عبد النبي حجازي
الحوار المتمدن-العدد: 1648 - 2006 / 8 / 20 - 10:49
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ساعات قليلة بين قرار مجلس الأمن وبين موعد وقف القتال وجيش العدوّ الصهيوني ينفث سموم حقده ويصبّ حمم نيرانه على الجنوب بكل مايستطيع من شراسة سقط خلالها عشرات الشهداء والضحايا تحت الأنقاض ومازال يحاصر لبنان من البحر , ومازالت طائراته تحلّق في الأجواء .. ولما يشفِ بعدُ غليلَ "بوش"
ثلاثة وثلاثون يوماً و"بوش" يسوِّف ويماطل في إصدار القرار ، يعاند أهل الأرض ويزوّد إسرائيل بالقنابل العنقودية والانشطارية حالماً بالقضاء على "الوعد الصادق" وبالمزيد من الخرائب والدمار وتهديم البيوت على رؤوس أصحابها والمصانع فوق العاملين فيها وسقوط 1250 شهيداً حتى تكسّر قرناه عندها لوَّح بيده وأمر بإفلات القرار فصدر خلال ساعات قليلة يحقِّق رغبات إسرائيل التي انتكصت عسكرياً .
يقول اللبنانيون وهم ينتشلون الضحايا نساء وأطفالاً وشيوخاً من تحت الأنقاض ممن لزموا بيوتهم وعاشوا تحت القصف ، أوممن عادوا إليها: "لايهم أن نخسر ماخسرنا من بشر وحجر . كله يمكن تعويضه لكننا لوخسرنا كرامتنا خسرنا كل شيء" .
ويقول زعيم لبناني جاحظ العينين كالحدأة بعد أن كان يراهن مع المراهنين على هزيمة حزب الله ثم تأكّد العالم من صموده: "أريد أن أعرف لمن يريد أن يهدي حزب الله انتصاره ؟" وكأنه لايعلم أنها أطول حرب في تاريخ العرب الحديث ينحني فيها رأس جيش العدوّ الصهيوني المدجّج بأعتى الأسلحة المتطورة .
وفي تركيا يعلن المتظاهرون أن السكوت على الظلم كالمشاركة فيه . وينددون بإسرائيل التي تريد أن تدافع عن نفسها بتدمير لبنان وفلسطين .
وفي واشنطن أقامت خمسون جمعية حقوقية وإنسانية مظاهرة عارمة شارك فيها "يهود" لاستنكار وحشية إسرائيل والتنديد ببوش وطاقمه الحكومي يقول أحد المتظاهرين وهو زنجي أمريكي :"جاؤوا بنا واسترقّونا ، وانتظرنا خمسمئة عام حتى تخرج منا ـ رايس ـ لتشارك في تدمير الأمم الآمنة "
وأقام الأطفال والفنانون في سورية مظاهرات استنكار وتنديد وفي فرنسا وبلدان أخرى قامت حشود تندّد ببوش وأولمرت ، وتطالب بفرض عقوبات على إسرائيل .
أمام كل هذا تملّك دبليوبوش إحساس بالحسرة أن أولمرت وجيشه لم يستطيعا شفاء غليله .
يقول الشاعر :
عصفورة في يدي طفل يعذبها تذوق مرار الموت والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرقّ لحالها ولا الطير مطلوق الجناحين يهرب
وتقول السيدة (بربارة بوش):"لقد عشت الى اليوم الذي أرى فيه أغبى أبنائي وهو يحكم أقوى دولة في العالم"
ويقول الكاتب والمخرج السينمائي الأمريكي (مايكل مور) أثناء الحفل الذي تقيمه الأكاديمية السينمائية العليا في (لوس انجيلوس) أثناء توزيع جوائز الأوسكار: " لقد شهدنا نتائج انتخابات خيالية ، جاءت لنا برئيس خيالي ، يرسل بنا إلى حرب خيالية . عار عليك سيد بوش .." وفي فيلمه (فهرنهايت 11/9) يبين (مور) كيف أن الكثيرين من المسلمين والعرب يموتون يومياً بسبب السياسات الأمريكية المعادية ، وكيف اختلق بوش فكرة مايسمى بالحرب على الإرهاب أيده فيها مهووسٌ آخر هو (توني بلير) رئيس وزراء انكلترا ، وجرّ الولايات المتحدة ودولاً أخرى لتحقيق أحلامه وأفكاره الغريبة وكيف بدأ بتدمير بغداد المدينة الجميلة الآمنة ..
