|
من أوراقي: مقدمات في الجغرافية التي صنعت اقاليمنا
عيسى بن ضيف الله حداد
الحوار المتمدن-العدد: 7029 - 2021 / 9 / 25 - 20:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
جغرافيا وديموغرافيا- وقفة مع الجغرافية التي صنعت أقاليمنا العربية - من أوراقي الإقليم الآسيوي: يتمثل في جزيرة العرب كما تظهره جغرافيته، هو في واقعه، إقليم موحد ممتد من بحر العرب جنوباً إلى شمال جبال طوروس شمالاً. تشكل الصحراء عمودها المركزي، من الربع الخالي إلى شمال بادية الشام بلا انقطاع.. الإقليم الإفريقي: الممتد من حوض النيل نحو الغرب منه حتى الأطلسي. تشكل الصحراء الكبرى بامتداداتها سواراً حول النيل، والقاعدة الواسعة لإقليم الغرب العربي. وجدل التواصل ما بين الصحراء وبقاع الماء ماثل هنا بأشكال عدة.. على مدى ذلك الفضاء، يتجلّى جدل التواصل بين الصحراء وبقاع الماء، عبر ثلاثة أشكال: الشكل الأول، يضم جزيرة العرب وشماله الهلال الخصيب - يتمثل الثاني في وادي النيل- أما الثالث فيمتد على مدى قاعدته في الصحراء الكبرى غرب النيل حتى ضفاف الأطلسي.. في واقع الأمر، كان التواصل قائماً منذ أقدم الأزمنة بين الأقاليم الممثلة لهذه الأشكال الثلاثة، وكان لحوض النيل من خلال توسطه بين الجناحين الشرقي والغربي دوراً في نسج عرى هذا التواصل. كبداية - الجزيرة العربية وامتدادها الشمالي كإقليم ما يرشح على السطح كجغرافية - في حاضرنا، يتبدى كما لو كانت شبه جزيرة العرب تتحدد ببحر العرب جنوباً والأردن شمالاً. ولا يخفى عن البال إن مثل هذا التحديد هو إحدى إسقاطات الجغرافية السياسية الراهنة، التي تتعارض في واقعها مع وقائع الجغرافية الطبيعية والبشرية.. كما بدا عليه عبر الزمن القديم.. في إطلالة ثاقبة على مشهد الخريطة كما هي عليه - ومن دون الوقوع تحت سطوة المفهوم الجيو سياسي وفق نغمته الراهنة – فلتنحراه كما يعلنه هو كشكل وواقع جغرافي.. الأمر الذي عكس ذاته فيه على تاريخه، وتطورات المشهد الديموغرافي فيه على مدى تطورات الأزمنة.. فلنرى في مظهرها الآتي: المربع الجغرافي: الجزيرة العربية في شكلها الجغرافي بدت كمربع في بعده المكاني، ثلاثة أضلاع بحرية ونهرية، تعلوها طبقة رأسية جبلية هضابيه وسهلية. ينطوي هذا المربع في مكوناته على منطقة وسطى صحراوية وشبه صحراوية، تتمثل في قاعدتها بالربع الخالي مع امتداده الشبه صحراوي حتى أقصى الشمال، تعلوه طبقة عليا كسقف ظهر على شكل قبعة واسعة ذات جناحين متطاولين يتمتعان بخصائص مائية ومطرية، تضم المنحى العابر لما بين النهرين والملتوي غرباً على منحى جبال طوروس، لينحني من جديد جنوباً محاذياً ضفاف شرق المتوسط، ثم ليلتقي في صحراء سيناء الممتدة غرباً حتى تخوم النيل.. والأهم في هذا المشهد، هو التواصل بين أجزاء الحلقة بجوانبها، فالجنوب الساحلي العربي الموازي للربع الخالي، يرتفع عنه ذراعان: الشرقي والغربي، يمتد الذراع الشرقي حتى الخليج، والذراع الغربي حتى بلاد الشام وصحراء سيناء.. تلقي هذه التعبيرات الجغرافية ذاتها، لتفصح بكيفية ما عن وحدة المكان، مما يعكس نفسه على المكونات السكانية القاطنة به.. لعل هذا المشهد الذي نتعايش وإياه على الدوام - يجسد الحقيقة الأولى التي نتغاضى عنها في كسل ذهني.. ولا يغربن عن البال، أن هذه الجغرافية الطبيعية وبما تملك من بوادي وصحاري، كانت ذات ماضٍ مائي عريق، وتشهد عليها تلك الوديان الطويلة البادية للعيان.. معاينة في الشكل يظهر الربع الخالي بمثابة قاعدة لهذا الامتداد الطويل.. (1) -(2) لننظر في الخريطة الممثلة بوادي السرحان (2).. حيث نراه يربط بين العراق والسعودية والأردن.. أمام هذا المشهد بكليته، كيف لنا وبنا والحالة هذه تقطيع تلك الجغرافية...! في