زاهر رفاعية
كاتب وناقد
(Zaher Refai)
الحوار المتمدن-العدد: 7036 - 2021 / 10 / 3 - 15:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حين يخرج أحد الملحدين قائلاً أنّ الإسلام لا يحتمل التنوير, وأنّه لا كبير فرق بين التنوير في الدّين وبين الترقيع, وأنّ الحل الوحيد لدرء خطر الإسلام هو تحرير المسلم من خطر هذه الأيديولوجيا الإجراميّة يخرج عليه أحد التنويريين كي يردّ على ذلك, وفي معرض هذا الردّ يثبت التنويري أنّ ما ادّعى به الملحد في مكانه حرفاً فحرف. ذلك وبما أنّ الإسلام التنويري هو أرقى شكل من أشكال الإسلام الحالي, وعليه حين نجد حامل الفكر التنويري نفسه من التعصّب ومعاداة حريّة التعبير عند الآخر بهذه الدرجة, فمن الطبيعي أنّ يكون المسلم النصّي أكثر عرضة للتغرير به وحمله على قطع لسان الآخر حرفيّاً لا مجازيّاً.
يقدّم "سامح عسكر" نفسه على أنّه مسلم تنويري لبرالي ويأخذ على عاتقه الردّ على "حامد عبد الصمد" ويتهمه بالتعصب الإلحادي, وذلك بخصوص ما أدلى به الأخير بخصوص التنويريين الإسلاميين في المناظرة الذي جمعت حامد مع "هبة دربالة" على قناة "أرنست ويليم" في اليوتيوب (مع حفظ الألقاب للجميع) تجدون المناظرة كاملة تحت الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=Snd3tDtkfMI
وأنا في مقالتي هذه أودّ الإضاءة على بعض النقاط التي وردت في مقال سامح عسكر في موقع الحوار المتمدّن بتاريخ الثاني من أكتوبر 2021 تجدونه تحت الرابط:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=733327
يا أستاذ سامح والله لو أنني بحثت بين كتابات من يسمّون أنفسهم بالتنويريين المسلمين عمّن أجد بين كلماته مصداق ما جاء في كلام حامد عبد الصمد في هذه المناظرة, لن أجد خيراً من مقالتك المذكورة أعلاه.
أصل مفهوم التنوير والعلمانية لغة واصطلاحاً أتى من كتابات الفلاسفة الأوروبيين في عصر الأنوار, الذين قامت كتباتهم الفلسفيّة على إعلاء سلطة العقل وتحدّي الكنيسة سلطة ونصّاً. لكن وكما تمّ تشويه مفهوم الحريّة حين امتزجت بالفكر الإسلامي بجعلها حريّة العبوديّة لله, وكما تمّ تشويه مفهوم الإنسان بجعله الإنسان المؤمن بمحمّد, كذلك تمّ تشويه مفهوم التنوير بجعله برنامج مضاد لنور العقل بهدف حماية الإسلام والقرآن وقداسة شخص محمّد بن آمنة.
حامد لم يتهجّم على التنويريين المسلمين بشخصهم بل قام بتفنيد ادعاءات التنوير عند هؤلاء بغية صون مفهوم التنوير من أساسه لا بهدف الانتقاص من أمثالكم أو أمثال إسلام بحيري بشخصكم. بل يسعدني اخبارك بأنّ أحد الإصلاحيين ممن يطلق عليهم التنويريين بين المسلمين وهو الأستاذ "رشيد أيلال", أنا لم أسمع به قبل أن يستضيفه حامد عبد الصمد في برنامجه "صندوق الإسلام.
الرجل وأقصد حامد لا يبتغ في كلامه الحط من شأن عمل الإصلاحيين المسلمين المعاصرين, بل مثار القول كان حول نزع صفة التنوير عنهم حفاظاً على مفهوم التنوير من أساسه, عسى ولعلّ أن يمنّ الله على مجتمعاتنا بتنوير حقيقي يوماً ما. هذا الخلط من عندك سيد سامح بين نقد الفكرة والانتقاص من حاملها نجده دائماً عند المؤمنين بمحمّد على اختلاف مشاربهم وذلك يرجع لسبب أنّ محمّد نفسه كان قد جعل من نفسه هو الإسلام وهو الدين, حيث ساوى من حيث الجوهريّة بين الإيمان بخالق الكون كفكرة والإيمان بشخص محمّد كرسول من عند هذا الخالق.
