|
نحو فهم جديد لمعنى القوامة
الشيخ إياد الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 7040 - 2021 / 10 / 7 - 09:25
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
من الحكمة بمكان القول : إنه قد أختلط في أذهان الكثير من المفسرين دلالة و معنى ( القوامة ) ، ومن غير مواربة يمكننا القول إن هذا المفهوم غدى في أذهان الكثيرين عبارة عن تجسيد لتلك النزعة الجاهلية التي تحط من مكانة المرأة وشأنها ، وكلامنا هنا يتناول دلالة اللفظ بحسب الصيغ والسياقات المعرفية التي ورد بها ، ناهيك عن إيماننا المسبق والذي ينزه الله جل جلاله في ان يكون خصيماً للمرأة أو أن في كلامه مايحط قدرها وشأنها ( وإلى ذلك نسترعي الإنتباه ) ، ودائماً في ذلك دليلنا يكون تلك النصوص الواضحات والتي بينا بعضها فيما سبق لنا من بحوث ودراسات ، كتلك التي تتعلق بالميراث والوصية والحقوق ، إضافة إلى جوانب هامة و كثيرة في بابي المعاملات والعبادات ، ولذلك نقول : واهم جداً من يتخيل إن هناك ثمة تناقض في كتاب الله حول هذا الموضوع أو في غيره ، فالله في كتابه المجيد دقيق جداً حين يخاطب وحين يقدم الأفكار والرؤى ، وهذا التوكيد ليس من باب الحماسة ولكنه ذلك إظهار وبيان تم بالتتبع والرصد والتحقيق في دلالات الألفاظ والمعاني .
ومن باب الموضوعية والحيادية نقول : لقد أثر في فهمنا للكتاب المجيد تلك الموروثات من المفاهيم والإعتبارات الجاهلية ، التي قدمت رؤية سلبية عن المرأة ووضعها وحقوقها ، ومن ذلك أخذ الكثير من المفسرين تلك الإنطباعات معتبرينها حقايق ثابتة غير قابلة للنقض ، وبناءا على ذلك أعتبرت تلك المقولات تابوات مقدسة لدى كثير من أدعياء الفقه العتيق ، و من رجال دين من الأخباريين والسلفيين ومن على شاكلتهم ممن تبعهم على ذلك .
لهذا نعتقد جازمين بان هذه الرؤية المتخلفة كان لها الأثر المباشر في صياغة المفاهيم والأفكار في الثقافة و الأدب والفكر الإسلامي ككل ، طبعاً هذا جانب وهناك جانب مضاف سلكه بعض من الخلفاء والسلاطين الذين عززوا هذه النظرة الدونية للمرأة ولوضعها العام في الحياة ، مما ساهم بتجريد المرأة من دورها الطبيعي المُناط بها .
فأصبحت المرأة بفضلهم مجرد نديمة وغانية وجارية وقينة ، وأنتفى دورها وماخُلقت لأجله من أعمار وتنمية وبناء ، ونحن وفي كل مرة وبقدر مايسمح لنا به الوقت نتابع مسيرتنا ، في كشف هذا الزيف وهذا التعدي من قبل تلك الفئات والموروثات ، معتمدين في ذلك على مانقوم به من عملية تقويم معرفي وإصلاحي نبتغي فيها الرضا والقبول .
وبما أن هذه العملية معقدة ومثيرة وتتطلب المزيد من الحرص والدقة والتأني ، خاصة في مجال إعادة تقييم وقراءة للأوراق والدفاتر التاريخية والتراثية و التي أسست لهذا الزيف ولهذا الوهم ، وتبنته وأدعت إنه المُراد والمقصود من قبل الله في كتابه المجيد ، ولكن لا ضير مادام الغاية من ذلك تنزيه الكتاب المجيد أولاً مما علق به من تلك المخلفات والسلبيات و التي أساءت للمرأة ، فغدى حالها كما هو معلوم اليوم في حاضر كل المجتمعات الإسلامية والعربية .
