|
حوار بين ثيسبس ومارك راندولف
غوث زرقي
الحوار المتمدن-العدد: 7054 - 2021 / 10 / 22 - 02:46
المحور:
الادب والفن
-ثيسبس: أنا بستاني في هذا الركح، أنا من زرع في هذا المكان شخصيات هملت، فاوست، أوديب وهرقل، قضيت وقتا لبأس به وأنا أعتني بها بكياني ووجداني، أهديتها ذاكرتي، تجاربي وحواسي. أراها تنمو هنا في ذاتي، فأسقيها من مخيلتي ومن ثم أضيف لها أفكارا عضوية لتشتد ملامحها ، أهديتها أشعة المصابيح المعلقة في السقف التقني، أهديتها روحا من آهاتي المتتالية، ساعدتها في القضاء على الكليشيهات المتطفلة التي تنمو حولها. لقد كانت سعادتي جنونية عندما تمكنت من تقمصها في التمارين النهائية قبل العرض بأيام ! لقد ظهرت الثمار حية: أصواتها، حركتها، نظاراتها، صمتها، ابتساماتها، حزنها، غبطتها ودموعها، لقد تجلت ناضجة قابلة للجني، تناديني لقطفها وتقديمها للمستهلك. تعال أيها المتفرج لتتذوق فاكهة مسرحية لذيذة وطازجة تعال أيها المستهلك، اقترب، إنها ثمار خيالية من مسرح عدن. هيا أيتها الفتاة وأنت أيها الفتى، اقترب أيها الكهل، تعالي يا سيدتي العزيزة. اقتربوا كلكم، إنها خيرات العالم، إنها هدايا الخيال، إنها ثمار الموسم هيا يا سيداتي وسادتي، هلموا كلكم إلى غذاء الروح، إنه يحتوي على مكونات غذائية سحرية: فيتامينات للعقل، ومعادن للوجدان وسكر للخيال.. منتجاتنا لن تجدوها عند أولئك المتطفلين في أسواق البلاستيك والخردة ! جربوا هذه الفاكهة الصغيرة، إنها شخصية مركبة لعالم ألماني مولع بالمعرفة أو ربما هذه الفاكهة، إنها شخصية محارب مغربي غيور قتل عشيقته أو تلك.. أجل.. إنها شخصية أمير دانماركي ملعون من ذاته ومن الآخر ، أو هذه، أجل إنها شخصية ملك يوناني تزوج بوالدته فحلّت اللعنة على أجيال تنتمي إلى جيناته. اكتشفوا معنا أروقة العالم عبر فضاءات درامية متعددة، سافروا معنا إلى أزمنة التاريخ والمستقبل، تعرفوا معنا إلى صراعات متنوعة، داخلية كانت أو خارجية. هل من مجيب ؟ أين أنتم؟ أين ذهبتم؟ هل تستمعون لي؟ هل تشعرون بي؟ كم أنا متعب يا مارك ! لقد أرهقتني الحقول المسرحية، وأنا أتجول بينها باحثا عن البذور الأصلية في بستان تشيكوف، مزرعة برشت، أرض سوفوكل، ضيعة غوته ومقاطعة شكسبير. لقد أرهقني البحث يا صديقي عن تلك البذور، لقد أرهقني هذا العمل، ولكنني أشعر بلذة غريبة عندما أجدها وأزرعها وأسقيها وأسهر على نموها ومن ثم أجنيها ولكن لا يوجد الآن من يستهلكها، أين الجمهور؟ أين ذهبوا؟ هل يستمعون لي؟ هل يشعرون بي؟ إنني أشعر بالخوف ! -مارك راندولف: شعور طبيعي.. إن لم يكن بوسعك إخباري ممّ تخاف.. فربما بوسعك أن تخبرني، أين تخاف؟ ما المكان الذي يُشعرك بالخوف أكثر من سواه؟ ما هو أسوأ مكان؟ شقة؟ شارع؟ مخزن ؟ حديقة؟ الاستماع إلى شخص ما ربما ؟ -ثيسبس: المسرح.. -مارك راندولف : المسرح ؟ كم هذا مضحك ! ما الذي يرعبك في المسرح؟ ما الذي يخيفك هناك؟ -ثيسبس: كلّ شيء.. -مارك راندولف: أخبرني.. ما الذي تظنه يفترض أن يحدث في المسرح ؟ هيا.. هل من مسرح محدد؟ -ثيسبس: مسرح عدن.. -مارك راندولف: مسرح عدن ! -ثيسبس: أجل.. -مارك راندولف: تريث، تنفس.. الآن أغمض عينيك. هل تشعر بالمقعد الذي تجلس فيه؟ هل تشعر أنك تغرق فيه؟ إنه يبتلعك .. شعور جميل.. ما تشعر به الآن هو دفء مريح وثقيل.. تنفسك عميق، إنني أنظر إليك كيف تغرق إلى الأسفل.. تخيل أنك في مسرح عدن ! تخيل أنك وصلت إلى قاعة المسرح عبر شوارع أنت الذي ترسمها.. أخبرني ماذا تشاهد؟ -ثيسبس: أنا في الكواليس، الوقت ليل.. ما من أصوات حولي.. الظلام هنا حالك، أنا أتوغل فيه.. مرآة كبيرة معلقة على الحائط، من خلالها أنظر إلى نفسي.. -مارك راندولف: هل تستطيع الرؤية جيدا؟ -ثيسبس: أستطيع، إنني أمشي في ممر طويل، من المفترض أن يكون مروري سهلا، وبالرغم من ذلك أشعر أنني أمشي في الوحل، الجدران عالية، الكواليس كئيبة ومظلمة، لطالما أشعر بالقوة والكبرياء، إنه أنا.. -مارك راندولف: أين أنت الآن؟ هل أنت في طريقك إلى الركح؟ -ثيسبس: أجل.. أنا أصعد.. عبر مدرج طويل.. -مارك راندولف: لا تدخل إذن.. لا تدخل.. أتنظر إلى الفضاء الذي تخاف منه؟ لا تدخل إليه.. اجلس في المدرج.. -ثيسبس: أتريدني أن أجلس؟ -مارك راندولف: أجل، هل جلست؟ -ثيسبس: أجل ! -مارك راندولف: كيف يبدو الفضاء حولك؟ -ثيسبس: أسود.. الفضاء أسود.. -مارك راندولف: جيّد.. جيّد جدا.. هل ستنفذ ما أطلبه منك الآن؟ -ثيسبس: أجل.. ماذا تريد مني ؟ -مارك راندولف: أريدك.. أريدك أن تذوب في السواد.. لا تقاوم.. ذب في السواد.. -ثيسبس: إنني أذوب في السواد، إنني أختفي.. -مارك راندولف: لقد فعلتها، لقد كنت هناك.. استيقظ، تخلص من ذلك المكان.. أنظر حولك.. أنت الآن في مكان آمن.. سأساعدك وأسعدك.. أتنظر إلى تلك الشاشة؟ -ثيسبس: أجل يا مارك ! مارك راندولف: مرحبا بك يا ثيسبس في عالم هاديس..
#غوث_زرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-مسرح المجتمع ومجتمع المسرح-، بحث حول علاقة السياق الاجتماعي
...
-
جورج بشنار خالق -فويتسك-
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|