|
ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1651 - 2006 / 8 / 23 - 07:14
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في مقال سابق ، طرحت تساؤلاً ما زال يشغلُ الكثير من الناس : وهوَ مدى مصلحة النظام السوري في تبنيه ما يُعرف بـ " المقاومة الإسلامية " ؟ لقد قدمنا أجوبة ، في أكثر من مناسبة ، على ما يجتنيه هذا النظام سياسياً وتكتيكياً من تبنيه للجماعات المسلحة ، الإسلامية ، في فلسطين ولبنان والعراق . إلا أنه مع ذلك لا بد من أن يثار تساؤل آخر ، عن إمكانية النظام في المساومة إقليمياً ودولياً على حساب تلك الجماعات نفسها ؟ غنيّ عن القول هنا ، أنّ النظام السوري ، المأزوم على كافة الصعد ، على إستعداد تام لمقايضة رأس " المقاومة " مقابل ضماناتٍ وقتية تصبّ في مصلحة حساباته الأنانية ؛ فما بالكَ بضمانات دائمة ، تديم تسلطه وإستبداده . إن المتتبع لسياسات هذا النظام ، على مرّ تاريخه ، ليدهشه ما فيها من لامبدأية فاضحة ؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتحالفات والعداوات : وليسَ أدل على ذلك من مثال الحرب الأهلية اللبنانية ، التي أججها ذلك الجار البعثيّ الغاشم ، سواءً بسواء أكان ذلك بحطب أدواته المحليين أم ببنزين تدخله العسكريّ المباشر .
بما أنّ نار الحرب اللبنانية ، الأخيرة ، غير خامدة بعد ، فلنقل إذاً أنّ متاجرة النظام السوري ببضاعة " المقاومة الإسلامية " ، ما فتأت مزدهرة وتلقى الرواج المطلوب محلياً وعربياً . ثمة إشكال أخلاقيّ ، إن صحّ التعبير ، يجدُ له موضعاً في ذمة معارضاتنا المختلفة الإتجاهات والتلاوين ، من المحيط إلى الخليج ؛ وهوَ تماهي صوتها ، الديمقراطيّ الإصلاحيّ ، مع أبواق سلطة ديكتاتورية فاسدة ، فيما يخصّ تلك الحرب اللبنانية ، الموصوفة بمسبباتها وتداعياتها : فهل يتغاضى هؤلاء الناس عن مرأى التناقض الصارخ بين مفهوم " المقاومة " كشكل مشروع للكفاح الوطني من حق جميع مكونات الوطن ممارسته ، وبين المفهوم ذاته ، مقلوباً رأساً على عقب ؛ حينما يصير ممارسة محتكرة على طائفة واحدة لا غير بحزبها الواحد ، المتفرع عن حزب آيات الله ، الإيرانيّ ؟ قد يكون مشروعاً لحكام طهران ، على علّة نظام " ولاية الفقيه " ، إياه ، أن يجدوا لهم إمتداداً إقليمياً ، طائفياً ، على شاكلة حزب الله ، اللبناني : ولكن ، ماذا عن حزبنا العقائديّ العظيم ؛ حزب البعث العربي الإشتراكي ورسالته الخالدة في وحدة الأمة العربية وحريتها وإشتراكيتها _ كذا ؟؟ فالمنطقيّ ، فرضاً أيضاً ، أنّ إيديولوجية هذا الحزب القائد ، العلمانية ، لا تأهله لتبني " المقاومة الإسلامية " . فهذه العلمانية ، كنهج شكليّ على الأقل ، قد وجدت التعبير عنها في كثير من مناحي الحياة السورية ؛ من تحجيم لدور رجال الدين ، حدّ تقزيمه ، إلى تقليص الإهتمام بمادة التربية الإسلامية في المناهج الدراسية ، حدّ إهمالها . لا بل إنّ التلفزيون السوري ، بقناتيه اليتيمتين حدّ البؤس ، يتفرّد عن جميع القنوات العربية بعدم بثه آذان الصلوات الخمس : فما هوَ لغز المسألة ، إذاً ؟
بنية النظام السوري ، الطائفية ، الفعلية ، هيَ وجه المسألة ولغزها ، معاً : فإذا كان رأس النظام ، وعلى رؤوس الأشهاد ، يخوّن جميع مكونات الوطن اللبنانيّ ولصالح تمجيد " مقاومة " طائفة واحدة وحزبها الإلهيّ ؛ أليسَ هذا دليلٌ دامغ ، لا لبْسَ فيه ولا برهان ، على طائفية نظامه ؟ إن بشار الأسد ، في واقع الحال ، لم يفعل شيئاً بفصيح شتائمه وتحاملاته وإتهاماته تلك ، غيرَ الإفصاح وبدون مواربة عن عقيدة أهل نظامه ، الباطنية ، فيما يخص الداخل السوريّ ، تحديداً ؛ والمتمثلة بحقّ " الطائفة المختارة " في نعم الحياة وضرورياتها وكمالياتها ، مقابل حرمان باقي المكونات الوطنية من الحق نفسه . هنا أيضاً ، يكمن اللغز في تجاهل النظام لدعوات إفساح المجال أمام ظهور " مقاومة سورية " ، تستنهض الهمم والعزائم لتحرير الجولان من إحتلال إسرائيليّ مستمرّ منذ حوالي الأربعين عاماً . ولكن ما شأن سلطة مستبدة بالتحرير ، وهي تتعامل مع الوطن ككل بعقلية وممارسة تفوق بما لا يقاس ما يسومه العدو الإسرائيلي لجزء صغير من ذلك الوطن ؟ سلطة كهذه ، مغرقة في الفساد ، لا همّ لها سوى مراكمة ثروات السلب والنهب والإبتزاز . لا غروَ إذاً ، أن يكون " سلاح المقاومة " محصورٌ هنا وهناك ، في سورية ولبنان ، بالطائفة الواحدة والحزب الواحد .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة والمعارضة 2 / 2
-
المقاومة والمعارضة
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
-
الماضي والحاضر
المزيد.....
-
السعودية.. إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.2 مليون حبة كبتاغون
...
-
القبض على وشق بري يتجول بحرية في ضواحي شيكاغو
-
إصابة جنديين إسرائيليين في إطلاق نار قرب البحر الميت .. ماذا
...
-
شتاينماير يمنح بايدن أعلى وسام في البلاد خلال زيارته لبرلين
...
-
كومباني: بايرن يسير في الطريق الصحيح رغم سلسلة نتائج سلبية
-
سرت تستضيف اجتماعا أمنيا
-
انطلاق الاجتماع السنوي لمجلس أعمال بريكس
-
ميزة جديدة تظهر في -واتس آب-
-
يبدو أنهم غير مستعجلين.. وزير الدفاع البولندي ينتظر -أغرار-
...
-
قوات اليونيفيل: تم استهدافنا 5 مرات عمدا
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|