|
التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير: ملاحظات نظرية.
جمال براجع
الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي - المغرب
الحوار المتمدن-العدد: 7041 - 2021 / 10 / 8 - 17:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مفهوم التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير من المفاهيم التي بلورها الفكر الماركسي في اجتهاداته النظرية للإجابة على إشكالية تأطير وتنظيم المقاومة والنضال الجماهيري.وتعرف أيضا بأدوات الدفاع الذاتي للجماهير والتي تبدعها في صراعها للدفاع عن مصالحها ومطالبها أو لمواجهة التحديات التي تعترضها وتنظيم صفوفها من اجل ذلك.وهو مفهوم غني ومتطور بغنى وتطور الصراع الطبقي.وهو يشكل معيارا إجرائيا لقياس مدى تطور الصراع الطبقي ولمستوى تقدم النضال الديمقراطي الجماهيري.مما يعني أن استيعاب هذا المفهوم نظريا لن يتم إلا بارتباط بالممارسة النضالية للجماهير وما تطرحه من إشكالات نظرية وعملية سنثير ملاحظات بشانها في هذا المقال. 1-في ضرورة وأهمية التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير: في سيرورة صراعها من اجل تحسين وتغيير شروط حياتها نحو الأفضل ومقاومة أعداءها الطبقيين المسئولين عن هذا الواقع تبني الجماهير أدوات ووسائل لتنظيم صفوفها لخوض هذا الصراع.إن بناء هذه التنظيمات الذاتية المستقلة يندرج ضمن النضال الديمقراطي الذي تخوضه الجماهير لتحسين أوضاعها الاجتماعية والديمقراطية.وبالتالي فهدفها ليس التغيير الثوري لان ذلك من مهام الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين بل هو المساهمة في تحقيق التراكم الضروري للتغيير الثوري وفي علاقة جدلية معه.فلا يمكن تصور أي فعل ثوري خارج نضالات الجماهير. فالتنظيمات الذاتية المستقلة هي بمثابة مدارس تتعلم فيها وعبرها الجماهير وتتمرس على النضال والتنظيم و الديمقراطية في التدبير والتقرير واكتساب الخبرات والوعي بتناقضات الواقع وأصدقاؤها ومن هم أعداءها̜ واكتشاف إمكانياتها وقدراتها الذاتية وتعلم كيفية توظيفها بشكل مناسب مستفيدة من هفوات وأخطاء الممارسة. 2-التنظيمات الذاتية المستقلة من إبداع الجماهير: في خضم الصراع الذي تخوضه الجماهير تبدع أشكال وأدوات التنظيم الملائمة لأوضاعها الذاتية وطبيعة أهدافها وللشروط الموضوعية للصراع.مما يجعل هذه الأدوات خاضعة للتطور والتعديل والملائمة حسب تطورات الصراع.ومن هنا نلاحظ ذلك التنوع الكبير الذي تحبل به الساحة النضالية للجماهير. وإذا كان بناء التنظيمات الجماهيرية غالبا ما يتم بكيفية فوقية من طرف النخبة السياسية أو النقابية والحقوقية اليسارية كالنقابات والجمعيات الحقوقية والثقافية والاجتماعية مما كان يساهم في فقدان تلك التنظيمات استقلاليتها فتصبح بمثابة اذرع للأحزاب المتحكمة في قيادتها تضغط بواسطتها لخدمة مصالحها. لكنه بعد اندلاع حركة 20 فبراير سيقع تحول مهم اذ أصبحت الجماهير تبادر بنفسها لبناء تنظيماتها لخوض الصراع انطلاقا من مواقعها الجغرافية والقطاعية والاجتماعية والفئوية وغيرها.وقد ساهم تراجع الخوف في تطور الوعي الشعبي وانخراط الشباب والنساء في النضال وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأزمة الحريات العامة في تنامي وتصاعد نضالات مختلف الطبقات والفئات الشعبية وانفجار حركات احتجاجية و حراكات شعبية قوية في الريف وجرادة وبني تجيت وبوعرفة والفنيدق ... مما سمح ببناء أشكال تنظيمية قاعدية متنوعة من لجان شعبية وظيفية وتنسيقيات فئوية وتجمعات في الساحات العمومية...إن ضعف اليسار ومحدودية انخراطه في هذه النضالات والحراكات افقدها الاستفادة من خبراته وتجاربه وأفكاره̜ وساهم في طغيان نوع من العفوية والتجريبية والاندفاعية والفهم الضيق للنضال والتنظيم. 3- في ضرورة التمفصل بين بناء التنظيمات المستقلة للجماهير مع سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وسيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية. تندرج سيرورة بناء التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير في إطار السيرورات الأربع التي يناضل النهج الديمقراطي من اجلها وعلى الخصوص سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وسيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية. إن مقولة بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو لا يمكن النظر اليها إلا من زاوية انخراط الماركسيين/ات في معمعان الصراع الطبقي إلى جانب الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في نضالاتها ومساعدتها على بناء تنظيماتها لخوض هذا الصراع. وفي خضم هذا الصراع المرير والطويل تتحقق التراكمات الضرورية للحركة الثورية ويتصلب عود الجماهير بالانتصارات والنكسات وتفرز الطاقات والطلائع الثورية الواعية والمتقدمة في الحركة العمالية والجماهيرية التي تغذي شرايين الحزب مما يساعده على التجدر أكثر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين ونشر الفكر الثوري وسطها. كما انه لا يمكن تصور نجاح سيرورة بناء وتطور التنظيمات الذاتية للجماهير بمعزل عن سيرورة بناء حزب ط ع ع ك وقيادته السياسية باعتباره هيئة أركان الطبقة العاملة وحلفاءها لخوض الصراع الطبقي للقضاء على البرجوازية ونظامها الرأسمالي.