|
كلماتنا الكردية في اللسان العربي(4)
ياسر إلياس
شاعر
الحوار المتمدن-العدد: 7037 - 2021 / 10 / 4 - 09:08
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تأصيل كلمتي ( كافر ، خنجر )
توطئة لفهم كيفية وطريق ورود كلمة (كافر) الكردية .
كان للثور قدسية كبيرة في معتقدات الشرق الأدنى القديم ( العراق القديم ، مصر القديمة، سوريا القديمة، الأناضول ، إيران ) فضلاً عما جاء في العهد القديم و تجسدت هذه القدسية في اقتران الثور مع عدد من آلهة الخصب ، و عد رمزاً حيوانياً لعدد منها يضاف إلى ذلك حضوره في المعتقدات العربية القديمة لا سيما في طقوس الاستسقاء .. ورد ذلك مثلاً في الأدب السومري (السومريون) الذين نعتقد بأنهم أجداد الكرد لأسباب كثيرة :
أيها الإله ، عظيم أنت في الكون لك السيادة على الطبيعة أي إنكي المبجل وليد الثور وليد الثور الوحشي
وهنا شبه إله السماء آنو بالثور
الحثيون الذين يُعتقد بأنهم أحد أجداد الكرد قدسوا الثور أيضاً و ظهر في المعابد الحثية منتصباً على مذبح القرابين و نظراً لقدسية الثور فقد دخل في أسماء بعض الآلهة فالإله مردوخ كبير الآلهة البابلية يعني اسمه( آمار - أوتو ) أي عجلأو ثور الإله شمس .
لدى آشور يظهر الثور ككائنات أسطورية مجنحة وضعت على بوابات المدن و المدن و القصور بصفتها أرواح حامية تحرسها. وكان الثور مقدساً في المعتقدات المصرية القديمة فهو الإله أبيس حابي وارتقى تقديسه لدرجة العبادة ومن الثيران المقدسة لديهم منفيس وهو الثور الأسد المقدس لمدينة هليوبوليس و الثور بوخيس رسول الإله رع . كما لقب الإله بعل بالثور وكان مقدساً لدى الكنعانيين فكان من رموز إلههم (إيل) أبو الآلهة . وحظي الثور بقدسية أيضاً في بني إسرائيل فعبد بهيئة عجل ذهبي وهناك تماثيل لثيران في هيكل سليمان . في الصراع الدائر بين أهورمزدا و أهريمان في الديانة الزرادشتية دين الكرد قبل الإسلام يقتل أهريمان الثور و بموت الثور و بدمائه و أعضائه أخصبت الأرضت و نبتت الزروع ، و نمت العقاقير للاستشفاء ، و الإله مثيرا في الميثرائية(ديانة من تجليات الزردشتية) يقدم على ذبح الثور قرباناً لخصوبة الأرض و اخضرارها وازدياد خيراتها فتنمو الأشجار و الغابات هكذا إلى أن أصبح ذبح الثورطقساً تعبدياً سنوياً.
أما العرب قبل الإسلام فقد تمثل تقديسهم للثور باقترانه بآلهة الخصب وفِي ارتقائه إلى معبود عند قسم منهم بدلالة دخوله في تركيب بعض الأسماء (عبد ثور ، أبي بن كعب بن ثور ، و أيضاً ظهور اسم بقر لصنم ثور وقد ورد أن قبيلة همدان وبني عبدإل وبني سبع بن زيد بن أوسلة ، وبني عبد بن زيد بن جشم بن حاشد بن جشم بن اجتمعوا على عبادة عبد البقر ، ولعل ما يؤكد قدسية الثور في الميثولوجيا العربية ما جاء في قصة الخلق الأولى وكان الثور أسها بدليل ما رواه وهب بن منبه بقوله: كانت الأرض كالسفينة تذهب و تجيء .. فيسر عدة طرق لتثبيت الأرض من غير أن يجدي ذلك نفعاً إلى أن خلق الله ثوراً عظيماً له أربعة آلاف عين و مثلها آذان و أنوف و أفواه و ألسنة و قوائم مابين كل منها مسيرة خمسمائة عام فحمل الثور صخرة الأرض على ظهره و قرنه و اسم الثور كيوثا). تكمن أهمية الثور هنا في أنه حمل الكون على ظهره أو قرونه ،كما تم العثور على تماثيل و صور لثيران في معابد مأرب كما ظهر الثور في مختلف مناطق اليمن على لوحات و موائد و مباخر و قرابين ومسكوكات معدنيةو أواني فخارية وعلى جدران المعابد من الداخل و الخارج وكان رأس الثور رمزاً للعاصمة الحميرية كما صور رأس الثور بصفته رمزاً للإله سين في مملكة حضرموت و غيرها كثير .