صلة مع ما سبق يطل علينا ذلك السوار المائي، وقد تكوّن جنوباً من بحر العرب، وغرباً من البحر الأحمر وشماله المتوسط، وشرقاً الخليج وشط العرب والرافدين المتعانقين معه، أما في الشمال فقد جاءت سلسلة جبال طوروس لتغلق السوار.. على مدى هذه الأطراف المائية، تتهادى سهول وجبال تتفاوت في مساحاتها، لبعضها من الماء ما يكفيها.. وعلى ضفاف الأنهار تتمادى سهول خصيبة متفاوتة الأتساع.. تاريخ طبيعي ووديان وماضي مائي إن كنا سنقف أمام أطلال الوديان، فإن ذلك يتأتى من السعي لاكتشاف الماضي المائي، وما له وعليه من أثر بشري. ثمة دراسة فائقة الأهمية تصدت لذات المسألة، نوجز ملخصاً عنها في الآتي: في ذاك الإقليم يوجد الكثير من الوديان، من بينها ثلاثة وديان كبيرة وطويلة وذات أهمية متميزة في تاريخ هذه الأرض، ذكرتها معظم كتب الجغرافيا والتاريخ القديمة والحديثة، وهذه الوديان المهمة هي" وادي السرحان، وادي الرُّمه ووادي الدواسر.. شكلت هذه الوديان الثلاثة فيما مضى انهاراً كبيرة وطويلة جارية بالماء تخترق أرض الجزيرة وتصب في البحار والبحيرات، وذلك في الفترة الجليدية الرابعة، الممتدة من سنة 40 ألفاً قبل الميلاد إلى سنة 18 ألفاً قبل الميلاد، وخلال العصر المطير البارد المعتدل.. بعد انتهاء الدورة الجليدية الرابعة أخذ عصر الأمطار بالتراجع التدريجي وزحفت الدورة الدفيئة الجافة الثالثة على المناخ وساد عصر الجفاف والحرارة، فجفت مياه هذه الأنهار والبحيرات المتصلة بها. ومن المؤكد لم يتم بين ليلة وضحاها.. تنص الروايات اليونانية والرومانية القديمة على وجود أنهار طويلة تخترق جزيرة العرب. يذكر المؤرخ اليوناني هيردوتس في تاريخه، وجود نهر عظيم في جزيرة العرب سماه " نهر كورس" وقال إن ملك العرب قد عمل في نقل المياه من هذا النهر العظيم حيث حفر نهراً منه يخترق الصحراء العربية، وطول هذا النهر الفرعي المحفور مسيرة اثني عشر يوماً عن ساحل النهر العظيم " كورس " ويرجح بكونه وادي السرحان ". وفي جغرافيته المسماة "جغرافية بطليموس"، يرسم هذا الجغرافي اليوناني الشهير، انهاراً تخترق جزيرة العرب متجهةً نحو الخليج العربي، ودعا أحد هذه الأنهار العربية الكبيرة باسم نهر لار، ويرجح أنه وادي الرُّقة. من المؤكد أن المؤرخ هيرودوتس والجغرافي بطليموس وغيرهما من كتاب اليونان والرومان، قد اطلعوا على كتابات من سبقوهم من بابليين وأشوريين وفراعنة، وربما قد اعتمدوا على تلك المراجع والمصادر والشواهد الآتية لهم من حضارات سابقة.
#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقفة مع الهيمنة الفارسية (538-333 ق م): سنأخذها نموذجا للإمب
...
-
مقدمات في مدارات التشكّل في منطقتنا (مقتطع من بحث مطول) التج
...
-
االبحث عن موسى
-
حوار – حول روايتي – على وهج الذاكرة
-
قراءة معاصرة للحياة السياسية في سورية في زمن الخمسينات
-
في قراءة معاصرة للحياة السياسية في سورية في زمن الخمسينات
-
الماء كمقدس - في تاريخنا الحضاري
-
كخلاصة للمناظرة مع فرويد في منهجه، كما ظهرت في موسى والتوحيد
...
-
مقتطف من مخطوطة عنوانها المسار التاريخي للكتاب المقدس الحبري
-
من علم الأديان تعريف بحركة القراء = حركة منشقة عن اليهودية ا
...
-
ما بين بن ميمون والفلسفة
-
مناظرة مع مشروع الدبلوماسية الروحية المتمثلة بمقولاتها المرك
...
-
شعر - أناشيد الوجع
-
وقفة نقدية مع منهج فرويد في موسى والتوحيد
-
من ذكريات الأمس - على صدى هزيمة حزيران - نشرت
-
وقفة مع ستينات القرن الماضي - كيف كنا - رؤية
-
من اوراق الأمس - على طريق العرقوب
-
معاناة باحث - من الواقع
-
من حكايات قريتنا
-
خارج عن النص – في عشق اللغة
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|