|
رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (102)
كارل ماركس
(Karl Marx)
الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 23:44
المحور:
الارشيف الماركسي
II: الإنتاج الرأسمالي كإنتاج لفائض القيمة ج 1 حيثما يظل رأس المال متجلياً في أشكاله الأولية ليس إلا، مثل السلع والنقود، فإن الرأسمالي يعرض نفسه في شخصية مألوفة أصلا، شخصية مالك النقود والسلع. ولكن مثل هذا الشخص ليس رأسمالياً في ذاته ولذاته أكثر من كون النقود والسلع هي في ذاتها ولذاتها رأسمال. فهي لا تتحول إلى رأسمال إلا في شروط خاصة معينة، وبالمثل فإن مالكيها لا يتحولون إلى رأسماليين إلا عند تحقق هذه الشروط.
في الأصل، أضحى رأس المال يتجلى بهيئة نقد، کشيء يزمع تحويله إلى رأسمال، أو شيء هو ليس برأسمال إلا بالقوة (*).
وقد ارتكب الاقتصاديون حماقة خلط هذه الأشكال الأولية لرأس المال – النقود والسلع – برأس المال نفسه، بما هو عليه. كما أنهم ارتكبوا حماقة أخرى في مساواة رأس المال بنمط وجوده كقيمة – استعمالية: وسائل العمل.
إن رأس المال في شكله الأول، المؤقت (كما يقال)، شكل النقد (نقطة انطلاق تكون رأس المال) لا يوجد هنا، بعد، إلا كنقود، أي كمقدار من القيم – التبادلية المتجسدة في شكل قيمة تبادلية ذاتية الوجود، متجسدة في التعبير عنها بهيئة نقد. ولكن مهمة هذه النقود هي إنماء قيمتها ذاتية. وينبغي للقيمة – التبادلية أن تخدم في خلق قيمة – تبادلية أكبر. وينبغي أن تزداد كمية القيمة؛ أي لا ينبغي فقط صون القيمة المتاحة، بل ينبغي أن تدر علاوة إضافية، / قيمة، فائض قيمة، بحيث أن القيمة المعطاة، أي المقدار المحدد من النقود، يمكن أن ينظر إليه كشيء متغیر (Fluens) والعلاوة الإضافية كتغير (Fusion). ولسوف نعود إلى قضية هذا التعبير ذاتي الوجود عن رأس المال كنقد، عندما نأتي على دراسة عملية تداوله. أما هنا فنحن معنيون بالنقود كنقطة انطلاق لعملية الإنتاج المباشرة؛ ليس إلا، ويمكن لنا أن نقتصر على هذه الملاحظة: إن رأس المال لا يوجد هنا، بعد، إلا ككمية معينة من القيمة = ن (نقود)، حيث يتلاشى فيها ويمحي كل أثر للقيمة – الاستعمالية، بحيث لا يتبقى سوى الشكل النقدي. إن حجم هذا الكم من القيمة يتحدد بمقدار أو كمية النقود المزمع تحويلها إلى رأسمال. وعليه فإن هذه القيمة تغدو رأسمالا ينبغي أن ينمي مقداره ذاتياً، أن تتحول إلى مقدار متنام، أن تصبح منذ البداية شيئا متغيرة (Fluens) يتوجب عليه أن يولد تغيراً (Fluxion). إن هذا المبلغ من النقود، في ذاته، لا يحدد كرأسمال إلا إذا جرى استخدامه بنمط معين، إنفاقه، بهدف زیادته، إذا ما أنفق تحديدا بهدف زيادته. إن هذه الظاهرة، بالنسبة إلى مقدار القيمة أو النقود، هي مصيرها، محركها، میلها، أما بالنسبة إلى الرأسمالي، مالك هذا المبلغ من النقود، الذي ستكتسب النقود هذه الوظيفة على يديه، فيظهر الأمر بمثابة نية، أو قصد. وهكذا، ففي هذا التعبير الأصلي، البسيط عن رأس المال كنقود أو قيمة (أو المزمعة أن تكون رأسمالا)، نجد أن أي صلة مع القيمة – الاستعمالية قد انقطعت أو دمرت كلياً. ولكن الأكثر إثارة للدهشة من ذلك كله هو زوال أي علامة نافرة، زوال كل أثر محتمل، مربك، عن عملية الإنتاج الفعلية (إنتاج السلع، إلخ). ولهذا السبب عينه فإن طابع الإنتاج الرأسمالي، أو طبيعته الخاصة المميزة، تبدو بالغة البساطة والتجريد. فإذا كان رأس المال الأصلي هو كم من القيمة = س، فإنه يصبح رأسمالا ويحقق غرضه بالتغير إلى س + / س، إلى كم من النقود أو القيمة = مقدار القيمة الأصلي + فضلة تزيد على المبلغ الأصلي. بتعبير آخر، إنه يتحول إلى: مقدار معين من النقود + نقود إضافية، يتحول إلى: قيمة معطاة + فائض قيمة. لذلك فإن إنتاج فائض القيمة – الذي يتضمن صيانة القيمة المسلفة بالأصل – يتجلی كغاية مقررة، كمصلحة محركة، كنتيجة ختامية لعملية الإنتاج الرأسمالية، كوسيلة تتحول القيمة الأصلية بواسطتها إلى رأسمال. أما كيف يتم ذلك، وما هي التدابير الفعلية التي تتحول س بواسطتها إلى س + / س، فلا يؤثر ذلك على غاية ونتيجة العملية أدنى تأثير. صحيح أن س يمكن أن تتغير إلى س +/ س حتى في غياب عملية الإنتاج الرأسمالية، ولكن ذلك لن يحدث إذا افترضنا وجود شرط مسبق وهو أن أعضاء المجتمع المتعارضين يواجهون بعضهم كأشخاص لا يتعاملون فيما بينهم إلا كمالكي سلع، ولا يعقدون الصلات فيما بينهم إلا بهذه الصفة (هذا يستبعد العبودية، إلخ)، ولن يحدث، وإذا افترضنا ثانية، أن المنتوج الاجتماعي يجب أن يتم إنتاجه كسلعة. (هذا يستثني كل التشكيلات الاجتماعية التي تكون فيها القيمة – الاستعمالية الشيء الأساس بالنسبة إلى المنتجين المباشرين، ويتحول فيها المنتوج الفائض، في أقصى الأحوال، إلى سلعة).
