِّيَاسِيَّةْ
وَهَذَا الْمَعْهَدُ بَحْثِيَّاً وَاِسْتِشَارَةً غَيْرَ مُلْزِمَةٍ يُعَدّ مَطْبَخَ الْقَرَارِ وَمَصْنَعَ الِاِسْتِرَاتِيجِيَّاتِ الْفَرَنْسِيَّةِ دَاخِلِيَّاً وَخَارِجِيًّا
إذْن مَعَالِيه تَرْكِيبَه عَجِيبَةٌ وَخَلْطَه اعْجَازِيَّةٌ خَاصَّةً جِدًّا مِنْ الْإِبْدَاعِ الأَدَبِيِّ وَالشَّغَفِ السِّياسِيِّ وَسِحْرِ الكُومِيدِيَا التَّرَاجِيدِيَّةِ _ Tragicomedy _

وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ مُعْجِزَةُ الْمُعْجِزَاتِ فِي عَشَرَاتٍ مِنْ أَشْهَرِ رِوَايَاتِهِ الأدَبِيَّةِ الأُسْطُورِيَّةْ

قَطْعًا لَسْت بِمَعْرِضِ تَقْيِيمِ قَامَةٍ عِلْمِيَّةٍ أَكَادِيمِيَّةٍ مَرْمُوقَةٍ مِثْل مَعَالِيهِ وَأَنَا أَصْغَرُ تَلامِيذِهِ وَكُلُ سَطْرٍ كَتَبَهُ وَيَكْتُبُه مَعَالِيه فِي الْأَدَبِ أَوْ الِاجْتِمَاعِ أَوْ السِّيَاسَةِ أَوِ الْعَقَائِدِ أَتَعَلَّمُ مِنْهْ
لَكِنْ سِيَاقُ الْكَلَامِ اظْهَرَنِيْ بِذَلِكَ وَالْوَاقِعُ إنِّي لَا شَيْءَ
وَلَا أُذْكَرُ بِمُوَازَنَةِ مَعَالِيه وَهَذَا وَاقِعٌ وَحَقِيقَةٌ وَلَيْسَتْ مُجَامَلَةَ تِلْمِيذٍ لِمُعَلِّمِهْ
وَأُقْسِمُ بِآلِهَةِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إنِّي قُلْتُ الصِّدْقَ وَلَيْسَ غَيْرُهُ !

يَقُول مَعَالِيه فِي رِوَايَتِهِ :

يكتب الله في لوحه المحفوظ: "رفعناك يا أبا رفعة وأغنيناك إلى
حين"!

كيف يكتب الله في لوحه المحفوظ تحرير السعوديين وتغيير السعودية ؟


مَنْ هُوَ أَبُو رِفْعَهْ ؟ ! وَمَا عَلَاقَتُهُ بِسُؤَالِ مَعَالِيهِ فِي صَفْحَتِه عَلَى الْفِيسْ بُوكْ :
كَيْفَ يُكْتَبُ اللَّهُ فِي لَوْحِهِ الْمَحْفُوظِ تَحْرِيرَ السَّعُودِيِّينَ وَتَغْيِيرِ السَّعُودِيَّةْ ؟ !

مَاذَا يَقْصِدْ !

عَلَيْنَا أَنْ نَتَلَذَّذَ قِرَاءَةَ الرِّوَايَةِ كَامِلَةً لَنَعْرِفَ الْحِكَايَةْ !

وَأَقُولُ لِلْحُكُومَة :

مَعَلِيشْ يَا طَاهِرَةْ هَذَا أَدَبٌ إِبْدَاعٌ خَيَالٌ خِصْبٌ
وَالْإِبْدَاعُ يَا حُكُومَةْ يَا طَاهِرَةٌ فَوْق الْآلِهَةِ والمُقَدَّسِ وَتَابُوتِ الْمُحَرَّمْ !


أفنان القاسم

السعودية 2022

النص الكامل

نسخة مزيدة ومنقحة

رواية

إلى الشعب السعودي حرًا

-1-

انطفأت الأقمار والنجوم، فكأن الكون امحى، وكأن الظلام بحار مائجة بالعدم. دام الانتظار بضع ثوان كانت في حقيقتها آلافًا مؤلفةً من السنين الضوئية، ليفتح الله لوحه الذي من وهج، ويكتب بقلمه الذي من ذهب، كلماته الذهبية، "رفعناك يا أبا رفعة وأغنيناك إلى حين"، وأبو رفعة يسمع، وهو ينام، صرير القلم، ويلهث، وهو يغادره النوم، لهاث الزمان، من الخشوع والامتثال. عندما عادت الأنوار إلى التلألؤ في السماء، فتح عينيه مرتعدًا مرتعبًا، فرأى على صدره كلمات الله المكتوبة بحروف من تبر، "رفعناك يا أبا رفعة وأغنيناك إلى حين"، رؤية من يقرأ في الغيب. تفجرت الدموع من عينيه، فكأنها الينابيع، وتلوت الأفاعي في ذراعيه، فكأنها المدن. ضرب نفسه ضربًا مبرحًا غير مصدق حُلمًا كان ما وقع أم عِلمًا، غير أن الحَفْرَ في صدره كان اليقين، ما وقع لم يكن شيئًا آخر غير الحقيقة الساطعة. ضاعف ذلك من تفجر الدموع من عينيه، ودفعه تلوي الأفاعي في ذراعيه إلى طرق رأسه بالقضبان وبالجدران وبالأرض بعد أن سقط على الأرض صائحًا نائحًا، وعلى نواحه وصياحه استيقظت بعض بناته، وجئن يسألنه عما جرى. أمسك عن النواح، وعن الصياح تماسك. وبخهن، وأمرهن بالعودة إلى النوم. عندما تأكد من انصياعهن، لم يتمالك نفسه عن النواح. ومن جديد عوى ونشج وبأصابعه المرتعشة لمس كلمات الله المنصهرة في لحمه، ثم خر ساجدًا لمن يراه في كل شيء، في الجدران وفي الأثاث وفي النوافذ وما وراء النوافذ في كل شيء وثني.

قبل حمامه المعتاد في الصباح الباكر نظف البانيو على الرغم من أنه كان نظيفًا عملاً بالقول "النظافة من الإيمان" وقصده قصد المؤمن الذي لا غبار عليه، وبعد الذي جرى معه أعطى لنفسه الدليل القاطع بكونه المؤمن بالفعل، لكنه وهو تحت الماء وهو يقرأ تحت الماء كلمات الله "رفعناك يا أبا رفعة وأغنيناك إلى حين" حيرته "إلى حين"، فهل هذا للموت حين يحين ومن الطبيعي هذا لكافة البشر مؤمنين كانوا أو كافرين؟ لم يكن تفسيره قويمًا بما أن الموت لكافة البشر حين يحين لكافرين ومؤمنين، وكونه مؤمنًا ومؤمنًا لا أحد من بني البشر يضاهيه في إيمانه، هذا ما لن يشفع له عند الله. "إلى حين" إذن إلى يوم يعرفه الله وبه تكون نهاية رفعته وغناه. تفجرت الدموع من عينيه مرة أخرى، وهمّ بضرب رأسه بالمرآة، فتوقف والذهب المحفور في صدره يمنعه من تحطيم عالمه الوهمي. انتهى به الأمر إلى "إلى حين" لا يفهم منها متى يكون ذلك، إنها حكمة الله في خلقه، فربما يكون ذلك اليوم أو غدًا أو بعد غد خلال أسبوع خلال سنة خلال عشر سنين مائة أو ألف. ابتسم وهو يقرأ بصوت متهدج "قل أعوذ برب الفلق". ألصق البلاستر على صدره، وارتدى فنيلته فسرواله فثوبه، وضع قدميه في حذيانه ورمى غترته البيضاء على رأسه وغادر فيلته على قدميه لصلاة الفجر في المسجد المجاور.
وهو في الطريق حيره سلوك قليل العباد الذاهبين إلى المسجد، فهم ينحنون له على غير العادة، وفي المسجد يبجلونه دون أن يتوقع منهم ذلك، حتى أن بعضهم قَبّل يديه. قال كل هذا صدفة، والناس على طبيعتهم منافقون. بعد الصلاة، دخل المخبزة تجذبه من أنفه رائحة عيش الله، وكعادته اشترى عشرين رغيفًا وعشرين كعكة له ولبناته، السبع بنات التي له. حملها بين ذراعيه ساخنة، أنسته سخونتها ما جرى معه في الليلة الماضية. وبينما كان يعود إلى فيلته خفيفًا سعيدًا مزهوًا اصطدم بشيء لم يره في الظلام أسقط الخبز والكعك من يديه، انحنى ليلتقطهما وهو يبسمل، وفي نفس الوقت انحنت المرأة التي عرف فيها الشيء لتعينه، فانكشف صدرها تحت حجابها، وبانت قطوفها بجمال آيات الله، ولمعت عيونها بسواد عيون حور الجنان، وأشعلت همساتها الناعمة الرغبة بين الفخذين لمَّا عبرت عن اعتذارها، فجمدته بحسنها. أخذ من يدها ما التقطته، وانتهرها وهو يعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم غذ خطاه إلى حيث لم يعد يعلم أين ستأخذه خطاه. عندما التفت، وجدها لم تزل واقفة في مكانها. أشارت إليه بيدها، فلم يفهم إذا ما كانت إشارتها تعني الوداع أم إلى اللقاء.

وجد ابنته الكبرى رفعة قد أعدت القهوة التي رائحتها الطيبة تملأ أرجاء الكون وسخنت حليب الناقة وفرشت المائدة بصحون الفول المدمس والحمص والبابا غنوج.
- ها هو عسلك أبي، قالت الابنة البكر مبتسمة، أنا لم أنسه.
- أشكرك يا غالية، تمتم والمرأة المحجبة تخترق جبينه.
- اشرب هذه الملعقة الكبيرة بالصحة والعافية.
- أخواتك لم يزلن ينمن؟
- لم يزلن.
- كم الساعة؟
- السابعة والنصف، الوقت باكر.
- لمياء عندها جامعة اليوم.
- عندها بعد الظهر.
- وعايشة ومريم ومنيرة لماذا لم ينهضن؟ محلهن النوفوتيه يفتحنه على الساعة التاسعة.
- على الساعة العاشرة.
- أنت متأكدة؟
- أبي، ما لك؟ تبدو عليك الحيرة!
- لا أبدًا لم أنم جيدًا.
- هذا أنا أعرفه، كنت تصرخ في نومك أبي.
- كابوس عملته، غفرانك يا رب، حلم يا ابنتي، حلم من أجمل الأحلام.
- حلم من أجمل الأحلام يجعلك تصرخ وتجهش بالبكاء؟
- هذا لأنه من أجمل ما حلمت في حياتي.
- ليس لدرجة أن تصرخ وتجهش بالبكاء.
- ما علينا.
- ما علينا أبي.
- وجواهر مدرستها على الساعة الثامنة والنصف.
- ها هي جواهر أبي لا تقلق عليها، مدرستها على بُعد خطوتين.
- صبحكم بالخير، تلعثمت جواهر نصف نائمة.
- صبحك بالخير يا جواهر، قال أبوها.
- صبحك بالخير أختي، قالت رفعة.
- ماله بابا؟ سألت جواهر وهي تتناول فنجان القهوة من يد أختها الكبيرة.
- مشغول باله عليك، ظن ستتخلفين عن مدرستك.
- لا ينشغل بالك عليّ بابا.
- مشغول باله علينا كلنا.
- سَوّى الليلة كوابيس لا كعادته.
- انسوا الكوابيس، نبر أبو رفعة ناهضًا، أنا رايح للشغل، شغلي كثير اليوم. قولوا لحصة تراجع إنجليزيتها ولو تبغي أستاذ ما فيه مانع وبعد كم شهر أبعثها للعمل في فرع شركتي في نيويورك.
- تكرم، نقول لها.
- مع السلامة.
- مع ألف سلامة.
- مع ألف سلامة.
- الله يعين أبي.
- الله يعينك بابا.
حكت الواحدة للأخرى بعينيها ويديها من وراء ظهره بمعنى "ما دهاه؟"
في وزارة المالية استقبله سلماني السلمان وكيل الوزير لا كعادته بالتهليل والترحاب، كان عابسًا بعقدة بين الحاجبين تزن رطلأً، أجلسه بإشارة من بنصره، فقرعت في رأسه "إلى حين" كجرس الكنيسة. استغفر الله في سره، وتابع حركة شفتي سلماني السلمان كالصور البطيئة:
- صاحب السمو الملكي زعلان لو غضبان لو حنقان لو لا أدري كيف أصفه لك.
- خير إن شاء الله يا سيد سلماني.
- نتكلم صدق لو كذب؟
- نتكلم صدق، نحن في حياتنا أنا وأنت لم نتكلم غير الصدق.
- مليار الأسبوع الذي فات لماذا لم تحوله يا أبو رفعة؟
- نتكلم صدق لو كذب؟
- نتكلم صدق.
- أنا أحول لسمو الأمير...
- أنت لا تحول لسمو الأمير.
- العفو! أنا أحول للأمريكان...
- أنت لا تحول للأمريكان.
- الكلام بيننا.
- الكلام بيننا صدق.
- أنا أحول لفرع شركتي في نيويورك مليار كل أسبوع من هذا الجهاز، أخرج جهازًا صغيرًا بحجم الهاتف النقال من جيبه، جهاز فيه الكود يتبدل كل خمس عشرة دقيقة لا أحد يعرفه غيري ولا أحد يستطيع أن يعرفه غيري حتى ولو كان صاحب الجلالة الملك المعظم...
- اختصر اختصر هذا ما نعرفه.
- مليار الأسبوع الفائت حولته لنفسي.
- بأي حق؟
- نتكلم صدق لو كذب؟
- لا صدق ولا كذب كلام القحبات!
- كلام القحبات؟
- مليار هذا الأسبوع تحوله كعادتك وإلا...
- لا وإلا.
- أنت تهددنا يا أبو رفعة!
- نحن وإلا.
- طيب طيب.
- فهمت وإلا.
- فهمت فهمت.
- انقل تحياتي الأخوية الحارة لصاحب السمو الملكي الوزير.
وغادر مكتب الرجل المهم وهو يطرق الباب من ورائه.