حامد أوضح صراحة أنّه لا يقف ضدّ من يشاء لنفسه ما يشاء من نمط حياة وتفكير, بل هو يقف ضدّ الوصاية على الإنسان, من أينما أتت هذه الوصاية, أمن السماء أم من أخيه الإنسان. وهنا تأتي مناسبة الحديث عن قابلية الإسلام للاتفاق مع العلمانية والتقارب مع التنوير (وكلاهما لفظتان مقياسهما حركة فلسفيّة عقليّة في التاريخ قامت في أوروبا, وليس مجرّد استهلاك ألفاظ معلّبة من عند بعض الإسلاميين المتلوّنين اليوم.).
الإسلام هو آيديولوجيا جمعيّة تنصّب وتجنّد الإنسان الفرد في مهمّة مراقبة الأفراد والمجتمع بغية تطبيق نصيّة مراد الله فيهم بالطرق المعهودة, من استخدام اليد إلى تشريع البذاءة والتشهير وأقلّ الدرجات أن يضمر المرء الكره والحقد في قلبه ويدعو على الآخرين بالويل والثبور حين لا يستطيع غير ذلك. ثمّ بعدها يأتي من أمثالكم يا أستاذ سامح ليقول أنّ الإسلام قد يكون حامل للفكر التنويري. يعني والله هنا لا يستطيع الإنسان أن يفرّق عند القائل بين التنوير كمصطلح فلسفي, وبين التنوير كمصطلح كهربائي.
يقول الأستاذ سامح وأقتبس بالحرف: ( مدلول التنوير والإصلاح واحد، وكلا المعنيين لديهما نفس الفعل..فمن يصلح مجتمعا ظلاميا هو يعمل على تنويره..) انتهى الاقتباس. لا يا أستاذ سامح الفرق بين الإصلاح والتنوير لا يدع مجالاً للمقارنة, لأنّ الإصلاح ينصبّ على تجميل هيكل الإسلام فهو فكر ينطلق من النص الديني ومن المسلّمات الدينية نفسها ويعمل على إحداث تجميل في صورة هذا الفكر ونصوصه بغية جعله مقبولاً عند الآخرين, أمّا التنوير فهو ثورة في الفكر والمجتمع لا تكتف فقط بنقل حركيّة التاريخ لمرحلة جديدة, بل تحدث قطيعة مع الحقبة المنصرمة بكل ما تحمل كلمة قطيعة من معنى أبستمولوجي.
أمّا الخلط الأكبر ولا أعتقد أنّه عن سوء طويّة فنجده في كلام أستاذ سامح حين قال: ( الفارق بيني وبين حامد أنني أقبله كملحد في دولة مواطنة ليبرالية له فيها كل الحقوق, لكنه لا يقبلني كمؤمن ويصادر على قناعاتي بنزع صفة التنوير والعلمنة وحصرها فقط فيه وبأتباعه..) انتهى الاقتباس. هنا يظهر مدفن الخلط بين الشخص والفكرة عند المسلم, لدرجة أنّ المسلم هنا يريد القول أنّه هو صار حامية الفكر والمجتمع الحرّ بينما التنويري الحقيقي أصبح إقصائيّاً ..واعجبي...
حامد لم يقل أنّه لا يقبل في المجتمع أن يكون هناك من يدعو للإسلام بحجّة التنوير من أمثالكم أستاذ سامح فلا تحمّل كلام الرجل ما يخدم غايتك من الكلام. الرجل يمارس حقّه في نشر الفكر الذي يرى أنّه الأصلح للمجتمع, ولا يقول بإقصائيّة أحد ولا بتكميم الأفواه, لكن وبما أنّ فكره يتعارض مع فكرة قداسة محمّد التي لا يستطيع المسلم أن يخرج منها, وبسبب الإقصائيّة للآخر اللامحدودة التي تطبع القرآن وآياته, أصبح المسلم حتى لو كان إصلاحيّاً من أمثالكم لا يستطيع سماع نقد محمّد بن آمنة دون أن يشعر أنّه مهدد في كيانه ووجوده.
يشيد الأستاذ سامح بردّ د.هبة على حامد حين قال بانّ العلماني المسلم يريد أن (يُجمّل) الدين، فردت على الفور: لماذا هذا الوصف؟..فهناك من يراه جميلا بالأساس، بأنّ ردّ د.هبة ( يدل على سعة أفق ورد اعتبار للإصلاحيين المسلمين الذين يهاجمهم عبصمد) بحسب تعبير سامح عسكر.
