|
عن الله وتنظيم الأسرة
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 11:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك إشاعة قديمة مفادها أن الله شعر بالوحدة والملل ذات يوم في سمائه البعيدة، وبعد عدة محاولات تمكن من صناعة مخلوق عجيب يختلف عن الملائكة وعن والجن والشياطين الذين كانوا يملؤون السماء في ذلك الوقت، وهذا المخلوق الجديد هو السيد آدم بلحمه ودمه، خلقه الله من الطين ليخدمه ويشاركه الحديث من حين لآخر وليقص عليه الحكايات. ولكن السيد آدم نفسه بدأ يشعر بالملل والوحدة، ويبدو أنه لم يتمكن من التفاهم مع الخلوقات النورانية ولا النارية المتواجدة والتي تتسكع على أرصفة السماء بدون هدف محدد، وكان يهيم وحيدا في الجنة من الصباح إلى المساء دون أن يقابل أحدا ودون أن يكلم أو يلمس أي مخلوق ثم يعود في الليل لينام وحيدا في مغارته. وعندما رأى الله حزنه وغمه أشفق عليه، فأخذ ضلعا من صدره - من صدر آدم ـ وصنع منه السيدة حواء لتؤنسه وتبعد عنه شبح الوحدة وتصاحبه في جولاته بين الحقول والأشجار والحدائق الوارفة الظلال ولتدفئه في الليالي الباردة. وتضيف الإشاعة بأن الله خلق الرجل والمرأة ليتزاوجوا ويكونوا أسرة وينجبوا العديد من الأطفال ليتكاثروا ويعمروا الأرض بذريتهم، ليعبدوا الله ويسبحوا بحمده، فالله، كائن مصاب بعقدة العظمة، لا يستريح ولا يأتيه النوم قبل أن يسمع إسمه ملايين المرات يتردده على شفاه أبناء وبنات آدم، وقبل سماع صلوات عبيده وتضرعاتهم وشكرهم له على منته العظيمة بمنحهم الحياة والرزق .. إلخ. وحتى قبل ظهور نظرية التطور، فإن العديد من الآدميين اكتشفوا عدم مصداقية الإشاعة، وأن الأسطورة لا قيمة لها أكثر من كونها خرافة نقصها أونرويها للأطفال للتسلية ولقتل الوقت. ولكن كما هو دائما في هذه الأحوال هناك من يصر على تصديق الإشاعة ونشرها بين الناس، وهذا في حد ذاته ليس المشكلة، فهناك المئات من الإشاعات التي تظهر وتختفي كل يوم، المشكلة أن هذه الإشاعة أصبحت بعد عشرات القرون من تكرارها، شيئا يشبه الحقيقة وفقدت جانبها الأسطوري، والمشكلة الأخرى الأكثر إزعاجا أنه حسب هذه الخرافة لا نستطيع أن نتزاوج إلا بين آدم وحواء، لأن الله خلقهما لهذا السبب، وممارسة الحب أو الجنس بين رجل ورجل آخر أو بين إمرأة وأخرى يصبح شذوذا عن القاعدة ويدخل في باب التحريم ومن ثم العقاب في الدنيا بالضرب والإهانة والسجن والتعذيب وربما القتل من قبل السلطة الدنيوية، وبالحرق في نار جهنم بيد الله نفسه وأزلامه في الآخرة. وهؤلاء الناس بطبيعة موقفهم تجاه هذه الأسطورة ونتيجة توقف العقل عن القيام بمهمته الأساسية في التفكير، لا يدركون الوضع الحقيقي للإنسان الذي يريد أن يمارس حريته الأساسية في الإختيار لمن يريد أن يقضي حياته معه، فليس هناك للإنسان الحر أي قانون أخلاقي، طبيعي أو إلهي أو من سكان كوكب المريخ يمنعه من أن يحب ويمارس الجنس ويقضي حياته مع رجل آخر إذا كان رجلا أو مع إمرأة إذا كان هذا الإنسان إمرأة، لأن هذا الأمر أساسا لا يتعلق بالأخلاق ولا بالخير أو بالشر. إنه ممارسة لحرية الإنسان الأساسية في إمتلاك جسده وأعضاءه وحواسه ورغباته ولذاته مهما كان نوعها وغرابتها بالنسبة لعامة الناس، ما دامت ناتجة عن رضى ورغبة الطرفين في هذه الحياة. غير أن إدانة المثلية الجنسية لا تنحصر في عملاء القوى الإلهية الغيبية فقط وإنما تشمل المجتمع الرجالي بكافة أطيافه، ويشمل حتى الذين يدعون مقاومة الإستعمار الديني من