أقول : من أجل هذا ومثله دعونا نستحضر كتاب الله ونقرأ نصوصه بتأمل وتدبر تامين ، ثم نحكم على ضوء الواقع والعلم مُراد الله ومقصوده ، فالنص الذي جعلناه عنواناً لبحثنا هذا ، أعني النص 34 من سورة النساء ، يجب ان ننظر إليه في سياقه الموضوعي الذي جاء أو نزل به ؟ ، ومن ثم نتعرف على ما يُراد منه ؟ ، وكيف زُج به في هذه المتاهة على غير معناه ومقصوده ؟ .
وتعلمون إننا ملتزمون بالقاعدة العلمية والأصولية والتي تقول : ( أن ليس في كتاب الله المجيد أي ترادف ، ولا فيه أي تأويل قهري مخالفاً للواقع ) ، ويؤيد ذلك لسان العرب فيما يؤكده ويشير إليه ، في تحديد طبيعة الألفاظ ومعانيها على نحو دقيق وصارم .
فعلى سبيل المثال : حين يستقدم النص لفظ - الرجال - فهو يستعمله بصيغة الجمع معرفاً بالألف واللام ، وفي هذه الحالة نعرف إنه يريد به الحصر والتخصيص ، أي تخصيص الرجال بمعنى الذكور حصراً ، وبالتقابل يكون كذلك لفظ - النساء - حين يكون مصحوباً بالألف واللام ، فيكون دالا على خصوص معنى الإناث ، ولكن حينما يأتي لفظ - رجال - منكراً نعرف إنه يدل على العموم ( أي الذكور والأناث معاً ) ، ولغة العرب لم تغفل هذه الحقيقة حينما أعتبرت اللفظ مشتقاً من معنى السير والحركة والقيام - كذلك قال صاحب القاموس المحيط - ، وبناءاً على هذا جرى سريان هذا اللفظ حكماً على الذكور وعلى الأناث ، قال الكسائي : هو بيان لصفة الحال وليس بيانا لصفة الجنس ، قال تعالى : - رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله - النور 37 ، و لفظ رجال هنا دال على - العموم - ذكوراً وأناثاً معاً ، والدليل في الخطاب وحدة العبادة التي هي القاسم المشترك المتعلق بالذكور والأناث على نحو الهيئة والمقام ، ومثل ذلك قال تعالى : - وأذن في الناس في الحج يأتوك رجالاً - الحج 27 ، فالحج فريضة واجبة متعينة عند توفر شروطها على الذكور وعلى الأناث معاً ، بدلالة معنى الخطاب في قوله - رجالاً - ولم يقل الرجال .
ونقرأ في سياق تعريفي أخر قوله تعالى : - وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم - الأعراف 46 ، و الجملة الخبرية تعريف بحال رجال - الأعراف - الدالة على معنى العموم للذكور والأناث معاً ، ومقام الجملة الخبرية هو بيان طبيعة عمل هذه الجماعة من البشر ، والتي من مهامها : - التعرف على أصحاب النار وأصحاب الجنة من الموضع الذي جعلوا به - .
ويدلنا لسان العرب على ان مصطلح - الأعراف - أخذ من - العرف - : - وهو العلامة الفارقة أو هو الهيئة أو الصفة و التي يتميز بها كل واحد عن غيره - ، ولذلك سُمي ما يعلو رأس الديك عرفاً ، ومن هنا جاء وصف - رجال الأعراف - في الكتاب المجيد : - بأنهم من يقفون بموضع يجعلهم قادرين على التعرف على غيرهم بسيماهم - ، فهم في موقف يكونون فيه أكثر قدرة وهيمنة ، قيل : ( بإعتبارهم يرون من أعلى ) ، وقد ورد مصطلح - رجال الأعراف - في الكتاب المجيد بموضعين من سورة الأعراف ، ولا ريب إن لفظ الأعراف وظف في الأدب الإجتماعي معبراً عما يستقر عليه عامة الناس من تقاليد ونواميس ، والتي سموها أعرافاً والمشرع الإسلامي أخذ من العرف هذا ما أعتبره محققاً للغرض الشرعي في الإستحباب أو الكراهة ، طبعاً هذا يكون مع تعذر الدليل النقلي في هذا المجال المتعين .
