أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - ورد السماء / قصة قصيرة














المزيد.....


ورد السماء / قصة قصيرة


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 7037 - 2021 / 10 / 4 - 20:23
المحور: الادب والفن
    


ـ أسماء محمد مصطفى
(الى ابنتي الرسامة الملهمة سماء الأمير)

في ظهيرة آب ، بعد انقشاع غيوم الحرب التي أمطرت على البيوت والقلوب سخاماً ، أرسلت الشمس جدائل مختلفة الألوان الى تلك البلدة ، ماجعلَ الناس يفتحون أفواههم مذهولين أمام ذلك الحدث العجائبي الذي لم يشهدوه من قبل ، تدلت من نهاية إحدى الجدائل جوهرة تلألأت بالألوان ، وهبطت على حقل من حقول البلدة ، لتخرج منها وردة بيضاء وجهها وجه صبية جميلة وورقتاها ذراعان بشريان ينتهيان الى يدين ناعمتين بأصابع جميلة مستدقة وأظافر مطلية بألوان عدّة
في تلك الظهيرة ، تنبه أهالي البلدة الى أنّ الهواء هبّ عليلاً ، وبما لايشبه آب اللهاب ، وأنّ عطراً أخاذاً غريباً عما اعتادته أنوفهم طغى على الأجواء ، فأخذوا يبحثون عن مصدر العطر .. حتى وجدوا أنه يزداد بإتجاههم نحو الوردة الصبية ، بل تيقنوا من أنها مصدره حين توقفوا عندها وقد أدهشهم شكلها الغريب الذي لايشبه بقية الورود . قالت لهم بصوت رقيق إنها هبطت من السماء عبر جديلة من جدائل الشمس .. فأطلقوا عليها اسم (ورد السماء) .
أثار شكل ورد السماء فضول الأطفال كثيراً ، حتى قبل أن يروا عجائبها . أحبوها من اول نظرة ، لبشاشة وجهها وكلامها الجميل الذي تضمن حكماً ومواعظَ أدهشت الكبار قبل الصغار .. من أين لهذا الوردة أن تحمل كل هذه الخبرة والحكمة ، وهي مجرد وردة تبدو من طراوتها أنها ولدت تواً ؟ تداول الناس المتجمهرون هذا السؤال .
حين رأت ورد السماء أطفالاً يركضون ويتقافزون ، وعصافيرَ وفراشاتٍ تحلق ، سألت نفسها .. لماذا أنا ثابتة في الأرض .. بلاساقين .. بلا قدمين .. بلا جناحين ؟! أطلقت من عينيها دموعاً تحولت الى قطرات من ألوان الأكريليك . أخذت ورد السماء تلعب بالألوان ، تصنع منها عجائن كروية تلقيها هنا وهناك ، كانت تبتسم وتضحك مسرورة وهي تفعل ذلك . ألقت عجينة على وردة ، فتصاعد عطر أخاذ ، وعلى عصفور ، فطار مبتهجا بريشه الملون ، وعلى فراشة ، فحلقت بجناحين تتغير ألوانهما لحظة بعد أخرى ، وعلى غصن ، فنبتت فيه أوراق خضر .
تحلق الأطفال حولها ، وقد علت وجوههم النضرة دهشة وشفاههم البريئة أسئلة . انتبهت ورد السماء الى مخلوقات من وجع .. هذا طفل بلاساق ، يتعكز ، فألقت عليه عجينة ملونة ، فقام يركض فرحاً ، وذاك طفل جائع ، في عينه دمعة ، لونتها بالأحمر وصارت فراولة ، وتلك طفلة حافية القدمين ألقت عليهما ورد السماء عجينتين ، فركضت الطفلة فرحة بحذائيها اللماعين . رسمت ورد السماء على الأثير بالونات حلّق بها الصغار الى فضاء اللعب ، كما رسمت الكثير من القلوب الجميلة ، قائلة إنها لمن يفتقد الحب ، أخذت إحدى العجائز قلباً ، كانت تتمتم بأنها باتت وحيدة بعد فقدانها أولادها جميعاً في الحرب ، قالت لها ورد السماء .. خذي قلوباً بعدد أولادك ، وسميها بأسمائهم . ثم ألقت على أحد العابسين شفتين من شفاه كثيرة رسمتها ، قائلة له .. من حقك أن تبتسم ، كما الآخرين .
