أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زاهر رفاعية - رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الحادية عشر















المزيد.....

رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الحادية عشر


زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)


الحوار المتمدن-العدد: 7032 - 2021 / 9 / 28 - 17:09
المحور: الادب والفن
    


تشبّث المتسوّل بشاربي المفوّض فطمى الطمي حتى قارب الرّكب. فتح المفوّض عينيه ببطء لمدة ثانية واحدة، قفز بعدها في الماء كأنما لسعه عقرب في قفاه، لحظة كانت كفيلة بإنزال رأس لامع الحذاء في السائل الأخضر النتن, فاستطابت نفسه مرّ بول الضفادع, لأنّ عطش الاغماء كان قد أذهب منه ريق الحلق.
أحاط المفوّض بذراعيه عنق الدرويش المتسوّل معتصراً إياه من الخلف، فغصّ الدرويش بصوت آهة، لم يتسن للمفوّض أن يسمعها، ولا أن يستعذب سماع صوت تكسّر زجاج الثقة في نفس الدّرويش، ولكنّه أحسّ غوص حذاءه الأسود في الرّمال اللزجة، فلم يعر ذلك بالاً, لأنّ المفوّض كان يثق بولاء حذائه لشاربه.
أمّا المتسوّل فاستغاث بصمت وصدره يتفجّر طلباً للشهيق وللثّقة الضائعة، وبعد دقيقة حين هدأت نفس المفوّض أسلم نفسه لغرابة المشهد، وظنّ أنّه لا يزال يحلم في إغماءه، ولكنّه تذكّر آخر مشهد من الواقع وكذلك من الحلم.
الواقع كان “سالم" وهو يحمل هراوته ويصعد درجات منصّة العرس باتجاه رأس المفوّض، أمّا الرؤيا فكانت عبور الشاطئ الصحراوي نحو الجبال البيضاء. لكن لمَ أنا في هذه البركة أسبح تحت أعين القمر في النتن وأحيط بذراعيّ رقبة رجل بلحية كثّة؟! سأل المفوّض نفسه...
كنت اعتزم ترك وصف المشهد لمخيلة القارئ لولا أنني أحبّ أن أرويه لك على لسان "ابنة سالم" حين كانت تحكي للأخوات في مأوى شيخوختها بعد عمر مديد، وقائع هربها من بيت أبيها ليلة الزّفاف.