ونعود للقول : بأن لفظ - رجال - إن كان هكذا منكراً دل على العموم ، وإن كان معرفاً دل على الخصوص ، وملاحقة هذا الفارق يسهل علينا عملية الحكم والإفتاء ، فحين يقول المولى تعالى : - الرجال قوامون على النساء - نفهم منه أولاً إن الرجال هم الذكور هنا ، ولا يدل اللفظ على العموم لأن دعوى الإطلاق والعموم تحتاج إلى دليل خارجي يعضدها ، إذن : - فمن الوهم تركيب المعنى بحسب التأويل الظني ، والذي لا يستند على دليل أو قرينة دالة عليه - .
وحينما يأتي الكتاب المجيد - باللفظ منكراً - و يريد به الخصوص فهو يأتي معه بالقرينة الدالة عليه ، كقوله تعالى : - ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات - الفتح 25 ، فجعل الإيمان قرينة للحصر والتخصيص ، ولكن لماذا نلاحق هذا التفريق ؟ والجواب يكون على النحو الآتي : - لنتفق ان لفظة رجل المنكرة هي ليست أسماً للذات ، إنما هي أسم صفة لما يوصف به من يكون حاله كذلك - ، فالذكر كما الأنثى من صفاتهم العامة إنهم يمشون أو يسيرون على رجلين ، ومنها أخذ هذا المعنى ليكون الموصوف به هذا النوع من البشر ، ولكن حين تعرف هذه الصفة فتكون دلالتها على المتعين حصراً ، أي حين يقول الله : - إنكم لتأتون الرجال شهوة دون النساء - النمل 55 ، فالمعنى يكون واضحاً بدليل المفارقة والمباينة ، أي إن هذا الفعل يذهب على النوع ذاته وليس لما خلق من أجله ، والتنويه في منع الفعل معلوم بالفطرة وما يقول به العقل السليم .
هذا عن الرجال فماذا عن النساء ؟ ، إن لفظ النساء إن جاء معرفاً بالألف واللام فيدل على معنى : – المرأة الأنثى - ، ولا يصح القول في هذا المقام : بأن النساء تأتي من النسيء الذي هو الزيادة أو هو التأخير ، على وزن فعيل حين يكون مصدرا ، قال تعالى : – ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) – التوبة 37 ، فهذا القول لا يستجيب للمعنى الذي يتحرك فيه النص ويريده ، والتعليل المتأخر بأن النساء إنما سميت كذلك لأنها تأخرت في الخلق من بعد خلق الذكور ، تعليل متهافت لا يصمد امام البحث والتدقيق ، بدليل أن الإناث لم تأت متأخرة من جهة الخلق بعد الذكور ، والمعلوم من جهة النصوص والآيات المجيدة : إنما تحدثت عن خلق آدم المتكون من ذكور وأناث ، فإطلاق لفظ آدم يصح على الذكر وعلى الأنثى ، بإعتبارهم وحدة واحدة غير مجزئة أو منفصلة ، قال تعالى : – إنا خلقناكم من ذكر وأنثى – الحجرات 13 ، وقال تعالى : – وبدأ خلق الإنسان من طين – السجدة 7 ، وقد ورد في خطبة الوداع قوله : – كلكم لآدم وآدم من تراب – بصيغة الجمع ، أي إن الخلق في أصله عبارة عن مخلوق واحد أو من جنس واحد متشكل من ذكور وأناث وبأصناف وألوان متعددة ، وآدم هذا كما قلنا هو أسم جنس يشمل الذكور والأناث على حد سواء ، فهما إذن من مادة واحدة ومن خلية بايولوجية واحدة ، ففي بداية الخلق تكون الذكورة والأنوثة مختلطة ، وبالإنقسام بعضها عن البعض الأخر تتكاثر فالحيوان المنوي في الذكر يحتوي على الذكورة والأنوثة معا ( سالبة وموجبة ) .