إن كون غاية العملية هي تحويل س إلى س +/ س، يشير أيضا إلى المسار الذي ينبغي أن تمضي فيه أبحاثنا. ينبغي التعبير عن النتيجة كدالة لكمية متغيرة، أو أن تتحول إلى كمية متغيرة خلال العملية. إن س، کمبلغ معين من النقد، هي مقدار ثابت منذ البداية، ولذلك فإن العلاوة التي تحتويها س = صفراً. وعليه ينبغي تغييرها، في مجری العملية، إلى مقدار آخر ينطوي على عنصر متغير. ومهمتنا تقوم في اكتشاف هذا العنصر من مكوناتها، وأن نشخص، في الوقت نفسه، التوسطات التي يتأتی، عن طريقها، لمقدار ثابت أن يصبح مقداراً متغيراً. والآن، كما يمكن لنا أن نرى في بحثنا اللاحق لعملية الإنتاج الفعلية، بما أن جزءا من س يتحول ثانية إلى مقدار ثابت، وبالتحديد إلى وسائل عمل، وبما أن جزءا من قيمة س لا يوجد إلا في شكل قيم – استعمالية خاصة، عوضا عن شكلها النقدي (وهذا تبدل Change لا تأثير له على الطبيعة الثابتة لكمية القيمة، بل لا تأثير له إطلاقا على هذا الجانب منها ما دامت هي قيمة – تبادلية)، يترتب على ذلك أن س يمكن أن ثمثل بـ ث (مقدار ثابت) + م (مقدار متغير) = 2 + م. ولكن الفارق الآن هو أن / (ث + م) = 2 + (م + / م)، وبما أن تغير ث = صفرا، فالنتيجة هي (م + / م). وعليه فإن ما ظهر في الأصل بمثابة / س، هو في الواقع كم. إن علاقة هذه العلاوة التي طرأت على س الأصلية، بذلك الجزء من س الذي تشكل هذه العلاوة حقاً إضافة له، إن هذه العلاقة يجب أن تكون كالتالي: / م = / س (نظرا لأن / س = / م)، / س/م = /م/م، وهذه في الواقع صيغة معدل فائض القيمة.
وبما أن رأس المال الكلي ر=م + ث، حيث (ث) ثابت و (م) متغير، فإنه يمكن اعتبار (ر) کدالة على م. فإذا ازداد (م) بمقدار / م، فإن رَ = 0
وما نحصل عليه هو: (1) ر = ث + م. (2) ر = ث + (م + / م).
وإذا طرحنا المعادلة الأولى من المعادلة الثانية، يكون الفارق رَ – ر، هو العلاوة التي طرأت على ر، وهذه = / ر.
(3) رَ – ر = ث + م + / م – ث -م = / م (4) / ر = /م.
وهكذا فإن هذا يعطينا المعادلة (3) ثم المعادلة (4)، أي / ر = / م. لكن رَ- ر = المقدار الذي تغير به رأس المال (= / ر) = العلاوة التي زاد بها ر، أو / ر، أي المعادلة (4). بتعبير آخر، إن العلاوة التي طرأت على رأس المال الكلي = العلاوة التي طرأت على جزئه المتغير، بحيث أن / ر، أي التغير الذي طرأ على الجزء الثابت من رأس المال = صفراً، وعليه، ففي هذا البحث عن / ر أو / م، يكون رأس المال الثابت معينة وهو = صفراً، أي ينبغي ترکه خارج الاعتبار.
إن النسبة التي نما بها م = /م/ م (معدل فائض القيمة). والنسبة التي نما بها ر = +/ م/ر = /م/ث + م (معدل الربح).
وهكذا فإن الوظيفة الفعلية المميزة لرأس المال، بما هو عليه، هي إنتاج فائض القيمة الذي لا يزيد، كما سنبين لاحقاً، عن إنتاج العمل الفائض، الاستيلاء على عمل غیر مدفوع الأجور في مجرى عملية الإنتاج الفعلية. وإن هذا العمل يظهر نفسه، يُشيئ نفسه، كفائض قيمة.
ولقد سبق أن رأينا أنه إذا كان ينبغي ل س أن تتحول إلى رأسمال، إلى س + / س، فإن قيمة أو مقدار النقود التي تمثلها س ينبغي أن تتحول إلى عوامل عملية الإنتاج، وقبل كل شيء إلى عوامل عملية العمل الفعلية. ونجد في بعض فروع الصناعة، أن جزءا من وسائل الإنتاج – موضوع العمل – قد لا يمتلك أيما قيمة، وقد لا يكون سلعة، رغم أنه يكون قيمة – استعمالية. وفي مثل هذه الحالة، فإن جزءا من س سوف يتحول إلى وسائل إنتاج، وإذا ما تأملنا تحویل س، أي استخدام س، لشراء السلع المكرسة لعملية العمل، فإن قيمة موضوع العمل – وهذا ليس شيئا آخر سوى وسائل الإنتاج التي تم شراؤها – تساوي صفرة. ولكننا لن ندرس المسألة إلا في شكلها المكتمل حيث يكون موضوع العمل = سلعة. وحيثما لا يكون الحال هكذا فإن هذا العنصر محكوم عليه بأن = صفراً، بقدر ما يتعلق الأمر بالقيمة، وذلك لتصحيح الحسابات.
ومثلما أن السلعة هي وحدة مباشرة للقيمة – الاستعمالية والقيمة – التبادلية، كذلك فإن عملية الإنتاج، التي هي عملية إنتاج للسلع، وحدة مباشرة لعملية العمل وعملية إنماء القيمة. وكما أن السلع، أي الوحدات المباشرة للقيمة – الاستعمالية والقيمة – التبادلية، تنبثق من العملية كنتيجة، كمنتوج، كذلك فإنها تدخل العملية بوصفها الأجزاء المكونة لها. وعلى العموم لا يمكن لأي شيء أن يخرج من عملية الإنتاج من دون أن يكون قد دخلها في شكل شروط للإنتاج في المقام الأول.
إن تحويل مبلغ من النقد الموظف، النقد المزمع إنماؤه وتغييره ليصير رأسمالا، إلى عوامل لعملية الإنتاج إنما هو فعل في تداول السلع، في عملية التبادل، وهو ينقسم إلى سلسلة من الشراءات. وهذا الفعل، إذن، يقع خارج عملية الإنتاج المباشرة. إنه فقط يستهلها رغم أنه شرطها الضروري المسبق، وإذا ما نظرنا إلى ما هو أبعد من عملية الإنتاج المباشرة، وتأملنا مجمل العملية المستمرة للإنتاج الرأسمالي لوجدنا أن هذا التحويل للنقود إلى عوامل عملية الإنتاج، شراء وسائل الإنتاج وقدرة العمل، يؤلف هو ذاته لحظة ملازمة للعملية بمجملها.
