|
الأَقْبِيَة
كمال سبتي
الحوار المتمدن-العدد: 1650 - 2006 / 8 / 22 - 10:05
المحور:
الادب والفن
آدَمُ ، خَمْسَةَ عَشَرَ قِرْناً ، عَتَباتٌ تَسْتَحِمُّ بالخَجَلِ ، لَيْسَ هذا سِوى بِدايَةِ السَّرْدالطَّويلِ ، فَالفاجِعَةُ قُرْبانُ يَتامايَ ، وَأَنا ، لَسْتُ سِوى نايٍ قَديمٍ ، أَمَدَّهُ الرّاعي بِمَوْتِهِ القَرَوِيِّ ، لِيُسَمّى صّوْتاً، لا أَذْكِرُ سِحْرَهُ يَوْمَ أَجَّجَ فيَّ قَتامَةَ الشِّراعِ ، لكِنَّني أُهْلَكُ – عادَةً – بِلا سَبَبٍ،سَتَسْمَعونَ نَصيحَتي الشًّتْوِيَّةَ : اِخْلَعوا عُقولَكُمْ ، وَإِنْ لَمْ تَسْتطيعوا.. فَاغْضَبوا مِنّي مِثْلَ كُلَّ مَرّةٍ.. أُعْلِنُ فيها تقَزُّزي مِنْكُمْ.. هِيَ طُرُقٌ مَوْبوءَةٌ دَلَّني عَلَيْها صَديقي الشّاعِرُ القَديمُ ، الّذي قالَ وَهُوَ يُمَسِّدُ شَعْري: سَتُهْلَكُ يابُنَيَّ ، فَضَحِكْتُ مِنْ تَفاؤلِهِ ، وَأَنْشَدْتُ نَشيدي عَنِ الجَبَلِ والمَطَرِ، ثُمَّ هَرَبْتُ إِلى ساحِراتٍ أَنيقاتٍ ، عَلى زُجاجِ نَوافِذِهنَّ صُوَرُ أَمْثالي مِنَ المَوْتى الأَحْياءِ ،- لَنْ أَدْخُلَ بِيوتَكُنَّ،حَتّى أَعْلَمَ بِما تَضْمُرْنَهُ.. – وَبَقيتُ تَحْتَ المَطَرِ أُعَزِّزَ خُرافَةً شِعْرِيَّةً عَنْهُ ، حَتّى أَخَذْتُ أَسْعُلُ ، فَخَرَجَتْ إِلَيَّ ساحِرَةٌ وَغَطَّتْني بِلُبّادٍ . سَرْدٌ طَويلٌ ، هَلْ تَتَذَكَّرُ التَّفاصيلَ كُلَّها الآنَ ؟.. عَتَباتٌ تَسْتَحِمُّ بالخَجَلِ ، وأَنا لَسْتُ سِوى نايٍ قَديمٍ ، أُضْحوكَةٌ عَنْ هُيامِ الرَّجُلِ بالمَرْأَةِ ، يَبْدَأُ السَّرْدُ الطَّويلُ بِذِكْرِ يَوْمَيْنِ قاسِيَيْنِ ، أَرْبَعَةُ سِياطٍ ، للشّاعِرِ سَوْطُهُ الوَهْمِيُّ وَ للمَرْأَةِ سَوْطُها الآدَمِيُّ ، للوَجْهَيْنِ الآخَرَيْنِ سَوْطانِ مِنْ دَمٍ وَأَكاذيبَ ، يَبْدَأُ السَّرْدُ ، وَهُوَ سَرْدٌ طَويلٌ، فَلْتُعَفِّرْ جَبْهَتَكَ بالتُّرابِ . قالَتِ السّاحِرَةُ الأَنيقَةُ لَيْسَ بَيْتي هذا.. فَلِماذا لاتَدْخُلُهُ ؟ لَمْ يَتَوَقَّفِ المَطَرُ عَنِ الكَذِبِ ، فدَخَلْتُ البَيْتَ ، وَتَعَرَّيْتُ أَمامَ جِدارٍ صُبِغَ بالدَّمِ والكُحْلِ ،رَأَيْتُ عَيْنَيْنِ مَيِّتَتَيْنِ ، تُغْرِيانِ بالبُكاءِ .. بَكَيْتُ طَويلاً حَتّى جاءَني أَبي ..فَلَمْ يَعْرِفْني.. وتَنَكَّرَ لي. لَسْتُ سِوى نايٍ قَديمٍ بَحَّ صَوْتُهُ يَوْمَيْنِ . صَرَخْتُ : مَنْ لي في هذِهِ الفاجِعَةِ ؟. قالَتْ أُمّي .