رياض العصري
كاتب
(Riad Ala Sri Baghdadi)
الحوار المتمدن-العدد: 1651 - 2006 / 8 / 23 - 09:54
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الحياة : الحياة هي تلك الظاهرة الطبيعية التي تتمثل في مقدرة الكائن , ذاتيا وتلقائيا , على تحرير الطاقة من المادة , وبوجود عامل مساعد لا غنى عنه هو غاز الاوكسجين الموجود في الهواء الجوي , وتحويل هذه الطاقة المتحررة الى طاقة كهربائية تنتقل عبر اعصاب الكائن لتتحول فيما بعد الى طاقة حركة في العضلات , والكائن الذي يمتلك هذه المقدرة يدعى كائن حي , ان المادة التي يتم تحرير الطاقة منها تتمثل عادة بالغذاء الذي يتناوله الكائن الحي , فالغذاء يحتوي على طاقة كامنة مختزنة فيه , أما طاقة الحركة الناتجة فتكون على مظاهر مختلفة وليس بالضرورة حركة انتقالية , فالنمو مثلا والتنفس والتناسل والتكاثر وغيرها من خصائص الحياة كلها تشتمل على مظاهر الحركة , فلكي يكون الكائن الحي قادر على انتاج طاقة حركة للقيام بفعالياته الحيوية الضرورية فانه يجب ان يحصل على الغذاء و الهواء , والتعريف الذي ذكرناه آنفا ينطبق على أجسام الحيوانات , حيث تقوم باستهلاك الغذاء للحصول على احتياجاتها من الطاقة وكذلك للبناء او تعويض ما يتهدم من وحدات البناء , وتعيد ما يفيض عن حاجتها الى التربة , اما النباتات التي هي ايضا كائنات حية الا ان اجسامها اقل تعقيدا من الحيوانات , حيث ليس لديها جهاز عصبي ولا جهاز عضلي , فانها تأخذ غذائها من التربة لتستهلكه في فعاليات البناء فقط , كما ان النباتات تقوم بوظيفة على درجة كبيرة من الاهمية وهي انتاج الغذاء بالاستفادة من طاقة أشعة الشمس , أي انها تستهلك طاقة لتنتج مادة , وهذه المادة هي الثمار التي ستصبح غذاءا للحيوانات , وهنا تتضح دورة المادة في الطبيعة , وعلاقة الترابط الجدلي بين المادة والطاقة .
نشأة الحياة : ان وجود الحياة على سطح كوكبنا فقط دون الكواكب الاخرى في مجموعتنا الشمسية يثير الكثير من التساؤلات مثل : لماذا نشأت الحياة على كوكب الارض فقط ؟ وكيف نشأت ؟ ومتى كان ذلك ؟ وهل نشوءها كان بارادة جهة ما في هذا الكون ؟ وما هي الغاية من خلق الحياة ومن وجود الكائنات الحية ؟ ولماذا خلق الموت الذي هو نقيض الحياة ؟ وهل توجد مظاهر الحياة في كواكب أخرى خارج مجموعتنا الشمسية وخارج مجرتنا ؟ وغيرها من التساؤلات التي تبحث عن اجابة تعبرعن الحقيقة , وقد ظهرت نظريات عديدة تفسر كيفية نشوء الحياة على كوكب الارض , وان السبب في تعدد النظريات راجع الى غموض الموضوع , وفي الحقيقة ان هذه النظريات أو التفسيرات تستند الى افتراضات يصعب التحقق منها او تستند الى أدلة وبراهين غير كافية , ان عقيدة العصر الجديد تعتبر ان قضية ايجاد تفسير لكيفية نشوء الحياة على كوكبنا هو من شأن الجهات العلمية المختصة , فبالبحث العلمي فقط يمكن الوصول الى تفسير مقنع لكيفية نشوء الحياة , ان موضوع نشأة الحياة يستحوذ على اهتمامنا , ويهمنا ان نعرف من أين جئنا نحن البشر ؟ وكيف جئنا ؟ وما هي الغاية من وجودنا هنا ؟ ومن منطلق اهتمامنا بهذا الموضوع فاننا حريصون على مناقشة النظريات او التفسيرات المعلن عنها وخاصة تلك التي تفترض ان الحياة خلقت عن ارادة ومشيئة جهة ما في هذا الكون , فهناك مثلا من يقدم تفسيرا بان الحياة جاءت الينا من الفضاء حيث جلبتها معها كائنات فضائية منذ زمن سحيق وزرعتها هنا ثم رحلت واختفت , ونحن نرى ان هذا التفسير غير مقنع لانه ينطوي على الكثير من الخيال , وهناك تفسير آخر يقول بان الحياة لم يتم جلبها من خارج كوكبنا وانما خلقت على كوكبنا بواسطة جهة مجهولة ذات حضارة متقدمة زارت كوكبنا منذ زمن سحيق وقامت بهذا العمل بحكم تفوقها الحضاري ورحلت ولم تعود , وهذا التفسير نراه كسابقه غير مقنع وفيه الكثير من الخيال , لاننا لا نستطيع ان نجد أي مبرر لقيام تلك الجهة بهذا العمل , وهل لوجود الحياة على كوكب الارض فائدة معينة للنظام الكوني ؟ هل كان النظام الكوني غير متزنا واستلزم وجود كائنات حية على الارض ليتحقق التوازن المطلوب ؟ واذا كان هدف تلك الجهة المجهولة هو خلق الحياة لذاتها وليس لهدف معين فلماذا اذن خلقت الموت ؟ وما معنى ان يخلق الشيء ويخلق معه نقيضه ؟ فاذا كانت الحياة قد خلقت وخلق معها نقيضها الموت , فهل الحياة هي نوع من العبث ؟ هل يعقل ان الجهة التي نقلت الحياة من الفضاء الى كوكبنا او خلقتها على سطح كوكبنا أرادت ان تتسلى وتستمتع وهي تشاهد منظر الكائنات الحية على الارض وهي تنمو وتتحرك وتتناسل وتتكاثر وتتصارع وتتقاتل فيما بينها من اجل الحياة وفي النهاية ينتظرهم الموت جميعا ليعودوا الى الطبيعة الى نقطة البداية , فهل يعقل هذا ؟ ام انها كانت تسعى لاعمار هذا الكوكب فخلقت البشر لهذا الهدف , ولكن ماذا تستفيد هي من هذا الاعمار , ولماذا اعمارهذا الكوكب بالذات ؟ الفكر الديني يقدم تفسيره لكيفية نشأة الحياة ومبرراتها , فيقول بان الحياة علىكوكبنا ظهرت بارادة ومشيئة خالق الكون , حيث ان الخالق بعدما انتهى من خلق الكون في سبعة ايام , قرر ان يخلق الحياة على كوكب الارض فخلق الكائنات الحية من حيوانات ونباتات , اما الانسان فلم يخلقه على الارض وانما خلقه في الجنة ـ خارج الارض ـ خلقه بجنسين ذكرا وأنثى ثم انزلهما على الارض مطرودين من الجنة عقابا لهما لارتكابهما معصية , وان هناك حساب للانسان بعد الموت , في الحقيقة تبدو لنا هذه النظرية ليست فقط غير مقنعة بل وساذجة تستخف بالعقول , وهنا نتسائل هل ان توفر الظروف المناسبة للحياة على كوكبنا هي التي جعلت الخالق يقرر خلق الحياة أم ان رغبته في خلق الحياة هي التي جعلته يقرر خلق الظروف المناسبة لها ؟ ولماذا اختار الخالق كوكب الارض ليكون مكانا لخلق الحياة ومكانا لعيش الانسان ؟ ولماذا الحياة على كوكب الارض فقط وهذه الكواكب الاخرى في مجموعتنا الشمسية لا حياة فيها , بل وهذا القمر التابع لارضنا وهو أقرب جرم سماوي الينا لا حياة فيه ؟ واذا كانت الظروف المناسبة للحياة هي السبب فهل يمكن للظروف ان تقيد الخالق وتلزمه ؟ هل من المعقول ان الظروف غير المناسبة في الكواكب الاخرى أجبرت الخالق أن يكتفي بكوكبنا ليكون المكان الذي ينفذ فيه ارادته في خلق الحياة ؟ وكيف يمكن لخالق الكون ذو القدرة العظيمة ان تقيده شروط وظروف الحياة اذا كان هو الخالق لها ؟ واذا كان خلق الانسان بمشيئة الخالق فما هي الغاية من خلقه ؟ اسئلة نعجز عن الحصول على اجوبتها , ويبدو لنا ان النظرية الدينية في تفسير خلق الحياة على كوكب الارض غير واقعية .