وليس هناك ثمة تناقض في الخلق بينهما ، فلا آدم خلق حواء ولا حواء خلقت من ضلع آدم ، وكل تلكم المرويات إنما هي زيف عابر جاءنا من أهل الكتاب ومروياتهم ، ولم أجد فيما أعلم ذكر للفظ - حواء - في الكتاب المجيد ولا في غيره من الكتب العلمية المعتبرة ، وأما القول : بأن الإناث جاءت في الخلق بعد الذكور ، فهذا القول لا يعتد به ولا يعتنى به وهو مردود من جهة النص والإعتبار ، والأخبار الواردة في هذا الباب إنما هي مجرد أوهام وخرافات لا تصمد أمام النقد والتحليل .
بعد هذا البيان الذي قدمناه سنبحث الآن معنى – [ و مفهوم القوامة ] - الذي ورد في النص 34 من سورة النساء قوله تعالى : - الرجال قوامون على النساء ... بما فضل الله بعضهم على بعض ... وبما أنفقوا من أموالهم - ، والأصل في القوامة من الفعل - قام - والذي هو فعل ثلاثي دال على ما يوصف به الشيء أو ما يقع عليه ، فنقول : قام فلان بكذا ، ونريد بذلك : معنى أنجزه وأتمه وأصلحه وحافظ عليه ، و - القيام - نقيض القعود ومنه جاء معنى القيامة قال أبن حزم ، ومن ذلك نفهم معنى كلمة المجاهدين في قوله تعالى : - فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة – النساء 96 ، والدالة على من يقومون بالأمر ويتصدون له ، و في السياق ذاته نفهم كذلك معنى قوله عليه السلام : - الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا - ، وكذلك قال الكتاب المجيد بلسان العرب : - الرجال قوّامون على النساء - وهو يعني الحال والصفة ، سواء أكان مضافاً أو معرفاً أو معللاً كما يظهر في قوله تعالى : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) ، و دلالة - بعضهم - في الجملة تكون شاملة للذكور والأناث معاً ، ولا تعني الرجال بحال ولو كان ذلك كذلك لقال - بعضهن - ، إذن فالقوامه المتعينة تتضح بهذه الجملة البيانية ومابعدها ، أي إن ملاك القوامه ليس حالة قهرية إنما هو ذلك الشيء الذي يكون عند كل واحد منهم وبما يحتاجه الأخر ويريده ، والفضل نقرئه بالإستدراك اللاحق كما في قوله - وبما أنفقوا - ، ولم أجد من أهل العلم من قال بأن الإنفاق صفة ذكورية خاصة ، أو هي من خواص الرجال دون النساء ، والإنفاق من الصفات الموضوعية المادية الدائمة الحدوث في مطلق الزمان والمكان .
نعم إن مفهوم - القوامة - متعين وظيفياً و عملياً على من يقوم به من غير تحديد ، ومقتضى صحته تكون مع توافر شروطه الموضوعية التي تجعله ممكناً ، وبدون ذلك يسقط - مفهوم القوامة - من الإعتبار ، ويساعدنا النص 17 من سورة الإسراء في توضيح هذه الدلالة وبيانها قال تعالى : - أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا - ، فالتفاضل يرتبط جدلاً بصحة العمل وبالقدرة و بالصلاحية ، والقدرة : هي من الصفات العامة التي تصدق على الرجال وعلى النساء .