سألت العجوز فضيلة إحدى الأخوات، إلى أين رويت لكم من قصّتي البارحة؟ فأجابت الأخت: حين كنتِ تتأملين دموعك السوداء في المرآة. (آه نعم المرآة, لقد بكيت كثيراً تلك الليلة) أجابت الجدّة وأكملت. اسمعن يا أخوات, تأمّلت صورتي تلك الليلة, لم يكن هناك انعكاس واضح لكلّ ما أردت رؤيته, حتى كحل عيناي المنساب بدمعي كان له مرارة لم تألفها شفتاي من قبل, فعرفت أنّ ما تبقى لي من براءة الأنثى لن ينقذه سوى الهرب من صدى صوت هراوات الرّجال حين كانوا يرقصون رقصة التحدّي, فما بالكنّ والرّاقصان كانا أبي والرّجل الذي جلبه ليكون زوجاً لي. احذرن يا أخوات وثقن بي، فالأنثى لا تختار حبّ الرّجل سواء أقبل عشرته أم بعد موته، فالحبّ عندها أبداً فوق كل اختيار.
لن أطيل عليكنّ أيتها الأخوات فقد لملمت أطراف الفستان برؤوس أصابعي، فتحت النّافذة ولم يك يفصلني من فوق عشب الفناء سوى مسافة إنسان ونصف، رميت نفسي وقلت في سرّي، ليكن ما يكون، آه يا أخوات! متى تخلّت النّساء عن القفز من النّوافذ؟!
.. ناوليني كأس الماء يا أخت، شكراً، كما أسلفت لكنّ أيّتها الجميلات، رحت أركض حافية القدمين وسط أشجار الغابة وشجيراتها، في الاتجاه الذي أخذ القوم درويش القرية متضاحكين ومن ثم عادوا من دونه. كان يتملكني قنوط استحالة العودة لبيت أبي، رغم أنني لم أكُ أنوي العودة حقاً.
قاطعتها إحدى الأخوات بدهشة: لماذا لم يكن للجدّة آنذاك أن تعود لبيت أبيها لو شاءت لقدميها أن تعودا؟ فأخبرتها الجدّة أنّ "سالم" أباها رحمه الله كان سيذبحها جزاء هربها أو يفعل ما هو أسوأ. فاستهجنت الأخوات أنّ هناك أسوأ من أن يُذبحُ المرء على يد أبيه، فأخبرتهم الجدّة أنّ الزفاف كان يمكن أن يستمر وكأن شيئاً لم يكن، فلم تفهم الأخوات أنها كانت تخبرهم بذلك عن الأسوأ، لأنّهنّ قد خلقن لزمانٍ حيث لم تعد الفتيات ينشدن لا الحبّ ولا الاعتياد، بل ولا حتى الرّجل كلّه.
كانت الأخوات تصغين باهتمام بالغ, وكأنّ الجدّة تحكي لهم حكايات زمن ظنّته الفتيات لم يوجد قط, ولم يقطع سردها سوى حاجتها للتبوّل, فساعدتها الأخوات على قضاء حاجتها, لأنّهم تحرّقوا شوقاً لمعرفة ما جرى, فلم تبخل الجدّة عليهم بالقول:
تعثرت قدمي أيتها الصّغيرات بجذع شجرة لا روح فيها، كببت على وجهي وتمرّغ أنفي بما ظننته براز خنزير حزين، رغم شبه رائحته ببراز إنسان منفيّ في وحدته، فتفجّر القهر التائه من حلقي وبكيت بحرقة لم أشأ لصوت أنينها أن ينتهي، ودخلت في غمض سأحكي لكم لاحقاً ما تراءى لي فيه، ولكن دعوني الآن أكمل ما حصل معي هناك، فالإخبار عن بهجة الغفو ليس كالإخبار عن ألم الصحو.
هاتي منديلاً يا صغيرتي، باركك الله. نهضت على أيّة حال يا أولاد من كبوتي لأكمل سيري، بعد أن مسحت البراز عن أنفي بالشّال الأبيض الّذي نزعته عن رأسي، فسقط تاج العروس وداسته قدمي ولكنّني لم أتعثر به هذه المرة يا أخوات لأنني أقسمت على وجهي أن لا يمرّغ عيناي بالبراز بعد اليوم، إلّا أنّ لآلئ التّاج الزجاجية آلمت قدمي حقاً فجلست وأسندت ظهري للشجر بعد أن خذلت نفسي حين اسندته من قبل للبشر. جلست ألملم حيرتي وألمي، أما دموعي فتركتها تتبعثر على وجهي، فلا حاجة بعد اليوم لغصة ابتلاع أي منها.
جلست ليس بيسير قبل أن ألمح من بعيد أضواء خافتة وسمعت جعجعة أناس يتحركون ناحيتي. ظننت أن القوم فطنوا لهربي وجاؤوا يبحثون عني فاختبأت خلف أجمة قريبة ورحت ارقبهم فتراءى لي أنهم يحملون شيئاً يبدو أنّه ثقيل عليهم.
حين مروا بجانبي سمعت همسهم الحزين الفخور الخائف. واحدهم يبكي والأخر يلتقط له الدموع. لهم حسيس لا يعلو على صوته سوى ضجيج رؤوسهم. تبعتهم عن بعد لأرى أين هم ذاهبون، وماذا هم بين أيديهم يحملون. وعند المستنقع يا أميراتي رأيتهم تحت ضوء القمر الذي انساب شعاعه من بين الأشجار يقذفون بشيء ثقيل سمعت صوت ارتطامه فوق سطح ماء. حبست أنفاسي خلف تلك الأجمة ريثما رحل آخرهم عائدين للقرية. اقتربت ببطء فسمعت صوت شيء يتحرك في الماء فاختبأت خلف أجمة ، ومن بين الشجيرات رأيت شبح وحش ضخم بلحية طويلة يمسك بين يديه رأس إنسان! ترددت لحظة وسكنت في مكاني لا أدر ماذا أفعل ولا أين أذهب، وهنا سكن صوت الوحش أيضاً.