ارتفع برج مقر شركة أبي رفعة القصيمي عشرين طابقًا، وقارمة عريضة من السقف إلى القاع مكتوب عليها "الشركة السعودية للمقاولات الوطنية". فتح لصاحب الشركة باب سيارته المرسيدس الحارس الباكستاني آغا خان، وهو في ثوبه الرسمي، وألقى له التحية العسكرية، كما لو كان أبو رفعة ضابطًا مدنيًا من ضباط المخابرات. جعله يحمل حقيبته، وتركه يرافقه في المصعد، ولا أحد غيرهما في البرج، الطابق الأرضي فارغ، والطوابق كلها فارغة، من الطابق الأول حتى الطابق الأخير حيث يحتوي بكامل مساحته على المكتب الضخم الفخم لصاحب الأمر والنهي على نفسه و... على آغا خان الحارس.
- هناك فتاة على موعد معي دعها تصعد أول ما تأتي.
- تحت أمرك.
- خلال نصف ساعة.
- هل أرافقها؟
- نعم.
- وبعد ذلك؟
- لا تبقَ بين إليتيّ.
- تحت أمرك.
- اسمع...
- نعم سيدي.
- هل ملأت الثلاجة بالطعام.
- ثلاجة المصلى؟
- ثلاجة ماذا يا حمار؟
- ملأتها.
- وبقناني الماء؟
- وبقناني الماء.
- اذهب.
وما أن مضت نصف الساعة حتى دقدق آغا خان الباب على الرئيس والمدير العام للشركة السعودية للمقاولات الوطنية ثم ترك فتاة محجبة كاشفة الوجه تدخل المكتب الضخم الفخم وأغلق الباب بكل الهدوء الممكن.
- اجلسي يا آنسة.
- ميرسي أوي.
- أنت مصرية؟
- لا أنا لست مصرية أنا سعودية.
- وميرسي أوي؟
- من الفيديوهات.
- آه!
- أنا مولعة بالمسلسلات المصرية.
- لكن منصب السكرتيرة للسعوديات.
- أنا سعودية أُلْتِ لَّك.
- أُلْتِ لَّك؟
- بعدين أنا من الحجاز عشان كده.
- في الحجاز يلفظون الثاء تاء وأنت تلفظين الثاء سين كالمصريين.
- عفوك؟ أبو الحارت عمي هو من أوصاك عليّ.
- أبو الحارث.
- رحمة الله عليه.
- مات؟
- مات بالكورونا.
- أنت سعودية من الحجاز.
- نعم أستاذ.
- اسمك بتول ماذا؟
- بتول الأصمعي.
- هاتِ بطاقتك الشخصية.
- هاكَ.
- اذن أنت لست مصرية أنت سعودية من الحجاز.
- نعم أستاذ.
- مع الأسف أنا أبحث عن سكرتيرة مصرية.
- أنا بتكلم مصري "متلهم".
- أنت لست مصرية.
- في الحجاز نتكلم كالمصريين فقط نلفظ الثاء تاء ولا نلفظ الثاء سين.
- أنت لست مصرية.
- لن تأخذني لأني لست مصرية؟
- الساعة الآن تشير إلى وقت صلاة الظهر، سنصلي في المصلى سوية خلال ذلك وأنا أدعو وأستغفر سأفكر وبعد ذلك أعلمك آخذك أو لا آخذك. تفضلي.
- أين المصلى؟
- وراء مكتبي.
- أسترد بطاقتي الشخصية إذن.
- أُعيدها إليك بعد الصلاة، أضعها هنا تحت مخبأي الجلدي.
- لكني قطعت وضوئي أستاذ.
- في المصلى هناك مكان للوضوء... من هنا. ادخلي، الحمام في الزاوية، سأتركك لتتوضأي.
أقفلت عليها باب الحمام بالمفتاح، وأقفل عليها باب المصلى بالمفتاح.

- آه يا إلهي! تمتمت عايشة في أذن أختها مريم، هل رأيت جسد هذه المرأة ما أجمله؟
- ماذا تتمتمان؟ ابتسمت منيرة.
- عايشة تقول حسد هذه المرأة جميل، همست مريم.
- بدون معلق النهدين يا أمي! ضحكت منيرة من أمام أصابعها.
- جربي هذا المعلق الكريستيان ديور آنسة، اقترحت عايشة على الفتاة وهي تفتح الستارة لتعطيها إياه وتراها، ثم لطمت، وأختاها هذه المرة تضحكان بصوت عال.
- عايشة تحب النساء أنت تعرفينها، قالت منيرة لمريم.
- وأنتما؟ قمر كهذا!
- نحن نحب الرجال، قالت مريم مبتسمة.
- تكلمي باسمك من فضلك، قالت منيرة.
- أكون غلطانة؟
- بالطبع تكونين غلطانة.
- منيرة تحب الجنسين، تدخلت عايشة. ثم للسيدة التي تطل برأسها من وراء الستارة تلف بها جسدها المروع، هل أعجبك الكريستيان ديور؟
- أريد أن أجربه مع... وهي تشير إلى وسطها السفلي وتقهقه.
- في الحال، والأخوات الثلاث يقهقهن.

بعد انتهاء دروس لمياء في كلية الآداب، كانت رفعة وحصة بانتظارها في السيارة الكاديلاك.
- ماذا يغيظك لمياء؟ سألت حصة قلقة على أختها، وضعك غير عادي.
- وضعها غير طبيعي، صححت الأخت الكبرى.
- أنا أحبه وهو لا يهتم بي، بكت لمياء.
- من هو؟ سألت الاثنتان.
- أستاذ الأدب.
- أستاذ الأدب لا يهتم بهذا الجمال!
- أنا لست الجميلة الوحيدة في المدرج.
- اغمزيه، قهقهت رفعة.
- لا تتهكمي.
- لا تبكي أختي الصغرى حبيبتي، راحت تراضيها حصة.
- ماذا أفعل ليحبني؟
- الفتي انتباهه.
- كيف؟
- امكثي في المدرج وعندما يغادره الجميع اتركي وشاحك يسقط عن رأسك ليرى شعرك الأسود الغزير الطويل حتى خصرك خصر البان الله أكبر.
- هذا من سابع المستحيلات!
- لماذا؟
- هذا عين الوقاحة، ثم أنا خجولة، أنا لا أجرؤ على فعل ذلك.
- طيب سنأكل آيس كريم في المركز التجاري ونفكر في الأمر.

عندما عادت جواهر من المدرسة وجدت أباها يتوضأ ليصلي صلاة المغرب.
- أبي أين أخواتي؟
- لا أدري يا ابنتي.
- لا يجبن على مكالماتي.
- لم يقفلن دكان النوفوتيه.
- أنا لا أقصد عايشة ومريم ومنيرة أنا أقصد رفعة وحصة ولمياء، رفعة وحصة ذهبتا لأخذ لمياء من الجامعة.
- الله أعلم يا جواهر يا ابنتي.
- أنت دومًا هكذا الله أعلم الله أعلم.
- وماذا تريدينني أن أقول الله لا يعلم؟
- لا تكفر أبي.
- أنا رجل صلاة ودين أنا لا أكفر.
- أعلم.
- توضأي وصلي معي.
- ليس الآن.
- كما تريدين.
فجأة دخلت البنات الست دفعة واحدة وهن يتراشقن الكلام ويضحكن، فسبتهن جواهر:
- يا بنات الهوى!
- جواهر! لا تنعتينهن باللغة السوقية أمامي، صاح بها أبوها، ثم لهن: أنتن بنات القصيمي اخرجن محتشمات وادخلن محتشمات!
- عذرًا أبي، لهجت رفعة كبيرتهن، وأخواتها يختفين في المطبخ.
- لماذا لم تجبن على مكالماتي؟ نبرت جواهر دون أن يزول غضبها.
- كنا نأكل آيس كريم ونفكر في طريقة لإيقاع محاضر الأدب في غرام لمياء، أوضحت حصة.
- ماذا! هل أصابكن الجنون؟
- توصلنا إلى حل، قالت رفعة وهي تدخل المطبخ وتغلق الباب من ورائها.
- تريدان أن تسحرا أستاذي، جمجمت لمياء باستهزاء.
- للسحر هناك المنجم بن هارون اليهودي، تدخلت عايشة.
- نحن نعرف واحدًا آخر، المنجم كريستيان ديور، قهقهت مريم ومنيرة.
- ماذا؟ المنجم كريستيان ديور! سألت لمياء وحصة ورفعة بفضول.
- معلق كلسون كلسون معلق معلق كلسون لتغادر الحلوة المحل بدون أن تشتري شيئًا، وتفجرت عايشة وجميع أخواتها ضاحكات.
- هسسسسس! بابا!
- كانت تبغيك يا هبلة!
- أدركتُ ذلك فيما بعد.
- إذا رجعت بكره اتركا الدكان يا بنات اذهبا إلى المركز التجاري، وتفجرت جميعهن مرة أخرى ضاحكات وأبوهن يدفع باب المطبخ.
- أنا ذاهب إلى المفهى، سأصلي صلاة العشاء في المسجد، وبعد ذلك، سأذهب إلى مكتبي، عندي بعض الدوسيات أبغي إنجازها. بأمان الله!
- بأمان الله أبي.
وما أن عاد الأب يغلق باب المطبخ حتى عادت الأخوات السبع إلى الضحك والصياح.

قال آغا خان لسيده:
- أَخَذَتْ بالصراخ والضرب على باب المصلى ساعة ساعتين، فتحت، وبالكماشة ضربتها على رأسها، فغابت عن الوعي.
- أنت لم تغتصبها أيها الوغد، أنتم الباكستانيون كلكم أوغاد.
- أنا لم أغتصبها.
- وهل أعطيتها الحقنة؟
- حقنة المورفين أفرغتها في عرق رسغها، إنها جاهزة لك طول الليل.
- حسنًا.
- هل أذهب؟
- اذهب.
- تصبح على خير سيدي.
- تصبح على خير.
- اغلق الباب الخارجي بالمفتاح.
- تحت أمرك.
- بكره قبل أن آتي في مثل هذه الساعة احقنها.
- تحت أمرك.
- لا تغتصبها سأقول لك متى تغتصبها.
- أغتصبها عندما تأمرني قل لي اغتصبها أغتصبها عندما تأمرني.
- عندما أشبع منها.
- تحت أمرك.
- لا أريدك أن تلوثها بقذارتك فتوسخني لو اخترقتها بعدك.
فتح باب المصلى، فوجدها تفتح فخذيها، ففهم أن القذر قد اغتصبها، اقسم على أن يقطع رأسه. عراها وتعرى إلا أنه وهو فيها لم يسمع دقات قلبها، فعرف أنها ميتة. قضى غرضه في جثتها، وانتظر حتى منتصف الليل. وضعها في عربة نزل بها إلى الكراج في الطابق تحت الأرضي، ثم في صندوق المرسيدس، وطار بها إلى أرض بور حولتها البلدية إلى جبال من القمامة. بدت قارمة تآكل خشبها مكتوب عليها "أضخم مشروع إسكاني في السعودية لآلاف الفقراء المكلف المسئول والمنفذ الشركة السعودية للمقاولات الوطنية". أُلْقِيَت هنا وهناك قضبان الحديد الصدئة وأكياس الإسمنت الصلبة وأهرامات الرمال، وفي الحفر الهائلة تُرِكت بعض الجرافات. ساق إحداها، وهو يدفع بها جسد الفتاة، وطمره في الجبال المقدسة.

-2-

قَسَمَ السيل الموحل الأرض قسمين، فدعا الناس القسم الشرقي بالشرقية والقسم الغربي بالغربية، في الشرقية كانوا سعوديين كلهم، وفي الغربية كانوا وافدين كلهم، أحوالهم في البؤس واحدة وفي العذاب غير أن العذاب لم يكن واحدًا. كان الوافدون معذبين والسعوديون معذبين أكثر من الوافدين، في بيوت التنك وأبواب السيارات الصدئة وعيدان القصب والطين، وكان هناك من يفترش الأرض ويتغطى بالسماء، وكان هناك من يحتكر الرمل ويغلو بالصحراء. كانوا يعبدون الله سعوديين ووافدين، يسألونه حسن الجزاء، وفي نفس الوقت يمارس بعضهم أسوأ الأعمال، فالآعمال بالنيات، التهريب السرقة الدعارة الاحتيال الابتزاز الاغتصاب اغتصاب العرض وبالعرض اغتصاب المال وحتى القتل وباسم الله الكذب التلفيق النفاق. كان النفاق والتلفيق والكذب مأكلهم ومشربهم باسم الله، والله لهذا غضب عليهم. كتب لهم أن يحيوا حياةَ الجحيمِ في دنيا النعيمِ هُمُ العبيدُ الصانعونَ للطغاةِ في دنيا الجحيم. بَلاهم بالأمراض التي لن يكون آخرها فيروس العصر، وعماهم بالأدخنة التي لن تلفظ أنفاسها الأخيرة والعصر هو النفط، فلنقل النفط. جَوَّعهم، فأكلوا الفضلات، ومن لم يجدها أكل الرمال، وجعل من ظمئهم للموت الطريق الوحيدة إلى أفواههم. ذات يوم، وهو يتسلى بقراءة مصائرهم في لوحه، يبسم تارة ويقهقه تارة، أشفق على عجوز تحاول قطع السيل من الشرقية إلى الغربية، فتغطس في الوحل مصارعةً مقاتلةً كألف شاب وشابة يقطعونه بصعوبة حقًا غير أنهم يقطعونه، دون أن يأخذوا بيدها حتى ودون أن يلتفتوا إليها أو يقلقوا أقل قلق عليها من فقدانها لحياتها بينما وحل الرب يلطمها ومن فمها إلى حلقها فمعدتها فأحشائها يريد أن يرطمها. تناول الرحمن بعباده وإن فسدوا الرحيم وإن فسقوا قلمه الذي من الوهج وكتب بحروفه التي من الذهب الكلمات التالية "كلفناك يا أبا رفعة واخترناك إلى حين"، وأبو رفعة في نومه يسمع صرير القلم، وهو في وضع أشبه بوضع الصوفيّ. ما أن فتح عينيه حتى رأى كلام الله محفورًا في صدره، تمامًا كالمرة الأولى، تحت كلام الله الأول. لم يجن جنونه كتلك الليلة ويا للمفارقة، فذهب إلى قاعة الحمام، ومارس طقوس "النظافة من الإيمان" قبل أن يستحم. في المرآة نظر إلى صدره بوجل، وبأصابع مرتعشة لمس الكلمات الذهبية لمّأ على حين غرة خر ساجدًا. تفجرت عيناه، وتفجرت نفساه، فراح يضرب نفسه، ويضرب بالأرض نفسه، فلم ينتبه إلى الدقات الخافتة على الباب.
- أبي! أبي! كانت ابنته الكبرى رفعة، أبي! أبي! أبي!
- لا شيء، انتهرها، لا شيء.
- قهوتك جاهزة أبي.
- طيب طيب.
- تعال.
- طيب.
لم يتحرك من مكانه وهو يقرأ من جديد "كلفناك يا أبا رفعة واخترناك إلى حين"، لماذا "إلى حين"؟ كالمرة الماضية لماذا "إلى حين"؟ لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى "كلفناك يا أبا رفعة واخترناك"؟ لماذا هاتان الكلمتان الشيطانيتان من فم الله العليّ القدير"إلى حين"؟ فكر قليلاً، فافتر عن أسنانه ضاحكًا، ولكني لن أكون نبي الله وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء، "إلى حين" هذا ما ينفي، كلمتان نافيتان ليس غير، وتنهد على هذه الخلاصة. ألصق البلاستر على الذهب المحفور في لحمه، ارتدى ثيابه، وذهب لتناول طعام الفطور قبل صلاة الفجر لا بعدها مثلما كانت عادته، فالظروف أقوى من الصلوات.