وإذا ما انتقلنا الآن لمعاينة الشكل الذي يتلبسه رأس المال في داخل العملية المباشرة للإنتاج، لوجدنا أنه يمتلك، شأن السلعة البسيطة، مظهرا مزدوجة، مظهر قيمة – استعمالية وقيمة – تبادلية. غير أن كلا الشكلين يتميزان بتحدیدات أخرى، أعلى، وأكثر تطوراً من تلك التحديدات التي نجدها في السلعة البسيطة منظوراً إليها كشيء بمفرده.
ولو أخذنا القيمة – الاستعمالية أولا، أو محتواها الخاص، لوجدنا أن تحديدها أبعد من ذلك كان أمرا لا صلة له البتة بتحديد مفهوم السلعة. فالصنف المكرس لأن يكون سلعة، وبالتالي حاملا للقيمة – التبادلية، كان ينبغي أن يشبع هذه الحاجة الاجتماعية أو تلك، وكان عليه بالتالي أن يمتلك بعض الصفات النافعة. هذا كل ما في الأمر (Voila tout). لكن الأمر غير ذلك بالنسبة إلى القيمة – الاستعمالية للسلع التي تؤدي وظيفتها في صلب عملية الإنتاج. فبسبب طبيعة عملية العمل، تنقسم وسائل الإنتاج أولا إلى موضوع عمل وإلى وسائل عمل، أو بتحديد أقرب إلى مواد أولية، من جهة، وأدوات ومواد مساعدة، إلخ، من جهة ثانية. هذه هي التحدیدات الشكلية للقيمة – الاستعمالية كما تنبثق من طبيعة عملية العمل نفسها، وهي تؤلف التحديد اللاحق للقيمة – الاستعمالية (بقدر ما يتعلق الأمر بوسائل الإنتاج). إن هذا التحديد الشكلي للقيمة – الاستعمالية جوهري لمتابعة تحليل العلاقات الاقتصادية، والمقولات الاقتصادية.
زد على ذلك أن القيم – الاستعمالية التي تدخل في عملية العمل تنشطر أيضا إلى لحظتين ونقيضين متباينين مفهومية تبايناً قاطعاً، (يناظران ذينك اللذين كشفنا عنهما توا في حالة وسائل الإنتاج المادية). فنجد، من ناحية، وسائل الإنتاج المادية، الشروط الموضوعية للإنتاج، ونجد، من ناحية ثانية، القدرات الفاعلة للعمل، قدرة – العمل المعبرة عن ذاتها بصورة هادفة: الشرط الذاتي للإنتاج. وهذا تحديد آخر، من حيث الشكل، لرأس المال بمقدار ما يظهر في عملية الإنتاج المباشرة كجنس فرعي من أجناس القيمة الاستعمالية. إن العمل الخاص، الهادف، مثل الغزل والنسيج، إلخ، الماثل في السلعة البسيطة، إنما يتجسد، يتشيّأ في غزول أو نسيج. والشكل الهادف للمنتوج هو الأثر الوحيد الذي يخلفه لنا هذا العمل الهادف، ويمكن لهذه الآثار نفسها أن تنطمس فيما لو كان للمنتوج شكل منتوج طبيعي، مثل الماشية، والقمح، إلخ. ففي السلعة، تكون القيمة – الاستعمالية حاضرة مباشرة، وفوراً، أما في عملية العمل فإنها تتجلی كمنتوج. إن السلعة الفردية هي في الواقع منتوج ناجز، ترك وراءه صيرورة نشوئه، حيث تلاشت في الواقع العملية التي جرى فيها تجسيد وتشيوء عمل نافع معين. إن السلعة تولد من عملية الإنتاج. وهي ترشح باستمرار من هذه العملية كمنتوج لها، بطريقة يبدو معها المنتوج مجرد لحظة من تلك العملية. إن جزءا من القيمة – الاستعمالية التي يظهر فيها رأس المال في عملية الإنتاج هي قدرة – العمل الحي ذاته. ولكن لقدرة – العمل هذه خصائص معينة، تنبع من القيمة – الاستعمالية الخاصة لوسائل الإنتاج؛ إنها مقدرة ذاتية – النشاط، قدرة – عمل تعبر عن ذاتها بصورة هادفة عبر جعل وسائل الإنتاج مواضيع مادية لنشاطها، محولة إياها من شكلها الأصلي إلى الشكل الجديد للمنتوج. وهكذا ففي مجرى عملية العمل تتعرض القيم – الاستعمالية إلى تحويل أصيل، سواء كان ذا طبيعة ميكانيكية، أو كيميائية، أو فيزيائية. وفي السلعة، تكون القيمة – الاستعمالية شيئا معيناً ذا خصائص محددة. أما في عملية العمل فنجد تحويل الأشياء، القيم – الاستعمالية، التي تقوم بوظيفة مواد أولية أو وسائل عمل، إلى قيم – استعمالية جديدة هي: المنتوج. ويتم ذلك بفعل العمل الحي الذي ينشط ذاتياً فيها ومن خلالها، وهذا العمل هو ببساطة قدرة – عمل قيد النشاط. لذا يمكننا القول إن الشكل الذي يتلبسه رأس المال كقيمة – استعمالية، في عملية العمل، يمكن أن ينقسم أولا إلى وسائل إنتاج تنشطر إلى جزئين، متمایزین مفهومياً، ولكن مترابطين، وينقسم ثانياً انقساماً مفهومياً، ينبع من طبيعة عملية العمل، إلى شروط موضوعية للعمل (وسائل الإنتاج) وإلى شروط ذاتية لهذه العملية، أي مقدرة العمل، الناشطة بشكل هادف، نعني: العمل نفسه. ولكن، ثالثا، إذا أخذنا العملية بمجملها، تبدو القيمة – الاستعمالية لرأس المال كعملية تخلق قيمة – استعمالية. وتقوم وسائل الإنتاج في هذه العملية بوظيفتها بالتوافق مع هذا التعيين، کوسائل يتم بواسطتها إنتاج قدرة – العمل الخاصة، الناشطة على نحو هادف، بما تتطلبه الطبيعة المحددة لهذه الوسائل. أو بكلمات أخرى، يمكن لنا القول إن عملية العمل الكلية، بما هي عليه، بمجموع التفاعلات الحية، للحظاتها الموضوعية والذاتية، تظهر بمثابة الشكل الكلّي للقيمة – الاستعمالية، أي الشكل الحقيقي لرأس المال في عملية الإنتاج.