لا يا شيخ سامح فالإسلام جميل في عيون البعض على مبدأ القرد في عين أمّه غزال. الإسلام جميل في نظر البعض لأنهم لم يكتووا بنار تعاليمه البربريّة الإجراميّة بعد. ولأنّهم ببساطة ينتمون إليه بالولادة ومنذ أوّل سماع للآذان حين كانوا بعمر الخمس دقائق. هذه أنانيّة يا سيد سامح ويا دكتورة هبة, أن تسوّدوا عيشة الناس بسبب تعاليم دين لمجرّد أنتم ترونه جميلاً.
كما يستشهد سامح بكلام الدكتورة هبة حين ردّت على سؤال حامد لماذا لا ينتقد التنويري المسلم الإسلام بنصوصه ونبيّه؟ اجابت بقولها: (نقد علماء التفسير والحديث ضمن الصندوق الإسلامي جائز ومشروع لكن نقد شخصية النبي يخرجهم من الدين, وبالتالي انت بذلك تفرض نمطا معينا على خصومك وإلا فهم ليسوا تنويريين). انتهى الاقتباس. يعني هذا الكلام الذي صدر عن هبة ويستشهد به سامح لهو مصداق كلامي وكلام حامد حرفاً فحرف. أي أنّ هذا الذي تسمّونه تنوير إسلامي يا حضرات ما هو سوى استبدال قشور قديمة بقشور جديدة مع الحفاظ على البنيّة الجامدة المقدّسة للنصوص البدويّة التي تنطلق من فكرة أنّ محمّد وقرآنه أسبق وأرفع مكانة من الإنسان ومن النقد العقلي, وذلك مخافة أن ينسف العقل تلك النصوص. وبالتالي بقيتم تدورون في فكرة الثابت والمطلق والمتعالي, وبقيت مهمتكم "التنويريّة" هي هداية البشر لنور الإسلام, ثم تعيبون على حامد و أمثاله حين يقول هذا ترقيع وليس تنوير. بالله عليك أستاذ سامح هل تريدنا أن نقبل آيات النكاح والاغتصاب والسلب وقصص الأطفال الواردة في القرآن على أنّها في موازاة كتابات ايمانويل كنط ورينيه ديكارت! أتريدنا فعلاً أن نسمّي كلاهما مرتكز حركة تنوير؟
يسوق سامح في مقاله مناظرة جمعت بين "متى بن يونس" أستاذ الفارابي و"الصيرفي" الفقيه المحدّث قبل أزيد من ألف عام, كي يقول سامح بأنّ هبة اتخذت شخصيّة متى بن يونس المستنير أمّا حامد فقد اتخذ جمود الصيرفي! وبمناسبة الكلام عن هذه المناظرة يسعدني الإشارة إلى أنّ مسيحيّة "متى بن يونس" لهي الدليل على أنّ من حفظ الفلسفة -التي هي أمّ التنوير- من همجيّة وبربريّة الغزاة المسلمين هم المسيحيون والفرس , ولم يكن آنذاك من سبيل لحفظها سوى محاولة التوفيق بينها وبين الأفكار البدويّة التي أتى بها المجرمون الفاتحون, كنوع من التقيّة التي لا تثبت سوى إجرام الفاتحين آنذاك, وبالتالي فحين تستشهد يا سامح باستنارة متى بن يونس فلأنّ الرجل كان مسيحيّاً بالأساس من أصحاب الأرض والحضارة التاريخيين , امّا تلميذه الفارابي وغيره من الفلاسفة الذين احتلّ المسلمون أراضيهم فلم يكونوا مسلمين يوماً والدليل ويا لسخرية القلم هي نظريّة الفيض التي سقتموها يا أستاذ سامح في مقالتكم, كدليل على استنارة الفارابي "المسلم" .
نظرية الفيض بالأساس هي نظرية في الفلسفة تعود للفيلسوف اليوناني أفلوطين وبالتالي الفارابي شأنه شأن متمنطقي بلاد ما بعد الغزو الإسلامي لم يأت بجديد, لكن تبنّيه لنظريّة الفيض يكشف أنّ الرجل لم يكن مسلماً من الأساس. أي نعم ربما كان مؤمناً ولكن الفرق بين نظريّة الفيض وبين الحواتيت البدويّة في القرآن حول موقع الله في العالم وبداية الخلق تجعل الفارابي أبعد أن يكون تابعاً محمّديّاً. إلّا أن همجيّة الغزاة المسلمين وإلى اليوم لا تسمح للمرء أن يجهر علانيّة برأيه حول الإسلام, وإلّا لسمعت من الفارابي ومتّى بن يونس غير ما وصلنا.
