|
مجهولو النسب .. ضحايا غياب العدالة
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7032 - 2021 / 9 / 28 - 23:43
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
مجهولو النسب ضحايا لغياب العدالة ------------------------------ عندما أتامل حركة الحياة على كوكب الأرض الذى يستضيفنا ويأوينا بين جنباته ، أشعر أن هناك عالمين . عالم فيه الكل يدور فى فلك التقدم والتطور ، الكل يحاول اللحاق بقطار التغير السريع ، لم يعد هناك مجال للتمهل أو التردد وإضاعة وإهدار الوقت . تغيرات نشهدها على كل الأصعدة ، إنهم يسكبون الماء الملوث ليستبدلوا به ، الماء النقى ، ويهيلون التراب على القوانين الفاسدة ، لتستبدل دون ابطاء بأخرى ، تحمى الناس وترعى مصالحهم. ونحن فى مصر لنا عالمنا الخاص ، الذى من أهم صفاته البطء الشديد فى كل شىء . نتعاطى البطء منذ أن نصحو وحتى ننام ، نتوهم أننا نتحرك ولكنها فى الحقيقة حركة دائرية ، توصلنا لنقطة البدء ، لا نتقدم على أثرها خطوة . وإذا حدث وتقدمنا على استحياء خطوة متواضعة إلى الأمام ، نكون فى المقابل قد خسرنا خسائر فادحة ، بعد تفننا فى إهدار الوقت ، فيتشرد ويهلك الناس وتضيع الحقوق بسبب هذا البطء الجاسم على عقولنا وأرواحنا ومؤسساتنا . إننا نزحف بدلاً من أن نخطو ، نزحف وكأن عادة الزحف قد طمست من ذاكرتنا الخطوات ، ويمضى الوقت طاوياً العمر فى سجالات سفسطائية عقيمة تؤخر ولا تقدم. هذا البطء ينسحب على كل النواحي فى حياتنا ، وخاصة فى مجال تشريع القوانين . مثلا قانون اكتساب الجنسية المصرية ، لم ير النور إلا بعد أن عانت الأم المصرية وأولادها الأمرين ، وحتى وبعد صدوره ، تتعثر الأم حتى تنتزع هذه الجنسية لأولادها. مؤخرا هناك جدل لاستصدار قانون جديد لمجهولى النسب. ففى الآونة الأخيرة ومع سيادة مناخ الكبت الجنسى ، وفى ظل المعوقات الاجتماعية الكثيرة ، لجأ الشباب والشابات لعمل علاقات متعددة الأشكال ، علاقات خارج الزواج ، وأخرى من داخله ، بالزواج العرفى . نتج عن هذه العلاقات ضحايا من الأطفال مجهولى النسب فالمحاكم المصرية تنظر فى أربعة عشر ألف حالة أو أكثر ، من الأطفال مجهولى النسب لا يمتلكون أى نوع من الأوراق الرسمية التى تدل على انتسابهم إلى أب معروف . انهم ضائعون بسبب قانون قديم ، يحكم لصالح الرجل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، ضارباً بعرض الحائط كل المتغيرات العلمية ، التى يمكن أن تحسم هذه المشكلة ، بما لا تدع مجالاً للشك. لقد كان الفقهاء يحددون إثبات النسب بعدة طرق ، وهى الفراش أى فراش الزوجية والاستلحاق وهو الإقرار بالنسب ، والبينة هى إثبات الأبوة والإقرار بها ، والفراسة لمعرفة الملامح المميزة للمولود والتى يتشابه فيها مع الأب الحقيقى . ولهؤلاء الفقهاء العذر فى استخدام هذه الطرق فى الماضى . لكن أن يتمسك ويتشيث بها البعض هذه الأيام ، فهذا ما لا يتفق مع متغيرات الزمن والعصر. بالإضافة إلى المعوقات الاجتماعية ، وترهل وبطء المنظومة الحكومية وخاصة فى الجوانب التشريعية ، يأتى المشتغلون بالدين ، نساء كانوا أم رجالاً ، يتدخلون فى كل صغيرة وكبيرة ، الأمر الذى يؤدى إلى الإبطاء فى إيقاع القضايا المختلفة ، فتتزايد وتتفاقم المشكلات التى تنتج عنها. فى مسألة مجهولى النسب ، كل فقيه يأتى برأى يرى أنه الصحيح مستنداً على أيات من القرآن ، أو مستنداً على رأى البعض من الفقهاء . منهم منْ يرى أن ينسب الطفل لأبيه ، والبعض الآخر يرى أن ينسب الطفل لأمه. لقد أفتى د. على جمعه ، بأن الطفل الذى ينتج عن علاقة الزنى ينسب لأمه. إن إقرار المفتى بأن ينسب الطفل لأمه ، هونوع من أنواع " التجريس " على فعلتها ، وهو بذلك يعفى الرجل الذى أخطأ الخطأ نفسه ، من تحمل نتيجة فعله. فالمرأة تدان وتعاقب اجتماعياً ، أما الرجل فيترك طليقاً... أين العدل هنا ؟ .