ثم إن التفاضل الطبيعي يكون في إنجاز المهام وجودتها ، سواء أكانت هذه المهام فكرية أو علمية أو معاملاتية عامة ، وقد بيَّن الكتاب المجيد ذلك في قوله - وبما أنفقوا - ، أي بمن لديه هذه القدرة والإمكانية من الإنفاق ، والإنفاق من الشؤون النسبية التبادلية والتي لا يصح فيها الإحتكار ، بحيث تكون مجعولة فقط للرجال دون النساء ، وهذا المعنى واضح جلي لذلك بيَّن الله مفهوم الفضل بقوله هذا – [ بما أنفقوا ] - ، ومعلوم إن دلالة حرف - ما – يفيد الإطلاق هنا وليس الوصل ، أي بمن يقوم بذلك ويتولى الإشراف عليه ، فالذي يكون قادراً على حماية الثروة من التفريط ، وقادرا على توزيعها بالشكل العادل هو من تجب عليه قوامة الإنفاق ، فالقضية إذن لا تدخل في باب التحدي بقدر ما تدخل في باب الأولويات ، فالذي بإستطاعته الحفاظ على الثروة وتوزيعها بشكل عادل هو من يحق له القوامة ، ولهذا رفض الكتاب المجيد - التبذير و الإسراف - على نحو مطلق وعام ، وهو في الحالين يعني الرجال المبذرين والنساء المبذرات ولا خصوصية ولاقيد يخرج ذلك عن إطلاقه ، قال تعالى : - إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين - الإسراء 27 ، كذلك قال تعالى : - وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا - الأعراف 31 .
أقول : والقوامة في النص 34 من سورة النساء تتحدث عن قضية خاصة هذا بحسب السياق الموضوعي للنص ، أي إنها قضية ترتبط في الإنفاق المنزلي وضمن البيت الواحد بين الذكر والأنثى ، ولا علاقة لهذا النص بالحياة الإجتماعية العامة ، ولا علاقة له بمفهوم الإدارة في الشؤون العامة ، وليس له علاقة في قيادة الحرب و السلام والقضاء ، هو إذن مفهوم معين في قضية خاصة حاكية عن الحياة بين الذكر والأنثى في بيت الزوجية .
أما لماذا قال النص ذلك ؟ : فهذا يرتبط بحسب التقدير الأولي بالقوة الجسمية والجسدية للرجال في تلك الأزمان ، أعني تلك القوة التي ترتبط بالعمل الشاق المضني ، والذي كان حكراً على الرجال دون النساء هذا بحسب طبيعة الأعراف القبلية والطبيعية آنئذاك ، ثم لو دققنا في لفظ - بعض في النص - فإننا نجد إن هذا التبعيض نسبي وغير مطلق ودلالته في الإنفاق وبمن يقوم به ، وهذا معلوم بالسليقة والفطرة أي إن من له القدرة على الإنفاق ، فله الفضل وهو المقدم على الآخر .
وعليه فالنص يحكي عن مفهوم خاص وقضية خاصة ، والمسألة إذن لا ترتبط بقضايا الحياة الإجتماعية ، ولا ترتبط بقضايا الحروب والإدارة ، والإحتجاج بها على عدم مشروعية جواز تولي المرأة الحكم ، إحتجاج باطل وغير دقيق ، وطبعاً هنا علة التفضيل علة نسبية غير مطلقة ، وترتبط وجوداً وعدماً بمن يستطيع الإنفاق والتحكم بالمال بين الذكر والأنثى ، فلو كان الرجل مبذراً وغير قادر على تصريف شؤون البيت وحاجاته ، تنتقل القوامه في هذا المجال للمرأة إن كانت مُدبره وعاقله وقادرة على حماية الأسرة .
إذن فالنص أولاً : - لا يتحدث عن القيادة بمعنى السلطة في الحياة العامة - .
وثانياً : - لا يجعل النص ذلك مُقيداً بالرجال على كل نحو بل شرطه ولا زمه القدرة على التحكم في المال وشؤونات البيت الخاصة ، وملاك الحكم هنا للذكر وللأنثى على حد سواء من غير فرق .
