|
قراءة اولية في فكر الدكتور خزعل الماجدي1/ 6
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 7032 - 2021 / 9 / 28 - 09:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ذكرنا في مقدمة البحث إنّ خزعل الماجدي كان يسعى الى الايعاز بتأسيس فكر جديد نرنو من خلاله الى اعادة النظر بما تعلمناه في المدارس والجامعات وما سمعناه من رجال الدين بهذا الخصوص، لنكون على دراية تامة بمعرفة تاريخنا وحضاراتنا الانسانية، لتتوضح لنا الصورة كيف تأسست تلك الحضارات وسارت بجادة واحدة من خلال معرفة وثقافة تلك الامم القديمة. والآن نحاول أن نفصّل ما ذكرناه في المقدمة تلك، وبحسب ما توصلنا اليه من ادراكاتنا القاصرة. فحقيقة أن فكرًا بحجم فكر الباحث الماجدي لا يمكن الاحاطة التامة به، ذلك لما انجز، هذا المفكر، من ابداع له علاقة مترابطة بالفكر الانساني، ولا يمكن سبر غور ما قدمه، ذلك من الصعوبة بمكان؛ وعليه اطلقنا على هذا البحث تسمية "قراءة اولية في فكر الدكتور خزعل الماجدي" إذ ربما ثمة قراءة أخرى شاملة في أوقات أخرى. ويمكن أن نجيز هذا بما يلي: (1)الاسطورة والخرافة هناك من يخلط بين الاسطورة والخرافة، لكن الماجدي من خلال كتبه التي قدمها للقارئ، ومن خلال محاضراته التي نشرتها بعض وسائل الاعلام، ذكر أن الاسطورة لابد أن يكون بطلها إله، واما الخرافة فهي ما تتعلق بالسِحر والحكايات الشعبية التي تتناقلها العجائز وكبار السن. لكن، الدكتور أحمد كمال زكي، في كتابه "الاساطير" – وهو كتيب صغير لم يتجاوز المئة صفحة – يذهب الى أن كلمة الاسطورة ترتبط دائمًا ببداية الانسانية أو ببداية البشر، حيث كانوا يمارسون السِحر، ويؤدون طقوسهم الدينية التي كانت سعيًا فكريًا لتفسير ظواهر الطبيعة. والظاهر أن زكي يخلط بين الخرافة والاسطورة، على ما سيوضح ذلك لنا – بعد قليل - الدكتور الماجدي. ويرى الدكتور زكي أنّ اصل الخرافة مجرد شائعات ثم زيد فيها واصبحت جزءًا من تراث الشعب المنقول. (ص: 14) وجاء في بعض المدونات إنّ الخرافة: "هي إيمان الفرد التي تشكل خرقًا وإعجازًا لقوى الطبيعة للتأثير في الظواهر التي لا يمكن تفسيرها أو توقعها، ورغبة في حل انعدام اليقين. وبهذا الأسلوب، ينجرف الأفراد خلف اعتقاداتهم باتجاه الخرافة، الأمر الذي يفسر أسباب ميولهم اللاعقلاني، الأمر الذي يشكل تحديًّا عظيمًا للحكم العلمية الراسخة".(القاموس الفلسفي) ويضيف زكي "أننا يجب أن نسلم ولو من بعض الوجوه بأن الاساطير، سواء عكست نظامًا دينيًا او لم تعكس، ولدت من الزمن الذي ولدت فيه الشائعة لتتحول الى حكايات خرافية. ولكن لا نريد أن نزعم أن هذه الحكاية لم تكن في اصلها سوى اسطورة ما لمجرد أن كلا منهما عاشت في العالم السحري الغامض".(1) لكن الماجدي يرى أنّ "الأسطورة لا توضع في مقابل الدين للمقارنة لأنّها جزء من الدين فهي المكون الأساسي الثاني له، لأنّ الدين يتكون من أربعة مكونات أساسية من وجهة نظري، هي (المعتقد الأسطورة، الطقس، الإسكاتولوجيا) والأخيرة تعني كل ما يتعلق بالموت. أسطورة التكوين البابلية كانت العمود الفقري للدين البابلي فهي تحتوي تصورات البابليين عن نشأة الكون والآلهة وخلق الإنسان وهي تتحدث عن تربّع الإله القومي البابلي (مردوخ) على عرش الآلهة وتحوله إلى ما يعرف بـ(ملك الآلهة) دليلاً على مركزية بابل السياسية والحضارية في العالم القديم ولذلك أنا أعتبر أنّ أسطورة الخليقة البابلية (إينوما أليش) هي بمثابة الكتاب المقدس للدين البابلي وهذا يعني أنّها جوهر هذا الدين ولا علاقة للتثاقف بالأمر. أمّا جلجامش فهي ليست أسطورة بل هي ملحمة والفرق كبير جداً بين الأسطورة والملحمة ففي حين تكون الأسطورة جزءًا مهمًّا من الدين فإنّ الملحمة جزء من الأدب وليس الدين وهكذا تكون ملحمة جلجامش منزوعة القداسة فهي نصٌّ دنيوي أدبي وليس دينيًّا. التمييز الدقيق في هذه الأمور وحده هو الذي يعطينا مفاتيح جيدة لفك ألغاز الأديان القديمة أمّا التعميمات فتطيح بكل شيء وتغلق الأبواب بشكل نهائي".