وهو في طريقه إلى المسجد، رأى المرأة واقفة كالشبح، كالشبح واقفة، فارتجف عندما رآها، ماذا لو كانت بالفعل شبحًا؟ اقترب منها، وبحذر لمسها، فسقطت على يده تقبلها، وسقطت على قدمه تلعقها. ضمت نصفه إليها، وهي تطبع فمها على نصفه المضموم إليها. رفعها إليه، وبفمه التهمها من خلف حجابها. تلفت يمنة ويسرة، وجذبها إلى المسجد، وفي المكان المخصص للنساء جردها، ونكحها.
- انتظريني في الخارج، همس في أذنها، أصلي لله ركعتين بسرعة، وآتيك لنذهب في سيارتي.
هزت رأسها علامة الإيجاب، فابتسم لها، وطبطب على خدها. تسلل إلى صحن المسجد بالحذر نفسه، وبثلاثين ثانية أنهى صلاة الفجر، وقام كالمهووس يدعس أقدام المصلين، ويدفع بقدمه جباههم. لم تنتظره، ركض هنا وهناك، ونادى هناك وهنا. أحزنه عدمها، جدَّفَ من عدمها، رفسَ لعدمها، عاد يركض هنا وهناك، وينادي هناك وهنا.

- هذا هو السيل، أشار سلماني السلمان وكيل وزير المالية وهو يوقف سيارته الرولس رويس، وينزل، وينزل أبو رفعة، وهذه هي التناكيات شرقًا وغربًا.
- المشروع ضخم، همهم القصيمي.
- أضخم مشروع في تاريخ البلد.
- مئات الفيلات.
- آلاف الفيلات.
- مدينة جديدة.
- لأثرياء البلد.
- تتكلم صدق لو كذب.
- أتكلم صدق.
- التحويل كم؟
- عشرة مليار.
- كل أسبوع؟
- كل يوم.
- يااااااااااه!
- جسور السنترال بارك انتهينا منها، هلق كوبري نيويورك من أقصاها إلى أقصاها.
- أووووووووه!
- الجماعة يفكرون في العام 2030.
- لتخفيف ضغط السيارات مش كده؟
- كنت أحسبك من القصيم.
- سكرتيرتي من الحجاز.
- زين.
- زين سيد السلمان.
- هل وصلك التحويل؟
- التحويل ونحن لم نبدأ!
- انظر جهازك.
- وصل.
- إذن كالعادة.
ابتسم القصيمي وهو يجس بيده صدره وينظر إلى السماء متمتمًا "كلفناك يا أبا رفعة واخترناك إلى حين". تقدم من حفرة عالية الحافة، ورفع ثوبه، وكذلك فعل وكيل الوزارة، وراحا يبولان، وبولهما يصب على وجوه النائمين في الحفرة.
- إنه أسعد يوم في حياتي، تنهد أبو رفعة وهو يتخيل الجسد البض للمرأة التي جامعها في المسجد.
- لم تكتمل سعادتك، قال سلماني السلمان وهو يطلق فرجه ويشير بإصبعه إلى رتل من الجرافات.
- لم تُخلوا التناكيات!
- الناس بدأوا بتركها.
- انظر قارمة شركتك.
- العمال يرفعون أكثر من واحدة.
- لضخامة المشروع.
- الشركة السعودية للمقاولات الوطنية!
- أنت فخور بذلك.
- صدق لو كذب؟
- صدق.
- أنا فخور بذلك.
- انظر العباد.
- كأنها جهنم التي وعد الله بها الكافرين.
- إنها جهنم.
- آه يا إلهي تلك العجوز هناك تكاد تغرق في السيل!
أخذ يركض لإنقاذها صارخًا "أمي"، ويدفع الذين يعترضونه من عابري السيل حتى أنه ضرب بعضهم ولكم بعضهم إلى أن وصلها ورفعها، فأسقطها الهاربون من الجرافات من المنطقة الشرقية. عاد ورفعها، فأسقطها الهاربون من الجرافات من المنطقة الغربية، وهكذا تكرر المشهد تحت عين الله. ولغضب الله عليهم، أخرج من الرمل جرادًا، وبأجنحتها بنى جسرًا، قال كن فكان. سارت العجوز عليه وباقي الناس ممن أراد النجاة من الجرافات ولم يقدر على قطع السيل في الوحل قدرًا، كانت قدرته عز وعلا إنسانًا.

- عايشة يا عايشة انظري المُنَجِّم كريستيان ديور، قالت منيرة مقهقهة.
- اتركيني أرى، دفعت مريم برأسها وتفجرت ضاحكة.
- أنتما بنات إبليس، رمت عائشة مقهقهة كأختيها.
- صباح الخير، قالت الفتاة بعد أن دفعت الباب ودخلت وهي تخلع حجابها مقهقهة.
- صباح الخيرات، ردت عائشة معلقة الحجاب، تريدين المعلق والكلسون كريستيان ديور أم ماركة ثانية؟
- أوكي، رمت الأختان، نحن خارجات عندنا مشوار صغير خذا راحتكما، قالتا وهما تخفيان بسمتهما بحجاب كل منهما.
- ابقيا يا شيطانتين.
- باي.
- باي.
سكرتا باب المحل بالمفتاح، وكركراتهما تسمع من الشارع.
- لطيفات موظفاتك، علقت المرأة.
- أخواتي.
- أخواتك؟ أخواتك لا يشبهنك!
- نحن أخوات سبعة وكل واحدة منا لا تشبه الثانية.
- سبعة أخوات!
- سبعة أوهام.
- أمكم من أسعد الأمهات كما أتوقع.
- أمنا ميتة.
- أعتذر يا أختي.
- ماتت خلال العملية القيصرية يوم مولد أختي الصغرى لمياء... وماذا عن المعلق والكلس...
أمسكتها الفتاة من يدها، وافتر البرق في سماء الشهوة، فسحبتها عائشة إلى الفاحشة.

- آنسة لمياء انتظري، طلب أستاذ الأدب وتلاميذه ينسحبون من قاعة المحاضرات.
- عفوًا دكتور؟ تلعثمت لمياء ووجهها يحمر خجلاً.
انتظر الأستاذ ذهاب آخر تلاميذه، وتنحنح:
- أنا متردد.
- ........
- ماذا يعمل والدك؟
- مقاول بناء.
- له شركة مقاولة؟
- لماذا دكتور؟
- لا تضطربي!
- أنا لست مضطربة، ولاضطرابها سقط الوشاح وسقط شعر الليل وصعد القمر على الكون.
- يا إلهي، همهم الرجل، أنت بجمال القمر!
لمَّت لمياء وشاحها وهي لا تدري كيف وغادرت المكان وهي لا تدري كيف.

أبقت حَصة ثلاثة من خصيان خدمهم معها وهي تستقبل أستاذ الإنجليزي في الصالون.
- أنتِ تريدين الدراسة في هارفارد يا آنسة؟ سأل الأستاذ.
- الحقيقة أنا لمجرد الزيارة، أوضحت الفتاة.
- لمجرد الزيارة وتريدين...
- رغبة أبي، لدى أبي شركة في نيويورك، وربما أبقاني للعمل فيها.
- إذا كان الأمر كذلك.
- أود التحدث بطلاقة.
- سأرى ما يمكنني فعله.
- هل كنتَ في أمريكا؟
- كنتُ في أستراليا كنتُ أريد قطعها على البسكليت كنتُ شابًا.
- ولم تزل، رمت ضاحكة.
- ليس كثيرًا، رمى ضاحكًا.
- المهم الصحة.
- وشرف المهنة.
- الشرف.
- هل نبدأ؟
- نبدأ.
- أنا لا يزعجني... وأشار إلى الخصيان الثلاثة.
- اذهبوا اتركونا وحدنا، أمرتهم.

والحارس الباكستاني يفتح باب سيارة الرئيس والمدير العام المرسيدس، ولم ينزل بعد منها، أخبره بصوت خافت:
- هناك سيدة بانتظارك.
- سيدة من؟
- سيدة محجبة بانتظارك.
- بانتظاري؟
- منذ ساعتين.
أراد حمل الحقيبة، فرفض، حدثته نفسه بأنها هي، وبالفعل كانت هي. أمر خادمه ألا يزعجه، وصعد معها، وهو لا يدري ماذا يقول. كانت بسمتها تقطع في حلقه الكلام، وتكاد تقطع أنفاسه. في مكتبه عَنّفها:
- كيف عرفتِ عنواني؟
تجاهلت السؤال وهي تخلع حجابها، وتحت حجابها فستان قصير أزرق بلون العشق الأحمر.
- أنا لا أحب مكتبك.
- أجيبي، وهو يجذبها بعنف من ذراعها موجعًا، كيف عرفتِ عنوان الشركة؟
- آي! أنت عنيف!
- لماذا أتيت؟
- كل الوقت بعد الذي وقع بيننا هذا الصباح وأنا أفكر فيك.
- آه يا رب السموات!!! داخ وهو يضمها بعنف محاولاً تقبيلها وهي تمنعه مزيحة وجهها يمنة ويسرة ثم مبعدة إياه.
- توقف!
- لماذا أتيتِ؟
- لنتعارف.
- أنتِ من هو أبوك؟
- هل تريد أن تخطبني؟
- كيف تجرؤين على المجيء عند واحد أنت لا تعرفينه؟ ماذا لو كان مجرمًا؟ قذف وهو يلقي بطاقة هوية الفتاة التي طمرها في أكوام القمامة في جرار يحتوي على عدد لا يستهان به من البطاقات الشخصية.
- لكم أود أن تجرم بي، همست ملتصقة به.
- بل أنتِ.
- أنا ماذا؟
- ستجرمين بي بجنسك بجمالك بربك، همهم وهو يتذكر "كلفناك يا أبا رفعة واخترناك إلى حين"، فأنا المكلف والمختار إلى حين.
- إلى حين أن آكلك.
- بل أنا.
وقضم كرزها.
على الساعة التاسعة مساء، رن جرس الباب. فتح أحد الخدم الخصيان لسلماني السلمان وبصحبته المرأة، فاتضح لأبي رفعة كل شيء. أوقعوه في بئر لا قرار له ولا فرار منه، نزل عليه كلام الله كالصاعقة "إلى حين". "الحين" كان قصيرًا، لم يتوقع أن ينتهي به الحال إلى المصير الذي يعرفه تمام المعرفة بهذه السرعة. أحاطت البنات في المطبخ بالمرأة التي قدمت نفسها لهن زوجة وكيل وزير المالية، ورحن يمازحنها، ويضحكن معها، وكأنها صديقة يعرفنها منذ وقت طويل.
- ما الذي تريدونه؟ صاح القصيمي بالرجل القوي في الصالون.
- كل شيء تمتلكه، ابتسم سلماني السلمان، شركتك ومالك وبناتك.
- شركتي خذوها ومالي خذوه أما بناتي فاتركوهن، لم يفعلن إلا الخير.
- نأخذهن بما فعل أبوهن.
- أطعتكم، هذا كل ما فعلت.
- والمليار الذي تصرفت به؟
- سأحوله لكم.
- من حَوَّلَ المليار لنفسه يحول المليارات.
- أعطيكم الجهاز بكوداته فتصرفوا كما يعجبكم.
- أعطني الجهاز.
- الجهاز لا أحمله معي وأنا في البيت.
- قم وأحضره.
- بشرط.
- ماذا؟
- ألا تمسوا شعرة واحدة من شعر بناتي.
- سنرى فيما بعد.
- فيما بعد متى؟
- فيما بعد.
- .......
- ها هو.
- اجلس.
- ......
- نادِ على بناتك.
- .......
- نادِ عليهن، صاح وهو يبرز مسدسًا في جيبه.
- رفعة رفعة.
- أبي.
- تعالي أنتِ وأخواتك.
- لم أفهم أبي.
- كلكن.
- نتحجب ونأتي.
- بدون حجاب، صاح سلماني السلمان.
- بدون حجاب، شهق أبو رفعة.
- بدون حجاب أبي؟
- بدون حجاب، عاد وكيل الوزير يأمر.
- أبي؟
- بدون... حجاب.
جاءت البنات السبع مطأطئات كالسلحفات يزحفن تحت تهديد مسدس صغير بيد المرأة، جلسن على أطراف الكنبات وهن لا ينطقن ببنت شفة. دار بهن سلماني السلمان واحدة واحدة، وهو يعريهن بنظراته. سمعوا سيارات تصل وأبواب سيارات تفتح وتغلق، ففتحت المرأة الباب بسرعة. دخل عشرة رجال على رأسهم صاحب السمو الملكي وزير المالية، ملء أيديهم قناني الكحول، وملء جيوبهم أكياس المخدرات. حاولت لمياء وجواهر الهرب، فأطلقوا الرصاص بين أقدامهن. على سماع طلقات الرصاص، جاء الخدم الخصيان، فأردوا بعضهم قتلى.

أخذت الجرافات تزيل أكوام القمامة ومعها الهياكل العظمية للنساء اللاتي أجهز عليهن القصيمي وحارسه الباكستاني والاثنان ينظران مقيدين، ومن فوق، من سماء العدل، تبول عليهما كلب ضائع. سحبوا جسد الفتاة الحجازية، فرمى أبو رفعة القاتل بنظرة يائسة. ألقوهما في المعتقل، كل واحد في زنزانة.

في اليوم التالي، عاد الوزير ووكيل الوزير والرجال الآخرون، واستباحوا الأخوات السبع. كن في البداية يقاومن، وتحت تأثير المخدرات والكحول في النهاية يستسلمن، وهكذا كل ليلة. تحول بيتهن إلى ماخور، وعندما لا يأتيهن صاحب السمو الملكي وأصحابه، كن يخرجن في الليل، ويأتين بالزبائن.

- 3 -
لم يكن في الوجود أكثر دقة من الجلادين، كانوا فريقين فريق الصباح وفريق المساء، من الساعة السادسة صباحًا حتى الساعة التاسعة، ومن الساعة التاسعة مساء حتى منتصف الليل. اختيارهم لهذه الساعات كان تعبيرًا عن "إنسانيتهم" ليتركونا قليلاً ننام وكثيرًا نفكر في حالنا. كان كل شي يبدأ تحت مكبرات الصوت وكل شيء ينتهي، الجَلْدُ لم يكن أفظع الأشياء، كل شيء كان فظيعًا، الصراخ أولها. كانت الطقوس تبدأ بتحقيق قصير:

- لماذا قتلت محمد بن عبد الوهاب؟
- محمد بن عبد الوهاب من هو؟
- أنت لا تعرف من هو محمد بن عبد الوهاب؟
- أعرف.
- لماذا قتلته؟
- محمد بن عبد الوهاب الميت؟
- الميت الحي.
- كيف أقتل الميت؟
- الحي.
- أنا لم أقتله.
- إذن كيف هو ميت؟

أو:

- من هو المحامي الذي يدافع عنكِ؟
- أنتم تعرفونه.
- نحن لا نعرفه.
- إنه الأستاذ...
- ماذا يخطط؟
- أنا لا أفهم.
- يريد هدم الحرمين الشريفين حرم مكة المكرمة وحرم المدينة المنورة لأنه كافر نال شهادته من بلاد الكفار.
- هذا ما لا أعلم.
- بل تعلمين.
- كافر أنا لا أرى، فهو لا يقطع فرضًا واحدًا من الفروض الخمسة.
- لا يقطع فرضًا واحدًا من الفروض الخمسة ويحامي عنك؟
- أنا كذلك لا أقطع أي فرض.
- كل هذا غطاء.
- حقوق المرأة وحقوق الإنسان غطاء؟
- وحقوق المملكة؟
- هذا شيء آخر.
- أنت تريدين القيام بهدم البلد ومحاميك يريد القيام بهدم الدين، قولي لنا، اعترفي، من أنتِ؟ من هو؟ سنعلقه مثلما سنعلقك.