وجد الأطفال واليافعون الكثير من العجائن الملونة عند ورد السماء ، فأعطتهم منها ، وأشارت عليهم أن يُبهجوا جدران بيوتهم بها . اختفى السخام تحت ألوان الفرح ، فأصبح منظر البلدة مع جذوع الأشجار التي أرسلت اليها ورد السماء خلطة ألوان ، مشهداً باهر الجمال كأنه من حكاية خرافية . لم تعرف البلدة فرحاً كهذا من قبل ، كأنه احتفال بنصر عارم على عدو لدود بعد حرب طويلة انتهت بلاخسائر .. ماهذه الضجة التي أحدثها الفرح الذي جاءت به ورد السماء ؟ سأل الناس .
مع بدء غروب الشمس ، نظرت ورد السماء بصمتٍ الى ماحولها ، ثم أمسكت بطرف إحدى الجدائل ، لتصعد معها وتتوارى عن الأنظار ، ثم نبت لها جناحان ملونان ، فحلقت خارج قرص الشمس .
بهبوط الليل حزن الصغار والكبار لرحيلها . لم يتوقعوا أن تختفي سريعاً في نهاية يوم ظهورها حاملة سرّها معها . ثم حدث شيء غير مألوف ، تصاعد نحيب ، كانت الورود والعصافير والفراشات تبكي كالبشر ، لم تنم كماتفعل كل ليلة ، ومعها الأطفال قد فتحوا نوافذ بيوتهم وهم يبكون ، لمسَ بعضهم دموعه آملاً في أن تتحول الى عجائن ملونة ، كدموع صديقتهم النقية .. لكن ، أين ورد السماء لنغني معها ونلعب بكراتها الملونة ؟
توقفوا عن السؤال حين فوجئوا بحدث آخر غريب وهم ينظرون الى السماء باحثين عن صديقتهم ، كانت ثمة نجمة بعيدة تشع ويتغير لونها كل لحظة ، اقتربت أشعتها من الأرض ، وتناثرت منها قلوب ملونة . استحال النحيب الى غناء بينما النجمة تستمر بتوهجها من بعيد قريب ، والقلوب تهبط على أجنحة النسيم زخات زخات فيما تنطلق منها في الأرجاء موسيقا جعلت الأطفال يرقصون ، ومعها عجائن كروية صغيرة جاءت من النجمة ، وغاصت في تراب الأرض ، سرعان مانبتت منها ورود ، وهذا أدهش الجميع ، حيث لم يعهدوا من قبل أن ينبت زرع ليلاً ، زادت دهشتهم حين تصاعد من الورود ذلك العطر العجيب .. عطر ورد السماء .



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة / الأخرى
- ألاّ أنتِ ، ولدتِ من قلبي
- رشات من ماء ورد قلبي على ذكراك
- الى أن أذهب اليكِ
- ماذا يعني أن تكوني صحافية ناجحة ؟
- تبادل أدوار
- كراسة تشرين / (1)
- دور الإعلام في ترسيخ القيم والذوق العام
- العالم يقف على قدم واحدة أمام كورونا المتمدد
- أمثال من وحي ساحات التحرير
- (كذلك) .. قصص عن حياةٍ كالموت ، بل إنها .. كذلك !
- التفاعل مع الحقيقة المُرّة على أنها حلوة
- العراق فيه هؤلاء
- (مساج) العقل / (8)
- (مساج) العقل / (7)
- (مساج) العقل / (5)
- نوارس الذكريات .. تغني وترقص أيضاً
- (مساج) العقل / (4)
- شبكة الحياة لوحة رسم في الذكرى السنوية الاولى لتأسيسها
- (مساج) العقل (3)


المزيد.....




- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - ورد السماء / قصة قصيرة