أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - أيَهجُرُ البلبلُ عُشَّهُ!















المزيد.....


أيَهجُرُ البلبلُ عُشَّهُ!


علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)


الحوار المتمدن-العدد: 7028 - 2021 / 9 / 23 - 14:00
المحور: الادب والفن
    


للغربةِ طَعمٌ مُرٌّ ولها مذاقُ علقمٌ، ذُقتُهُ في سنينَ دراسةٍ خلت ومازالَ منهُ في النفسِ بَلغَم، لذلكَ ...
لا لومَ لنفرٍ مُليم للوطنِ ومُتَكَلِّم عليه بِذَم، أو مُهاجرٍ مُتألّمٍ، بل ألتماسُ عذرٍ لمَن هجرهُ كمغلوبٍ مُتَظَلٍّم، ما بين "تهديدٍ بقتلٍ" أو "إذلالاً في مهنةٍ" أو "فاقةً في عيشٍ بئيسٍ لا طاقة له بتأقلم"
ولكنِ اللّومَ على من يكيلُ اللّومَ ويلقيه في حُضنِ الوطنِ، ويزعمُ أنّهُ (فهيمٌ ومُتَعلِّم)،
بل ويَميلُ بيمناهُ برمي جنسيَّةِ الأصلِ في المهملاتٍ مودعاً لتظلّمٍ وتَجَهّم،
ويتَرفّهُ بصبيانيةٍ، ويتَفكّهُ في سواحلِ (ميامي) ويَتَنَعَّم.
وها أرانيَ وحيداً في وطني بعدَما هجرهُ خلاني ولأستنشقُ هواءَهُ بتَنَسُّم، رغمَ ما في الهوى من فيحِ مُتَسمِّمِ، وقيحِ همومٍ مُتَكَتُّم.
أنا أكتمُ آهاتِي في أحشاءِ بيتِ رحمِ الوطن!

كلا، لستُ في وطني وحيداً..
فذي خالتي المُزَخرَفَُ جبينُها بفيروزِ الوشمِ، والمزركش لسانُها بطرفةٍ وحيدة مُجتَرّة ذي سأم، وذي عمّتيَ العَجوز ذي النّهمِ واللّهم، تلكَ العَمَّةُ كتلةُ من شّحم، وبدنُها خالٍ من غضاريف ومن عَظم. عمّتيَ قاهرةُ للهَمِّ والغَّم و للعدمِ والندم،
وذاكَ جاريَ المستَدينُ منّي دَوماً دِرهماً إثرَ دِرهَم، وحتى فردةَ جورابي يستعيرُها على وعودٍ من وَهَم،
وهنالك بقّالُنا الضَّحوكُ "حجّي مَهدَون" الأصيلُ الأشَمّ، بيّاعُ البطيخِ والقثّاء بلا ميزان ولا يُرَوِّجُ لقثّائِهِ بغليظٍ من قَسَم،
وهنالك إبريقُ الوضوءِ النّحاسي بقبضةٍ برّاقةٍ وعُرفٍ وفَم، وهنالكا وهناكا..

كلا، لستُ وحيداً أنا، وساهِرٌ أنا مع حُروفي، وسامرٌ مع بُلبُلي نَستَمتِعُ في لحظةِ سباحتِهِ في صَحنِ الوطنِ. وتلكَ ياصاحُ لحظةٌ مُذهلةٌ تجتَثُّ الغَمَّ والوجم:

"لحظةَ أنْ سَبَّحَ البُلبلُ وسَبَحَ في صحنِ الوَطن":

وإيِهٍ ياصاحبَ ميامي!

يا مَن هَجرتَنا، وهجرتَ الوطن ساعةَ ظُلمٍ سَقَطَ، وهَضمٍ هَبَطَ، وقَلبٍ قَنَط.
هيَ ذي صورِكَ التي أرسلتَ إليّ، بين يديَّ أتَصَفحُ ومن طَرفٍ خَفيٍّ ألوانَها فقَط.
وهوَ ذا وَنِيسِي بالجَنبِ؛ بُلبلُي قد حرَّرتُهُ من قَفصهِ فنَشَط، فحَطَّ بَهيجاً في صَحنِ ماءٍ حَذوَهُ ما بينَ غَوصٍ ونَطَط،
مُعلِناً أُفُولَ شتاءٍ وإختِفاءَ مواءٍ لجحافلٍ من قِطَط، وحُلولَ صَيفٍ وإنجِلاءَ شَواءٍ من فَيحِ جهنّمَ مُلتَقَط.