وإذا ما نظرنا إلى عملية الإنتاج من جانبها الحقيقي، أي كعملية تخلق قيمة – استعمالية جديدة عبر أداء عمل نافع على قيم – استعمالية موجودة، لوجدنا أنها عملية عمل حقيقية. وبوصفها كذلك، فإن عناصرها، مكوناتها المحددة مفهومياً، هي عناصر ومكونات عملية العمل ذاتها، بل وأية عملية عمل، بصرف النظر عن نمط الإنتاج أو مرحلة التطور الاقتصادي الذي قد توجد فيه. إن هذا الشكل الحقيقي، شكل القيم – الاستعمالية الموضوعية التي يندمج بها رأس المال، قوامه المادي، هو بالضرورة الشكل الذي ترتديه وسائل الإنتاج – وسائل العمل وموضوع العمل – اللازمة لخلق منتوجات جديدة. زد على هذا، أن هذه القيم – الاستعمالية حاضرة أصلا (في السوق) في عملية التداول، في شكل سلع، أي في حيازة رأسماليين بوصفهم مالكي سلع، حتى قبل أن يصبحوا ناشطين في عملية العمل تنفيذا لغاياتهم الخاصة. وفي ضوء ذلك، وبما أن رأس المال بناء عليه يتألف – بمدى ما يتجلى في الشروط الموضوعية للعمل – من وسائل إنتاج، مواد أولية، مواد مساعدة، وسائل عمل، أدوات، مباني، آلات، إلخ، فإن البشر ينزعون إلى الاستنتاج أن كل وسائل الإنتاج هي رأسمال بالقوة، وأنها تكون رأسمالا بالفعل عندما تؤدي وظيفتها كوسائل إنتاج. وهكذا يجري اعتبار رأس المال لحظة ضرورية لعملية العمل البشرية بشكل عام، بصرف النظر عن الشكل التاريخي الذي ترتديه؛ وعليه يعتبرونه شيئا سرمدياً، تحدده طبيعة العمل البشري ذاته. وعلى غرار ذلك، يقال، في معرض السجال، إنه بسبب أن عملية إنتاج رأس المال هي، عموما، عملية عمل، هي عملية العمل في ذاتها، يترتب على ذلك أن عملية العمل في كل أشكال المجتمع هي بالضرورة رأسمالية من حيث الطبيعة. وهكذا يصار إلى التفكير في رأس المال على أنه شيء، وبوصفه شيئا فإنه يلعب دوراً معيناً، دوراً يتناسب معه بصفته شيئا في عملية الإنتاج. وإننا لنجد المنطق نفسه في الاستنباط الآخر، والذي يقول إنه لما كان النقد هو ذهب، فإن الذهب هو نقد في ذاته ولذاته؛ وإنه لما كان العمل المأجور عملاً، فإن كل عمل هو بالضرورة عمل مأجور. ويجري إثبات تماثل الهوية عبر التمسك الثابت بخواص مشتركة في سائر عمليات الإنتاج، مقابل إهمال الفروق الخاصة. إن الهوية تعرض بتجريد المميزات الفارقة. ولسوف نعود إلى هذه النقطة الحاسمة بتفصيل أكبر في مجرى هذا الفصل. أما في الوقت الحاضر، فنكتفي بملاحظة ما يلي:
أولا – إن السلع التي يشتريها الرأسمالي للاستهلاك كوسائل إنتاج، في عملية الإنتاج أو عملية العمل، في ملكه الخاص. وهي لا تزيد في الواقع عن نقوده محولة إلى سلع، وهي الوجود المتعین لرأسماله كما لنقوده. بل وأكثر من ذلك، نظرا لأنها قد تحولت إلى شکل سوف تقوم فيه، فعلا، بأداء وظيفة رأسمال، أي كوسائل لخلق القيمة، لإنماء قیمتها ذاتياً، أي لتوسيع قيمتها. وعليه فإن وسائل الإنتاج هذه هي رأسمال. من جهة أخرى، يقوم الرأسمالي، بالجزء المتبقي من النقود الموظفة، بشراء قدرة – العمل، العمال، أو كما بينا في الفصل الرابع(**)، شراء ما يتجلى فيهم، العمل الحي. وهذا ملك له تماما مثلما أن الشروط الموضوعية لعملية العمل هي ملك له. مع ذلك، يتجلی للعيان هنا فارق خاص: إن عملا حقيقياً هو ما يعطيه العامل حقا إلى الرأسمالي كمعادل لقاء سعر شراء العمل، أي ذلك الجزء من رأس المال الذي تحول إلى أجور. والعمل هو إنفاق لطاقته الحية، تحقيق لقدراته الإنتاجية؛ إنها حركته لا حركة الرأسمالي. إن العمل إذا نظرنا إليه كوظيفة شخصية لوجدناه، في حقيقته، وظيفة العامل، لا وظيفة الرأسمالي. وإذا ما نظرنا من وجهة التبادل، فإن العامل يمثل، بالنسبة إلى الرأسمالي، ما يتلقاه هذا الأخير منه، وليس ما هو عليه إزاء الرأسمالي في مجرى عملية العمل. وعليه نجد، في إطار عملية العمل، أن الشروط الموضوعية للعمل، كرأسمال، وبهذه الحدود وجود الرأسمالي، تقف في تضاد مع الشروط الذاتية للعمل، أي في تضاد مع العمل نفسه، أو بالأحرى مع العامل الذي يعمل. وهكذا يحصل، من وجهة نظر كل من الرأسمالي والعامل، أن وسائل الإنتاج، بوصفها شکل وجود رأس المال، بوصفها رأسمال العمل الأبرز، تواجه العنصر الآخر الذي وظف فيه رأس المال، ولذلك تبدو أنها تمتلك، بالقوة، نمط وجود خاص كرأسمال حتى خارج عملية الإنتاج. وكما سنرى فيما بعد، فإنه يمكن تحليل ذلك بصورة أكثر تفصيلا، جزئياً في إطار العملية الرأسمالية لإنماء القيمة عموماً (في دور وسائل إنتاج كمفترسات تلتهم العمل الحي)، وجزئياً في تطور النمط الرأسمالي الخاص للإنتاج (الذي تصبح فيه الآلات السيد الحقيقي للعمل الحي). لهذا السبب نجد في عملية الإنتاج الرأسمالية هذا الخلط المتلازم بين القيم – الاستعمالية التي يحل فيها رأس المال في شكل وسائل إنتاج، وبين تحديد وسائل الإنتاج، أي هذه الأشياء كرأسمال، في حين أن الشيء الحقيقي الذي نواجهه هو علاقة إنتاج اجتماعية محددة. ونتيجة لذلك، فإن المنتوج المندغم في هذا النمط من الإنتاج، يساوى في ذاته ولذاته بالسلعة، على يد أولئك الذين يعالجون أمره. وهذا هو ما يؤلف أساس الصنمية (الفيتيشية) عند الاقتصاديين السياسيين.