يعلقون الشابة من قدميها بالحبال المربوطة بسلاسل في السقف ويشدونها من يديها في الأرض، فلا يتركون لها أي مجال للحركة. يفعلون الشيء نفسه مع الشاب المتهم بقتل محمد بن عبد الوهاب، ويبدأون أول ما يبدأون بتمزيق ثيابهم عن ظهورهم بحركات عصبية تثيرهم جنسيًا، فيعضون وهم يصرخون صراخًا يفوق صراخ الشابة والشاب المعلقين، يضعون رؤوسهم بين فخذي الشابة، ويتوضأون بمائها، ويتناولون بافواههم ذكر الشاب، ويغسلون وجوههم بمائه، ويشربونه، ويبلعونه. يصلون إلى الذروة بشهوتهم، فيأخذون الشابة من ظهرها وبطنها والشاب من ظهره، كالوحوش المفترسة، وللتسلي بعد ذلك، يُدخلون القناني فيهما، وهم يطلقون صرخات نزلاء المصحات العقلية. أخيرًا وليس آخر، يبدأون الاحتفال بالجَلد، وذلك بالتناوب بينهم كلما تعب أحدهم.

لن أتكلم عن صب ماء الجافيل في مهبل الفتاة أية فتاة معتقلة ولا عن حشر قضيب الحديد في إست الشاب والشابة. أفظع تعذيب، الأفظع، قص أصابع اليدين والقدمين، ورتقها بماكينة الخياطة، وللغرغرينا الرتق لن ينفع.

هكذا كانوا يعذبون النشطاء من كل فضاء والمعتقلين السياسيين من كل دين، بدون محاكمة أو بمحاكمة ملفلفة، أما نحن المجرمون "العاديون"، فكانوا يتركوننا لحالنا.

"لم يكونوا يتركونكم لحالكم لولا أنني تركتهم يتركونكم لحالكم"، همهم سبحانه وتعالى وهو يقرأ بعض صفحات من النور في لوحه المحفوظ عن بنات أبي رفعة السبع حتى بدا عليه التعب وعاد يهمهم: "سبع نساء كل واحدة منهن سبعمائة ألف، أمم سبعة!" راح يمحو في النور وبالوهج يثبت ما ستغدو كل أمة منهن: رفعة تتزوج من صاحب السمو الملكي الأمير وتصبح أميرة، حصة تتزوج من أستاذها وتصبح راقصة، عائشة تتزوج من المنجِّم كريستيان ديور وتصبح مقاتلة، مريم تتزوج من أختها منيرة وتصبحان مقاتلتين، لمياء تتزوج من أستاذها وتصبح بغيا، جواهر (مفضلتي همهم لنفسه مبتسمًا المعلمة مثلي) تقطع رأس سلماني السلمان وتصبح المثل الأعلى. وبوهج النور كتب: "أنزلناك يا أبا رفعة وسجناك إلى حين"، وكل من في المعتقل يسمع صرير القلم، وضابط المعتقل يرى كيف بالذهب تُحفر الكلمات الإلهية في صدره.
عامل ضابط المعتقل وجلادوه أبا رفعة معاملتهم لوليٍّ من الأولياء الصالحين، فتحوا له باب الزنزانة، وتركوا له حرية التنقل في المعتقل. توقفوا عن تعذيب المعتقلين، وعاملوهم برفق. أخذوا يصلون معًا، ويأكلون معًا. ترك له الضابط سريره المريح لينام فيه، ونام مكانه في الزنزانة. في تلك الليلة، ليلته الأولى بدون علم أحد غير الله، وبالصدفة، دخل عليه بعض الساديين من الجلادين الذي يحنُّون إلى الزمن القديم ليقتلوه ظانين أنه ضابطهم، فكانت المفاجأة التي أذهلتهم. رماهم ضابطهم في زنازين الذين كانوا يعذبونهم، وفتح الأبواب لكل المعتقلين. لم يعودوا يغلقون بوابة المعتقل، فيخرج السجناء لشراء علبة سجائر أو لقضاء حاجة ويعودون. في أحد الأيام، أبلغه الضابط بإطلاق سراحه، فرفض الرفض القاطع، وهو يعاتب الخالق، فَ "إلى حين" غدت بالنسبة له لسرعتها مشكلة المشاكل. كان سعيدًا في المعتقل، مع أصدقائه، مع ضابطه، مع جلاديه الإيجابيين. ناداه مخدومه الباكستاني، وأخبره أن هناك في حجرة استقبال أسر الأسرى امرأة محجبة تريد رؤيته. ظنها إحدى بناته، فراح يركض بلهفة الأب المشتاق لأكباده. كانت المرأة التي خانته، والتي بسببها فقد كل شيء. أعطاها ظهره، فأوقفه بكاؤها. التفت إليها، وقرأ في عينيها. لم يسألها لماذا فعلت ما فعلت بما أنها اليوم هنا. أوصلها حتى باب المعتقل، وعاد من حيث رافقها.

- رفعة لماذا لا نتزوج؟ سأل الأمير رفعة وهي في حضنه عارية.
- أنت الأمير تتزوجني أنا؟
- لا تقولي هذا الكلام، أنا خير من يعلم بما جرى.
- أنت من وراء ما جرى.
- لهذا السبب رفعة.
- ماذا نسميه؟ تأنيب الضمير؟
- جامعت كل أخواتك ولم أجامع من بين كل أخواتك مثلك ومن بين كل النساء.
- من زاوية الجنس تريد الزواج بي؟
- من زاوية الجنس.
- ومن زاوية القلب؟
- لست أدري.
- اخرج هيا اخرج! اذهب هيا اذهب!

أنهت حصة رقصتها حول القضيب الحديدي ولغنجها ودلالها صفق رواد النادي الليلي لها بحرارة. وهي في الممر إلى لُوجِهَا أمسكها من ذراعها شابٌ كان ينتظرها ليقبلها، فأفلتت منه وزوجها يفتح الباب.
- هذه هي نيويورك وهذه هي المهنة.
- أنا لم اقل شيئًا.
- أنت لا تريد العمل، تقول الرقاصة تكسب مالي ومالها.
- تريدينني أن أعلِّم الإنجليزية للإنجليز؟
- الأمريكية للأمريكان.
- الأمريكية هي الإنجليزية والأمريكان هم الإنجليز.
- الأمريكان هم الأمريكان.
- أنت شخص بدون أي شرف بدون أي إحساس.
- لهذا السبب تزوجتك.
صفعته.
- كنتَ تريد المجيء إلى أمريكا.
- .........
- كنت تريد أن تعمل أمريكا مثل أستراليا على البسكليت.
- حصة أنا أحبك.
- تحبني وأنا أنام كل ليلة في فراش الأمريكيين؟
- هذه هي نيويورك وهذه هي المهنة.
عادت تريد صفعه، فأمسكها من ذراعها بقوة.

- عايشة، نادت فضيلة من غرفة النوم.
- جاي، صاحت عايشة من المطبخ.
- اقفلي لي المعلق، طلبت فضيلة منها.
- أمرك مُنَجِّم كريستيان ديور، ألقت ضاحكة.
- أنا هذا الحين مُنَجِّم، أحبك، علقت ضاحكة.
- هل أنفذ أمرًا آخر؟
- أنت عمري!
وقبلتها من فمها.
- أطبخ لك طبق الدجاج الذي تحبينه.
- أشكرك.
- متى ستعودين؟
أنهت ارتداء ثوبها.
- أمي تريدني لأمر، ربما تأخرت معها.
- اضربي لي.
- كدت أنسى الجوال.
- كعادتك السيئة.
ضحكتا وفضيلة تلبس حجابها.

- مو حرام أنا وأنت مريم؟ همهمت منيرة.
- الله هذا ما يريد، همهمت مريم.
- نحن متعلمات.
- العواطف لا تفرق بين متعلمات وغير متعلمات.
- حق.
- بنات الهوى وضعهم طبيعي.
- حق.
- أنا وأنت لا يعلم أحد سوى الله.
- حق.

- بعتُ كل شيء لأجلك لمياء، قال زوجها أستاذ الأدب السابق، بعتُ الجامعة، بعتُ العائلة، بعتُ السعودية.
- أنا أعمل، قالت لمياء ودمعها يسيل على خدها.
- أول ما يسمحون لنا بالسفر نذهب إلى الإمارات أسترد وظيفتي ولا أتركك تخرجين من البيت.
- أحبك زوجي، همست ودمعها ينهمر على خدها.
- أنا أقتل نفسي لأجلك.
- ....... شهقت وهي تضمه.
رن جرس الباب، رجفت لمياء، وهي تمسح دمعها بطرف ثوبها وجسدها يجمد كالشمع.
- سأفتح، قال الزوج.
- لا، اذهب أنت، أنا سأفتح.
- اليوم أقتلك جواهر، قال سلماني السلمان لجواهر العارية تحته، اليوم أنتقم من أبيك شر انتقام.
- أبو جواهر ليس جواهر سلماني، انجنيت؟ ارتعدت جواهر. أنا جواهر المعلمة!
- جواهر المعلمة هي جواهر.
- جواهر قلم مكسور.
- بالبرَّاية تبرينه.
- أنت غبي لا تفهم ما أقول.
- أترين؟ كلامك خطير يا جواهر!
- أَصْمِتُ لو تبقيني على قيد الحياة.
- والضمانة؟ أعطيني الضمانة.
- كلام الصدق.
- صدق لو كذب، ألقى وتفجر ضاحكًا.
- صدق.
- إذن البقية بحياتك.
- دقيقة انتظر سلماني.
- ثانية.
- ثانية.
- انتهت الثانية.
- أول حلمتك هذه أقطعها بالموس.
- سلماني رحمتك، اقطع عنقي ولا تقطع حلمتي.
- أقطع عنقك بعدين.
- ما تعذبني سلماني أني فداك أبوس يدك كل ما تريد أكون كلبة لك طول عمري أكون حذيانك ما تعذبني.
- دوري.
- كيف؟
- أُدخل الموس.
- أبوس يدك سلماني.
- ما تخافي.
- أبوس رجلك.
- أَخَلِّيه يزلق.
- تجرحني.
- أعرف كيف أَخَلِّيه يزلق.
- توجعني.
- جربي آخر متعة.
- أنا لا أريد.
- دوري يا بنت الكلب!
- آخ!!!
- الموس لساه بيدي يا بنت الكلب!
- أبي مو كلب.
- اخرسي يا بنت الكلب!
- أنا معلمة فاحترمني.
- لهذا سأقتلك لأنك معلمة.
- النجدة!!!!!! دفعته ناهضة فأمسكها ودفعها على الحائط جارحًا إياها من حلمتها وجواهر تصرخ وتعود إلى النداء: النجدةَ!!!!!!
- دمُكِ ما ألذه!!!!! همهم ممسوسًا بعقله مغيبًا عن وعيه وهو يشربه من حلمتها حتى أنه ترك موساه تسقط على الأرض تحت أثر الغيبوبة.
لم تدر جواهر كيف تناولت الموسى وكأن قوة خفية رفعتها إليها، وطعنته، وطعنته، وطعنته. ألقت أداة القتل في فضاء الانتقام، وطيور نجران ونجد والربع الخالي النارية تنوح نواحها. قضت وقتها جامدة بالوقت، وهي تنظر إلى جثته حتى حان الوقت. قطعت رأسه، ووضعته في صندوق أرسلته إلى صاحب السمو الملكي. رمت جسده قطعًا في النار، زكية كانت رائحة اللحم المشوي، أثارت رغبتها في الأكل، فأكلت، وأكلت، وأكلت، وكأنها لم تأكل منذ قيام المملكة.

- 4 -

ذهب القصيمي إلى السيل ليرى، فرأى ما لم يره، في حياته لم يره، أهل الشرقية عادوا وأهل الغربية، ومن أطنان الحديد والرمل والإسمنت بنوا بيوتهم المتواضعة، وشقوا طرقهم المتضاجعة. قرأ هنا وهناك على الألواح المتآكلة "الشركة السعودية للمقاولات الوطنية"، فأثار ذلك في قلبه الاشتياق إلى شركته، شركة الظل شركته، وعزم على أن ينقلها من الظل إلى الشمس، ويعمل في الصدق ومعه. وبينما هو ينظر من فوق جسر أجنحة الجراد الذي بناه الله فوق السيل، إذا بالناس يتجمعون من حول ابنته جواهر في الشرقية ويتزايدون وكأنهم كانوا على موعد معها، وجواهر تخطب بهم من تحت حجابها:
- كفانا صمتًا يا أخوات يا إخوان، كفانا صمتًا، كفانا جبنًا، كفانا استسلامًا، كفانا تسليمًا، الأحوال تتدهور كل يوم ويومًا عن يوم، أحوالنا صارت لا تطاق لا من جن ولا من إنس تطاق، أحوالنا لا تحتملها حياتنا، أحوالنا لا تحتمل، لا تصبر عليها حياتنا، أحوالنا أسوأ مما وصفه الرسول الكريم بالسيول، والسيل هناك أصدق برهان، أحوالنا مِنْ صنع أيدينا لأننا يا أخوات يا إخوان تركنا أنفسنا لأيديهم يصنعون من أنفسهم ما يشاؤون ومن أنفسنا، نحن في أسوأ الأحوال وهم في أحسنها، أحوالنا تفلت منها العقارب، تهرب منها الأفاعي، تأنف منها الجرذان. كلنا مؤمن لنفسه وغير مؤمن بنفسه، كلنا يأمل بالجنة التي في السماء ولا يأمل بالجنة التي على الأرض، كلنا يقبل بنصيبه مما يعطونه ولا يأخذ نصيبه مما لا يعطونه، كلنا يرضى بما لا يستحق ولا يرضى بما يستحق. خيراتنا نحن لا نعرفها وتعرفها الشركات المتعددة الجنسيات، أموالنا نحن لا نسمع بها إلا من أفواه غير السارقين، أحلامنا قصور الملوك والأمراء، أمانينا السجون والمعتقلات، مصائرنا البغاء، فإلى متى يا أخوات يا إخوان نبقى على الضيم صابرين، الله سبحانه وتعالى يرفض لنا الطغيان وعلينا الطغاة، فإلى متى الرضوخ؟ إلى متى الخضوع؟ إلى متى الخنوع؟ نحن الأقويون وهم الأضعفون، قوتنا ليست بالإيمان فلا تتفاجأوا بكلامي المستفز لأني أريد أن أستفزكم، قوتنا ليست بالتقوى، قوتنا ليست بالدعاء، قوتنا ليست بالسجود، قوتنا بالوطن الذي نريده أن يكون حرا، وهو لن يصبح حرًا إلا إذا تحررنا. الطريق إلى التحرر لم يعد طويلاً، وها أنتم يا أخوات يا إخوان تحيطون بي كالحصن المنيع، وتنصتون لي كالقصيم.......