اخْرُجْ سَريعاً مِنَ البَيْتِ، خَرَجْتُ عُرْيانَ ،لا أَقْوى إِلاّ عَلى النَّوْمِ ، كَيْفَ أَنامُ ، قُلْتُ للشّاعِرِ القَديمِ ؟عَتَباتٌ تَسْتَحِمُّ بالخَجَلِ ، والفاجِعَةُ قُرْبانُ يَتامايَ، والشّاعِرُ القَديمُ، أَخْرَسَ، يَسْمَعُني ويُشيرُ عَلَيَّ بالهَرَبِ مِنَ النَّوْمِ،أَرْبَعَةُ وُجوهٍ أَرْبَعَةُ سِياطٍ ،المَرأَةُ المَحْمولَةُ عَلى عُكّازَيْنِ تَسْتَنْجِدُ بالمُمَثِّلِ المُزَيَّفِ ، انَّها لُعْبَةُ الوَداعِ الأَخيرِ، هَلْ وَدَّعْتَهُ أَيُّها السَّيِّدُ؟ مَنْ ؟ أَنْتَ إِذَنْ لا تَعْرِفُهُ ، حَسَنٌ ، نَعودُ إِلى السّاحِرَةِ.. كَيْفَ أَفْلَتَّ مِنْ قَبْضَتِها؟ ذلِكَ سَرْدي الطَّويلُ ، مُدُنٌ مَحْروقَةٌ ، صبايا ، أَرائِكُ ، مَساءُ البَرْدِ " أَنْتَ تَرْتَجِفُ بَرْداً يا حَبيبي ".. " لَيْسَ تَماماً " . نَخْرُجُ معاً ، أَخْرُجُ إِلى أَقْبِيَةٍ ،لأَرى يتامايَ يُنْشِدونَ نَشيدي . آدَمُ ، خَمْسَةَ عَشَرَ قِرْناً . هَلْ يَتَعَرّى السّيِّدُ أَمامَ جِدارِ الكُحْلِ والدَّمِ ؟ لَيْسَ بَعْدُ . في الأَقْبِيَةِ رَأَيْتُ شُعَراءَ مَجْهولينَ يَنْتَمونَ إِلَيَّ ، قالوا : أَهْلاً بِكَ ضَيْفاً عَلَيْنا.. انَّنا هارِبونَ مِنَ المُدُنِ..في أَقْبِيَتِنا نَصْطادُ الهَواءَ طَعاماً،سَنَصْطادُ لَكَ شَيْئاً مِنْهُ ، أنْتُمْ يَتامايَ ، أَعْرِفُكُمْ ، ذاكَ الشَّيْخُ الأَعْرَجُ كُنْتُ الْتَقَيْتُهُ ذاتَ حُلْمٍ ، كانَ يُغَنّي لإِمْرَأَتِهِ " عاهِرَةٌ يَوْماً .. عاهِرَةٌ كُلَّ يَوْمٍ " ، وَذاكَ الزِّنْجِيُّ ، كانَ صَديقي في لَيْلَةٍ شِتائِيّةٍ ، أَسْرَرْتُ لَهُ سِرّي،فَبكى لِطُفولَتي الّتي تُهْلَكُ عادةً بلا سَبَبٍ ،اسْمَعْ.. لَنْ أَسْتَمِعَ إِلى سَرْدِكَ كُلُّهِ، انَّ لي مَوْتاً يَنْتَظِرُني، فَدَعْني أَيُّها السَّيِّدُ..أَتَمَتَّعُ بانْتِظاري . خَمْسَةَ عَشَرَ قِرْناً ، آدَمُ : أَعْرِفُهُ في اللَيالي الّتي رَقَصَتْ فيها الجُِرْذانُ هَوْلاً مِمّا حَدَثَ ، اصْطَحَبَني إِلى إِمْرَأَةٍ قَدَّمَتْ حُبَّها لي عَلانِيَةً.. فَحَدَّثْتُها عَنِ السّرِّ الّذي أَضاعَتْهُ..إِذْ كانَ لَها سِرٌّ ، تَمَتَّعْ بانْتِظارِكَ ، أَمّا أَنا فَقَدْ فَقَدْتُ مُتْعَتي مَنْذُ وَقْتٍ طَويلٍ ، سِرٌّ أَنانيٌّ نَخْرُجُ بِهِ عَرايا ، فَيُدْهَشُ الشُّعَراءُ وَيَخْتَبِلونَ بِنا.. خَمْسَةُ عَشَرَ قِرْناً، لا..