ـ نشأت الحياة على سطح كوكب الارض منذ مئات الملايين من السنين وفقا للتقديرات العلمية , ونحن نعتقد انه لم يكن وراء نشوء الحياة ارادة الهية او مشيئة قوى كونية , وانما نشوءها جاء كناتج عرضي لاحدى ظواهر الطبيعة التي حدثت وبمحض الصدفة على كوكبنا قبل مئات الملايين من السنين والتي نجهلها طبعا لضياع آثار ودلائل تلك الظاهرة الغامضة والتي لم تتكرر , وكناتج عرضي لتلك الظاهرة الفريدة والوحيدة التي حدثت على كوكبنا ظهرت اعداد هائلة من كائنات حية دقيقة بالقرب من المسطحات المائية في المناطق الدافئة , وقد ساعد على استمرارية الحياة في تلك الكائنات هو توفر وبمحض الصدفة ايضا ظروف مناخية مناسبة من الحرارة والرطوبة والضغط وتوفر الغذاء اللازم لامداد تلك الكائنات بالطاقة الضرورية لقيامها بفعالياتها الحيوية , ثم وبمرور الزمن بدأت تحدث تغيرات في تلك الكائنات الدقيقة فظهرت انواع جديدة منها ذات احجام مختلفة وخصائص مختلفة , وهكذا استمرت الكائنات في التغير والتطور جيلا بعد جيل , واما الموت فهو ظاهرة طبيعية تحدث لكل كائن حي عندما تتوقف قدرته على انتاج الطاقة لاسباب قد تكون داخلية تتعلق بكيانه الذاتي او اسباب خارجية تتعلق بالبيئة والظروف المحيطة به , هذا هو تصورنا للموضوع
ـ مفهوم المصادفة هو من المفاهيم التي تقر بها عقيدة العصر الجديد , لان فعل المصادفة له وجود حقيقي في الطبيعة ناجم عن انتشار فعاليات قوى الطبيعة في أرجاء الكون , وهذه الفعاليات ليست موجهة وانما تحدث تلقائيا وتحت سلطة قوانين الطبيعة , ان فعاليات ونشاطات قوى الطبيعة قد ينتج عنها نتائج ذات تأثير ايجابي او سلبي طبقا للتقديرات البشرية , فالنتائج هذه هي نتائج عرضية وليست مقصودة لذاتها لكونها تنتج عن فعاليات تلقائية وهذا ما نقصده بفعل المصادفة , فقوى الطبيعة تحركها قوانينها وليست الامنيات ولا الرغبات البشرية , وان المفاهيم والقيم البشرية مثل الحق والخير والانسانية , هذه القيم لا تهز قوى الطبيعة ولا تحرك ضميرها ان كان لديها ضمير , وهذا دليل قوي على ان وجود البشر على كوكب الارض ليس عن ارادة او مشيئة من جهة ما في الكون , ولا يمكن ان نتصور ان خالق قوى الطبيعة هو الذي خلق البشر . وبما ان ولادة بذرة الحياة على كوكبنا يرجع الى عامل المصادفة , فان جميع الكائنات الحية المنقرضة والحالية ومن ضمنها الانسان يعود وجودهم على سطح كوكب الارض الى عامل المصادفة , لانهم جميعا ثمار تلك الشجرة العظيمة الوارفة الظلال , شجرة الحياة ذات الاصل الواحد والفروع العديدة , وهذه الكائنات الحية جميعا تخضع لقوانين التطور والارتقاء الذي هو نتاج قانون اخر هو المنافسة او الصراع من اجل البقاء , كما ان جميع الكائنات الحية تخضع لظواهر الطفرات الوراثية التي قد تحدث لها أثناء مسارها التطوري فتنتج كائنات مختلفة ذات خط وراثي جديد , ان الكائنات التي لا قدرة لها على التطور فانها لا قدرة لها على المنافسة وبالتالي لا فرصة لها في البقاء , ان قوانين التطور والصراع من اجل البقاء انما هي تعبير عملي عن الحياة , والحياة هي الحركة وليس السكون .
ـ نحن نعتقد بامكانية وجود حياة في كواكب اخرى في هذا الكون والتي يمكن لنا ان نسميها كواكب الحياة , وهذا مجرد استنتاج منطقي , فهذا الكون فيه المليارات من المجموعات النجمية المتوزعة في ملايين المجرات , واحتمالية وجود كواكب تتمتع بظروف مشابهة لظروف الارض هي احتمالية واردة جدا , مع العلم بان جميع الاجرام السماوية من منشأ واحد من حيث المادة والطاقة وتخضع لنفس قوانين الطبيعة , ولكن ليس بوسع البشر التحقق من ذلك لان الامكانيات ضعيفة , فالمسافات بعيدة جدا وان الضوء الذي هو اسرع متحرك في الكون يقطع مسافات تقدر بملايين السنين لكي ينتقل من مجموعة نجمية الى اخرى فما بالك من مجرة الى اخرى
#رياض_العصري (هاشتاغ)
Riad_Ala_Sri_Baghdadi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