رنت في الآفاق قهقهات الفخار، فنظروا ولم يروا، وبحثوا ولم يجدوا، وسألوا ولم يعرفوا، كان فرحه فرح الكون. أمسك بالوهج قلمًا، وأنار في نور الأنوار كلماته الوهاجة التالية: "قدناك يا أبا رفعة وحميناك إلى حين"، والناس تسمع صرير القلم، وترى على صدر أبي رفعة كيف تُصهر الكلمات حروفًا من ذهب. جاؤوه كأسراب النمل وهو من فوق جسر أجنحة الجراد يطل عليهم بجماله كبطل وجدوه، وحملوه على الأكتاف صائحين مهللين مصممين. على حين غرة، وقع انفجار مزقهم ومن قوة النيران احترق الوحل في مياه السيل. لم يثنهم ذلك عما عزموا عليه، بل زادهم عزمًا. قادهم أبو رفعة إلى المنطقة الغربية، وأشعلوا النار في بيوت الوافدين. تقاتلوا وقتلوا. كان لا بد من شرط حتى ولو كان الهدف خاطئًا للتغيير. انتشروا في شوارع المدينة، وهم يشعلون النار في كل مكان. وبقوة النار دخلوا القصور، وأحرقوها.

في صباح اليوم التالي، احتل المارينز السعودية، مدنها وقراها وفيافيها. كان المارينز شرط التغيير بلا شرط ومن دون إعداد، العفوية التاريخية، والحرية الشعبية، والواقعية الضرورية.

اعتاد السعوديون على الاحتلال الأمريكي، فكل شيء في المدن السعودية تحول وكأن أمريكا انتقلت إلى جزيرة العرب بحضارتها. انتشرت البارات، وقرعت الأجراس، ووقت الصلاة صلى المسلمون في الكنائس عندما لا تكون هناك المساجد، وحتى في بيوت الأمريكان التي استأجروها لمناسبة يجد السعوديون أنفسهم معهم. كان الإسلام جميلاً في أخيلتهم وصار أكثر جمالاً في السماء وصار أقل إسلامًا على الأرض. غدا الرجل أقل بطريركية والمرأة أنثى أكثر.
- يا أخوات يا إخوان، صاحت عائشة من غير وشاحها بأحد الحشود فهي كثيرة ويومية بسبب الحرية، المرأة ليست نصف الرجل، المرأة كل الرجل، المرأة حرية الرجل، المرأة لم تعد القاصر من مهدها إلى لحدها، المرأة ثقة الرجل ثقة الوطن ثقة الأمة المرأة ثقة الرمل.
صفقوا لها، وصديقتها فضيلة لم تزل عاجزة عن خلع وشاحها.

- يا أخوات يا إخوان احتفالاتنا كل يوم، صاحت مريم ومنيرة بحشد آخر، وهذه الليلة نلتقي جميعًا من الجنسين ومن الجندرين في الساحة العامة لنرقص على الألحان البدوية طول الليل وحتى الصباح، لنرقص مع حاضرنا، لننسى ماضينا، نحن لا نريد سوى حاضرنا، نحن لن نذكر شيئًا آخر غير حاضرنا، سنرقص معنا رقص ذئاب تحلم بالقمر.
صاحوا موافقين راقصين سعيدين الإنسان فيهم وقد وجد الإنسان.

قال السفير الأمريكي لأبي رفعة القصيمي:
- نبقى كيلا نبقى.
رد أبو البنات السبع:
- بوصفي قائدًا للربيع السعودي أقبل كيلا أقبل.
- كيلا تقبل ماذا؟
- تبقون كيلا تبقون.
- وجودنا المؤقت يفرضه عليكم وجودكم غير المؤقت.
- استراتيجية جديدة استراتيجيتكم.
- أنتم من فرضها علينا.
- نحن يا من نعتمونا بكل النعوت عقل العالم.
- الدين عقل عندما يفكر العقل بالعقل.
- بالمناسبة أنا أدعوك هذه الليلة إلى حضور حفل زواج ابنتي رفعة على الأمير عمر الأخ غير الشقيق لولي العهد.
- أتشرف بالمجيء... ممممممم أريد أن أحذرك، بما أنك ذكرته، مما يهجس.
- أنتم هنا لحماية التغيير أم لحمايته؟
- جهازنا رفع تأهبه إلى مستوى ألف بالألف.
- إلى هذا المستوى!
- إنه شرير بطبعه يجب شطبه.
- هذا ما يريده الشعب ولكن شطبه كيف ومتى نريد بسرعة.
- لكل مقال مقام كما تقولون.
- لكل مقام مقال.
- حكمة من حكمكم.
- طيب... أتركك.
- انتظر، خذ.
- ماذا؟
- جهازك، فهل نسيت؟
- والله نسيت.
- الشركة السعودية للمقاولات الوطنية عادت إليك.
- صدق لو كذب؟
- كذب!
وقهقه الرجلان.

-5-

جهاز الموساد في السعودية مأمور كغيره لكنه يلعب على طريقته، الذئب يولد من بطن الحَمَل كما يقال. يرى بعين الغدر وبعين المصلحة، مصلحته حتى على مصلحة أخيه، وإذا كانت المصلحة تكون المنكحة، للتخريب من أجل التخريب، ليقضم ولو القليل من رغيف صاحب النعمة. ولكي يكون التبرير أسهل الأمور "القرف"، يذهب عند الأمريكاني في آخر لحظة، ويكشف عن خطته التي صنعها من طقطق لسلام عليكم بيده للشطارة كما يدعي والمهارة، ولنيل الإمارة كما يهلوس، بينما يكون الوقت قد فات. وهذا ما سيحصل مع ولي العهد السعودي، فما يجري في السعودية لا يراه الرب يهوه بنفس العين التي يراه منها الرب فهلوه. أهم شيء في العملية هو التنصت، التضبيب لم يعد ينفع في زمن الذكاء الاصطناعي، وبالمقابل لم يزل التسجيل يقضي الغرض، بما أن الإنجاز سينجز إذا ما تقاضى المرءَ يومٌ وليلة. عمموا الشرائط في كل حجرات القصر في الصالونات في الممرات في بيوت الخلاء لتسجيلات بائتة منذ سنوات عديدة، وفتحوا خط الفيديو المباشر بين رئيس الموساد وولي العهد:
- نحن معك سيدي الموساد معك سيدي إسرائيل معك سيدي.
- أنا عارف أنا عارف.
- أنت مَلِكُنَا قبل أن تكون ملكًا للسعوديين، نحن لن ننسى فضلك علينا.
- أنا عارف أنا عارف.
- تقول لنا افعلوا نفعل.
- أنا عارف أنا عارف.
- سيدي قنبلة نووية لا، فيها خطر كبير علينا، احنا ناس نفكر في شعبنا، ربع قنبلة سيدي مثل القنبلة في ميناء بيروت.
- نصف قنبلة.
- سيدي الدمام ستمحى عن وجه الأرض، مصادركم النفطية ستنعدم، السعودية ستزول، شعبكم سيأكل بعضه إذ لن يجد ما يأكله، وسيندثر.
- أوكي ربع قنبلة.
- أمرك سيدي.
- ربع قنبلة لا أقل.
- ربع قنبلة لا أقل سيدي.
- والباقي؟
- اغتيال علماء الدين والفقهاء والشيوخ يكون قد بدأ.
- لم أسمع بأي اغتيال.
- افتح راديو الجيش الإسرائيلي.
- ليس عندي وقت في هذه الأوقات.
- أوقات عصيبة سيدي.
- أريد أن يخلّي السعوديون الفورة...
- الثورة سيدي.
- بإرهاب أصحابها الكفار أصحابها يقتلون رجال الدين.
- الأمر واضح سيدي.
- أنا عارف أنا عارف.
- أما تفجير فنبلة في حاملة الطائرات، فأنا ضد سيدي. أنت لن تخيف الأمريكيين بقنبلة من الأساس لا تؤثر بطيز آيزنهاور، فكيف بطيز البنتاغون سيدي.
- أنا عارف أنا عارف.
- إذن ما تطلبه سيدي...
- سأكلف بالأمر ضباطي.
- سيدي لا تحاول الحادث لن ينفع وخطأ.
- أريد فقط التلويح.
- بماذا سيدي؟
- بوجودي.
- أنت موجود سيدي.
- لم أعد.
- أنت... سيدي.
- أنا كنت موجودًا يوم كنت على رأس مملكة الإرهاب، على رأس مملكة قطع الرقاب، على رأس المملكة المبتزة، على رأس المملكة المسلخة.
- أنت النهايات الباقية.
- النهايات هي النهايات.
- كما ترى سيدي.
- وماذا عن الحوثي؟
- كلمناه سيدي.
- ماذا قال؟
- هو مستعد، قل متى يهاجم الحدود السعودية، هو مستعد سيدي، ينتظر إشارة منك سيدي.

بوصفه قائدًا للربيع السعودي، أقال أبو رفعة القصيمي أفراد مجلس الوزراء ومجلس الشورى ومجلس العلماء ومجلس القضاة ومجلس الأئمة ومجلس القيادة ومجالس البلديات ورؤساء البلديات والتمثيليات والسفراء أينما كانوا في العالم. أمر ببقاء الأمراء والأعيان وأحفاد بن عبد الوهاب في قصورهم، وطالب بكشوف مصرفية لحساباتهم بما فيها الأف شور. وليعبر صاحب الجلالة الملك عن حسن نواياه، قدم في الحال شيكًا بقيمة ترليون دولار هدية منه متواضعة للشعب السعودي، وخالق السموات والأرض يقهقه وهو يستوي على عرشه من عميق السعادة، وبقلمه الذي من نور كتب بالوهج في كتاب النور "عَيَّنْاك يا أبا رفعة وأيَّدناك إلى حين"، والسعودية من أقصاها إلى أقصاها تسمع صرير قلم النور وهو بالوهج يحفر الكلمات ذهبًا في صدر المحظوظ "إلى حين"، فإلى متى؟ الله أعلم!

عَيَّنَ الشعب بعدما سمع ما سمع ورأى ما رأى أبا رفعة رئيسًا للوزراء، فتسابق المدعوون إلى حفل زواج "رفعة وعمر" سباق الخيل في ملعب التوقعات، من ذا الذي سيكون وزيرًا ومن ذي التي ستكون وزيرة. أجمع جميعهم على توزير جواهر القصيمي للتربية والتعليم، وفضيلة محمد قاسم للمرأة، وبتول عيسى (المرأة الشبح) للمالية. تدخل أبو رفعة كاشفًا عما لا يعلمه أحد حتى الساعة غيره: سميح الدليمي (الشاب المعتقل) للداخلية، خالد النجدي (ضابط المعتقل) للدفاع، وضاح بن وضاح (أحد خدمه الخصيان الذين لم يترددوا عن تعريض حياتهم للخطر في سبيله وسبيل بناته أصيب ولم يمت كثلاثة غيره) للشئون الاجتماعية، آغا خان للوافدين، فهمية بنت نجران (الشابة المعتقلة) الناطقة الرسمية، وبناته السبع مستشاراته.
- أنا لن أسلم على أخيك سموك، قال القصيمي غاضبًا لعريس ابنته رفعة، أنا لن أضع يدي في يده.
- هذا عرسي أبي، قالت رفعة بهدوء، ولي العهد أخو عريسي.
- أنتما لم تدعواه، نحن لم يدعُهُ أحد منا لا أنا ولا أخواتك.
- أخي لا يحتاج إلى دعوات، قال عمر بهدوء.
- أخوك لا يحتاج إلى دعوات، همهم رئيس الحكومة المعين غير راض.
- ها هو أبي، لا تدر ظهرك أبي، ابق هكذا أبي.
- مبروك يا زين، قال ولي العهد وهو ينحني بصوفه على أخيه، مبروك يا زينة.
- الله يبارك فيك أخي.
- الله يبارك فيك سمو ولي العهد.
- سمو ولي العهد! همهم أبو رفعة متهكمًا وهو يشيح بوجهه عنه.
- مبروك رئيس وزراء الشعب، هتف الأمير وهو يضرب القصيمي على ذراعه.
- أنا اختارني الشعب وأنت اختارك الشيطان!
- أبي!!!!!
- اتركيه.
- ليس هكذا ليس في عرسي.
- الحق معه، أنا اختارني الشيطان.
- أعتذر من سموك.
- لا بأس عليك أختي، قدم لها علبة مجوهرات أخرجها من جيبه، هدية متواضعة.
- أوه، وفتحت العلبة على ياقوتة ضخمة، أوه، أنا أشكرك صاحب السمو الملكي، أنا كلي شكر سيدي. انظر أبي.
- نظرت! قال من طرف لسانه دون أن ينظر.
- أكرر شكري سيدي.
- وأين المشروب يا ولد، قال لآخيه مداعبًا، عرسك الليلة ولا مشروب؟
- كوكا كولا لو عصير.
- أراه عرس محمد بن عبد الوهاب.
- دمك ثقيل، تهكم القصيمي من بين أسنانه.
- سيدي في الصالون هناك.
- أي صالون؟
- الصالون الصغير لما تدخل على الشمال سيدي.
- خذني يا بهيم، قال للضابط مرافقه.
- تفضل سيدي، أطاع الضابط.
- شكرًا كثير كثير كثير سموك، لم تتوقف رفعة عن ترداد "كثير" حتى بعد أن اختفى ولي العهد بين المدعوين دون أن يحييه أحد أو يعيره اهتمامًا.
هرعت أخواتها الساحرات بأثوابهن الغربية ليرين الهدية الملكية بضوضاء "المطبخ" التي اعتدن عليها، كن كلهن في العرس عائشة مريم منيرة جواهر لمياء إلا حصة التي بقيت في أمريكا وتكلمت مع أختها في الواتسأب.
- سعادة السفير الأمريكي، هتف الأب السعيد رئيس وزراء الشعب بفرح المنتصر، وهو يشير إلى بتول عيسى بمرافقته، وعجل الذهاب لاستقباله.
- تأخرت، بدأ سعادته الكلام.
- ليس كثيرًا. أقدم لك وزيرة المالية القادمة سعادة السفير.
- تشرفت معاليك.
- كل الشرف لي سعادتك.
- سنعمل من أجل البلدين أمريكا والسعودية.
- بكل تأكيد سعادتك.
- خدشوا آيزنهاور في جدة، ألقى وهو يسير مع القصيمي.
- مَن هم؟
- الموساد يقول الجيش.
- ليس الجيش؟
- الجيش.
- الجيش ليس كله معنا.
- اغتيال رجال الدين وإلقاء قنبلة على حاملة الطائرات.
- والاغتيالات؟ من هو؟ الجيش؟
- لم نعرف.
- ماذا قال الموساد؟
- ماذا قالت السي آي إيه؟
- ماذا قالت مخابراتكم؟
- مخابراتنا لا تعرف.
- نعرف كلنا الأهداف على أية حال.
- تهانيّ لصاحبة السمو الملكي، تهانيّ لصاحب السمو الملكي.
- صاحبة السمو الملكي ليس في القانون، ضحكت رفعة.
- كل شيء في وقته، قال الأب، أولاً الوزراء، وبعد ذلك أفراد الهيئة التي ستكتب القانون.

جرع ولي العهد أكواب الشمبانيا كوبًا بعد كوب، تناول قنينة الويسكي ليجرع من فوهتها، وبإصبعٍ بدأت تثمل أشار إلى مرافقه الضابط الذي فرش في الحال أبيض الكوكايين على أسود السلطة، فنشقه المدمن، وتراخى. بعد قليل، حقنه الضابط، فنقله إلى جهنمَ عدنٍ تجري من تحتها النيران، عراه، واخترقه.