هذا بالإضافة إلى أن الطفل الناتج عن هذه العلاقة ، والذى لا ذنب له فى ذلك ، هو الذى سوف يوصمه المجتمع بالتجريس والفضيحة طوال حياته ، الأمر الذى ينعكس على تكوينه النفسى . الأمر الذى قد يحوله عندما يكبر، إلى مجرم يقتص لنفسه من هذا المجتمع الظالم. وتعليقاً على رأى د . على جمعة ، ترى الدكتورة نوال السعداوى ، " أن المجتمع الذى يقبل أن يدفع الأبرياء خطأ الآباء ، هو مجتمع لا إنسانى ، وبلا ضمير وبلا دين ....... الدين الحقيقى ، لا يعاقب البرىء ، ويطلق سراح الجانى .. القانون غير عادل والشرع كما يطبق الآن أيضاً غير عادل ، ان النسب إلى الأم يجب أن يحظى بالشرف الذى يحظى به النسب الأبوى ، ويكون الطفل طفلاً شريفاً وشرعياً كالأبن الذى يحمل اسم أبيه ". إن هذا الرأى يمهد لخلق قيم جديدة على أساس من العدل والمساواة ، ولرفع الظلم بسبب هذا القانون الفاسد. فى كثير من البلاد الإفريقية والأوروبية ، ينسب الطفل إلى أمه . وهذا ليس شيئاً مخزياً ، بل هو مدعاة للفخر والاحترام ، للدور الذى قامت وتقوم به الأم . بالإضافة إلى أنه يلغى التفرقة بين الابن الشرعى وغير الشرعى . ان رجال الدين يشيعون باختلافاتهم التخبط والبلبلة ، لن ينقذنا منهم إلا الأخذ بتقنيات العلم الحديث . إنه يساعدنا على الحسم فى القضايا والمشكلات التى تواجهنا ، والتى نتعثر فى حلها أو نحلها بشكل ظنى . ان تقنية البصمة الواثية D.N.A تعد جازمة وأكيدة فى إثبات النسب ، اذا تهرب الرجل ، وأنكر الأبوة . ومع ذلك ترى إحدى المشتغلات بالدين والتى تؤيد خضوع الرجل لتحليل D.N.A أن ينسب الطفل إلى الرجل ، كنوع من العقاب ، ولكن يمنع الطفل من الميراث . والسبب فى ذلك كما ترى، أن تغلق الباب أمام افتراءات وكذب النساء على الرجال فى هذا المجال . وكنوع من التجريس ، أيضاً يكتب فى بطاقة الرجل أن له ابناً غير شرعى ، أما المرأة فيكتب فى بطاقتها " لم يسبق العقد عليها " . وهنا أيضاً ومع هذا الرأى ، يدان كل من طرفى العلاقة . ولكن يظل الطفل هو الضحية ، فليس له نصيب من الميراث وهذا ما يريده الأب ويتمناه . كما أن تجريس الأبوين ، عار للطفل ، طوال حياته . إن هناك ضرورة ملحة ، لحل جذرى ، قانونى وتشريعى ، لا يحتمل البطء ، والتكاسل . فى أى مشكلة تواجهنا ، نجد الخوف من الجديد ، هو العائق الرئيسى . لقد ألفنا كل ما هو قديم واعتدنا عليه . فنحن نعيش فى الماضى ، نجتره من وقت لآخر كى نبحث فيه عن حلول للحاضر . لقد تم إلغاء عقولنا ، لتظل أسيرة كهوف السلف . اللافت للنظر ، أن هناك شبه إجماع على خضوع منكرى النسب من الرجال، لتحليل البصمة الوراثية من المشتغلين بالدين وأصحاب الفكر والتشريع . هل يمكن أن نأمل خيرا ، ويترجم هذا الاجماع ، الى حركة فعالة حقيقية على أرض الواقع ؟؟. ان التقدم آت لا محالة ، ليس فقط فى اعتماد وسائل علمية حديثة ، ولكن أيضا فى التخلى عن ثوابت شرعية . فكما تم تجريم الرق وأخذ العبيد والجوارى ، وهى من الثوابت الاسلامية ، فسوف تزول الغمة عن العقول ، ونبدأ فى تحدى شئ آخر ، من الثوابت ، مثل " تحريم التبنى " . لماذا يحرم الاسلام ، التبنى الذى يعود بالنفع والفائدة ، على أطفال محتاجين ، محرومين من الرعاية ؟؟. والتبنى ، له أيضا فائدة ونفع ، على منْ قام به ، وليس فقط على الأطفال . منفعة الناس ، وسعادتهم ، وشعورهم بالحرية ، هى التى يجب أن تكون من " الثوابت المقدسة " ، التى لا نحيد عنها . من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ " 2007 -------------------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للزوجات فقط .. نصائح للسعادة الزوجية منتهية الصلاحية
-
تطبيق الشريعة الاسلامية فى بلاد الأمريكان
-
الشرط الأوسط .. الشرع الأوسط .. الشرخ الأوسط الجديد ؟؟!!
-
النقاب أهو معركتنا الجديدة ؟؟؟؟.
-
اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط
-
تنويعات على لحن الصمت العربى
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
-
أقراص فياجرا أم صواريخ كاتيوشا !
-
غيبوبة لكل مواطن
-
أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟
-
مجمع الفقه الإسلامى و - زواج الفريند -
المزيد.....
-
نادي الأسير الفلسطيني: إطلاق سراح 110 معتقلين من سجون الاحتل
...
-
وفد الصليب الاحمر يصل لمخيم جباليا لاستلام الاسيرة الاسرائيل
...
-
جيش الاحتلال يؤكد استلام الاسيرة آغام بيرغر من الصليب الاحمر
...
-
قناة ’العالم’ ترصد عملية تسليم الأسرى الاسرائيليين بخانيونس
...
-
بعد أن تعهد رؤساء أمريكيون بإغلاقه، ترامب يعتزم إنشاء مركز ا
...
-
الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط بالقدس ويستدعي اهالي معتقلين سيحرر
...
-
القناة 13 العبرية: الصليب الاحمر في طريقه لاستلام المجندة آغ
...
-
النازحين يبدأون العودة إلى شمال قطاع غزة
-
قرار الاحتلال حظر -الأونروا- يدخل حيز التنفيذ اليوم
-
الحظر الإسرائيلي على -الأونروا- يدخل حيز التنفيذ.. ماذا يعني
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|