|
عمر حمدي “مالفا”… ثورة اللّون
عبدالرحمن محمد محمد
الحوار المتمدن-العدد: 7057 - 2021 / 10 / 25 - 16:28
المحور:
الادب والفن
لا يمرّ حديث عن الفن التشكيلي والرسم والريشة إلّا ويكون للفنان الكردي وابن الجزيرة عمر حمدي “مالفا –MALVA“ حضور وذكر، فهو فنان خُلّد اسمه بين تلك الأسماء اللامعة في عالم الفن والجمال، بل إنه علامة فارقة وتوقيع لافت ومميّز عندما يتواجد في أيّ عمل فني ولوحة رسم تشكيلي. في تفاصيل حياة “مالفا” ونشأته جوانب هامّة، وتفاصيل رسمت ملامحه وحَفرت في أديم أيامه، فهو مولود في تل نايف بريف الحسكة في ليلة شتوية من عام 1951م، في بيت ريفي فقير، رسم ملامح شقائه وشقاوته، ثم انتقل إلى مدينة الحسكة وإلى حي تل حجر ملاذ الفقراء والطبقات الكادحة، يقول “مالفا” في بعض تفاصيل تلك الطفولة: “إفطاري في المدرسة كان غالباً ضرباً من المعلم بعصاً من الخشب الطريّ، على يدي أو قدمي، كان بنطالي مبللاً كلّ يوم، ورفاقي في المدرسة يسمونني “العنزة” لأنّني لم أكن نظيفاً، كنت كسولاً في كلّ شيء ماعدا الرسم”. عاش “مالفا” كأغلب الصّبية الكرد في مدينته الحسكة حياة شقاء وعناء، وعمل منذ أن كان طفلا في بيع البوظة في الحواري، وعمل في جني القطن، وغيرها من الأعمال المرهقة، لكنه كان مصمّما على تجاوز تلك المحن كلّها والمصاعب التي كانت تطوّقه وتحاول أن تحبط من تمرّده على ذاته وما حوله، وكأنّما كلام والده لا يكاد يفارق مسامعه: “لن تكون يوماً سوى حمّالٍ في سوق الخضرة لأنك من أمّ كهذه….”، ويعود “مالفا” ويقول مؤكّداً كلمات الوالد وصدق رؤيته؛ ولكن من زاوية اخرى: (صدق والدي فقد أمضيت حياتي، وأنا أحمل لوحاتي وأدواتي من مكان لآخر)، واستمرت معاناته في صباه وشبابه، بل واستمرّ الالم في مصاحبته، ونضحت بها لوحاته التي فاضت شوقا وحنينا وغربة لم تنته حتى بعد رحيله. بصمة فنيّة متفردة ومتمرّدة في رحلته و غربته وعالمه الفني، حَملَ “مالفا” أوجاعهُ، وحمَّلها على صدر لوحاته التي بدأت تقرع أبواب العواصم العالمية باباً فباباً، بعد أن تغرّب عن وطنه نهاية السبعينات، ليعود في بداية التسعينات إليه كضيف في مهرجان المحبّة باللاذقية، بعد أن ارتبط بعقود عمل مع أضخم وأشهر صالات المعارض في أعرق عواصم العالم في أوربا وأمريكا. تلك الأعمال المتميّزة والتي جعلت من “مالفا” فنانا عالميا بامتياز، بل ورفعته؛ ليكون في مراتب أشهر الفنانين العالميين، أبرزته كمدرسة من مدارس الفن الحديث، وكانت لمساته الرقيقة ودقة ريشته في حركتها، تلهب لوحاته بثورة خفيّة، تقوم على الظلم والعبودية والاستبداد، وكم من مرّة كانت لوحاته موضوع نقاش ومثار جدل نقديّ بين كبار نقّاد الفن التشكيلي في العالم، يقول محمّد علي السّعيد في مقال له بعنوان “عمر حمدي بين موسيقا الناي وموسيقا اللون”: “اللون كان هاجسه وهو يستلقي على مربض قرية تل نايف الصحراوي؛ يقتل هندسة المسافة بين السطح والقمة، ويفرق بين المدخنة والريح، ويؤاخي بين المطر والأرض”، بينما يقول أسعد الكفري: “إنه تميّز بعنف ألوانه وحيوية حقول اللون الموزعة