-6-

انتشرت المحاكم الشعبية انتشارًا لا مثيل له في تاريخ المملكة يُذَكِّر بانتشارها في عصر ما قبل الإسلام حيث كانت التعددية الدينية والحرية الفكرية هي السائدة. أقيمت المحاكم في الساحات العامة وفي الشوارع الكبرى وفي الملاعب الرياضية، وامتنع الناس عن عقدها في المساجد احترامًا منهم لحرمتها. كان يكفي أن يتفق المشتكون على قاض يبت في قضاياهم، منهم يكون المحامي ومنهم يكون الشهود. لم تكن القضايا في معظمها خاصة، كانت عامة، فالشكاوى ضد النظام البائد، محورها شخص واحد، ولي العهد. من بين أهم القضايا التي شغلت البلد قضية قطع الرؤوس بالسيوف، وقضية القاصرات والقاصرين الذين عوقبوا وقتلوا، وقضية الكتاب والمبدعين الذين اعتقلوا وعُذبوا، وقضية الناشطين والمعارضين الذين اعتقلوا كذلك وعُذبوا، وقضية المدونين والآخرين بتهمة التكفير، وقضية الجائعين ممن لم يكونوا يأكلون، وقضية المشردين ممن لم يجدوا أين يذهبون أو يباتون، وقضية المطاردين من كل طير من كل نوع من كل جنس من كل مهنة....... عندما بدأت هذه القضايا تشغف الألباب، برزت ظاهرة أسماها السعوديون بظاهرة "أسماك القرش". تنبثق من قلب الجماهير، منها وعليها، مجموعات تغطي وجوهها، تعتدي على كل من تصله أياديها، وبلمح البصر تختفي، وتذوب كالملح في الماء. كان المارينز قد أخلوا المدن، فلم يتدخلوا. وكان أفراد الشرطة قد تركوا مراكزهم في أيدي الشعب، فلم يتحركوا. أشارت أصابع الاتهام إلى ولي العهد، فنفى كل صلة بالمعتدين، قال أولئك منكم وفيكم، وأنا لا دخل لي منذ "فورتكم" بأموركم. أثارت الفاشية الرأي العام العالمي، فتابع الغرب بغضب فعلي قضايا السعوديين في محاكمهم الشعبية حول قطع الرقاب وبتر الأعضاء وسلخ الأجساد ممارسات أشبه بالممارسات البربرية لمحاكم التفتيش التي كانت تسود في العصور الوسطى عندما كان يُقطع رأس المحكوم عليه بالإعدام تحت المقصلة من دون شهود ومن دون محامين وحتى من دون قضاة. تابع الشارع في أوروبا وأمريكا باستنكار فعلي الحكم بالموت على القاصرة وعلى القاصر لتهم ليست بالتهم أصلاً في بلاد القانون والعدل اعتمدها من نطق بحكم الموت على شعر العانة نابت أو غير نابت، نابت ينفذ الحكم فيك على الفور، غير نابت يتركونك تذهب لمصير آخر حيًا ليس أحسن من مصيرك ميتًا. ثار المثقفون في باريس ولندن وواشنطن لمَّا علموا أن الشعراء والقصاصين والفنانين يلقون في المعتقلات، وتمارس عليهم أقسى أنواع التعذيب البربري لا لسبب إلا لأنهم يكتبون قصيدة غير ما يريده ولي العهد، ويسردون قصة غير ما يريده ولي العهد، ويرسمون لوحة غير ما يريده ولي العهد. قضية المعارضين والناشطين يعرفها الشارع في الغرب، في الماضي لم يتخذ منها موقفًا كما يلزم، وفي الحاضر، بفضل المحاكم الشعبية واحتجاجًا على أسماك القرش التي تنبثق من جوف بحار الجماهير لتنهش ثم تذوب في الماء، يريد الشارع في الغرب تنفيذ الأحكام التي كانت كلها أحكامًا بالإدانة. الحكم بالموت في قضية المدونين وقضية التكفير كالحكم بالموت على الحرية التي في الرأس، الحكم بالموت على الاختيار، الحكم بالموت على الجوهر الإنساني. ثم... تعالوا يا جائعين في بلد السمن والعسل السعودية، تعالوا يا مشردين من جنة الأديان إلى جحيم ولي العهد في زمن الوهابية، تعالوا يا مطاردين في أبدانكم ويا مطاردين في أحلامكم ويا مطاردين –باختصار- في حيواتكم... أبلغ وزير الثقافة الجديد الحكومات الفرنسية والبريطانية والأمريكية بالاستيلاء على قصري ولي العهد في باريس ولندن وعلى شقته في نيويورك، بيعها، وشراء بدلها لثمنها الباهظ بناية في واشنطن تكون والقصران منارًا عالميًا للثقافة والتنوير ومقرًا عولميًا لمؤسسة "قوس قزح". تظاهر الشارع في العواصم الثلاث مع قرارات الحكم، وفي المقدمة الكتاب في الغرب ومثقفوه.
مارس النظام الجديد ضغطًا كبيرًا على ولي العهد بالمحاكم الشعبية، فوجد نفسه مضطرًا للقتال. لم يحتج الموساد أكثر من سفينتي شحن تركية ويونانية -التمويه ليس حكرًا لأحد على أحد- ينقل عليهما ثلاثة آلاف طن من نترات الأمونيوم إلى ميناء الدمام.

كان برج الشركة السعودية للمقاولات الوطنية يغلي بالموظفين هنا وهناك على كل الطوابق العشرين التي لا يتوقف المصعد عن صعودها وهبوطها، وكان أبو رفعة القصيمي يقضي وقته فيها كرئيس مدير عام أكثر مما يقضي وقته في بناية الحكومة كرئيس وزراء. بتول عيسى كذلك، كانت تقضي وقتها في البرج أكثر مما تقضيه في وزارة المالية.
- بتول اسمعي، قال القصيمي، على ضفتي السيل الشرقية والغربية تقام البنايات الحديثة لفقراء البلد.
- هذا ما حصل، قالت وزيرة المالية.
- كيف هذا ما حصل؟
- اتفقنا مع الأمريكان على اقتسام الميزانية المخصصة لذلك هم للخبرات ونحن للبنايات.
- على الأرض البور يقام مصنع للتكنولوجيا.
- هذا ما حصل.
- أنا رئيس وزراء ولست على علم بشيء!
- أنت مشغول، عندك ألف هم وهم.
- أنا رئيس وزراء مو لص زي زمان، يلزمني أعرف.
- الآمريكان أرسلوا إلينا تلاميذ هارفارد من السيليكون فالي ونحن وهم نبني أكبر معمل تكنولوجي في المنطقة.
- أوكي أوكي.
- نحن عمالنا أميون أو نصف أميون على بركة الله ورسوله، ليتعلموا بالخبرة رفعنا شعار "الحجر بريال".
- هذا للبناء.
- والكناية هل تعلمتها في المدارس سيادة رئيس الوزراء؟
- الشعب السعودي من أذكى الشعوب في العالم بس أعطيه الفرصة.
- نحن لا نعطيه هو أعطى نفسه.
- لماذا أنتِ فستانك الأحمر حلو كتير؟
- فستاني ليس أحمر فستاني أزرق.
- أزرق أحمر كلش حلو.
- انت تاني بدلة آخر أناقة.
- ومتى سنتزوج؟
- ....... قهقهت.
- المَصلى من ورائي.
- زواج غير الجد ما أريد..... قهقهت.

-7-

زلزل انفجار ميناء الدمام أرض جزيرة العرب مزيحًا إياها عن موقعها الفلكي لقوته النووية، سُمع دويه في الهند وفي اليونان وفي جنوب أفريقيا وفي باهاماس، وغطى فطره سماء مكة والمدينة وباقي المدن السعودية. تم محق مدينة الدمام بأكملها وما حولها، وتفجرت البراكين من آبار النفط في أرضها وآبار الله في سمائها. كانت الضحايا أكثر من مليون، وفاقت الخسائر أكثر من ترليون، كانت الفاجعة الرابعة الكبرى في التاريخ بعد هيروشيما وناجازاكي وبيروت. وفي الدخان المنتشر في الليل والنهار، نشط رجال الأمن الأميريين في العهد السابق كما لم ينشطوا أبدًا، اختطفوا الأبرياء عن أبي جنب دون أي تفريق بين رجل وامرأة أو بالغ وقاصرة، أحرقوا المتاجر وفي المساجد فجروا القنابل. فاجأوا التغيير، فحيدوا مريديه، ومن حجر جعلوهم، فلم يتوقع الرمل ما يجري. وشيئًا فشيئًا والدخان ينطوي والنهار ينجلي، راحوا ينفخون الحياة في الحجر، ويتحركون. حولوا المساجد إلى محاكم ثورية يقاضون فيها أزلام النظام السابق، مع النظام الجديد أو ضده، لم يكونوا يدققون، زلم النظام القديم أو غير زلمه، لم يكونوا يبالون، كانوا يحاكمون لمجرد إشارة من إصبع، لمجرد همسة من شفة، لمجرد كلام في العين لا يقرأه أحد آخر غير المتمردين. ولم يلبث الظمأ أن زحزح الغضب من مكانه، فراحوا يحاكمون أي شخص تقع عليه أياديهم، يسوقونه إلى أقرب مسجد، وكل ما يلزمهم بضع دقائق ليحكموا عليه بالموت، وينفذوا الحكم فيه بالرصاص رميًا، وتحت المحراب في المسجد فورًا، بينما الله سبحانه وتعالى الجالس على عرشه يشاهد ويذرف اللآلئ، من النيران اللآلئ، ومن فرط الكلم، يمسك بالقلم، ويلفظ من الينابيع الكلام: ما هذا الذي كتبت؟ ما هذا الذي أردت؟ ما هذا الذي جعلت؟ ويكتب بالوهج: "عزيناك يا أبا رفعة وواسيناك إلى حين"، وكل جزيرة العرب من الدمام إلى جدة ومن الرياض إلى مكة تسمع الصرير، والكلمات على صدر أبي رفعة تصاغ بأحزان الذهب وبذهب الأحزان.

بحضور وزير الدفاع خالد النجدي ووزير الداخلية سميح الدليمي تكلمت فهمية بن نجران الناطقة الرسمية في المؤتمر الصحفي:
- أقول لكم بصراحة وبدون لف ودوران أي تحرك دون تحقيق السقف الأدنى من ضرورة إسقاط نظام ولي الخمر الفاشي الشوفيني العنصري الدموي الدكتاتوري الفاسد السارق القمعي ومحاكمته واسترداد أموال الشعب المنهوبة لا قيمة له.
- نعم يا سادة، شد وزر الدفاع الميكروفون من يد الناطقة الرسمية، النظام القديم لم يزل موجودًا، كارثة الدمام أكبر دليل على ذلك، الثورة المضادة أكبر دليل على ذلك، المحاكم الثورية أكبر دليل على ذلك.
- أضيف يا سادة، شد وزير الداخلية الميكروفون من يد وزير الدفاع، وللتوضيح فقط للتوضيح، وزارة الداخلية لم تتدخل في شئون الشعب الذي يديرها بنفسه، فكما ترون شرطتنا "الجمهورية" (ضحك) لم تتدخل وأمننا "الجمهوري" (لم يضحك) لم يتدخل، ونحن لن نطلب من المارينز التدخل، وعلى أية حال المارينز من فم سعادة السفير الأمريكي يتفهمون الوضع.
- سأكمل، قالت الناطقة الرسمية شادة الميكروفون من يد وزير الداخلية، بعد اجتماع الحكومة الطارئ تقرر ما يلي: يمنع التجول في البلاد ابتداء من يوم الغد من تمام صلاة الفجر إلى تمام صلاة العصر ومن تمام صلاة العشاء إلى تمام صلاة الفجر... ونهضت، ونهض الوزيران، وثلاثتهم يشقون طريقهم بصعوبة في جوف العاصفة الصحفية.

- يا حبيبتي لمياء لا تغادري، همهمت رفعة بدموعها، ابقي يا أختي، ابقي يا مهجتي!
- البلد الذي اغتُصِبت فيه لن أبقى فيه بعد اليوم ساعة واحدة، شهقت لمياء.
- البلد تغير لمياء، قالت عايشة وهي تمسك يدها، البلد كله يغلي البلد كله حياة جديدة.
- القتل والنهب والسلب والقنابل النووية وتقولين حياة جديدة، أجابت لمياء وهي تسحب يدها.
- هذا كله شيء مؤقت أختي، قالت مريم.
- هذا كله شيء طبيعي لمياء، قالت منيرة.
- مو طبيعي ومو مؤقت، أجهشت لمياء، أَبَدِي، السعودية انتهت إلى الآبد، حفروا لها كل تلك السنين حفرة كبيرة حفرة كبيرة حفرة كبيرة ورموها فيها، السعودية يا عيني عليها اغتصبوها مثلي مثل أختكم لمياء ورموها.
- اهدأي حبيبتي، قالت جواهر وهي تضم أختها، امسحي دموعك.
- امسحي دموعك، أعادت رفعة القول. جواهر وزيرة التربية والتعليم اليوم كل شيء على يدها سيتغير المدارس الإعداديات الثانويات الجامعات البرامج، أختك راح تخلصنا من الوهابية التي نحملها في دمائنا، الوهابية هي التي اغتصبتك يا أختي.
- حق ما تقولينه أختي رفعة، أكدت جواهر وهي تهز رأسها من غير توقف حتى أنهن ظننها نخلة حبلى مثقلة بقطوف البلح، لكن الطريق وعر وشائك وطويل.
- أبي يعينك.
- أبي... يعينني.
- أبي اختاره الشعب.
- أبي ما جاء لتوديعي.

كانت طائرة الجيت الصغيرة بانتظار ولي العهد في أحد المطارات الخاصة، ركبها مع زوجاته وباقي أفراد أسرته، وطار إلى وجهة مجهولة.