ثانياً – إن وسائل الإنتاج تغادر التداول التدخل في عملية العمل كسلع معينة، مثلا: قطن، فحم، مغازل، إلخ. وهي إذ تفعل ذلك فإنها تظل تحوز مظهر القيم – الاستعمالية الذي كانت تحوزه في أثناء تداولها كسلع. ولكن ما إن تدخل العملية، حتى تشرع في أداء وظيفتها بالخصائص التي يمتلكها القطن كقطن، متطابقة مع قيمتها – الاستعمالية، مع الخواص المتصلة بها كأشياء. غير أن الوضع مخالف بالنسبة إلى ذلك الجزء من رأس المال الذي أسميناه متغيراً، والذي لا يصبح فعلياً جزءاً متغيراً من رأس المال إلا عند مبادلته لقاء قدرة – العمل. والنقود (جزء رأس المال الذي ينفقه الرأسمالي على شراء قدرة – العمل) من ناحية شكلها الحقيقي، ليست سوى وسائل العيش المتاحة في السوق (أو المكدسة فيه بشروط معينة within certain terms) والمكرسة للاستهلاك الفردي للعمال. فالنقود، إذن، هي محض شکل متحول لوسائل العيش هذه، والتي يعيد العامل تحويلها فوراً إلى وسائل عيش حال أن يتلقاها. إن كلا من هذا التحويل وهذا الاستهلاك الذي يليه لهذه السلع كقیم – استعمالية، يؤلفان عملية لا علاقة مباشرة لها بعملية الإنتاج المباشرة، أو بتحديد أدق، بعملية العمل، التي تمضي، في الواقع، خارج هذه الحدود. إن جزءا من رأس المال، وبذلك رأس المال بكليته ، يتحول إلى مقدار متغير بسبب الواقع التالي وهو أنه، عوضا عن أن يبادل لقاء النقود – التي هي مقدار ثابت – أو أن يبادل لقاء وسائل العيش كما هي عليه، والتي هي بالمثل مقادیر قيمة ثابتة، فقد بودل لقاء ندرة – العمل الحي – وهي قوة خالقة للقيمة، وهذه القوة عنصر يمكن أن يكون أصغر أو أكبر، ويمكن أن يتجلی كمقدار متغير، ويدخل في الواقع على الدوام في عملية الإنتاج كمقدار، في تدفق وصيرورة، وبالتالي كمقدار محتوى في نطاق حدود مختلفة (within different limits)، أي كمقدار يصير، لا كمقدار كان صائراً. وإنه لمن الحق، في الواقع العملي، أن استهلاك العامل لوسائل العيش يمكن أن يدخل (يُحتسب) في عملية العمل، مثلما يحتسب استهلاك الآلات للمواد التكميلية مع كلفة الآلات نفسها؛ وفي هذه الحالة يبدو العامل مجرد أداة اشتراها رأس المال، أداة تتطلب كمية معينة من المؤن بوصفها مواده التكميلية، فيما لو تعين عليه أن يؤدي وظائفه في عملية العمل. ويحدث هذا بدرجة أكبر أو أقل، تبعاً لمدى وقساوة استغلال العامل. ولكن ذلك إن توخينا الدقة، لا يدخل في تعريف مفهوم العلاقات الرأسمالية. (سنبحث بتوسع مضامین ذلك في القسم III لاحقا، في أثناء بحثنا لإعادة إنتاج هذه العلاقة بمجملها). إن العامل يستهلك وسائل عيشه، طبيعية، خلال فترات توقف في عملية العمل، أما الآلة فإنها تستهلك ما هو ضروري لها في أثناء أدائها لوظيفتها. (مثل حيوان؟). ولكن إذا أخذنا الطبقة العاملة بأسرها، فإن جزءا من وسائل العيش هذه يستهلك من جانب أفراد الأسرة، الذين إما لا يزاولون العمل بعد، أو أنهم كفوا عن مزاولته. والفرق، في الممارسة العملية، بين العامل والآلة يمكن أن يختزل، بصورة مؤثرة، إلى تمایز بین حیوان وآلة، بقدر ما يتعلق الأمر بالمواد التكميلية واستهلاكها. ولكن ذلك ليس ضرورياً، ولا يؤلف بالتالي جزء من تحديد مفهوم رأس المال. وفي كل الأحوال، فإن رأس المال المميز بالأجور، يبدو، من حيث الشكل، كشيء قد كفّ عن الوجود في نظر الرأسمالي، ولكنه يخص العامل حالما يكتسي هذا الجزء من رأس المال مظهره الحقيقي كوسائل عيش مكرسة لأن يستهلكها. وهكذا فإن شكل القيمة – الاستعمالية كسلعة، قبل أن يجري امتصاصها في عملية الإنتاج – أي كوسيلة عيش – يختلف تماما عن شكلها داخل تلك العملية، وهو شكل قدرة – العمل المعبرة عن نفسها بنشاط، وبالتالي شكل العمل الحي ذاته. ولذا فإن ذلك الجزء من رأس المال يتميز تميزاً خاصاً عن رأس المال الماثل في شكل وسائل إنتاج، وهذا سبب
إضافي يجعل وسائل الإنتاج، في النمط الرأسمالي للإنتاج، تظهر في، ذاتها ولذاتها، کرأسمال في تمايز عن، وفي تضاد مع، وسائل العيش. ويزول هذا المظهر ببساطة – حتى لو أغفلنا في الوقت الراهن حججنا اللاحقة – بفعل هذا الظرف وهو أن شکل القيمة – الاستعمالية الذي يوجد به رأس المال في ختام عملية الإنتاج هو شكل المتوج، ويمكن العثور على هذا المنتوج متجسداً في وسائل إنتاج وفي وسائل عيش على السواء. وهكذا فكلاهما رأسمال على قدم المساواة، وكلاهما حاضران في تضاد مع قدرة – العمل الحي.
دعونا نعود الآن إلى عملية إنماء القيمة ذاتية.
بقدر ما يتعلق الأمر بـ القيمة – التبادلية، نرى ثانياً التمايز بين السلعة ورأس المال المنخرط في الإنماء الذاتي للقيمة.
إن القيمة – التبادلية لرأس المال الداخلة في عملية الإنتاج أصغر من القيمة – التبادلية لرأس المال المطروح أو المستثمر في السوق. والواقع، إن القيمة الوحيدة التي تدخل في عملية الإنتاج هي قيمة السلع التي تنشط بوصفها وسائل إنتاج (أي: قيمة الجزء الثابت من رأس المال). وعوضا عن قيمة الجزء المتغير، لدينا الآن النمو الذاتي للقيمة كصيرورة، أي العمل في فعل تحقيق ذاته، باستمرار، كقيمة، ولكنها قيمة تتدفق متجاوزة القيم القائمة سلفا كيما تخلق قيمة جديدة.