هدأ الوضع على هذا الحال زمناً ليس هو بالطويل قبل أن ينفجر الوحش بصوت أقرب للهدير تبعه صوت سقوط شيء ثقيل في الماء، حبست أنفاسي وقد تجمدت الدماء في عروقي من الخوف، فما كان يفصلني عن وحش المستنقع سوى بضعة أمتار وسكنت على حالي قبل أن أسمع صوت سعال ديك مذبوح يحاول التقاط أنفاسه، حينها تملكتني جرأة لا أعلم مصدرها فأشعلت المصباح في يدي باتجاه مصدر الصوت.
أشعلت المصباح فألفيت خلف الأجمة ذلك المستنقع وقد توسّطه رجلان لا تخطئهما العين، لأنّ أحدهما كانت تزيّن بذلته الرّسمية عند صدره أوسمة البطولة الّتي يمنحها العمدة لمن يثق بولائهم، وبجانبه المتسوّل يبصق رئتيه من فرط السعال وتزيّن صدره الطحالب النتنة الّتي تمنحها الحياة للدراويش.
بدا لي المفوّض أكثر طولاً ونتانة من المتسوّل، وأدركت أنّ قدما الدّرويش قد غاصتا أكثر بكثير من قدمي المفوّض، ولا أعلم كيف حصل ذلك أيّتها الأخوات، وأظنّ يا فراشاتي أنّ ذلك كان بسبب متانة حذاء صاحب الأوسمة الحكوميّة، إلّا أنّ سرّ النتن الفائق من المفوّض عرفته بعد أن حرر نفسه من المستنقع واتجه باتجاه مصدر الضوء فألفيت شعري بين يديه. أريد الآن أن أنام يا أولادي اذهبوا وسأكمل لكم لاحقاً.
.
رابط الحلقة الأولى:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712551
.
رابط الحلقة الثانية:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=713091
.
رابط الحلقة الثالثة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=724510

رابط الحلقة الرابعة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=724789

رابط الحلقة الخامسة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=725263

رابط الحلقة السادسة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=725449

رابط الحلقة السابعة:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=726033

رابط الحلقة الثامنة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=726181

رابط الحلقة التاسعة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=726582

رابط الحلقة العاشرة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=727053



#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)       Zaher_Refai#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كذبة سفينة الدّعوة إلى لله
- العلاقة بين الإدمان وصدمة الطفولة
- الحساسيّة من ريش البط
- كان صديقي فاضلاً ولكنّهم أخونوه.
- قواعد التقبّل الثلاثون
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة العاشرة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة التاسعة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثامنة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة السابعة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة السادسة.
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الخامسة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الرابعة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثالثة
- إعجاز سورة الويسكي
- رواية: سالم من الجنوب (الحلقة الثانية)
- رواية: سالم من الجنوب (2)
- رواية: سالم من الجنوب (1)
- هل سنشهد قريباً انطلاقة -سَلَفي بوك- و-ملالي تيوب-؟
- هل تعاني سويسرا من البرقعوفوبيا
- حول لقاء -رغد صدّام حسين- على قناة العربيّة.


المزيد.....




- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زاهر رفاعية - رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الحادية عشر