-8-

جاء أحد المواطنين وبرشاشه أخذ يطلق النار على صورة ولي العهد الملصقة على جدار، ووزيرة المرأة فضيلة محمد قاسم وعائشة القصيمي مستشارة رئيس الوزراء تغلقان أذنيهما بيديهما وتصيحان وتنطنطان وتبتسمان.
- الرجل يعبر عن فرحه بمغادرة ملك الشر البلاد، قالت فضيلة.
- نياله، قالت عائشة، أفعل مثله لو كان بيدي سلاح.
- تمام عيني؟ توجهت الوزيرة بالكلام إلى المُسّلَّح، فابتسم الرجل، وذهب.
والرجل غير بعيد أطلق الرصاص في قلب أحدهم، وصاح بالمارين:
- أعرف هذا الوافد، خائن من خونة ولي العهد، أعرفه كما أعرف ما في جيبي.
لم يرد الناس الذين فضلوا الابتعاد بقدم عجلى، والرجل يبصق على وجه القتيل.
- أرحت الدنيا من شرِّك، دمدم وهو يصحن أسنانه.
- تقولين ملك الشر؟ قالت عائشة لصديقتها وكلماتها كلمات القلق والتهكم، كلنا ملوك للشر.
- لا يوجد سوى ملك للشر واحد ومملكة للشر واحدة، ردت فضيلة على صديقتها، ملك الإرهاب وقطع الرقاب، ومملكة الإرهاب وقطع الرقاب.
- العم سام صنعهم على شاكلته.
- العم سام تعلم عيني شوفينا اليوم وشوفيه بس على الله ما يبدل رايه.
- الظروف ما عادت مثل زمان.
- الظروف بنت الكلب مشت.
- مع ستين داهية.
- مع ستين ألف داهية.
- الحر لا يطاق.
- أرمي الوشاح.
- الحمد لله.
- فيما بعد العباءة.
- ارميها الحر جهنم.
- ذات يوم أرميها.
- وزيرة متخلفة هههههه!!!
- ههههههه!!!
- انظري أول امرأة تجيء إلى ستاند صاحبة المعالي.
- يا ست أنتِ وزيرة المرأة؟ سألت المحجبة.
- أنا الوزيرة التي في خدمة جميع السعوديات، ردت وزيرة المرأة.
- أريد منك خدمة صغيرة.
- تفضلي.
- فاتورة الكهرباء الله يخليك.
- لا تقدرين دفعها؟
- عاطلة عن العمل الله لا يريك.
- عايشة حقيبتي.
- وضاح بن وضاح وزير الشئون الاجتماعية ماذا يفعل؟ هذا شأن من شئونه.
- معلش أعطيني حقيبتي.
- خذي.
- شكرًا، ثم للمرأة، الريالات هذه للفاتورة والريالات هذه للأولاد، وبكره باكر تروحين من طرفي للوزارة وتطلبين السيد وضاح بن وضاح وزير الشئون الاجتماعية، تشرحين له وضعك، وهو سيقوم باللازم.
- الله يخليك الله يديمك الله يخليك الله يديمك الله يخليك الله يديمك، رددت المرأة وهي تريد تقبيل يديها.
- فضيلة، فكرت عائشة حال ذهاب السيدة، لماذا لا تقومين بحملة على التويتر ضد فواتير الكهرباء والفقر والبطالة قليل من كثير مخلفات العهد البائد، أنتِ أحد دواليب الحكم، بقرار تفين بالغرض، لكن التوعية مهمة، وبدونها لن تنجحي، لن ننجح الحكومة.
- أمرك يا زوجتي، وتفجرت العشيقتان بالضحك.
- تصوري حتى هذه الساعة من الحرية والممنوعون من السفر لا يعرفون أن قانون منع السفر الجائر ألغي وأن بإمكانهم السفر في أي وقت يريدون وإلى أي بلد يرغبون.
- هَلو! حيت الشقيقتان مريم ومنيرة عائشة وفضيلة.
- أووووه! بدون وشاح بدون حجاب وبفساتين قصيرة! ألقت عائشة مداعبة.
- وأنتِ؟ ألا ترين نفسك؟ هههههه!!!
- أنا لآن الحر لا يطاق نحن في شهر أكتوبر والسعودية الجحيم على الأرض.
- لم تعد الجحيم حتى ولو كانت الجحيم! ههههههه!!!
- ماذا تفعلان هنا؟ سألتهما فضيلة محمد قاسم.
- كنا نعمل ستاند لأجل منظمة المجتمع المدني التي ننوي إنشاءها للنساء.
- وما هي ردود فعل السعوديات؟ سألت عائشة.
- السعوديات سلبيات.
- ليست كلهن سلبيات.
- طبعًا ليست كلهن سلبيات.
- مثلما قلت لفضيلة حملة على شبكات التواصل الاجتماعي هذا ليس كل ما يلزم وإنما هذا بعض ما يلزم وبأسرع ما يكون.

والسعوديون يحترمون ساعات منع التجول الليلية على الخصوص بكل الوعي وكل التحضر اللذين توجبهما الظروف الحساسة والشروط الاستثنائية وذلك بالمكوث في بيوتهم، نزل عليهم الخبر المروع التالي الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية: ولي العهد السعودي يقود القوات الحوثية من الحدود اليمنية لاجتياح البلاد.

- الظروف الآن تفرض على المارينز القيام بما لا يريدون القيام به، سعادة السفير، قال أبو رفعة القصيمي رئيس الوزراء.
- الظروف الظروف الظروف نحن الأمريكيين لا تشغل بالنا الظروف، قال السفير الأمريكي، ما يشغل بالنا حياة جنودنا.
- سبق السيف العذل سيدي السفير.
- أنا لا أفهم ما تود الوصول إليه.
- سأفهم سعادتك.
- كلمني باللغة العربية.
- القول المأثور باللغة العربية...
- ما تعنيه الحكمة.
- أنتم في السعودية حربكم بالوساطة مضمونها الموضوعي في مكان آخر من بلاد العرب ما عدانا نحن جزيرة العرب.
- هناك الحرب بالوساطة العسكرية وهناك الحرب بالوساطة الدبلوماسية، اسألني أنا وأنا الدبلوماسي.
- الوقت، كثير من الوقت، كثير الكثير من الوقت، أساس الوساطة الدبلوماسية، وفي الحالة السعودية لا وقت هناك، تجد ولي العهد الآن يقطع الحدود اليمنية، ويردي بنيرانه جنودكم، فهل ستستقبلونه بأذرعكم المفتوحة على سعتها؟
- هذا الوغد يجب تلقينه درسًا لن ينساه.
- سعادة السفير أنا سأسحب البساط من تحته نصف سحبة وذلك بتعيين نسيبي أخيه غير الشقيق سمو الأمير عمر وليًا للعهد، وأنت ستلظيه بلهيب نيران المارينز، فتكون نصف السحبة الثانية. بضربتنا العبقرية نحقق نصف الإنجاز الذي ينتظره الشعب السعودي.
- ونصف الإنجاز الثاني؟
- استعادة الشعب السعودي لأمواله.

-9-

"هنا نشعل النهار بالشمس، هنا نطفئ الليل بالقمر"!

كان الأخ الصغير وسام يغني وأخوه الكبير حسين وكل منهما يضع ذراعه في ذراع الآخر وهما يغذان الخطا بين جمهور كثير من المتطوعين.

"هنا نذهب إلى الحرب، هنا نأتي بالنصر"!

كان وسام يرفع رأسه إلى الشرفات على نداء هذه الفتاة أو تلك وهن يلوحن بالمناديل، وحسين يضحك، ويشير بيده.

"هنا تبكي أمنا خوفًا علينا من الموت، هنا لا نقول لأمنا إننا ذاهبون إلى الحرية"!

كان وسام يرقص وحسين رقص البدو من قبائل شمر، ومن حولهما تجمّع عدد من المتطوعين، يصيحون ويسحجون، كأنه عرس الوطن.

- حسين وسام، صاح شاب أشقر على كتفه سلاح، أنتما أيضًا؟
- مهايض المهايضي أنت أيضًا!
- أنا على قفاي!
- إذن لماذا تذهب؟
- لم تفهما، أنا على قفاي ألا أذهب.
- ....... ههههه!
- لا مكان لقدم في مكتب التطوع.
- كيف تركوك تذهب معه؟
- مع سلاحي؟
- لا مع عشيقك ههههه!
- لا تضحكا! عشيقي حاله حال، يبكي عليّ، لا يريدني أن أذهب.
- يحبك، هذا هو الحب.
- وأنا أحبه.
- قناعاته غير قناعاتك.
- إنسان.
- أنت عائد لتراه؟
- لا أريد أن أراه ولا أريد أن يراني... سينقلني أبي إلى الجبهة بسيارته هذا المساء، هم على أي حال ليست لديهم أمكنة للجميع في شاحناتهم.
- اوكي نتركك.
- حظ طيب.
- حظ طيب، لا تعد إلى أمك ملاكًا من ملائكة الجنة.
- لا أريدها أن تبكي، بكت بما فيه الكفاية.

"هنا نشعل النهار بالشمس، هنا نطفئ الليل بالقمر"!

- كفى يا صبيان، نبههم رجل في الأربعين من عمره، الوقت صعب ليس للغناء.
- لن يتردد المجرم عن قتلنا، نبههم رجل ثان بعمر الأول.
- هنا أو هناك الأمر واحد في سلوكه معنا ابن الكحبة، رد ثالث على الرجلين، وأخذ يغني مع الشابين.

"هنا نذهب إلى الحرب، هنا نأتي بالنصر"!

- من أين أنتما، سألهما الرجل.
- قبائل شمر هل سمعت بها؟
- أبناء هذا الرمل المقدس.
- عشت.
- وأنت من أين؟
- أنا من كل القبائل قبائل نجد وقبائل عسير وقبائل نجران، كلها ولن أسميها بأسمائها.
- أنت جزيرة العرب.
- مثلما تقول، أحملها على كتفي أينما أذهب، فتزيدني هيبة وتزيدني عزة وتزيدني شرف وكرامة.
وعاد يغني معهما:

"هنا تبكي أمنا خوفًا علينا من الموت، هنا لا نقول لأمنا إننا ذاهبون إلى الحرية"!

- المكتب! أترككما! ربما تلاقينا على الحدود اليمنية!
- ما اسمك؟
- أنا لا اسم لي.
- كيف يناديك أهل الجن.
- كافر بإسلام ابن سعود.
قهقه الأخوان وهما يعيدان "كافر بإسلام ابن سعود".

- التطوع ممنوع للنساء، صاح الضابط بالمرأة.
- الأمريكية جندية ومثلك ضابطة وأنتم تقولون ممنوع، صاحت المرأة.
- يا سيدتي لا مكان للنساء في جيش العربية السعودية المظفر برجاله.
- هذا ليس الجيش هذا تطوع وتعبئة عامة وللجميع النساء قبل الرجال.
- روحي وأحضري معك عشر حرمات أعمل منكن فيلقًا.
- عشرة بس؟
- روحي.
- أحضري معك الشابات اللاتي كن يلوحن بالمناديل من الشرفات، قهقه الأَخَوَان.
- احتشما، نبر الضابط، الوقت حرب وأنتما لا قلق في أعينكما! ولوسام: أنت كم عمرك؟ بالغ؟
- سبعة عشر عامًا، أجاب وسام.
- قاصر! صاح الضابط.
- يكذب سيدي الضابط أخي عمره خمسة عشر عامًا، قهقه حسين.
- أنتم لا تفهمون كما يبدو.
- نحن لا نفهم سيدي الضابط، وقهقه الأخوان.
- عانتك، قال الضابط للصغير.
- عانتي ما بها؟ تلعثم وسام.
- أنزل بنطلونك.
- أنزلت.
- اكشف.
- كشفت.
- أوكيه، أقر الضابط بعد أن شده من شٌعرته.
- أوكي ماذا؟
- أعد ارتداء ثيابك.
- افعل ما يريده السيد القائد، قال الأخ الأكبر.
- املآ هذه الاستمارة، صاح الضابط بعصبية، ثم روحا هناك في المخزن يسلموكما الأسلحة ومعداتها.
- شكرًا.
- هل تعرفان على الأقل استعمالها؟
- نحن لا نعرف.
- يا رب الشياطين هل ألطم؟
- لا تخف علينا سيد الضابط، سنتعلم ونحن في قلب المعركة.
- تعنيان في الجحيم في قلب الجحيم.
- لم آتيك بعشر نساء أتيتك بعشرين، هتفت المرأة بالضابط وهو ينظر إلى فرقة النساء التي تدافعت حولها.
- بهذه السرعة؟
- كن ينتظرن هنا وهناك.
- فلتملأ كل واحدة منكن هذه الاستمارة ثم رحن هناك في المخزن يسلموكن الأسلحة ومعداتها... ستقاتلن بالحجاب؟
- وماذا يهم؟
- ليس كلكن؟
- لا تخف علينا.
- لا أخف... لا أخف...

سارت الشاحنات العسكرية طوال الليل دون أن تتوقف سوى عند مطلع الفجر قرب مسجد لمن يريد أن يشرب أو يصلي أو يتمدد قليلاً على سجادة. بدت على الأخوين حسين ووسام أمارات التعب والإجهاد ولولا الرداء الكاكي السميك لنخر البرد الصحراوي الليلي لهما العظم. نظرا إلى الوهاد البرتقالية اللون، وفكرا كما لو أنهما يفكران للمرة الأولى أنهما يذهبان للقتال، وأن الحرب التي سيخوضونها لن تكون سهلة. أمسك الأخ الصغير بيد الأخ الكبير، فسأله هذا:
- ما بك؟
- لا شيء.
- لأننا لم نودع أمنا؟
- لكل هذا.
- لا تخف من شيء، سأدافع عنك.
- ليس هذا.
- ماذا؟
- الكاكي الخشن الذي نلبسه كيف سنحتمله والشمس في كبد السماء؟

سارت بهم الشاحنات ساعات طويلة أخرى، ومع الغروب بدأ يصلهم صخب المعارك وحنق الذين يخوضونها. أوقفتهم جنديات المارينز وهن يصرخن كاللبؤات فيهم، وزعنهم في الخنادق، أما عن النساء المتطوعات فرفضن مشاركتهن في القتال ما لم يخلعن أحجبتهن. وزعن عليهن البزات العسكرية، وتركنهن للنجوم يكشفن عن محاسنهن.

- أنتما هنا يا قبائل شمر؟ قال كافر بإسلام ابن سعود من خلفهما.
- أوه كافر! صاح الأخوان الشابان بلهفة للمفاجأة.
- فلنخف أنفسنا جيدًا في عمق الخندق.
- تظن أن الحوثي قادر على المجيء حتى هنا؟
- في الحرب لا نظن في الحرب نؤكد الظن لنكون على استعداد كيلا يفاجئنا العدو وتكون نهايتنا.
- تكون نهايتنا؟
- لا تخافا سندافع عن بعضنا.
- أنا آسف وسام، همهم الأخ الكبير والبول يفلت منه.
- يلعن دين! سب كافر.

دام التراشق بالأسلحة الثقيلة بين الطرفين إلى ساعة متأخرة من الليل، ثم حط صمتٌ كصمتِ الآلهة بعد انطفاء النار في مملكة الجحيم. سمع ثلاثتهم حركة ليست متوقعة خلفهم، فالتفتوا ليروا الجيش السعودي "الجمهوري" ينتشر مع المارينز. "ناصرناك يا أبا رفعة ونصرناك إلى حين"، كتب خالق السموات والأرض بقلمه الذي من وهج بينا يسمع المقاتلون من الطرفين صريره وهو يحفر في صدر رئيس الحكزمة كلماته التي من ذهب، وفي مرايا الحرب تبدو كالألماس.

