سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7033 - 2021 / 9 / 29 - 12:49
المحور:
الادب والفن
تسقط الأقنعة، وتتجلى وجوه الحكام، قبيحة مهترئة ومتهدلة. وتتجلى عيونهم الصغيرة الماكرة، يشع منها بريق العنف والكراهية والجشع والنهم والرغبة والشهية اللامحدودة لتملك العالم بأسره وكل ما يمكن الإستحواذ عليه، حتى قطعة خبز الجياع. تسقط الأقنعة ثانية، ويتجلى الخوف هذه المرة في العيون المنتفخة المذعورة، عندما يرى الحكام من نوافذ قصورهم تزاحم الجياع في الشارع وهم يتدفأون على نيران العجلات المطاطية، ينتابهم الفزع، ويلجأون إلى مخابئهم تحت الأرض، ويصلون ويتضرعون ويتصلون بالإنس والجن لحمايتهم، غير أن الناس يتوافدون بالمئات، يتكاثرون ويتجمعون في الساحات والميادين، وتتصاعد الإنتفاضة وتنتشر في كل الشوارع وفي كل المدن والقرى. وينتابهم الخوف، فيخرجون هراواتهم ومسدساتهم وقنابلهم وطائراتهم، ويرسلون فرق مكافحة الشعب لإطفاء النيران، ويلبس الملك المهزوم قناعه الجديد ويخرج في موكبه العظيم يزور الضحايا ويربت على أكتاف الفقراء ويواسي الأرامل والأهل والأقارب، ويبيع لهم رطلا من الأمل، غدا ستتحسن الأمور ويتب الأمن والإستقرار في وطننا الحبيب، وبفضل جيشنا الباسل، سنضرب بيد من حديد كل الخونة والعملاء، وسنعمل كل ما في وسعنا من أجل الأمن والإستقرار ورفاهية الشعب الأبي .. ويواصل الملك المسطول خطابه الطويل وهو يضحك من وراء قناعه، يعرف أن البسطاء لا يصدقون كلامه، ولكنه مقتنع بأن "الأمل" هو سلاحه الوحيد المتبقى، مخدر قوي وسريع المفعول. غير أن القصة تطول، وينتاب الملك المتخم نوعا من الملل، والفقراء الجياع وصل بهم القرف واليأس الحد الذي يجعلهم يتجاوزون الخطوط الحمراء، فكيف يتصرف الحاكم بأمر الله، يقرأ عليهم آية قرآنية، أو قصيدة من الشعر الوطني؟ لا يكفي .. يلقي لهم بقطعة نحاسية أو بقطعة خبز جافة؟ الفقراء الملاعين لا يكتفون.. ويبكي الملك المأجور من اليأس ويتمنى لو لم يكن هناك فقراء في مملكته السعيدة، وفكر في لحظة مضيئة أن يتخذ قرارا أو مرسوما ملكيا بمنع الفقر ومطاردته وإلقاء القبض عليه وربما إعدامه إن دعى الأمر. ولكن ماذا سيحل بالأغنياء في حالة إنقراض الفقراء؟ كيف يمكن إبادة الفقراء دون القضاء في نفس الوقت على الأغنياء؟ مشكلة ميتافيزيقية، فكر فيها طوال الليل والنهار وطوال الأيام التالية دون أن يجد حلا.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