لا أُصَدِّقُ ما تقولُهُ لي:انَّني ذاهِبَةٌ إِلى الأَقْبِيَةِ لأَرى يتاماكَ ، لَنْ تَذْهَبي ، فأَنْتِ تَخافينَ ظِلالي.. وسَتَسْتَنْجِدينَ هُناكَ بي، فالمُمَثِّلُ المُزَيَّفُ غائِبٌ، وأَنْتِ حَبيبَتي..آدَمُ..لا الفاجِعَةُ عَطَّلَت سَهْوي في البَوْحِ ولا ظَلامُ العَيْنَيْنِ المَيِّتَتَيْنِ،أَخْرُجُ وَحيداً إِلَيْكِ ، وَتَخْرُجينَ مِنْكِ إِلَيَّ ، فَأَنْعًمُ بالمَوْتِ السَّعيدِ ، وَأَنْأىعَنِ الشّاعِرِالقَديمِ،لِتُعَلَّقَ حِكْمَتُهُ عَلى زُجاجِ نَوافِذِ السّاحِراتِ الأَنيقات،أَغْرُبُ عَنْ فُنْدُقِ المَوْتى.. أَبْدَأُ غِنائي..فَيَنْهَرُني بالصُّعودِ إِلى حافِلَةٍ تَضِجُّ بالمُمَثِّلينَ ، دَعْني أَيُّها السّيّدُ أَنْتَظِرُ مَوْتي.أُحِبُّكِ ،ثُمَّ أَجْفِلُ، وَحْدي أَنْعَمُ بالقَطيعَةِ بَيْنَكِ وَبَيْنَكِ ..أُحِبُّكِ ، آدَمُ، خَمْسَةَ عَشَرَ قِرْناً.. لا..لا أُصَدِّقُ ماتَقولُهُ لي الآنَ.عَتَباتٌ تَسْتَقْبِلُكَ مَخْذولاً ،عَتَباتٌ ، تَسْكَرُ عَلى مَقْرُبَةٍ مِنْها.. تَسْأَلُها المَدينَةَ. ثُمَّ تَرى نَفْسَكَ.. لا هِيَ بالواقِفَةِ..و لا هِيَ بالرّاحِلَةِ .. عَتَباتٌ تُحَرِّمُها عَلَيْكَ ، لِتَرْحَلَ مِنْ جَديدٍ ، إِلى الأَقْبِيَةِ ، حَيْثُ يَتاماكَ يَنْعَمونَ باللذَةِ..يَهْرعونَ إِلَيْكَ ، فَتُعْلِنُ مَوْتَكَ بَيْنَهُمْ..لِيَبْدَأَ السَّرْدُ الطَّويلُ.. ثانِيَةً.. وثانِيَةً.. 1987- بغداد..
#كمال_سبتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يبيع الغشيم شعرنا رخيصاً
-
الخطوةُ الأولى في الحداثة الشعرية العراقيّة
-
الصّوتُ الشّعريّ
-
الخوف على الشعر
-
التاسع من نيسان واللاءات الأربع
-
آخِرُ المدنِ المقدَّسة..براثا: لم اغتسل في السوق القديمة
-
كمال سبتي: هربنا من دكتاتور قاس لكن الحرب والاحتلال أفسدا أم
...
-
دموعٌ من أجلِ أطوار وبنفسجِها الغاوي
-
عارُنا في أبي غريب
-
الخوفُ على الشّعر
-
قبيلةُ النّمّامين
-
وسوى الرّومِ خلفَ ظهرِكَ رومٌ/ نشيدُ انتصار
-
أيّامي..وقصيدة عن الجمال
-
المقاومة وتروتسكي وقطار برت لانكستر
-
قصيدتان
-
عن أحمد الباقري وتعاليمه
-
جمعُ تراثِ مقارعةِ الدكتاتورية
-
الشعراء يستعيدون نبيا من التاريخ
-
الشّعرُ والتّوثيقُ الشّخصيّ
-
تروتسكي باريس 1979
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|