-10-

حطت الطائرة الجيت على درب منعزل في مطار الخميني الدولي، طوقتها كتيبة من قوات الحرس الثوري، وصعد سلمها بقدم خفيفة رئيس المؤسسة التجارية لهذه القوات الجنرال رضا إسحق يعقوبي. قبَّل يدي ولي العهد السعودي السابق، وانحنى على قدميه ليقبلهما، فرفعه من إبطيه.
- يعتذر مولانا الإمام عن الحضور بنفسه لاستقبالكم سيدي، همهم الجنرال يعقوبي وهو يخفض رأسه ويزيح عينيه، لوعكة صحية.
- خير إن شاء الله، قال ولي العهد المخلوع بابتسامة متهكمة، من يومين شفته في التلفزيون محاطًا بأبشع محجبات الخلق على وجه الأرض، عسى الله ألا يكون صنف من أصناف شيطان الملالي كوفيد في زيارة خاطفة مثلي لإيران.
- "تِسْت الأنتيجينيك" الذي أجراه سلبي سيدي.
- بالشفاء العاجل، أبلغه سلامي.
- يصل سيدي.
- سأدخل في الموضوع مباشرة.
- بأمرك صاحب السمو الملكي.
- طن الذهب الإيراني الذي اشتريته منكم قبل الحصار الأمريكاني أريد أن ترسلوه لي فور استقراري في العاصمة التي أختارها.
- بأمرك سيدي.
- كل شيء تمام، سويت القضية، ولا مشكل هناك كما أرى.
- كل شيء تمام سيدي.
- إذن لماذا أردتم مجيئي إلى طهران في وقت أنا لا أجد وقتًا؟
- هناك مشكل صغير سيدي.
- ما هو؟
- مؤسسة الحرس الثوري التجارية التي أنا رئيسها سيدي اضطرت إلى بيع ذهبك للشعب الإيراني بسبب الحصار سيدي.
- هذا ليس شغلي، هذا شغلكم، أريد طني الذهب يعني أريد طني الذهب.
- مولانا الإمام كان مضطرًا في الأزمة لإرضاء الإيرانيين الذين يعبدون الذهب عبادتهم للأغلى الذي ليس هناك في الوجود على قلوبهم أغلى، الذهب هو مدخرهم، وعلبة ذهبهم هي بنكهم، هم لا يثقون باقتصادنا المتموج تموج لحانا، أنت أعلم الناس سيدي.
- أريد طني الذهب يعني أريد طني الذهب.
- امهلنا سيدي مدة قصيرة حتى يرفع الأمريكان عنا الحصار.
- لن يرفعوه.
- في السفارة السويسرية وعدونا بإنهاء الحصار عما قريب.
- لن ينهوه.
- أعطونا كلمة شرف.
- أنا أعطوني كلمة شرف، فانظر أية كلمة شرف أعطوني!
- ذهبك أنا ضامنه سيدي.
- أنت ضامنه؟
- أنا ضامنه سيدي؟
- أنت ضامنه كيف؟
- أنا ضامنه سيدي.
- قلت لك أنت ضامنه كيف!
- أنا ضامنه سيدي.
- أنت ضامنه.
- أنا لن أتأخر عليك.
- أنت لن تتأخر عليّ كثيرًا.
- أنا لن أتأخر عليك كثيرًا سيدي؟
- ........
- كلمة شرف سيدي.
- ........
- كما أقول لك سيدي كلمة شرف سيدي كلمة حرس ثوري سيدي.
- ........
- كلمة حرس ثوري سيدي.
- عدني.
- أعدك سيدي.
حطت طائرة الجيت على درب منعزل في مطار بن غوريون الدولي، طوقتها كتيبة من قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، وصعد سلمها بقدم خفيفة قائد الموساد الجنرال كوهن بن. أخذه ولي العهد السعودي السابق في أحضانه، وأجلسه قربه على نفس الكنبة التي يجلس عليها.
- اشتقت إليك أخي، تمتم السعودي.
- وأنا كذلك، تمتم الإسرائيلي.
- لقاءات الفيديو ليست لقاءات.
- لقاءات الأشباح.
تفجر كلاهما بالضحك.
- كل شيء تم كما اتفقنا عليه بينما الظروف لعن الله أبا الظروف خالفتنا.
- تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
- نِعْمَ قولك سمو ولي العهد.
- السابق.
- بالنسبة لنا لا يوجد سابق، وسنقاتل من أجلك، من أجل عودتك، هذا وعد يقطعه الجهاز على نفسه.
- أنا لست هنا من أجل هذا، أنا هنا من أجل المليارات المائة التي أرسلتها إليك وإلى وزير المالية الأمريكي لتأسيس ما لست أدري في التكنولوجيا الإسرائيلية ودعمها، التأسيس لم يتم، والمشروع مات في المهد، وأنا أريد استعادة أموالي.
- أنا لست وزير المالية الأمريكي.
- أنت كوهن بن.
- أكلمك بصفتي الشخصية أموالك في أمان والمشروع سيبدأ تنفيذه مع وزير المالية الأمريكي الجديد.
- لم أَعُدْ أريده مشروعكم وظروفي اليوم هي ظروفي اليوم.
- كلام كهذا لا يقال سموك، التزامك لا رجوع عنه.
- إذن أنا مضطر للذهاب إلى المحاكم.
- ليكسب الشعب السعودي القضية، هل هذا ما تريده؟
- أعطوني عشرة وخذوا الباقي.
- عشرة مبلغ ضخم.
- تسعة.
- ضخم.
- أعطوني خمسة.
- واحد نعطيك واحد.
- مليار واحد من مائة!
- واضحك في عبك!
- أضحك في عبي؟
- أمنكم السيبراني بفضلي، أمن تكنولوجيا المعلومات إن لم تفهم، كل ما يدور عندكم هذه الأيام "فالصو" أمير، كل ما يدور عندكم في جيبي، أنا الحامي للكمبيوتر السعودي، فلأقل "الحامي"، مجتمع أمن الكمبيوتر أنا من يتصرف فيه، أنا ملككم أمير.

وهو يجلس في الصف الأول ببذلته السموكنج (وفي الصف الأخير اثنان "سريان" من الإف بي آي) عَصَرَ ولي العهد السابق زجاجة الشمبانيا في كوبه، وطلب أخرى، وهو لا يرفع عينيه عن جسد حَصة الذي يتلوى كالأفعى حول القضيب الحديدي كمن يتلوى على جسده. أنهت نمرتها، فصفق الجمهور لجزيرة العرب، وهتف أحدهم "برافو". صب النادل للأمير المخلوع كوبًا جرعه واقفًا، وتسابق مع خطاه للّحاق بالراقصة السعودية. في الممر اعترضه زوج حصة، دفعه، وشتمه، وحاول طرده. على الضجة، خرجت الجميلة من لُوجها، صاحت بزوجها وأنبته وحذرته، فدفع دراجة هوائية كانت هناك بانتظار فتح الولايات المتحدة ولاية ولاية، وغادر النادي الليلي غير نادم دون رجعة.
- هل أساء إليك؟ سألته حصة وهي تدخله.
- لم يسئ إليّ، أجاب، أنا معتاد عليه وعلى غيره.
- لن بسيء إليك بعد هذا المساء.
- كل ما يهمني أنت.
- لماذا أنا؟
- أنا لا أعرف.
- لأنني سعودية؟ لأنني أذكرك بالسعودية؟
- أنا لا أعرف.
- لماذا أنا؟
- قلت لك أنا لا أعرف.
- سأرتدي ثيابي.
- ارتديها لننهي زجاجة الشمبانيا.
- حاضر.

عَصَرَ قنينة الشمبانيا في كأسه قبل مجيء المِسّ، وطلب قنينة آخرى. جرع على مرآها كوبه، واستقبلها كإلهة تسقط عليه من عرش آلهات النساء. صب لهما الاثنين، وقرعا كأسيهما الاثنتين، هي رشفت من المائع قليلاً، وهو كبَّه كله في جوفه.
- خذي، أعطاها وثيقة أخرجها من جيبه.
- ما هذا؟ سألت.
- اشتريت لك النادي.
- أي نادي؟
- هذا النادي الليلي، كتبته باسمك، إنه لك.
- أووووه أنا كلي شكر!
- "وادي الملوك"، سميته وادي الملوك.
- وادي الملوك.
- أنتِ في ناديكِ، أنا في ناديكِ، نحن في ناديكِ.
- في وادي الملوك.
أشار إلى النادل، ففهم. أحضر زجاجة شمبانيا، وحصة توشوش:
- لا أريد أن تنفق فلوسك.
- هذا لا شيء.
- بكم اشتريته؟
- بعشرة.
- بعشرة مليون دولار!
- هذا لا شيء.
- هذا شيء كثير!
- تعالي نرقص.
- أنت لم تعد ولي العهد، فلا تبذر ما معك يسار يمين.
- الشحادة عادة.
- لا.
- عندي من النقود ما يملأ نيويورك إلى ما فوق ناطحات سحابها.
- لا تبذرها.
- ....... الموسيقى.
- لا تبذرها أقول لك هل تسمع؟ لا تبذر نقودك.
- تعالي...
- لم نرقص.
- تحت أفضل.
- لتقامر؟
- لأقامر ولغيره.
- شربت بما فيه الكفاية.
- الحيتان تشرب البحار.
استقبله لاعبو البوكر ببرود ما بعده برود، وما أن حددوا ألف دولار كبداية، ووزعوا ورق اللعب، حتى أحضروا للأمير نشقته الكوكايين وكأسه الكونياك تتبعهما كأسه الويسكي. جلست حصة قربه ناظرة إلى ورق اللعب من عينيه البارقتين هو بالولع باللعب وهي بالولع بالربح. الدورات الأولى لم يتوقف عن كسبها، وفي كل مرة ينشق ويجرع حتى فقد التركيز، وأخذ بالتدحرج على درج الخسارة درجة درجة بالتدريج وكل درجة بعشرات آلاف الدولارات إلى أن تساقط بمئاتها، فرافقه رجلا الإف بي آي إلى شقته في مانهاتن ككل ليلة.

شالوا قارمة النادي الليلي القديمة، وحطوا القارمة الجديدة، "وادي الملوك"، فسطعت بالأضواء الملونة.
- كفاكِ رقصًا، قال لها وهو يجرع كؤوس الشمبانيا كأسًا تلو كأس، أنتِ صاحبة المكان.
- سأوظف واحدة بدلي، وافقت.
- أروع من جسدك لن تجدي.
- جسدي يريدك.
- هذه الليلة لا بوكر، هذه الليلة لكِ، سنذهب إلى مطعم ثم عندي في شقتي، أريدك أن تسكني معي.
- وزوجاتك؟ نسيت زوجاتك؟
- إلى الجحيم زوجاتي.
- أينهن؟
- عدن إلى السعودية.
- محظوظات زوجاتك.
- تفضلين السعودية على أمريكا؟
- أشتاق إلى أبي أشتاق إلى أخواتي.
- أنا أشتاق إلى الكعبة المشرفة.
- شفت؟
- أنا أضحك عليك ههههه!!!
- على أية حال الكعبة المشرفة لا تشتاق إليك الكعبة المشرفة لا تتشرف بك.

لم يتوقف عن الشرب في المطعم، خرج كالمجنون باحثًا عن رجلي الإف بي آي "السريين" ليعطياه النشقة التي تُذِلُّ روحه. خرج مرة ثانية، ليحقناه، ليمحقاه. حملاه إلى شقته، وحصة لم تكن حصة، حصة كانت حبة حصى في وادي الملوك.

بدأت طقوس البوكر معه ككل مرة، أرباحه تزداد، وانتهت ككل مرة، خسائره تزداد، وكأن هذا ما يريده، خسائره تزداد، ما يقاتل العالم من أجله، ما يخضع به أمريكا.

وهكذا كل ليلة.

كل ليلة.

كل ليلة.

كل ليلة.

في إحدى الليالي قامر على شقته، مائة مليون دولار، فجن جنونها، لم تستطع إجباره على العدول عن قراره. كان يبحث عن انهيار نفسه بنفسه، لم يكنِ المَسُّ الصرعي الذي يسيره، كان العقل في أصفى حالاته. خرجت حصة من نادي "وادي الملوك" كالمجنونة التي فقدت عقلها باحثةً عن رجلي الإف بي آي "السريين" ليحولا دون إلقائه لنفسه من سطح ناطحة سحاب البوكر، فلم تجدهما. عندما عادت إلى طاولة القمار لم يكن موجودًا، كان يهيم في شوارع نيويورك، والعابرون لا يفرقون بينه وبين حشرات المدينة. لم تكن الأهمية معيارًا، كانت الدواعي. لم تكن الهيبة معيارًا، كانت المفاهيم. لم تكن الأبهة معيارًا، كانت الرؤى. نادى نفسه باسمه، فلم يرد على نفسه. أين يجد هذا الذي يناديه الماكث في ثوبه؟ ناداه مرة أخرى وناداه وناداه حتى بح صوته، فجاء كلب يلهث بين يديه، وبلسانه راح يلعق قدميه. لعق قدمه فقدمه، ولعق يده فيده، ولعق صدره، ولعق عُنْقه، ولعق وجهه، لعقه وهو يغطسه في بصاقه. كان يدوخ، ويتمايل، ويقطر سعادة الذين سقطوا في هاوية لا قرار لها لا فرار منها لمَّا فجأة قفز الكلب إلى قلب الشارع. صاح به ألا يتركه، كان لا يدرك، كان لا يدري. احتار سائق السيارة الذي يقودها بجنون العصر بين أن يدهس الرجل أو الكلب، فدهس الرجل.

قَلَبَ رجل الإف بي آي الجثة الهامدة بقدمه، وهز رأسه. أعاد الأوراق إلى السائق، وتركه يذهب.

باريس الأربعاء 06-10-2021



#عبدالله_مطلق_القحطاني (هاشتاغ)       Abduallh_Mtlq_Alqhtani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْعَرَبُ وَالتَّنْوِيرُ ثُمَّ الْعَصْرُ الْإِسْلَامِيُّ الْ ...
- لَيشْ يَاحَكُومَةْ النَّيكْ بَرَّا والتَّرْوِيشْ عِنْدَنَا ؟
- الحرامَ فِي حِضنِ اللَّه،الفواحشَ فِي الْقُرْآنِ
- أَسْئِلَةٌ مُحَرَّمَةٌ فِي السَّعُودِيَّةْ ! (( 1 ))
- السعودية من الحكم الثيوقراطي لعقلية التنظيمات الجهادية!
- الصديق والزميل الأخ رشيد المغربي !
- عُقوبَةُ الإِعْدامِ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْإِرْهَابِ وَوَا ...
- السَّعُودِيَّة وَالْعَانَةُ وَإِعْدَامُ الْقَاصِرْ !
- لماذا رفعت السعودية حظر موقع الحوار المتمدن؟
- تغريدات يوم الجمعة المجنونة !! 3
- تغريدة مجنونة /الأخت ماريا كاري وابن لادن والهيئة يا حكومة ! ...
- تغريدات يوم الجمعة المجنونة !! 2
- كشف المستور من وحي رسائل القديسين ! 1
- النصوص المقدسة والعلاج بالبول والخراء!! 1
- تغريدات يوم الجمعة المجنونة !! 1
- القديسون والتَكفير الجماعي والقُدّاس !!
- تغريدةمجنونة/ طفل يحاكم إله ورسول الإسلام ياحكومة !! -2-
- ذِكْرِيَّات مع كلية الشريعة والتكفير والمعتقل -2-
- تغريدةمجنونة/ الإسلام هو الْمُحَلِّلُ شكرا ياحكومة !! -1-
- يا إله الإسلام الحكومة طمعانة بمهر زوجتي !!!


المزيد.....




- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مطلق القحطاني - رِوَائِيَّاً أَفْنَانُ الْقَاسِمْ يُشَاغِبُ الْإِلَهَ وَالْحُكُومَةْ !