هوَذا بلبلُي، بل هو اللُّبُّ لي، وقد أضحى مُحَدَّثي في بغدادَ، ويُغرِّدُ لي في رَغَدٍ، ومُغَرّدٌ هُوَ لي في أيامِ القَحَط.
بلبلُي غافلٌ هوَ عن تَأففٍ أو تَأوّهٍ أو لغَط. أراهُ يُداعِبُني إن رآني في غضبٍ أو خَطْبٍ من سَخَط.
حافلٌ يومهُ بِرفرَفةٍ وتَغريدٍ وبصَفصفةٍ وتوحيدٍ، فلا يَعلمُ شِركاً ولا يَعلمُ قولَ الشَطَط.
سَلَمٌ هو وسَعيدٌ إن قَبَضَ جناحَهُ، وَعَلَمٌ هوَ وسديدٌ إن بَسَط، فَقَبْضُ الجَناحِ جُنُوحٌ لسَلَمٍ فيهِ هَبِط، ونَبضُ الحَياة وسَعدُها يَنفَلِقُ من جناحِهِ إن بَسَط.
يُقَبِّلُ فمي بِمنقارِهِ إن نَزلَ على موضعٍ في كتفي وَسَط، وبِبَسمةٍ أعاتِبُهُ إن فَعَلَها على حاسوبي ف(بالَ أو فعلها بغَلط) .

كِلانا يَقضي صَمتَ شتائهِ بلا وَجَسٍ من إملاقٍ، ولا إعدادٍ لخُطَط،
وكلانا يَفضي سَمتَ بَهائهِ لضيفٍ إن طَرَقَ البابَ أو على الجرسِ ضَغَط،
وكلانا يَمضي إلى خبتٍ جميلٍ إن أزِفَ الخَوضُ والتقليدُ والنَمَط، فرجاؤنا حين تأَزفُ قطعُ الظلام أن نَضعَ حروفَنا على النُقَط،
وكلانا يُضني بضَنى وَطَنِهِ، فإن جَفاهُ مرقَدُهُ فلِضناهُ بحضرةِ وطنهِ ضَبَط، ثمّ إحتَنَكَ الضنى فَكتَمَ فَرَبَط،
وكلانا يُضفي على الضنى غِطاءَ بُردتِهِ و ريشِهِ لكيلا يعلمَ الوطنُ، فنحنُ لا نلومُ كما يَلُومُ ولا نحومُ كما يَحُومُ وَيَلمِزُ بعضٌ من رَهَط:

أوَحقاً يَلومُ ويَلمِزُ المرءُ الوطن! وهو المِدادُ للفؤادِ والودادُ للشَجَن. إنّا إن رَمَيناهُ بقميصِ لَومٍ، إنّا إذاً لفي ذيلٍ العَبَط.

أفَحقاً يَلومونَ الغرسَ ويلمِزون التَرسَ للوطن! أَفَنَسَوا أنّهم عَمَدُهُ، وهُمُ الغَرسُ والتَرسُ للوطن!

أفَيَنفُثونَ عليهِ بالشَكوى؟ بَل مِنهُ تُسمَعُ الشَّكوى، ومُطأطؤنَ الهامَ للوطن. إنّهُ عَنُفُ النبضِ وسِرَّهُ، وإنّهُ كنفُ الشّاربِ واللحىً.

أَوَ قد نَسبوهُ لجراحاتِ ومَخاضاتِ الزمن؟ أولم يكُ لهمُ الثديَّ والهَديَ المؤتَمن، والسَعدَ والمَجدَ المُختزن.

إيهٍ يا وطن! ثُمَّ أوّاهُ يا وطن! إنّهم إن هَجَروكَ غرباً قالوا:

بِئسَ الوطنُ ذاك، وطنُ الذُلِّ والمَنبتُ لكلِّ جذرٍ للمِحن!

وإن حَكَمُوكَ هاهنا فبأغلالٍ من جهلٍ وجوعٍ وحَزَن، وترى الملأُ منهم يتَغامزُ:

" إزرعُوا فيهِ كلَّ أسىً، فإنَّ الأسى هو عمادُ حُكْمِكُمُ، وسِرُّهُ، وهو الرَهن".

وقد جَعلوا في جفنيكَ دَمعاً من آهاتٍ ووَاهاتٍ مُحتَقَن؟

وهل لدمعٍ في عينيكَ من فدية؟

هل للدّمعِ ثمنٌ؟

دَعهم يا وطن، دَعهم يَلمِزوكَ وقد إرتَضَوا لأنفُسِهم أن يكونوا قَبصَةً من عَفَن.