وبمقدار ما يتعلق الأمر بالقيمة القديمة، ونعني بالتحديد قيمة الجزء الثابت، فإن أمر صيانتها يتوقف على أن لا تكون قيمة وسائل الإنتاج الداخلة في العملية أكبر مما هو ضروري. فالسلع التي تتألف منها هذه الوسائل ينبغي أن لا تحتوي، في شكل متشییء، مثل المباني والآلات، إلخ، أكثر من وقت العمل الضروري اجتماعياً واللازم لإنتاجها. وإنها لمهمة الرأسمالي أن يحرص، عند شراء وسائل الإنتاج هذه، ألا تكون لقيمها – الاستعمالية أكثر من النوعية الوسطية (average) اللازمة لصناعة المنتوج. وينطبق هذا على كل من المواد الأولية والآلات إلخ. إذ ينبغي لها جميعا أن تؤدي وظيفتها بنوعية وسطية (average)، وألا تضع أمام العمل، أمام العنصر الحي، عقبات غير طبيعية. وعلى سبيل المثال فإن نوعية المواد الأولية تتضمن أمورا عديدة من بينها أن الآلات المستخدمة ينبغي أن لا تنتج ما يزيد عن المقدار المتوسط من الضياعات، إلخ. ويتوجب على الرأسمالي أن يُعنى بكل هذه الأمور. الأكثر من ذلك، إذا كان ينبغي صيانة قيمة رأس المال الثابت، فيتوجب، قدر الامكان، استهلاکه استهلاكا منتجاً، لا مسرفاً، طالما أن المنتوج سوف يحتوي، في مثل هذه الحالة، على كمية من العمل المتشیئ أكبر مما هو ضروري اجتماعياً. ويتوقف ذلك، في جانب، على العمال أنفسهم، وهنا بالذات تدخل مسؤولية الرأسمالي في الإشراف. (إنه يضمن هذا الوضع من خلال العمل بالقطعة (task work)، والاقتطاع من الأجور، إلخ). وينبغي له أن يحرص على أن يجري العمل بأسلوب منسق ومنهجي، وأن تأتي القيمة – الاستعمالية، التي يفكر بها فعلا، في نهاية العمل بصورة ناجحة في المنتوج. في هذه النقطة تكون قدرة الرأسمالي على الاشراف وفرض الانضباط مسألة حيوية. أخيراً، ينبغي له أن يضمن عدم انقطاع أو اضطراب عملية الإنتاج، وأن تنطلق حقا نحو خلق المنتوج في إطار الزمن الذي تسمح به طبيعة عملية العمل الخاصة ومتطلباتها الموضوعية. ويتوقف ذلك، جزئياً، على استمرارية العمل التي يدخلها الإنتاج الرأسمالي، وجزئياً على عوامل خارجية يتعذر ضبطها. وبسبب من هذا الجانب الأخير فإن كل عملية إنتاج تنطوي على مجازفة بالقيم التي أدخلت فيها، وهي مجازفة: (1) تتعرض لها حتى خارج عملية الإنتاج (2) وهي سمة مميزة لكل عملية إنتاج وليست مقصورة على عملية الإنتاج الرأسمالية وحدها. (إن رأس المال يحمي نفسه من مثل هذه المجازفات بالاتحاد. وإن المنتج المباشر الذي يعمل بوسائل إنتاجه الخاصة عرضة للمجازفة ذاتها. وليس ثمة في هذا شيء خاص بالعملية الرأسمالية للإنتاج. وإذا ما وقعت المخاطرة على الرأسمالي نفسه، فما هذا إلا عاقبة اغتصابه لملكية وسائل الإنتاج).
ويمكن لنا القول، بخصوص العنصر الحي في عملية الإنماء الذاتي للقيمة، إن قيمة رأس المال المتغير يمكن أن تُصان (1) إذا جرى التعويض عنها، إعادة إنتاجها، أي إذا جرى الحرص على تأمين تزاید وسائل الإنتاج بكمية من العمل توازي قيمة رأس المال المتغير أو قيمة أجور العمل؛ (2) وإذا جرى خلق إضافة (Increment) على قيمتها، أي: خلق فائض قيمة، عن طريق تشيوء كم إضافي من العمل في المنتوج، مقدار من العمل يفوق ما تحتويه الأجور من عمل.
إن هذا التمايز بين القيمة – الاستعمالية لرأس المال المستخدم أو للسلع التي استثمر فيها، وبين الشكل الذي ترتديه القيم – الاستعمالية لراس المال في عملية العمل، يتطابق مع التمايز بين القيمة – التبادلية لرأس المال المستخدم وبين الشكل الذي ترتديه القيمة – التبادلية لرأس المال في عملية الإنماء الذاتي للقيمة. في الحالة الأولى، تدخل وسيلة الإنتاج، رأس المال الثابت، العملية دون حصول أي تغير في شكل قيمتها – الاستعمالية، في حين أن القيم – الاستعمالية الناجزة التي كان يتألف منها رأس المال المتغير ستبدل بالعنصر الحي، أو بالعمل الحقيقي، بقدرة – العمل التي تنمي قيمتها ذاتياً في قيم – استعمالية جديدة. وفي الحالة الثانية تدخل قيمة وسائل الإنتاج، قيمة رأس المال الثابت، في عملية الإنماء الذاتي للقيمة كما هي عليه، في حين أن قيمة رأس المال المتغير لا تدخل على هذا النحو، إنما يجري استبدالها بنشاط خالق للقيمة، نشاط العنصر الحي المتجسد في عملية إنماء القيمة.
وإذا كان ينبغي لوقت عمل العامل أن يخلق قيمة تتناسب وأمده، فينبغي له أن يكون وقت عمل ضروري اجتماعياً. نعني القول إن على العامل أن ينجز الكمية الاعتيادية اجتماعياً من العمل النافع في زمن معين. لذا فإن الرأسمالي يرغمه على العمل وفق متوسط المعدل الاجتماعي الاعتيادي، من الشدة. وسيبذل قصارى جهده ليرفع ما يدره العامل فوق هذا الحد الأدنى، ولينتزع منه أكبر قدر ممكن من العمل في زمن معين. ذلك لأن أي تشديد للعمل فوق المعدل الوسطي يخلق له فائض قيمة. علاوة على ذلك، فإنه سيسعى إلى أن يطيل عملية العمل، قدر الامكان، إلى خارج الحدود التي ينبغي العمل ضمنها للتعويض عن قيمة رأس المال المتغير الموظف، أي أجور العمل. وحيثما تكون شدة عملية العمل معينة، فإنه سيسعى إلى إطالة أمدها؛ وبالعكس حيثما يكون أمدها مثبتاً، فإنه سيسعى إلى زيادة شدتها. إن الرأسمالي برغم العامل، حيثما أمكن، على تجاوز معدل الشدة الاعتيادي، وهو يجبره، بأحسن ما يستطيع، على إطالة عملية العمل خارج الوقت الضروري للتعويض عن المبلغ المنفق على الأجور.