إن هذا الرجل دبليوبوش الذي يملك عينين وأذنين لاتريان ولاتسمعان إلا مايريد ويهجس والذي ترتسم البلاهة على ابتسامته المخموصة ، الرجل المزهوّ بنفسه والمحشوّ بالنار والبارود , الذي دمر أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان بكل مايحمله الدمار من قذارة ووحشية . هذا الرجل الذي ملأ سجن غوانتيناموا وغيره بالمتهمين وكلهم من الأبرياء هذا الرجل الأشدّ فاشية من موسوليني ، وأشد نازية من هتلر .. رفع وتيرة نقمته إلى وحشية فاق بها كل طغاة التاريخ , فاق شمشون , والنمرود , وهولاكو , وتيمورلنغ , وريتشاد قلب الأسد , ونابليون , وهتلر . وليس لوحشيته مثيل سوى طوفان نوح والزلازل والكوارث الطبيعية التي غيّرت معالم الكرة الأرضية .
هذا الرجل الذي خلط مفهوم الإرهاب بمفهوم الدفاع عن الوطن وسمى ـ بسذاجة ـ كل من يدافع عن وطنه إرهابياً ، وكل دولة تحاول الدفاع عن نفسها "راعية للإرهاب". وسمى ـ بسذاجة ـ إرهاب (الدولة) الأمريكي تحقيقاً للديموقراطية وحقوق الإنسان ، وإرهاب (الدولة) الإسرائيلي دفاعاً عن النفس ليشبع رغبته ورغبة مجموعته ، ورغبة الصهاينة شركائه في الملة بدمار البلاد وتخريبها وإيقاع الويلات بشعوبها .. هذا الرجل الذي يتزعم "المحافظين الجدد" ـ المتصهينين ـ طاقمه الرئاسي الذين بوّأتهم مناصبهم الشركات الاحتكارية وجعلتهم مستشارين أو مديرين . هذا الرجل الذي يدعي أن مايقوم به هو "إلهام من الله" ـ وهو أشدُّ كفراً من الشيطان ـ يبيح لنفسه إلحاق القتل والتشريد والدمار والخراب بكل من لاينتمي إلى ملته . وهذا ماأكده حاخامات اليهود في شرعية الحرب التي يشنها (أولمرت) على لبنان وفلسطين . هذا الرجل الذي لا يرفّ جفنه للمظاهرات التي تقوم في أنحاء العالم تندِّد بجبروته ، وأعماله التخريبية الخطيرة ، وتزويده إسرائيل بأحدث أسلحة الدمار لتسلطها على لبنان وفلسطين . هذا الرجل الذي يلتف حوله العتاة مثل رامزفيلد ، وبولتون ، وكونوليزا رايس .
هذا الرجل المهووس بالقتل والدمار والذي يطلق جيشه النار على أي شيءٍ متحرك : في العراق ، وفلسطين ، ولبنان في حرب إبادة شاملة ينعت المسلمين بـ(الفاشست) ويحملهم ـ كأنه عثرعلى ضالّة مفقدودة ـ تبعة محاولة تفجير بعض الطائرات في مطار لندن على الإسلام (الفاشي !) قبل أن تثبت التحقيقات أن الجالية المسلمة هي التي دلت على أولئك المتهمين ، وأنهم جميعاً آسيويون كما صرحت مصادر أمنية انكليزية .