أمّا عن الفن والموسيقا عند الفارابي فلا تنبع من كونه مسلماً مستنيراً كما تفضلتم بالتدليس, بل لأنّ الرجل تركيّاً صاحب حضارة ومطّلع على فلسفة اليونان ومتتلمذ على يد فيلسوف مسيحي, فلا تقل لي أنّ هذا الفارابي كان يؤمن حقاً بكتاب يأمر صاحبه بأخذ الجزية من يد أستاذه متى بن يونس عن يد وهو صاغر!
امّا أسوأ ما خطت يمينك يا أستاذ سامح بحق حامد فهو مقارنته بشيخ المتحرّشين وعار الإنسانيّة المدعو "عبد الله رشدي" . بالله عليك هل تقارن ولأي سبب بين حامد عبد الصمد الذي ينادي ليل نهار بصون حقوق الإنسان وكرامته والدفاع عن الحريّات وبين إنسان جاهل مقدّس للوضاعة الأخلاقيّة من أمثال عبد الله رشدي؟ هذا يكشف حقيقة أنّكم كدعاة مسلمين بأصولييكم وإصلاحييكم على خط واحد من الإقصاء والهجوم على كل من ينتقد محمّدكم وكتابه. هل تقارن فعلاً بين إنسان كحامد عبد الصمد الذي ينادي بالمساواة في الحقوق والحريات في المجتمع ويحاول الانتقال بالمجتمع العربي نحو أنموذج مجتمعي جديد يضاهي التفوّق الغربي بالاستفادة من معطيات النهضة الأوروبيّة مع إنسان ينادي بالوضاعة وعدم المساواة في الدين والمعتقد و الجنس ويحلم بعودة أسواق النخاسة لمجتمعنا العربي؟ كي أوضّح لكم الفارق بين هذين الرّجلين يسعدني دعوتكم يا أستاذ سامح لحضور الحلقة المصوّرة التي ردّ فيها حامد عبد الصمد على شيخ المتحرّشين عبد الله رشدي كي تعلم أيّ الرجلين أنت وضعتهما على سويّة واحدة . تجد المناظرة تحت الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=bpcIMsGE1_8
هل نريد من الناس كلها أن تلحد؟ بالطبع ليس هذا هو المقصد بل نقوم بتوضيح الأمور وليقتنع كل إنسان بما شاء في النهاية, ولكن المسلم هو الذي يسعى على الدوام لقطع لسان المخالف حتى لو كان يمارس حقه الطبيعي في السخرية, فالسخرية من الأفكار في النهاية شكل من أشكال النقد وأعلى أشكال حريّة التعبير, وليست هجوماً على شخص حامل الفكرة وتهديداً لحياته كما هو الحال حين يأتي من عند المسلم. وكما نقول دائماً سنعيد: حريّة التعبير هي في أن يكون لك الحق في الاعتقاد بما شئت والجهر بمعتقدك علانيّة, وأن يكون عند المتلقّي مطلق الحريّة في اعتناق معتقدك او مسح مؤخرته به. ولا يغيّر في هذا التعريف من شيء أن تكون على اعتقاد بأنّ معتقدك مقدّس ومنزل من عند الله. هذا مما يجعلك فوق أنك صاحب معتقد ساذج احياناً, متعصّب للسذاجة وخطر على العاقلين.
