|
- رائحة الوطن - بينى وبين - نوال - أمى
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7027 - 2021 / 9 / 22 - 02:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" رائحة الوطن " بينى وبين " نوال " أمى لا أدرى ، لماذا لم يراودنى أبدا ، " الحلم الأميركى " ، أو " الحلم الأوروبى " ، تلك الأمنية الحالمة الكبرى ، التى يجرى وراءها الناس ، من أجل التحقق ، والاستمتاع . لم يحدث أبدا ، فى أى مرحلة من مراحل حياتى ، أننى قررت بناء مستقبلى فى الكتابة ، والسعادة ، الا فى مصر ، التى ولدت على أرضها . لن أقول الكلام المستهلك ، الذى يتردد بمناسبة ، وغير مناسبة ، أننى لم أفكر فى الحياة خارج مصر ، بدافع من عشق تراب مصر ، وبشعور جارف بما يسمونه " الوطنية " ، والتى تُستخدم فى أغلب الأوقات ، بشكل كاذب ، مخادع ، ومبالغ فيه . هناك شئ بداخلى ، كان طول الوقت ، من " الحلم الأميركى " ، أو " الحلم الأوروبى " ، المسيطر على العقول . أنا مصرية ، المفروض ، والطبيعى ، اذن ، أن أحلم ب" الحلم المصرى " ، وليس " الحلم الأميركى " ، أو أى حلم آخر . سؤال منطقى ، يفرضه العقل البسيط ، ليس فيه أى تعقيد ، أو وطنية صعبة . سؤال آخر ، يفرضه المنطق ، والعقل ، اذا كنت سأفشل فى مصر ، الأرض التى ولدت فيها ، وأتكلم لغتها ، وأعرف واقعها ، وتذوقت ابداعاتها المختلفة ، ومررت بما مرت به ، وأحمل فى دمى " الجينات " ، الممتزجة المتداخلة من الحضارات والثقافات التى شهدتها ، اذن بالبديهة البسيطة ، سأفشل أكثر ، على أرض غريبة . على مدى مراحل العمر ، زرت بلادا عديدة ، شرقا وغربا ، شرقا وجنوبا ، من فنلندا ، والسويد ،وايطاليا ، والمجر ، والمملكة المتحدة ، وأمريكا ، وكندا ، وهولندا ، وألمانيا ، والنمسا ، غيرها الكثير. وسافرت الى الهند ، وأثيوبيا ، ومدغشقر ، وتونس ، والمغرب . كان من السهل جدا ، أن أستقر خارج مصر ، حيث أن لغتى الانجليزية تساعدنى ، وعاداتى وتقاليد وأفكارى ، ومزاجى ، وأخلاقى ، تتناغم أكثر مع النمط الأوروبى ، والأميركى . لكننى كنت أشعر بأن تحقيق النجاح ، والسعادة ، لن يكون بحلاوة المذاق نفسه ، الذى سأشعر به ، اذا حققت هذه الأشياء ، فى مصر . كنت أقول ، سأكون ناجحة ، مثلا ، وفى رفاهية اقتصادية ، لا دوشة ميكرفونات ، ولا قمامة متناثرة فوق الأرصفة ، الدين منفصل عن المجتمع ،لا فتاوى دينية تأمر بارتداء الحجاب أو النقاب ، لا تكفير دينى أو نبذ اجتماعى، ولا تشويه أو تجاهل اعلامى للكاتبات والشاعرات المتمردات ، لا تطفل على حياة النساء ، الكتابة تؤتى ثمارها ماديا ، وأدبيا ، نظام منضبط من الألف الى الياء ، فى كل الأشياء ، والمجالات ، أعيش بكامل حريتى ، وطاقاتى الكامنة ، لا تطفل على النساء،أمارس هواياتى ، وأسمع وأشاهد الفنون الراقية ، واذا مرضت سأجد مستشفيات طبية ترعانى فورا دون أن أكون فاحشة الثراء ، واذا حدثت لى حادثة على الطريق ، أو فى المنزل ، سوف تأتى سيارة الاسعاف ، أو سيارة البوليس فى ثوان معدودة . ثم ماذا بعد ؟؟ . أهذا كل شئ ، فى تحقيق السعادة ، والرفاهية ، والاستمتاع ؟؟. شئ بداخلى يتمنى ، لو كنت فى مصر ، أعيش فى أمان اقتصادى ، وأمان صحى ، وأمان ثقافى . لكننى فى الوقت نفسه ، لم تداعبنى مجرد الفكرة ، فى بناء مستقبلى خارج مصر . حتى أننى بعد الثانوية العامة ، لم أفكر فى دخول الجامعة الأميركية ، كما كان يفعل البعض . لا الجامعة الأميركية ، كانت أمنيتى ، ولا الحلم الأميركى ، كان هدفى . دخلت جامعة القاهرة ، وأحببت بناء مستقبلى فى مصر ، وتحمست لتحقيق" الحلم المصرى " ، الخاص بى وحدى . وعندما تحتل مدينة " فيينا " المرتبة الأولى ، لعدة سنوات متتالية ، فى جودة نوعية الحياة ، وكنت أغنى " ليالى الأنس فى فيينا " ، لأسمهان ، من ألحان " فريد ، وأنا أمشى نشوانة ، تحت المطر فى شوارعها ، لا أجد نفسى ، نادمة ، على عدم الاقامة هناك . كنت أتوق الى " ليالى الأنس فى القاهرة ". وكنت أقول لنفسى ، كل مجتمع له مشاكله ، وكل شعب له ما عليه ، وكل حضارة لها عيوبها ، وكل ثقافة لها سلبياتها ، وكل بيئة لها أمراضها ، وأيضا يقول العقل ، أن التغيير أسهل فى بلد أعرفه ، وأنا لا أستطيع العيش ، لمجرد العيش . لابد أن يرتبط " التغيير " ، بالحياة التى أعيشها . وكنت أتسائل ، لو فى مصر ،مشاكل ، وأزمات ، وأمراض ، وعيوب ، وسلبيات ، فمنْ سيحلها ، لتكون وطنا أفضل ، اذا كان أهلها ، يهجرونها ، للاستمتاع بالحياة فى وطن آخر ؟؟. لا أحد يستطيع تحمل عيوبنا ، الا أنفسنا ، أصحاب العيوب أنفسهم . لن أزعم أننى فى وطنى مرتاحة كل الراحة ، التى من المفروض أن أشعر بها ، ومن المفروض أننى أستحقها بالكامل ، دون أن أطالب بها . لكننى انسانة مخلوقة بشكل ، أننى أجد " نصف الراحة " ، أو " ربعها " ، فى وطنى ، أكثر متعة ، من الراحة "الكاملة" ، على أرض أخرى . واذا كناقد أصبحنا منذ سنوات ، فى قرية عالمية صغيرة ، فان كونى كاتبة ، سهل جدا ، فى أى مكان ، لا يشترط فى وطنى . من خلال الكمبيوتر الصغير ، أكتب مقالاتى ، وقصائدى ، ومجرد الضغط على " زر " واحد ، ستذهب مقالاتى الى مصر ، و الى أى مكان آخر أريد ، فى ثانية واحدة . لكننى لم أرغب أبدا فى مثل هذه الأحلام " المستوردة " . كنت دائما أريد دائما ، ومنذ نعومة أظافرى ، حلما من انتاج مصر ، " صُنع فى مصر " ، " ماركة مسجلة مصرية " ، يتطلع اليه العالم ، مثل " القطن المصرى " . يتكلم الناس عن " المواطن العالمى " ، الذى يجعل من " الانسانية " فى أى مكان ، وطنا له . هناك نماذج من النساء والرجال المصريين ، الذين صنعوا " حياة " بأكملها ، ناجحة ، ومتحققة ، وسعيدة ، خارج مصر . لكننى لست واحدة منهم . أتذكر عندما كنت أستقبل أمى " نوال " فى المطار ، عائدة من السفر ، أول جملة تقولها لى ، ضاحكة ، وهى تأخذ نفسا عميقا : " رائحة الوطن يا مُنى ". أقول لها : " رائحة الوطن ايه يا ماما اللى مليانة تراب وعفار و طين ومعاناة وتعب ". تقول : أمال ماسكة فيها ليه ؟ " . نضحك ، ونمضى الى طريقنا ، سعيدتان برائحة الوطن ، التى نعيش ، ونموت وهى فى أنفاسنا ، رغم شدة انتقادنا لها . رائحة الوطن ، نرتمى فى أحضانها ، وان خنقتنا . رحلت أمى ، " نوال " ، وتركت لى ضحكتها وكلامها . رحلت أمى " نوال " ، وبقيت " رائحة الوطن ". لست أضع شروطا للبشر ، ولست أحكم على رغباتهم ، أو اختياراتهم . كل انسان ، امرأة ، أو رجلا ، يضع تعريفاته للأشياء ، ومقاييسه للنجاح ، و التحقق ، والسعادة . لكننى امرأة ، تبهرها الأهرامات ، وتمثال أبى الهول، وبرج القاهرة ، أكثر مما يبهرها الأكروبوليوس ، أو تاج محل ، أو برج بيزا المائل ، أو تمثال الحرية . امرأة ، لا يرويها ، نهر الميسسبى ، أو نهر الدانوب ، أو نهر التيمز ، وانما الماء ، الذى يشق طريقه ، فى نهر النيل ، يتحمل طول وعناء الطريق ، ليصل سالما ،الى بيتى ، حاملا ، أفراحى ، وأحزانى . اليوم ، ست شهور بالضبط على رحيل أمى ، " نوال " ، رحلت 21 مارس 2021 ، أول أيام الربيع ...... اليوم 21 سبتمبر ، أول أيام الخريف ، موسمى المفضل ، وأجمل الأيام فى مصر ، " رائحة الوطن ".
-------------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابحث عن امرأة غيرى ........ قصائد
-
المجتمع المدنى وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد
-
- رَجُلْ - أهم وأجمل وأرقى من الحب قصة قصيرة
-
راحلة فى - الخريف - الى حضارة - البحر - و زمن - الماء -
-
الانسان أهم من رأس المال
-
السيد درويش البحر .. اسرار وعنفوان وطزاجة وخلود - البحر-
-
الفقر والمحتل الأجنبى وسُلطات الذكور
-
السنبلة الممتلئة بالقمح
-
القٌبلة اختصار
-
هيا يا مصر افعليها ولا تخافى خفافيش الليل وخفافيش النهار
-
عقليات وأخلاق بعض أصحاب التعليقات على الكُتاب والكاتبات
-
أربع قصائد
-
كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى
-
قصة حب ترقص على ايقاعات المستحيل
-
أسلمة أوروبا وخدعة فصل الدين عن الدولة
-
قصيدة ما أحتاج اليه
-
تدوس على الخطوط الحمراء ولا تشرب من كوكتيلات الترقيع
-
السيطرة على - ألم البشر والسيطرة على - حرية - البشر
-
قصيدة نختبئ تحت الغطاء
-
ثلاث قصائد
المزيد.....
-
ترامب: لا ناجين في حادث اصطدام الطائرة بالمروحية فوق نهر بوت
...
-
مغنية راب سودانية.. صوت يصدح أملا في زمن الحرب
-
غزة تشهد إطلاق سراح رهائن إسرائيليين جدد من أمام منزل يحيى ا
...
-
سلوان موميكا.. مقتل حارق القرآن في بث مباشر على تيك توك في ا
...
-
هل تمكّنت إسرائيل من إضعاف حماس عسكرياً؟
-
كيف استطاع أحمد الشرع أن يصل إلى رئاسة سوريا؟
-
من دمشق.. أمير قطر يدعو لحكومة -تمثل جميع الأطياف- في سوريا
...
-
ترامب: ليس هناك ناجون في حادثة تحطم الطائرتين فوق مطار ريغان
...
-
بن غفير: إطلاق سراح الرشق والزبيدي شهادة على الاستسلام ويجب
...
-
حافلات تقل سجناء فلسطينيين أفرج عنهم تغادر سجن عوفر الإسرائي
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|