|
ماركس بين رؤيتين متناقضتين
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 7031 - 2021 / 9 / 27 - 20:48
المحور:
الارشيف الماركسي
نبيل عودة هناك قول هام لماركس يناقض ما قاله عن احتلال الآلة مكان الانسان ما سيزيد املاق العمال، قال: "إن العصور الاقتصادية تختلف عن بعضها البعض ليس بما تنتج بل كيف تنتج وبآية أدوات عمل"!! للأسف هذا الموقف لماركس لم ينعكس على تحليلاته للنظام الرأسمالي، والتغييرات التي بدأت تعصف بما كان سائدا في مرحلته الأولى. حتى مدعي الماركسية تمسكوا بأقوال ذكرها ماركس في بداية تحليله للنظام الرأسمالي وتجاهلوا هذا القول الذي يعتبر عمليا تطويرا لما طرحه في بداياته من رؤيته انه مع دخول الآلات يشرع العامل في الصراع ضد وسيلة العمل ذاتها، (أي الآلة التي ستحل مكانه)، التي ستسبب املاقه حسب الرؤية العتيقة لماركس، فيهب العامل ضد هذا الشكل المحدد لوسائل الإنتاج بوصفه الأساس المادي لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي سيقود الى المزيد من املاقه. بينما الواقع ان الآلة لم تزيد املاقه بل ضاعفت الإنتاج مرات عديدة، وزادت الثروة الاقتصادية التي قادت أيضا الى تحسين شروط العمل وتسهيل الانتاج ومضاعفته وزيادة الأجور للعامل الذي أصبح صاحب خبرة تقنية بتشغيل الآلات أيضا مما ضاعف الإنتاج بشكل غير مسبوق، ولم يعد عاملا عضليا فقط بدون معرفة التقنيات الحديثة لآلات الإنتاج. مثلا: منذ واسط القرن العشرين نلاحظ ان التطور العلمي التكنولوجي بدأ بقفزات هائلة، أدوات الإنتاج تتبدل وتتطور سنويا أو ما دون ذلك أحيانا .. من الألة البسيطة الى الآلة الميكانيكية، ومنها الى الآلة الالكترونية، ودخل عالم الهايتك في الإنتاج، العمل العضلي يخلي مكانه للعمل الفكري حتى في الصناعات الثقيلة. أدوات تنفيذ المهمات المهنية تتطور باستمرار. إنتاجية العمل تضاعفت بشكل لا يمكن مقارنتها مع المراحل السابقة. الثروة تضخمت بشكل أسطوري .. العامل المهني اليوم يجدد أدوات إنتاجه بسرعة تزيد عشرات المرات عن القرن التاسع عشر، ما طور في القرن التاسع عشر بكل سنواته المائة ، تطور في القرن العشرين كل سنة تقريبا .. وفي القرن الحالي (الواحد والعشرين) بسرعة أكبر، أحيانا كل شهر او كل اسبوع .. تطوير الآلة فرض ضرورة تطوير جيل جديد من العمال التكنوقراطيين، أصبح صاحب العمل مضطرا إلى شراء مهنيتهم بإغراءات المعاش وشروط العمل. ان الثورة العلمية التكنولوجية أصبحت تشكل انقلابا اجتماعيا واقتصاديا في حياة المجتمع البشري. هذا الانقلاب لم يأخذ مكانته بشكل كامل في الأدبيات الاقتصادية – الاجتماعية لليسار عامة واليسار الماركسي (الشيوعي) خاصة وبالتحديد. السؤال الذي يفرض نفسه هنا بالغ الأهمية: هل يمكن التعامل مع النظام الرأسمالي بنفس العقلية التي سادت المجتمعات البشرية قبل الثورة العلمية التكنولوجية؟ جرى اختراق الأجور وشروط العمل الى اتفاقات عمل عامة واتفاقات عمل خاصة. أي اختفى كل مفهوم الصراع الطبقي التناحري، لم يعد العامل عبدا مضطرا لبيع قوة عمله، بل يختار من يدفع الأجرة المناسبة مقابل قدراته المهنية والتكنولوجية أو الإدارية. المنافسة على العامل المهني فرضت واقعا مختلفا في علاقات العمل .. أي نشا صراع بين أصحاب المشاريع الصناعية لتجنيد العمال المهنيين في مشاريعهم، واتسع الطلب للعمال المهنيين ذوي الخبرة التكنولوجية، أما غير الملمين بالتجهيزات الآلية فهم هامشيون في الحساب الاجتماعي والاقتصادي وسوق العمل، أصبح صاحب العمل