كلامكم يا أستاذ سامح حول موضوع السخرية من الأديان والكلام حول "سورة الويسكي" يثبت أنّكم على خطى الشعراوي ولم تخرجوا من عباءة حسن البنا وسيد قطب, ذلك أنّكم ساويتم في الاتهام بين من يهدم المساجد وينادي بحظر الدين بالقوّة وبين من يمارس حقّه الطبيعي في السخرية من الأفكار, وتساءلتم حول مشروعيّة أن يسخر الإنسان من فكرة بقولكم واقتبس:
(هل نتفق على أن هدم المساجد والكنائس والقضاء على الأديان بالقوة لا يندرج تحت بند حرية التعبير ؟..فلو اتفقنا على ذلك يصبح شتم الكتب المقدسة بهذا الشكل هو أحد أشكال العنف ضدها ويعني في مضمونه هدم المعابد، فالواجب على المثقف أن يقف ضد العنف بكل أشكاله اللفظية والبدنية، وما فعله حامد هنا هو نوع من العنف اللفظي يحسب عليه، وبتشجيعه هذا النوع من العنف يُعرّض حياة البعض من الذين غُرّر بهم على يديه للخطر..) انتهى
العنف يا سيد سامح يأتي من عند اتباعكم من المسلمين الذين يسحلون الناس في الشوارع إن هم انتقدوا أو سخروا من محمّد بن آمنة وكتابه, وبالتالي لو أنكم حضرتكم تهتمّون للتنوير فعلاً فلا تلقون باللائمة على الإنسان الذي يمارس حقة في التعبير ولا على الإنسان الذي يناصره, بل على الهمج من تابعي محمدكم هذا, الذين يؤذون الناس ويسجنونهم ويقتلونهم لأنّهم قاموا بالتعبير عن أفكارهم حول أفكار محمّد في القرآن. وليكن بمعلومكم أنّه لا ينتقص من حقّهم هذا في التعبير, حتى لو انتقدوا الإسلام ومحمّده بأسلوب السخرية, فالسخرية فنّ التعبير وليست جريمة يا بتوع التنوير.
إذن فالأولى والأجدر إن كنتم تدّعون التنوير والإصلاح أن تتوجّهوا للهمج من الضالّين تكفّون أيديهم عن التحريض وإيذاء الناس بسبب معتقداتهم وممارستهم حقّهم في التعبير, لا أن تقوموا انتم بالتحريض وتبرير الجريمة على شاكلة ما جاء في كلامكم حول مساندتنا للفتاة المغربيّة صاحبة مظلوميّة سورة الويسكي. وبمناسبة الكلام حول مظلوميّة الفتاة يسعدنا دعوتكم لقراءة مقالنا في الحوار المتمدّن الذي قمت فيه بشرح موقفي من قضيّة سورة الويسكي ومسألة حريّة التعبير, تجدونه تحت الرابط:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=724221
الملحد لا يسخر من كتاب معيّن لمجرّد أنّه لا يتفق مع الأفكار الواردة فيه أو مع النسق الفكري للمؤلّف بل ينتقده بمقارعة الحجّة بالحجة. لكن حين يكون هذا الكتاب يتهدد حياته وحريّته وهو الكتاب الذي يتسبب بثلاثة أرباع المصائب التي نعيش فيها كأفراد ومجتمعات, هنا سيتخذ النقد شكل المقاومة, ولأنّ شرّ البليّة ما يضحك يلجأ المرء أحياناً للسخرية كردّة فعل طبيعيّة وضرب من ضروب الاحتجاج, وهذا ما أشار له المفكّر المغربي الأستاذ "أحمد عصيد" حول مسألة مظلوميّة فتاة سورة الويسكي, وذلك في لقائه في اليوتيوب مع "رشيد حمامي" في برنامج "بكل وضوح" تجدون الحلقة تحت الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=eS4JMwOTsYY
أمّا لماذا لا ينتقد الملحد العربي المسيحيّة بالقدر الذي ينتقد فيه الإسلام, فليس لأننا نتسوّل قاعدة جماهيريّة من عند المسيحيين العرب كما تفضّلتم وظلمتم الأستاذ حامد في مقالكم, بل لأسباب قمت بشرحها بالتفصيل في مقال في الحوار المتمدن بعنوان: (لماذا ينتقد الملحد العربي دين الإسلام أكثر من بقيّة الأديان؟) ولا أريد الإطالة وتكرار ذاتي يمكنكم العودة للمقال المذكور تحت الرابط: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=672288
الخلاصة:
لا أحد ينكر مجهودات الإصلاحيين من المسلمين المشكورة طبعاً في التخفيف من حدّة همجيّة وبداوة تعاليم الإسلام, ولكن مجهوداتهم تلك أبعد أن تكون إضافة حضاريّة جديدة يمكن ان تحتسب كنقلة تنويريّة في التاريخ, ذلك انّ جهودهم تنطلق من ذات المنطلق الذي ينطلق منه التراثيّون, الا وهو تقديس النص القرآني والاعتراف بألوهيّته وتقديس محمّد بشخصه وإعطائه مطلق الحصانة. بالتالي نحن سندور هنا في حلقة مفرغة من الجمود والأصوليّة, بالتالي نحن لن نسير إلى الأمام ولن نحدث قطيعة إطلاقاً, وبدون هذه النقلة والقطيعة لا يمكننا الحديث عن تنوير من أساسه.