في الفراغ، تحس بالخوف أمام لوحاته لكنها تمنحك دفئاً آخر مسالماً وشاعرياً وعاطفياً”. أما الدكتور “دير شرايكة” الدكتور في النقد وعلم الجمال من متحف الفن الحديث، فقال عنه في أحد مقالاته ودراساته: “للوهلة الأولى للمتأمّل لأعمال “مالفا” يشعر بهذا الفيضان اللوني المنساب من يده على اللوحات، وأهمية هذا اللون وحركته وتوزيعه، مما يدفعنا لمقارنتها بأعمال “كوكوشكا” و”فان كوخ” و”كيرستن” في النمسا”. “مالفا” عاشق الرّيشة والقلم “مالفا” الذي خرج من وطنه محمّلاً بالوجع والخيبات، كان ينشر ملامح من كرديته وتفاصيل عن جريدته ودموع حرقة من غربته في الانحاء كلّها حتى انّه لم يكتف برسم ملامح وجعه وتفاصيل آلامه بالريشة فقط، فآزرها بالقلم والأوراق ليكتب الكثير من النصوص الشعرية، فنشر عطر بلده وأريج سهول الجزيرة وملامح كرديته وشرقيّته في العالم، لم يكتفِ “مالفا” بغزله -الصاخب أحياناً- للوحة البيضاء، ولا بمعركتهِ التي كان يخوضها في كلِّ مرّة، وبكلّ صولاته وجولاته في مرسمهِ، وفي غزواته الفنية في صالات الفن العالمية، والتي كان يخرج منها منتصراً دوماً وهو يمتشق ريشته، لم يكتفِ بكل ذلك النصر على ذاته أولاً، وعلى أوجاعه ثانياً، فكان “مالفا” الشاعر الرقيق والحساس، المندفع والثائر، والعاشق المتيَّم، فأبدع بالريشة وبرسم بالقلم أجمل اللوحات: (كشتاء قديم… يشعر بالنعاس آويت إلى يديك من جديد، وأنا أتطاول حزناً، يجلس بين يدي “فوست وسيزيف ولوركا”، ثم تتركني وحيداً) هكذا كان “مالفا” يكتب ويبدع لوحة اخرى بالقلم (أنت يا ذات الوجه المسافر مرتين، أيتها الساكنة في الطرقات ومصابيح الليل، أيتها الواهبة الحياة). مرّات ومرّات حلّ “مالفا” وارتحل وهو يحمل آلام ووجع الكردي على ظهره وعلى متن لوحاته وبين أسطر وحروف كلماته، يرسم ويثور ويرتحل ولا تفتر له عزيمة، يثور ويثور في عالم صاخب وصولات وجولات لم تنته حتى بعد رحيله عن عالم عذاباته وثوراته التي لم يعلن الهدنة فيها حتّى بعد سفره الأبدي في 18 تشرين الأول عام 2015.
#عبدالرحمن_محمد_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عشق ثلاثي الأبعاد- بين صقيع أوروبا ودفئ دمشق
-
-درمالا- عادات وتقاليد من ذهب
-
أشتاقك في هديل احتراقي
-
كهوف مكرون وعبق التاريخ والفلسفة
-
“كوباني.. مملكة الماء والغرانيق”.. مدينة تولَد مرتين
-
قراءه في كتاب تاريخ كردستان... إمبراطورية الكرد الأيوبيين/ ا
...
-
محمود عزيز شاكر… نصف قرن مُكلّل بالعطاء. حاوره/عبد الرحمن مح
...
-
الشاعر والقصيدة… من يكتب الآخر؟
-
أرواح ثائرة في “رغبات مُهَشَّمة”
-
قراءة في كتاب -مالفا MALVA- -بين صخب اللون وهمس الشعر-
-
عيد الهالوين …بين طقوس الحصاد والاحتفاء بالموتى
المزيد.....
-
-بندقية أبي-.. نضال وهوية عبر أجيال
-
سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي
...
-
لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
-
مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م
...
-
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|