بمعنى إن الحزب هو المنظم والقائد السياسي لهذا الصراع . وهو الذي يعطيه بعده الاستراتيجي من خلال الحسم في السلطة السياسية وفرض السلطة البديلة سلطة الطبقة العاملة وحلفاءها باعتبارها الطبقة الثورية المؤهلة تاريخيا للقضاء على البرجوازية وبناء الاشتراكية في أفق الشيوعية. ويؤدي التقدم في سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وسيرورة بناء وتقوية التنظيمات الذاتية للجماهير حتما إلى التقدم في سيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية إذ يضمن لها ذلك ركيزتها الأساسية وهي الجماهير المنظمة الواعية والمستعدة والقيادة السياسية التي تقودها في انجاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي وجعله منفتحا على الأفق الاشتراكي. 4- في استقلالية التنظيمات الذاتية للجماهير: من المنظور الماركسي فان العلاقة بين الحزب البروليتاري والتنظيمات الذاتية للجماهير هي علاقة جدلية وليست علاقة تبعية وإلحاق أو علاقة انفصال واستقلال مطلق. وهو ما تمت الإشارة إليه سابقا. ولنجاح الثورة وتحقيق أهدافها لا بد من احترام استقلالية التنظيمات الجماهيرية لما لها من دور في ممارسة سلطة رقابية عمالية وشعبية على الحزب والدولة بعد الثورة لتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها التجارب الاشتراكية المطبقة ومنها تشكل برجوازية بروقراطية من داخل قيادة الحزب والدولة والتي لعبت والدور الأساسي في فشل تلك التجارب. وفي نفس الوقت لا ينبغي فهم الاستقلالية على أنها مطلقة. فالتنظيمات الذاتية للجماهير تخضع لتأثير الأفكار البرجوازية والبرجوازية الصغيرة سواء الإصلاحية التي تحد من أفقها ضمن النظام الرأسمالي السائد أو الفوضوية التي تحملها ادوار الحزب الثوري. وبالتالي فهي بدورها مجال للصراع يجب على حزب ط ع ع ك أن يخوضه عبر مناضليه/ته داخل هذه التنظيمات أو عبر أدواته لمواجهة ذلك التأثير البرجوازي̜ وتوجيهها لتجاوزه وربط نضالها الديمقراطي الإصلاحي بالنضال من اجل التغيير الثوري. خلاصة إن نجاح السيروات الثورية ببلادنا يتطلب الاجتهاد النظري المتواصل لمعالجة القضايا والإشكالات التي تواجه الممارسة العملية والتقييم النقدي لهذه الممارسة بما يساهم في تطويرها بما يخدم أهداف التغيير الثوري بالاستفادة من تجارب الشعب المغربي وتجارب الشعوب الأخرى وهو ما تساعد عليه سيرورة بناء الأممية الماركسية.
#جمال_براجع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتخابات 8 شتنبر في المغرب ونهاية وهم إصلاح النظام المخزني م
...
-
أية مهام عاجلة لليسار المغربي اليوم
-
بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين سيرورة تاريخية متواصل
...
-
بصدد الروح الثورية للماركسية
-
مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني جزء من الصراع ضد التحالف ا
...
-
النظام المخزني والقضية الفلسطينية: علاقة توظيف وتواطؤ
-
الشعب المغربي وتقرير المصير
-
الامبريالية الأمريكية رأس حربة الامبريالية العالمية والعدو ا
...
-
حول الدولة الاجتماعية
-
سياسة الاقتراض: أرقام مرعبة ونفق مظلم
-
جدلية التحرر الوطني والبناء الديمقراطي
المزيد.....
-
افتتاحية: ولأن الاعتداء كبير على الحقوق الأساسية … يكون الرد
...
-
س?رکوتوو ب?ت خ?باتي مام?ستايان و س?رج?م موچ?خ?راني ه?ر?مي کو
...
-
الرفيقة شرفات أفيلال عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتر
...
-
من أجل إنصاف متضرري زلزال الحوز ومساءلة المتورطين في انتهاك
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: فوضى التشريع وليدة المنهج الفاش
...
-
الاتحاد العام التونسي للشغل يساند ويتضامن مع النقابات المغرب
...
-
العدد 591 من جريدة النهج الديمقراطي
-
ماركيز صحفيا في أوروبا الاشتراكية.. الأيديولوجيا والحياة الي
...
-
نتنياهو: ترامب أفضل صديق في تاريخ إسرائيل واليمين المتطرف يع
...
-
الرفيق رشيد حموني يفسر تصويت حزب التقدم والاشتراكية ضد قانون
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|