(2) وهناك تعريف آخر للأسطورة، هو للتعريف الذي يذهب اليه الدكتور الماجدي، حيث يرى إنَّ: "الأُسطُورة هي قصةٌ تقليديّةٌ تتعلق عادًة بحدثٍ أو بطلٍ ما، مع أو بدون الاستناد للواقع أو المنطق، وعادًة ما تكون القصص حول تكوين العالم والإنسان، وفي الغالب خيالية، إلا أنه قد يكون لبعض الأساطير أصولٌ واقعيةٌ، وتصف أحيانًا بعض الطقوس والممارسات والظواهر الطبيعية، كما تتضمن الأسطورة أحداثًا تاريخيّةً وكائناتٍ خارقةً للطبيعة وغيرها، وهناك عدة أنواعٍ للأساطير، كالأساطير الكلاسيكية والأساطير الدينية والأساطير الحديثة". وهناك الملحمة، والملحمة تفترق افتراقًا جذريًا عن الاسطورة والخرافة؛ فكما أن الاسطورة بطلها إله، والخرافة نابعة من السحر والشعوذة، فأن الملحمة دائمًا ما يكون بطلها انسان، "كملحة جلجامش" المعروفة على المستوى التاريخي والمستوى الثقافي. وهناك "اسطورة الموت والانبعاث" المتعقلة بالدين وقد انتهى مفعولها، لكن بحسب الدكتور الماجدي، شعريًا مازالت تعيش في اوساطنا الثقافية. إذ يقول الماجدي: " أسطورة الموت والانبعاث الدينية انتهت فاعليّتُها، لكن أسطورة الموت والانبعاث الشعرية لا تنتهي، لسبب بسيط هو أنّ الشعر لا يصدّرها لنا على أنها حقيقة واقعة، بل هو يتجوّل في غرفها الداخلية بحثا عن عزاءٍ روحيّ أو جماليّ. في السابق دخلت هذه الأسطورة في الشعر كإزاحة مباشرة لها من الدين إلى الشعر، وخدمت بعض الأغراض السياسية الثورية في هذا المجال، ولذلك انحسرت. ولكننا اليوم نراها وهي تشتغل بطاقةٍ جماليّةٍ فقط، وتشحن الشعر بروحٍ خلاّقة وعظيمة. سيساهم ذلك في كسر (تابو) الأسطورة ويجعلها في متناول خيالنا وعبورنا المتكرر ذهابا وإيابا بين الحياة والموت شعريّا".(3) هوامش: (1) (الاسطورة، ص 17، الطبعة الاولى لسنة 1967، سلسلة الثقافة الشعبية) (2) (موقع: مؤمنون بلا حدود، لقاء مع خزعل الماجدي تاريخ اللقاء: 27 يونيو 2021) (3) (لقاء مع خزعل الماجد في القدس العربي 20- يوليو – 2020).
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السعادة بين ابن خلدون و دوستويفسكي
-
قراءة اولية في فكر الدكتور خزعل الماجدي/ المقدمة
-
قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 4/ 4
-
قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 3/ 4
-
قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 2/ 4
-
قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 1/ 4
-
الاخلاق عند دوستويفسكي3/ 3
-
ما هي الرسالة التي أراد ايصالها دوستويفسكي في (المقامر)
-
الاخلاق عند دوستويفسكي2/ 3
-
تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة1 /2
-
تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة2 /2
-
(دعِ النّارَ) نص الشاعر أمير الحلاج.. والنتيجة الابيقورية
-
الاخلاق عند دوستويفسكي1/ 3
-
اسبغ وضوء القصيدة
-
(ليلة اغتيال محسن المجنون) للقاص أحمد السلمان.. وميشيل فوكو
-
(أحوال الزهرة) نصوص طالب حسن.. وفلسفة الجمال الكانتية
-
قصة (الحصاوي) للقاص سعدي عوض الزيدي خطوب بطعم الالم
-
(كم مضى من الوقت؟) لوليد حسين وفلسفة التاريخ
-
قصيدة (غذّ سيّرك) للشاعر سرحان الربيعي ومبدأ الشك الديكارتي
...
-
في (وصايا العائد) عمر السراي ماذا قال للطلقة التي قتلت حُلمن
...
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|