العالم أصبح في عصر ما بعد الحداثة ويبحث عن مشكلات تهمّ مصير الإنسان على هذا الكوكب, والسيد سامح يسوق الأمثلة حول الإضافات الحضاريّة للمسلمين من خلال ملاسنة كلاميّة عقيمة جرت قبل ألف عام حول تطابق النحو في اللغة العربيّة مع المنطق الصوري, ثم يسمّي ذلك تنويراً , أي الله ينوّر علينا وعليك أستاذ سامح.
حامد وأنا وغيرنا ممن نعيش في الغرب نحاول أن ننقل في اللغة العربيّة مشاهداتنا حول واقع مجتمعاتهم وكيف حقق الناس في المجتمع نهضة الإنسان, وكيف يسعى الناس جاهدين للمضي قدماً دائماً وأبداً, وذلك من خلال الاعتراف المسبّق واللامشروط بحريّة الانسان في الاعتقاد والممارسة والتعبير, دون وضع شروط مسبقّة حول ماهيّة وشكل التعبير الذي سيصدر عن الآخر كما حاولت أنت يا أستاذ سامح من خلال محاكمة حامد عبد الصمد وفق خطوطك الحمراء كمسلم.
لا تجد الناس في الغرب منشغلين بسفاسف الأمور من قبيل من ألقى بنكتة حول المسيح أو الله , ولا ينصّبون أنفسهم حرّاساً على عقول وألسنة الناس من حولهم, بل تراهم بلا كلل ولا ملل منشغلين ليل نهار بمحاولة تطوير ذاتهم ومجتمعاتهم من خلال التخطيط للغد, والتنفيذ في اليوم مخططات الأمس. أمّا المسلمون فبتنويرييّهم قبل سلفييهم لا شغل لهم ولا مشغلة غير ترقيع كتاب كتبه بعض البدو قبل أزيد من ألف عام حول تقنين همجيّتهم بحق الشعوب الأخرى.
محاولة الترقيعي المسلم التنطّع بحقوق الإنسان من اجل إخراس الناس عن نقد محمّده وقرآنه لهي محاولة تظهر أنّه نصير القوم الظالمين, وهي رسالة للمجتمع المسلم بمشروعيّة التضييق على المخالف والمختلف تحت حجّة حماية المشاعر واحترام المعتقد. لا يا سادة لا يحق لكم فرض احترام معتقداتكم الخاصة على الآخرين, ولكل إنسان الحق في عدم احترام مشاعر الآخرين.
لا يوجد في شرعة حقوق الإنسان, الحق في صون مشاعره, بل يوجد فقط الحق في صون حياته وكرامته وحرّيته. بينما نجد عند المسلم فقط المطالبة باحترام مشاعره, ويا ليته يحترم حتى مشاعر الآخرين, هذا عداك عن عدم احترام حياتهم وحريتهم وكرامتهم.
إن كنتم حقاً تنويريين كما تدّعون فاذهبوا وأمروا الشيوخ والقضاة بكفّ ألسنتهم وأيديهم عن إيذاء الناس وتحريض تابعيهم ضدّ المخالفين لهم بالسلوك والكلمة و المعتقد. أم انّ مشروعكم التنويري لا يشمل كفّ أذى الدّين عن الإنسان, بل فقط كفّ أذى الإنسان عن النصوص المحمّديّة؟ هل أصبح عندكم الخطر على الإنسان يكمن في صيحات أنصار حقوق الإنسان للمضي قدماً في تحرير الإنسان و المجتمع من نصوص الجريمة المقدّسة؟ إذا كان هذا هو التنوير... فكيف هو التعتيم؟
أترككم مع بعض المقالات التي كتبتها في الحوار المتمدّن حول تشوّه مفهوم الحريّات في عقل الإنسان المسلم بفعل قداسة النصوص المحمّديّة:
ردّاً على إيّاد الشامي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=696732
حريّة التعبير تشمل حرق الكتب أيضاً
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=691083
كذبة سفينة الدّعوة إلى لله
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=732873
عفواً سيّد مكرون! الإسلام لا يعيش أزمة
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=695296
#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)
Zaher_Refai#