بناءً على التوطئة السابقة ألج إلى كلمة كافر التي تجاوزت في معناها (غير المؤمن بالله) لتعني كل من لا يُؤْمِن بدين الإسلام جاء في لسان العرب :قال الأزهري :إنما سمي الكافر كافراً لأن الكفر غطى قلبه كله قال الأزهري في تهذيب اللغة: و معنى قول الليث هذا يحتاج إلى بيان يدل عليه)! و الأزهري محق فيما ذهب إليه . و يُستنتج من هذا أن العرب فسروا معنى الكفر استناداً إلى معنى الفعل كَفر : بمعنى غطى (( كمثل غيثٍ أعجب الكفار نباته)) ذلك أن الفلاح يغطي البذرة تحت الأرض و يهيل عليها التراب .. و هذا كله من الفعل Cover , الذي دخل الإنكليزية من الفرنسية قادمةمن اللاتينية المتأخرة بمعنى التغطية و هذا تعسف في تفسير معنى الكفر و أصل و طريق ورود دلالته ولفظه و عندنا أن الكلمة كردية ، و مرد ذلك أن الكرد كانوا شعباً تخلص من دياناته القديمة التي ورثها من أجداده الهوريين و السومريين و الميتانيين و الحثيين تلك الديانات التي احتل فيها حيوان الثور مركز الصدارة في القداسة و باعتناقه لدين نبيه الجديد زرادشت انتقل نقلة نوعية فمع زرادشت أصبح توحيدياً يُؤْمِن بإله مجرد غير مصور وبما أن الثور كان أكثر رموز التجسيدية للآلهة القديمة فقد أصبح الكرد يطلقون على كل من لم يُؤْمِن بالله الواحد المجرد تسمية ( Gawer) (Gawir) گاوَر ، گاوِر ، و هذه الكلمة مستعملة حتى الآن لدى الكرد و يستعملها الكرد بمعنى كافر لكن دلالتها المعجمية الحرفية( مقدس الثور ) ( عابد الثور ) و هذه الكلمة تمثل خطاً فاصلاً بين عقيدتين و مرحلتين متمايزتين تماماً ، مرحلة امتدت لآلاف السنين تعددت فيها الآلهة المتجسدة التصويريةو احتل فيها الثور مكانة مقدسة سامية و مرحلة أخرى بدأت مع زرادشت تميزت بالتجريد و أصبحت فيها الوحدانية لله الواحد الذي لا يتجسد و كل من ينتمي إلى المرحلة القديمة في اعتقاداته و دينه صار يطلق عليه (Gawer) ( Gawir) گاور ، عابد الثور ، مقدس الثور ، أي كافر و Ga , بالكردية هو الثور و wer , لاحقة تلحق نهاية الاسم لاشتقاق الصفة
مثل : Serwer مستقل ، رئيس ، سيد Bîrewer مستنير
Perwer: مخلص
و قد أخذ العرب هذه الكلمة و استعملوها مع اشتقاقاتها التي اشتقوها للتعبير بها عن نقيض الإيمان و كل من لا يُؤْمِن بالإسلام و توسعوا فيها حتى أطلقوها على من يكون مسلماً و ينكر شيئا من معلوم الإسلام بالضرورة من غير أن يعرفوا طريق ورود هذه الكلمة التي يستعملها الكرد منذ آلاف السنين كما تم التوضيح في سياق التوطئة التاريخية لعقائد الكرد و قوميات الشرق القديم و حتى وقتنا الحالي مع العلم أن الكرد حتى الآن يستخدمون كلمة گاور ، بالجيم القاهرية و لا يقولون (كافر) كما يقول الفرس و الترك و العرب.
جاء في معاجم العربية و كتب المعرب و الدخيل كلمة : خنجر : السكين ، أو السكين العظيمة . يقول الفيروز آبادي في تاج العروس : خنجر : (الخَنْجَر، كجَعْفَرٍ: السِّكِّين) وقيلَ إِنَّ نُونَه زائِدَةٌ، وإِن وَزْنَه فنْعَلٌ، ومَالَ إِليه بَعْضُ الصَّرْفِيِّين. وأقول إن قواعد العربية في الحروف الأصلية و الزائدة لا تصح على الكلمات الكردية و الأعجمية عموماً ، لأنها تضفي عليها ثوباً ليست على مقاسه و تفترض فيها عروبةً ليست فيها .