وبما إن ذلك كذلك ، يقودنا هذا الكلام للقول : ليس من حق الرجال القيام بولاية المجتمع من دون تفويض و أذن من المجتمع أعني الرجال والنساء معاً ، ولكن من أين أتت هذه النزعة والقائلة برفض قوامة المرأة على الرجل ؟ ، ولماذا تحكمت هذه النظرة في المفاهيم والمدارك العامة ؟ ، والجواب : بكل بساطة يعود لنوع الثقافة التي كانت سادت عبر الأعصار ، والتي تحكمت بعقول وضمائر الناس ومشاعرهم تحت بند الكلام المعصوم و المقدس !! ، وقد راجت في الأوساط و البيئات الأقل نصيباً في العلم والمعرفة ، كذلك ويمكن القول : إنها إنعكاس لتلك النظرة الجاهلية التي تغذي تلك النزعة وتتبناها في أذهان الناس ، كما كان لبعض رجال الدين وبعض الكهنة وأعداء المرأة من السياسيين والحكام والطوباويين من زعماء الأقليات العشائرية والعصبوية الدور البارز في هذا الشأن .
ويجب أن نذكركم دوماً بهذا الدور لكي لا ننساه أبداً ، دور مشين نشر وأذاع وروج لتلك المقولات وألزم العامة بقبولها ، كما في قولهم : - إن المرأة ناقصة عقل ودين - ولكي يعطوا لهذه المقولة السمجة القبول في أذهان البسطاء والمريدين ، نسبوا تلك المقولات للنبي محمد وللإمام علي عليهما السلام ، مع علمنا التام : - إن عامة الأخبار ليست صحيحة سنداً وغالبها العام ليس صحيحاً دلالة - ، إذ ليس بين أيدينا ولا خبر واحد صحيح باللفظ والمعنى أو هكذا جاء عن النبي ، وكل الذي بين أيدينا عبارة عن منقولات فيها الكثير من التحريف والتجديف ، والفكر الإسلامي القديم منه والجديد مثقل بذلك ، ولم يتحرر بعد ولن يتحرر من سطوة هذه الأخبار وعنفها ، وهناك طيف من الناس يظنون بان المُراد من - القوامة - هو بهذا التمايز في الخلق بين الرجال والنساء ، ومع أن التمايز في البناء الجسدي حقيقة واقعة ، ولكنه ليس مُعطى لنقرر على ضوئه مفهوم - القوامة - ومعناه ، وإذا كانت قوى الرجل العضلية في العموم أقوى من قوى المرأة العضلية ، فلا يكون ذلك مدعاة ليحصل الرجل بمقتضى ذلك على القوامة و السطوة والهيمنة .
وإذا كان الرجل يمتاز بذلك عن المرأة ، فهذا لا يكون أبداً في كل المناحي والقوى الأخرى ، سواء الإدراكية والذهنية والعقلية وفي طبيعة التفكير والعلم والمعرفة ، ولكم ان تفتحوا سجلات الحياة من الماضي والحاضر لتتأكدوا صدق ذلك ، وإذا كان السيوطي قد روج لخبره الكاذب عن النبي في قوله : - ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة - ، فالخبر باطل من جهة نسبته للنبي وباطل في معارضته لكتاب الله المجيد ، الذي أمتدح المرأة بشخص ملكة سبأ ، وكيف أنها كانت تقود قومها نحو الإيمان والسلام ، وإن دل هذا على شيء فيدل على حكمتها و رجاحة عقلها ، وهي في ذلك تسبق الكثير من الرجال بمراتب ودرجات سواء من الماضي أو الحاضر .