دعِ ريحَ الشيبِ تأتيهُمُ فتَرميهُمُ بسَخطٍ ولَعَن، فهم مِلَّةٌ تَختنقُ من بُرعمٍ فيكَ يَزهرُ أو رَضيعٍ يُختَتَن،
فذاكَ زَعيمُهمُ مُجرِمٌ طاغٍ أنتَ لهُ عَرشٌ مُؤجَرٌ مُرتَهن،
وَذاك وزيرُهمُ مُبرِمٌ صاغٍ أنت له مَغنَمٌ لسُويعاتِ زمن، فدأبُهم أن:

يدَمِّروا جَيشاً ويُشَيِّدوهُ مُجَندَلاً ، مِدادُهُ سُباتٌ وسرابٌ، وعِتادُهُ فتاتٌ وخراب وَوَهَن.
ويُخَمِّروا أمنَاً، ويُجَسِّدُوهُ مُهَندَلاً برعبٍ ما بين لَدغٍ وكَفَن. ويُأمِّروا فَقيهاً،
ويُسَيِّدوه مُحَنجِلاً لا يُجيدُ فُتيا إلا بعوراتِ وشهواتِ البَدن.
ويُذَمِّروا قاضياً، ويُفنِدُوه فأضحى مُعَندِلاً يَقلِبُ الطُهرَ دَرَن.
ويُنَمِّروا طبيَباً، مُتَصَندِلاً بالجُنَيه وبِحَرفٍ أعوَجٍ بلَحَن.
ويُعَمِّروا مُهندسَاً مُقَندِلاً يَغللُ الطوبَ لواذاً وبليلٍ حالكٍ أجَن.

زُرّاعٌ، نَجّارٌ، حَدّادٌ، كلٌّ مُتَأفِّفٌ، وكلٌّ قطيعٌ مُستَضعَفٌ، وكلٌّ يَغفو في قُنٍّ ودَجَن، يُغْذَوْنَ النوم خُبزاً ويُحْسَوْنَ الهواء بصَحَن.

فلا تأسَ يا وطن، لا تأسَ فعسى أن يكونَ قريباً..

يومَ أن تَقلَعَ مَلأً لزعيمٍ، لا يَمِيزُ حَلْقَ عِزَّتِهِ مِن حَلْقِ الذَقَن.

يومَ أن تَخلعَ مُهاجِرَاً، هاجَرَ وإستَلطَفَ حُضنَ خَضراء الدِمن.

يومَ أن تَهلعَ لينهضَ القطيعَ القاطِنَ الذي داؤهُ النومُ، وماؤهُ هواءٌ بصَحن.

أوَحقاً مثلُك يُلامُ ويُهمَزُ ويُلمَز يا وطن!

نِعمَ الوطنُ أنت يا والِدُ الفَضائِلِ، خالِدُ الطَوائِلِ وخَليلُ الشّمسِ وصَهيلُ اللحىً.

(معاني غريب المفردات ؛ مُجَندَلاً: مصروعاً. مُهَندَلاً: الهندول: الضخم مثل به سيبويه. مُحَنجِلاً: راقصاً

مُعَندِلاً: من العندل هو البعير صلب الرأس. مُتَصَندِلاً: متعطراً. مُقَندِلاً: كلمة تقال في معرض السخرية لمَن يأتي أمراً منكراً).



#علي_الجنابي (هاشتاغ)       Ali_._El-ganabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( نُزهَةُ المَحرُومِ )
- كُلُّ مَن عَليهَا نِسنَاسٌ، إلَّا..
- هَل في الصَّحافةِ حَصَافةٌ؟
- تَسَاؤُلَاتٌ مَدفونةٌ غَيرُ مَأذُونة
- حُبَيْبَاتُ ” نَظَريَّةِ المُؤامَرة “
- الفَرحُ والسعادة
- (قَالَتْ نَمْلَةٌ)
- خَدُّ الشَّمسِ -
- مَسارِحُ اللَّيلِ
- (هَلَّا من مؤسسةِ نشرٍ أو ناشرٍ مكينٍ أمينٍ مُتَرَفِّع)؟
- تهنئةٌ لمناسَبةِ عيدِ الأضحى المبارك
- قَلائِدٌ مِن كَبَاب
- في المطعمِ: أنا وصديقتي النّملة
- مُزحَةُ دِلدِل
- وقائعُ جَلسةِ مُحاكمةِ النّملةِ:دِلدِلُ
- دِلْدِلُ .. أختُ عَنْبَسَة
- أَجَل: هَكذا تُورَدُ الإبِلُ ياغَزَّةَ
- رِحْلَةُ الفِنْجَانِ
- إعترافٌ مِن وَالِد
- حكايةُ *كَسَّار*مع حُقنَةِ الحُمّى


المزيد.....




- دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في ...
- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - أيَهجُرُ البلبلُ عُشَّهُ!