بحاجة ماسة للعمال المهنيين والتكنوقراطيين. أي بات نوعا من التعادلية بين العامل وصاحب العمل. البروليتاريا التي "اكتشفها" ماركس لم تعد بروليتاريا مسحوقة، بل فئات اجتماعية لها مكانتها الحاسمة في عملية الإنتاج. لم تعد الطبقة العاملة هي الطبقة التي صاغ ماركس نظرياته الاقتصادية والفلسفية بناء على فهمه لواقعها. المجتمع البشري لم يعد نفسه المجتمع البشري الذي حلله ماركس واستنتج من واقعه أحكامه النظرية، خاصة موضوعة الصراع الطبقي التناحري. ان التطور العلمي والتكنولوجي أحدث انقلابا بتركيبة وتفكير ووعي ومعلومات ومعارف كل الطبقات الاجتماعية بما فيها الطبقة العاملة. لذا يمكن القول اننا نعيش بداية عصر ما بعد القومية، وليس فقط ما بعد الرأسمالية. هذه الظاهرة بدأتها اوروبا التي كانت دائما في طليعة التحولات الاجتماعية، الثقافية، الفكرية والعلمية. عصر الرأسمالية بمفهومه العتيق، انتهى ويجري تغيير جذري بتركيبة النظام الرأسمالي، نحن اليوم في مراحل ما بعد الرأسمالية ما بعد الاستعمار / لم يعد اسلوب الانتاج هو المعيار، بل النهج العادل للتوزيعة الاجتماعية للثروة. شبعنا من ترديد مفهوم الصراع الطبقي التناحري خلال المائة سنة الأخيرة، دون ان نفكر هل حقا برز تأثير هذا الصراع في الواقع الاجتماعي؟ أصبح الحديث عن طبقة عاملة عتيقا مع تطور مجتمع مدني بالغ التأثير والقوة تغيرت المفاهيم أيضا التي تتعلق بالطبقة العاملة. نحن في بداية عصر "ما بعد القومية"، تماما کما اننا في عصر "ما بعد الرأسمالية" - العصر الرأسمالي (البرجوازي) ساهم بتشکيل القوميات وتعميق ترابطها، الحلقات الضعيفة في تطورها الاقتصادي کانت ضعيفة في جوهرها القومي أيضا وما تزال.. من هنا نجد ان الهوية الدينية تجاوزت الانتماء القومي، وبالتالي أغرقت شعوبها بفکر معاد لأي تطور حضاري. ان انتهاء العصر الرأسمالي الأول سيضع القوميات على هامش التاريخ. هذه الظاهرة بدأتها اوروبا، تاريخيا کانت اوروبا دائما في طليعة التحولات الکبرى في تاريخ البشرية، تحولات اجتماعية، قانونية، ثقافية، علمية.. الخ، لذلك اوروبا تشکل اليوم الاتجاه الجديد.. الذي سيسود عالمنا في عصره ما بعد الرأسمالي!!
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدخل: حكايتي مع الفلسفة
-
نص مثير لعفيف صلاح سالم بين الرواية والأدب التسجيلي
-
تجربة علي سلام في الناصرة
-
أناشيد لا تموت..!!
-
الخان الأحمر-استمرارا لسياسة -هنود حمر- مع بدو الأغوار
-
حكاية البطة النافقة ...
-
التهمة: منافس للدولة
-
منصة فلسفية: مفهوم الثقافة، بين الابداعين المادي والروحي
-
المعلمة كلثوم عودة من مدرسة المسكوبية في الناصرة الى بروفسور
...
-
هل خدم المال السياسي أي مشروع وطني للجماهير العربية؟
-
متى تترسخ الحرية والتعددية بكل ثرائها في واقعنا الثقافي؟
-
هل يمكن اعتماد نظرية ماركس الاقتصادية للنظام الرأسمالي اليوم
...
-
يوميات نصراوي: تحرر الناصرة من التنظيمات الحزبية، فتح الطريق
...
-
هل تأليه ماركس يتطابق مع فكره؟
-
عودة الوعي، هو النهج السليم لادارة سلطاتنا المحلية
-
نحو رواية فلسطينية لمواجهة الرواية الصهيونية
-
الماركسية ين تيارين: الجمود العقائدي السوفييتي ورفض التعددية
...
-
يوميات نصراوي: اعياد الناصرة الشعبية التي لا تمحوها الذاكرة
-
النظرية الماركسية: الحركات الشيوعية امام مفرق طرق/ اما تجديد
...
-
التطور الرأسمالي هزم نظرية ماركس
المزيد.....
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|