ويجادل البعض في رفض فكرة قوامة المرأة على الرجل من خلال قوله تعالى : - ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة - البقرة 228 ، وقد ظن البعض إن في إطلاق جملة - وللرجال عليهن درجة - إطلاقاً عاماً يمكن الإستفادة منه في قضايا الإدارة والسلطة والحكم ، ومادام ذلك كذلك فإن المرأة لا تكون مُديرة وحاكمة وقائدة ميدان ، وهذا الكلام لا يستقيم إن دققنا في هذا النص وفي بنيته ومعناه ، النص هنا يتحدث عن العلاقة المشتركة بين الزوج وزوجته وحقوق كلاً منهما على الأخر هذا من الناحية الموضوعية وكيفية بناء النص وطبيعته ، والنص إنما يقول : - إن الزوج حينما يطلق زوجته ( في حال الطلاق الرجعي ) تبقى الزوجة في عهدة الزوج من حيث الحقوق وما يجب عليه تأديته لها - هذه هي صيغة بناء النص ، وأما لفظة - درجة - فهي ترتبط بما قلناه عن طبيعة الرجل الجسمانية ، وهي طبيعة تكوينة و لا علاقة لها بالحكم الشرعي ، وعلى هذا فلايمكننا الإتكاء على هذا النص في رفض قوامة المرأة وقيادتها للمجتمع .
وذهب نفر من المتفقهة برفض مفهوم قوامة المرأة للرجل على ماورد في سورة الأحزاب قوله تعالى : - وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى - الأحزاب 33 - .
وقد تصور البعض وبما إن الله قد منع نساء النبي من التبرج كما كانت تفعله نساء الجاهلية ، فكذلك يكون على نساء المسلمين واجب ان لا يظهرن امام الناس وفي الحياة العامة !! ، ولكن هذا التصور غير صحيح بدليل : - إن النص حينما تحدث ومنع نساء النبي من التبرج وحياة الجاهلية ، إنما نهى عن الحركات وعن السلوك غير الأخلاقي الذي يشوه صورة المرأة ككائن محترم وعظيم - ، وليس الكلام في النص ما يتحدث عن عدم قدرة المرأة على الحكم وقيادة المجتمع ، هذا التصور بعيد وغير منطقي وخارج عن محل الكلام ، إذن فالإحتجاج في هذا النص على عدم مشروعية قوامة المرأة على الرجل إحتجاج باطل وغير دقيق ، ونحن نمنعه ولا نلتزم به ..
هذه جملة النصوص من الكتاب المجيد والتي يعتد بها الرافضين لحاكمية المرأة ، وهي كما رأيت بعيدة عن محل الإستدلال ومعناه ومراده ..
وأما أراء الفقهاء من السنة والشيعة فهي في هذا الباب على مراتب سنعرض لها حسب طبيعتها :
الرأي الأول : القائلين بالجواز مطلقاً وهذا مذهب الإمام الطبري المفسر والفقيه المعروف وهو رأي الفيلسوف المجتهد أبن رشد رحمه الله ، وقد ذهب الإمام أبي حنيفه إلى ذلك وعلى قول .
الرأي الثاني : هم القائلين بعدم الجواز مطلقاً ، وهذا مذهب الشيعة وهو رأي الإمام الشافعي ومثله قال الإمام مالك والإمام أحمد .
ودليل القائلين بعدم الجواز : هو قول منسوب إلى رسول الله جاء فيه - ... ما أفلح قوم ولو أمرهم إمرأة - أنظر كتاب المغني لأبن قدامه ج11 ص 380 - ، والحق إن هذا القول مرتبط بمفهوم الأعم والأغلب ، ولكنه لا يتحدث عن المراة ذات العلم والفكر والدين والتي تفوق في ذلك الرجال ، الخبر لا يقول إن على المرأة ذات العلم والفكر الجلوس في بيتها لأنه لا يحق لها تولي أمور الناس !! ، هذا الأمر لم يتحدث عنه الخبر المتقدم ، ثم إن القول بان المرأة ناقصة عقل وهي لذلك لا تستطيع الحكم وقيادة الناس ، قول مردود لأن طبيعة العقل لدى الرجال ولدى النساء واحدة وتركيبته كذلك واحدة ، وكمال العقل يرتبط بالعلم والمعرفة والدراسة ، وهذه أشياء مباحة للذكور وللأناث ، وبالتالي فمفهوم النقص مرتبط بالتعليم وفي ذلك يتساوى الرجال والنساء ، ثم إن القائلين بعدم الجواز يستندون على قضية شهادة المرأة ووجوب وجود الرجل معها ، وهذه ليست لا زمه بل إن المشرع الإسلامي نفسه جعل الحق للمرأة في أشياء معينة تشهد بها من دون حاجة للرجال ، كما في مسألة العذرية والولادة وغيرها ، لذلك فهذا الإدعاء ليس متين بحيث يمكن الإعتماد عليه .