إن مليون وخمس المليون من المسلمين ، بما فيهم (312) مليون من العرب مسلمين ومسيحيين قلوبهم ملأى بالحقد والغضب عليك أيها الرئيس دبليو بوش . إنهم يرون أنك الشيطان الرجيم بعينه . والآن دعني أروي لك هذه الحكاية : انزوى ثلاثة لصوص بمسروقاتهم الثمينة في مكان آمن ، وأرسلوا أحدهم ليحضر الطعام . في طريق الرجوع قال اللصّ في نفسه : لماذا لا أقضي عليهم ، وأستأثر بالغنيمة وحدي ؟ فدسّ لهم سماً زعافاً في الطعام بيد أن الآخَرَيْن قررا أن يقضيا عليه وعنما وصل فاجآه بخنجريهما وأردياه قتيلاً ثم تناولا الطعام فقضيا نحبهما . فانظرأيها الرئيس مليّاً إلى شركائك : إسرائيل ، وعملائك الذي تآمروا معك من حثالة العرب وضعتهم المصادفات كما وضعتك في الصدارة . وهم مكروهون من شعوب مغلوبة على أمرها حاقدة عليهم كحقدها عليك .
يقول المثل : "من حفر بئراً لأخيه وقع فيها" وأنتم سادة أمريكا ، وانكلترا , وفرنسا ، وكندا .. بدأتم بحفر تلك البئر منذ الثمانينات عندما آويتم بعض المتعصبين السلفيينالذين سددوا لكم الطعنة القاصمة للظهر في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وما تلاها من تفجيرات في أوروبا الغربية .
وهاهي الحرب على لبنان تتوقف مخلفة نتائج كبيرة لا بد من التفكير فيها .
في لبنان : 1ـ صمود الشعب اللبناني بجميع فئاته وأطيافه خلال الأزمة . 2ـ الحرب الضارية على القنابل التي لم تنفجر ، والقنابل الموقوتة عل شكل أجسام غريبة كألعاب الأطفال .
3ـ انتشال الضحايا من تحت الأنقاض .
4ـ إعادة الإعمار .
5 ـ عودة المماحكات السياسية والغمزات واللمزات من أعوان أمريكا والغرب بعد أن خيَّبت آمالهم المقاومة والتفاف أبناء الشعب حولها .
6 ـ ضرورة إعادة النظر بالمنهج الديموقراطي والسياسي القائم في شكله ومضمونه .
في إسرائيل : 1ـ نشوب صراعات ضارية بين اليسار واليمين المتطرف ، وبين أعضاء الحكومة وقد ادعت حكومة اولمرت أنها لم تخسر سوى (111) قتيلاً و(700) جريح من الجنود وعدد من الطائرات والآليات العسكرية ولم تستطع أن تحقق أيّ انتصار على حزب الله .
2 ـ بدأت إسرائيل بأعمالها الوحشية وصفاقتها تفقد ثقة اليهود المعتدلين داخلياً وعالمياً وتفقد التعاطف الدولي ، وبدت عالة على أمريكا . وغدت دولة هجينة لامستقبل لها وسط المنطقة العربية .
3 ـ زعزعت جسور السلام (المزيفة) من جذورها وعرّضت الاتفاقات التي عقدتها مع جهات عربية إلى النقض ، وأحرجت شركاءها .
في المجال العربي : 1ـ اهتزت مواقف المسؤولين العرب الموالين لأمريكا والعدو الصهيوني واتسعت الهوة بينهم وبين شعوبهم ، وانكشف عنهم الغطاء (المخادع) وغدا مستقبلهم على كفّ عفريت .
2 ـ تحرر الوعي العربي الذي جعل اليقظة العربية تستفيق من رقادها ، وأكد أن تحقيق الوحدة العربية ضرورة مصيرية .
3 ـ تعزَّزتْ قيمة (حماس) وتجهم الواقع الفلسطيني في وجوه المتآمرين والمتخاذلين من فلسطينيين وعرب سادرين .
4 ـ تأكد أن الصراع العربي الصهيوني هو صراع حياة أو موت ، وأن الثقة بالنفس ، والإيمان بالمبادئ أقوى من الحديد والنار .
في المجال العالمي: انكشفت إسرائيل على حقيقتها اللاإنسانية ، كما انكشف بوش والمحافظون الجدد أمام جميع أمم الأرض ، وبدوا خطراً على التقدم والسلام .
[email protected]
#عبد_النبي_حجازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