قوى معتدلة وعلمانية ومستنيرة ويسارية، كما هو الحال فيما يتعلق بحرية النساء وحقوقهن. ذلك أنه توجد إشاعة أخرى مفادها وجود ما يسمى بالطبيعة البشرية، وأن هذه الطبيعة تجعل الرجل رجلا والمرأة إمرأة وتحتم على الرجل أن تثيره المرأة وتشعل في جسده حريقا من النار والشبق لمجرد أن يرى قطعة من لحمها، وأن المرأة تتجه غريزيا للرجل وعضلاته المفتوله وشعر ذقنه أو لحيته. وهذه الطبيعة البشرية لا يمكن تغييرها أو تفادي نتائجها، فالرجل الذي لا تثيره النساء جنسيا هو رجل شاذ إن لم يكن مريضا ويحتاج للعلاج، والمرأة التي لا يثيرها الرجال مهما نفخوا صدورهم هي بدورها شاذة أو باردة أو مثلجة جسديا وتحتاج إلى طبيب ليوقظ في جسدها رغبة الرجال وغريزة الأمومة. إن الإيمان بوجود طبيعة بشرية أو فطرة أو غريزة بشرية، هو نتيجة مباشرة للإيمان بوجود مصنع إلهي صنع فيه "البروتوتيب" الأول وهو السيد آدم الذكر، أما إذا تركنا هذه الإشاعة لمصيرها الطبيعي كإشاعة ونظرنا للإنسان كوعي في تطور وتغير مستمر، فإنه لا يوجد أي سبب طبيعي يحصر العلاقات والحب واللذة الجنسية بين المرأة والرجل ويمنع كل الممارسات الأخرى. ومن المفارقات العجيبة، أن هؤلاء المؤمنون بالطبيعة البشرية، يصرون على أن تطبق هذه الطبيعة بقوة القانون الإلهي وبقوة السلاح، ويطلبون من الدولة أن تقوم بهذا الدور، ولم يتسائلوا لحظة واحدة أن اللجوء إلى القوة والقمع والإرهاب هو وحده دليل كاف عن عدم مصداقية فكرة الفطرة والغريزة والطبيعة البشرية. فمن الطبيعي أن يأكل الإنسان ويشرب وينام ويفرغ فضلاته .. ولا أحد يفكر في فرض هذه الأشياء الطبيعية - التي نشترك فيها مع كل المخلوقات الحية ـ بقوة السلاح أو فرضها بالقوانين. فممارسة الحب لم تعد من الممارسات الغريزية والفطرية، لأن الإنسان له العقل والتفكير والحب والعلاقة مع الآخر، فنحن نعرف اليوم أن الإنسان لم يعد يمارس الجنس من أجل إنجاب الأطفال بطريقة أوتوماتيكية كما تفعل القطط والأرانب، وإنما من أجل غرض وهدف أكثر سموا وأكثر إنسانية، وهو الحب وممارسة الحياة مع الآخر بغض النظر عن هويته الجنسية لخلق مجتمع يخلو بتاتا من التفرقة بين المواطنين لأي سبب كان. ونعرف أيضا أن المجتمع الرجالي هو الذي يكون ثقافيا وإيديولوجيا الرجل كرجل والمرأة كمرأة بواسطة أجهزة ومؤسسات متعددة كالأسرة والدين والتربية والعادات والتقاليد البالية وكذلك الإعلام والمدارس والجامعات والمساجد والأدب وغيرها من أجهزة صناعة الإنسان ليتطابق مع البروتوتيب الثقافي والديني الذي لا يوجد في حقيقته إلا في مخيلة السلطة الرجالية الفحولية. وكل هؤلاء الذين يحاربون أجسادنا وحريتنا في التصرف فيها كما نشاء، هم بكل بساطة يريدون إقالة العقل والفكر وعودة الإنسان إلى حيوانيته الأولى لكي يعيش حسب الغريزة كالماعز والأبقار.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوراة ككتاب بابلي
-
عن الكتابة المتعسرة
-
ضد عقوبة الإعدام
-
نقاط وحروف
-
الصهيونية
-
الله وتاريخ الديانة اليهودية
-
الموت للفقر والفقراء
-
رنين الأشياء الرخوة
-
العودة إلى بابل
-
لا تعذبوا القطط
-
الموت ومعرفة الله عند الغزالي
-
وغرق البحر في الرمال
-
الموت عند الغزالي
-
الموت في الفلسفة الإسلامية
-
عودة إلى فكرة الموت
-
دوستوييفسكي والعبث
-
القطيعة بين الفن والفلسفة
-
عن العبث والحرية
-
العلاقة بين العبث واللامبالاة
-
نسبية العبث النظري
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|