إنَّ آباءنا الكرد الأوائل وضعوا اللبنات الأولى لمدلولاتنا و مسمياتنا معتمدين على وحدات صوتية غاية في الصغر ، حتى إن الفونيم الواحد في اللغة الكردية له دلالة. و يكاد يكون من شبه المستحيل على أي كان مهما كان من الفطنة و الدهاء أن يطأ بقدميه واحة اللغة الكردية و بساتينها يجني و يقطف من عناقيدها و كرومها من غير أن يترك وراءه أثراً من مداس أقدامه في حال دخوله و خروجه و كانوا كلما احتاجوا إلى كلمة جديدة نتيجة لتطور حياتهم الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لجؤوا إلى ضم هذه الفونيمات الصغيرة إلى بعضها لاجتراج دلالة جديدة و هذا أمر شائع و معروف عن اللغة الكردية ليست لكثير من اللغات و هذه الخاصية في لغتهم تشبه المتاريس و الدروع أو البصمة الوراثية و الحمض النووي تحفظ هويتها و تصونها أينما حلت وكيفما سارت ، و هذا ملمح من ملامح عبقرية الأمة الكردية و لغتها العظيمة ولا أبالغ لو قلت إن 30بالمئة من مفردات المعاجم العربية أصولها كردية تجري في عروقها ولولاها لتوقف قلبها و قلب الكثير من اللغات الأخرى عن الخفقان . و لو عددت أسماء الورود و الرياحين و الأزهار و العطور و النباتات وحدها لاحتجتُ إلى قاموس من آلاف الصفحات عدا عما سواها وهو ما يشكل عدة و عتاد أشعار الحب و الغزل في الأدب العربي وأذكر ما لنا ولا شأن لي بالمفردات الرومية و الفارسية و الآراميةوالسريانية و العبرية و الأمازيغية و اللاتينية و غيرها حيث تمتلىء بها بطون تلك المعاجم و سنبذل قصارى جهدنا لذكر طائفة كبيرة من تلك المفردات الكردية التي لا زالت تجري على ألسنة الأمة الكردية العظيمة مجرى الطعام و الشراب و الدم ..
Xwin:خُين، دم ، دماء چر : المشطر الممزق الهاتك المريق
واشتقاقات هذا الجذر اللغوي كثيرة في الكردية منها : Çirand:شقَّ، مزّق، فتق چِراند Çirandin:تمزيق، تشطير Çirandî:ممزق، مشقق، مهتوك وخنجر من Xwinçir, خُينچِِر
و تكتب بالكردية : xencer وترجمتها الحرفية :مسيل الدم، أو محدث الدم مع ملاحظة أن كلمة çir, چِر : هو الصوت الطبيعي الذي يحدثه الخنجر عند الطعن و التمرير على المادة المستهدفة ..
فهذه الكلمة مصاغة من كلمتين لهما معنى في الأصل ، و هذه خاصية متواترة في اللغة الكردية يراعى فيها تعريف ما يدل عليه الدال الجديد بواسطة تجاور كلمتين أو ثلاث ذات مقاطع صوتية لها تواضع مسبق على معانيها جرى عليها التعارف من قبل جمهور المتكلمين و هذا ما يحلو لي أن أسميه ( استحالةالخروج عن النسب ). وهذه من أوجه عبقرية هذه اللغة العظيمة أما ما يطلقه العرب على هذه الآلة فلا أعلم غير كلمة (الشبرية) و أحسبهم اشتقوها نسبة إلى طولها (شِبر ). و كثيراً ما ترددت هذه الكلمة في المسلسلات البدوية التي كانت تذاع و تبث في أيام الجمعة
#ياسر_إلياس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفرداتنا الكردية في اللسان العربي (سلسلة 3)
-
المفردات الكردية في اللسان العربي ، سلسلة 2
-
المفردات الكردية في اللسان العربي
-
امرأة المرايا
-
مخاض الفينيق
-
خريطةٌ على الورق
-
أحلام لاعب حزين
-
أيها الطفلُ لقد ماتَ الضمير
-
أنا أدري بأنَّك سوفَ تأتين
-
نقوش جدارية على دروب الاغتراب
-
على دروب الذكريات
-
كما أهوى
-
جذى قاسيون
-
لَعَلِّي
-
في مقام إبرو تيمتك
-
داعية
-
أُمةٌ
-
ادخلي في جنتي
-
دولة الحمير
-
أسدلُ فوق أزمنتي الستائر
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|