وبفضل هذا الطابع المميز لعملية إنماء القيمة الرأسمالية، فإن الشكل الحقيقي لرأس المال في عملية الإنتاج، شكله كقيمة – استعمالية، يتعرض لتحويرات جديدة. فأولا، ينبغي لوسائل الإنتاج أن تتوافر بكمية كافية لا لامتصاص العمل الضروري وحده، بل ولامتصاص العمل الفائض أيضا. ثانياً، إن شدة وامتداد عملية العمل الفعلية تتعرضان للتغير.
إن وسائل الإنتاج التي يستعملها العامل في عملية العمل الفعلية هي، في الحقيقة والواقع، ملك الرأسمالي، وعليه فإنها تواجه عمله، هذا التعبير الوحيد عن حياته، بوصفها رأسمالا – وهو ما سبق أن بيناه. من جهة ثانية، إن العامل نفسه هو الذي يستخدم هذه الوسائل في مجرى عمله. ففي العملية الفعلية، يستخدم العامل وسائل العمل بوصفه سید عمله، وهو يستخدم موضوع العمل كأنه المادة التي يعبر فيها عمله عن ذاته. وهو يحول، عن هذا الطريق، وسائل الإنتاج إلى الشكل الملائم للمنتوج. غير إن الوضع يبدو مختلفاً تماما في عملية إنماء القيمة. فليس العامل، هنا، هو من يستخدم وسائل الإنتاج، بل وسائل الإنتاج هي من يستخدم العامل. إن العمل الحي لا يحقق هنا ذاته في عمل موضوعي يتحول إلى عضو (Organ) موضوعي للعمل، بل إن العمل الموضوعي، عوضا عن ذلك، يصون نفسه ويزيدها بامتصاص دماء العمل الحي؛ على هذا النحو يصبح قيمة تنمي نفسها ذاتياً، يصبح رأسمالا، وينشط على أنه كذلك. إن وسائل الإنتاج، إذن، لا تغدو أكثر من مصاصة دماء تستنزف أكبر مقدار ممكن من العمل الحي. ويكفّ العمل الحي، بدوره، عن أن يكون شيئا آخر أكثر من وسيلة تتم بواسطتها زیادة، وبالتالي رسملة، القيم الماثلة أصلا. وبمعزل تماما عما سبق أن بيناه، فإن وسائل الإنتاج تظهر هنا، لهذا السبب بالذات، بصورة بارزة (tminemment)، بوصفها الوجود العياني لرأس المال في مواجهة العمل الحي؛ زد على ذلك إنها تتجلى ذاتياً بوصفها سلطان عمل الماضي الميت على العمل الحي. والواقع أنه يجري امتصاص العمل الحي باستمرار، بوصفه خالفاً للقيمة بالتحديد، في عملية إنماء قيمة العمل المتشییء. ولو أخذنا العمل بلغة المجهود، لغة إنفاق الطاقة الحياتية للعامل، لقلنا إنه النشاط الشخصي للعامل. أما لو أخذناه کشيء خالق للقيمة، شيء منخرط في عملية تشييء العمل، فإن عمل العامل يصبح أحد أنماط وجود قيمة رأس المال، فهو يندمج برأس المال حالما يدخل عملية الإنتاج. وإن هذه القوة التي تصون القيم القديمة وتخلق قيمة جديدة هي إذن قوة رأس المال، وإن تلك العملية، بناء عليه، هي عملية النمو الذاتي لقيمته. ونتيجة لذلك فإنها تحكم بإفقار العامل الذي يخلق القيمة كقيمة غريبة عن ذاته.
إن مقدرة العمل المتشییء على أن يحول نفسه، في إطار الإنتاج الرأسمالي، إلى رأسمال، أي: إن يحول وسائل الإنتاج إلى وسائل سيطرة على العمل الحي واستغلاله، إن هذه المقدرة تظهر، لذاتها، کشيء متوائم مع هذه الوسائل تماما (مثلما أن هذه المقدرة في هذا الاطار نفسه مرتبطة بالقوة مع هذا العمل المتشییء) کشيء لا ينفصل عنها، وبالتالي خاصية تنتمي إليها كأشیاء، کقیم – استعمالية، كوسائل إنتاج. وعليه تبدو هذه الأشياء، في ذاتها ولذاتها، بمثابة رأسمال، وبالتالي كرأسمال يعبر عن علاقة إنتاج محددة، علاقة اجتماعية محددة يقوم مالكو شروط الإنتاج، في إطارها بمعاملة قدرة – العمل الحي على أنها شيء، تماما مثلما أن القيمة ظهرت وكأنها صفة الشيء، والتحديد الاقتصادي للشيء كسلعة ظهرت على أنه مظهر من صفته الشيئية (dingliche Qualitat)، تماما مثلما أن الشكل الاجتماعي المسبغ على العمل في هيئة نقود عرض نفسه للأنظار بوصفه خصائص شيء (2)(***). الواقع إن سلطان الرأسمالي على العامل ليس سوى سلطان شروط العمل المستقلة على العامل، شروط اكتسبت استقلالاً ذاتياً. (ولا تضم هذه الشروط الموضوعية لعملية الإنتاج فحسب – وسائل الإنتاج – بل أيضا المستلزمات الموضوعية لإدامة قدرة – العمل وفاعليتها، نعني وسائل العيش). ويكون ذلك هو الحال حتى على الرغم من أن هذه العلاقة لا تأتي إلى الوجود إلا في مجرى عملية الإنتاج الفعلية، التي هي، في الجوهر، عملية خلق لفائض القيمة، كما رأينا من قبل (بما في ذلك صيانة القيمة القديمة) عملية إنماء ذاتي لقيمة رأس المال الموظف. إن الرأسمالي والعامل لا يواجهان بعضهما، في التداول، إلا بوصفهما بائعين للسلع، ولكن بسبب من الطبيعة الخاصة المتضادة للسلع التي يبيعانها لبعضهما البعض، فإن العامل يدخل، بالضرورة، عملية الإنتاج، كجزء من مكونات القيمة – الاستعمالية لرأس المال، الوجود الحقيقي لرأس المال، وجوده المتعين كقيمة. ويصح ذلك حتى على الرغم من كون هذه العلاقة تؤسس نفسها داخل عملية الإنتاج، وأن الرأسمالي، الذي لا يوجد إلا کشارٍ بالقوة للعمل، لا يصبح رأسمالياً حقيقياً، إلا عندما يرضخ العامل حقا لسيطرة رأس المال، هذا العامل الذي لا يمكن أن يتحول آخر المطاف إلى عامل مأجور إلا من خلال بيع مقدرته على العمل. إن الوظائف التي