وقالوا كذلك إنه لم يعهد في تاريخ الإسلام أن تولت إمرأة الخلافة ، وهذا القول لايمكن الإعتماد عليه بدليل إن تاريخ المسلمين في حقيقته هو تاريخ الجاهلية وحاكمية الخلفاء المستبدين الذين ركزوا في المجتمع حكم القبيلة فبنو أمية نسبة إلى أبيهم ، وبنو العباس كذلك نسبة إلى أبيهم ، تاريخ الحكم الإسلامي هو تاريخ الملل والأقوام وليس تاريخ الشورى وحاكمية الناس ، لذلك فلا يعتد بهذا التاريخ وبمن حكم فيه ، وذهب فريق منهم للقول : بان الحكم من طبيعته ان يكون له علاقة مباشرة بالناس وبشكل يومي ، وهذا ممنوع على المرأة التي يجب عليها الستر والحجاب وعدم الإختلاط ولزوم المنزل ، وهذا الشرط يمنعها من تولي أية سلطة في المجتمع !! طبعاً هؤلاء لم يفرقوا بين مفهوم الستر والحجاب وبين مفهوم الأخلاق والقيم اللازمة والواجبة ، الكتاب أشترط على الرجال وعلى النساء الأخلاق في الحياة وهذا هو الشرط الموضوعي الواجب توفره ، ولم يشترط الكتاب غير ذلك وعليه ومن توفرت فيه تلك الشروط من الرجال والنساء ، كان له الحق بالتصدي للقوامة والقيادة ، وليس كما يقول الرافضون لقوامة المرأة وما تمسكوا به من حجج واهية .
#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسخ و التناسخ
-
الموت .. وفلسفة الموت
-
تهنئة بمناسبة فوز السيد جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأ
...
-
بيان حول أحداث كربلاء في ليلة الأربعين
-
في ظلال آية المحارب الحلقة الثانية
-
في ظلال آية المُحارب ( الحلقة الأولى )
-
قول في نجاسة الكفار والمشركين
-
متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الرابعة
-
متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثالثة
-
متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثانية
-
متلازمة الأمن والإقتصاد
-
كورونا .. ونهاية العولمة
-
كورونا ... ونهاية سلطة القانون
-
في رثاء صديقنا وأخينا الدكتور محمد شحرور
-
الأضحية
-
كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -
-
رأينا في العدل ( الجزء الثاني )
-
رأينا في العدل ( الجزء الأول )
-
بيان بمناسبة يوم الجمعة الدامي
-
الوصية .. والميراث
المزيد.....
-
اليونيسيف: 322 شهيد/ة من أطفال وطفلات غزة خلال 10 أيام
-
ما هي نسب تمثيل النساء في البرلمانات على مستوى العالم؟
-
“وين النسويّات؟”.. للتحرر من كل أشكال الطغيان
-
-خطة قتل- بكوب.. فيديو يكشف امرأة مشتبه بها بمحاولة قتل زميل
...
-
مصر.. محكمة ترفض طعن فنان مصري شهير متهم بالاعتداء الجنسي و
...
-
شروط التسجيل في منحة المرأة الماكثة الجديدة 2025 وزارة العمل
...
-
كيفية تسجيل منحة المرأة الماكثة في البيت الجزائر 2025 الوكال
...
-
يبدأ منذ المراهقة.. لماذا تصاب النساء بالاكتئاب أكثر من الرج
...
-
خطأ فادح.. امرأة ترمي ثروة بيتكوين بقيمة 3.8 مليون دولار في
...
-
بمناسبة عيد الفطر.. رابط التقديم في منحة المرأة الماكثة بالب
...
المزيد.....
-
الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
المزيد.....
|