يتولاها الرأسمالي ليست سوى وظائف رأس المال – أي الإنماء الذاتي للقيمة بامتصاص العمل الحي – منفذة بصورة واعية وإرادية. إن الرأسمالي ينشط كرأسمال في إهاب شخص، رأسمال بصورة شخص، مثلما أن العامل لا يزيد عن عمل في إهاب شخص. إن ذلك العمل بالنسبة إليه هو محض مجهود وعذاب، في حين أن العمل يعود إلى الرأسمالي بوصفه جوهرة بخلق ويزيد الثروة، بل هو في الواقع عنصر من رأس المال، مندمج به في عملية الإنتاج، بوصفه المكون الحي، المتغير منه. من هنا فإن سيطرة الرأسمالي على العامل هي سيطرة الأشياء على الإنسان، سيطرة العمل الميت على العمل الحي، سيطرة المنتوج على المنتج. إن السلع التي تصبح وسائل للسيطرة على العامل (محض أدوات لسيطرة رأس المال نفسه) هي محض نتائج لعملية الإنتاج؛ فهي منتوجات هذه العملية. وهكذا نجد على مستوى الإنتاج المادي، مستوى عملية الحياة في الميدان الاجتماعي – فتلك هي حقيقة عملية الإنتاج – نجد الوضع نفسه الذي نجده في الدين على المستوى الإيديولوجي. ونعني بالتحديد قلب الذات إلى موضوع، والعكس بالعكس. ولو نظرنا إلى هذا القلب نظرة تاريخية، لوجدنا أنه تحول لا مناص منه، نقطة تحول لا يمكن بدونها للثروة بما هي ثروة أن تخلق بالعنف على حساب الأغلبية، أي لا يمكن من دونه خلق: القدرات الإنتاجية الدائبة للعمل الاجتماعي، التي هي وحدها تستطيع أن تؤلف القاعدة المادية لمجتمع بشري حر. إن هذه التشكيلة التناحرية لا يمكن تفاديها أكثر مما يمكن للإنسان أن يتفادى المرحلة التي تتلقى فيها طاقاته الروحية تحديدا دينياً بوصفها قوی مستقلة عن ذاته. إن ما نواجهه هنا هو عملية اغتراب (Entfremdung) الإنسان عن عمله بالذات. وإلى هذا الحد، يقف العامل على صعيد أعلى من الرأسمالي منذ البداية، ما دام هذا الأخير يضرب جذوره في عملية الاغتراب، ويجد رضی مطلقاً فيها، في حين أن العامل هو منذ البداية ضحية، فيواجه هذا الاغتراب مواجهة متمرد، ويعيشه كصيرورة استعباد. إن عملية الإنتاج هي في الوقت نفسه عملية عمل حقيقية، وبمقدار ما يكون الأمر كذلك وبمقدار ما تكون للرأسمالي وظيفة محددة يؤديها في نطاقها كمشرف وموجه، فإن نشاطه يكتسب محتوى خاصاً، متعدد الأوجه. لكن عملية العمل نفسها ليست أكثر من وسيلة لعملية إنماء القيمة، مثلما أن القيمة – الاستعمالية للمنتوج ليست سوى حامل لقيمته – التبادلية. إن الإنماء الذاتي لقيمة رأس المال – خلق فائض القيمة – هو إذن الهدف المقرر، المهيمن، المسيطر، على الرأسمالي؛ إنه الدافع المطلق لنشاطه والمحتوى المطلق لهذا النشاط؛ والواقع إنه ليس سوى دافع وغاية المكتنز بعد تعقلنهما – إنه محتوی فقیر، مجرد، يبين أن الرأسمالي عبد مقيد بعلاقات الرأسمالية شأن قطبه المضاد، العامل، رغم أن ذلك يجري بطريقة مختلفة تماما.
إن الرأسمالي المقبل (would be capitalist) يقوم، في الوضع الأصلي، بشراء العمل (تعبير “قدرة – العمل” سيكون أكثر دقة بعد الفصل الرابع)(*4) من العامل بهدف رسملة مقدار من القيمة النقدية، والعامل يبيع عمله، حق التنازل عن قدرة – عمله، بهدف إدامة حياته. إن هذا الوضع هو، في ذاته، المقدمة الأساسية والشرط المسبق لعملية الإنتاج الفعلية التي يصبح فيها مالك السلعة رأسمالياً، رأسمالا في إهاب شخص، ويصبح فيها العامل محض عمل في إهاب شخص، عمل لأجل رأس المال. إن هذه العلاقة الأولى التي يتواجد فيها الاثنان على قدم المساواة في الظاهر، بوصفهما مالكي سلعة، هي مقدمة عملية الإنتاج الرأسمالي، ولكنها أيضا نتيجة ونتاج هذه العملية، كما سنرى في المكان المناسب. ولكن يترتب على ذلك ضرورة تمييز هذين الفعلين عن بعضهما تمييزاً قاطعاً. فالأول ينتمي إلى التداول والثاني يتطور في عملية الإنتاج الفعلية على أساس الأول.
إن عملية الإنتاج هي الوحدة المباشرة لعملية العمل وعملية إنماء القيمة، مثلما أن نتيجتها المباشرة، أي السلعة، هي الوحدة المباشرة للقيمة – الاستعمالية والقيمة – التبادلية. غير أن عملية العمل ليست سوى وسيلة تتحقق بواسطتها عملية إنماء القيمة، وهذه الأخيرة هي، في الجوهر، إنتاج فائض القيمة، أي تشييء عمل غير مدفوع. وهكذا وصلنا إلى تحديد المميزات الخاصة لعملية الإنتاج ككل.
رغم أننا درسنا عملية الإنتاج من وجهتي نظر متمایزتين: (1) كعملية عمل و(2) كعملية إنماء للقيمة، فمن الواضح أن عملية العمل هي عملية واحدة لا تنقسم. فالعمل لا يجري مرتين، مرة لإنتاج منتوج نافع، قيمة استعمالية، لتحويل وسائل الإنتاج إلى منتوجات، ومرة ثانية لتوليد قيمة وفائض القيمة، لإنماء القيمة. إذ لا يؤدي العمل إلا بالشكل، بالطريقة، بنمط الوجود، المحدد، الملموس، الخاص، الذي يكون فيه نشاطا هادفة يستطيع تحويل وسائل الإنتاج إلى منتوج محدد، تحويل المغزل والقطن، مثلا، إلى غزول. إن كل ما يتم الإسهام به هو عمل الغزل، إلخ، ومن خلال هذه المساهمة يتم إنتاج المزيد من الغزول باستمرار. إن هذا العمل الحقيقي لا يخلق قيمة إلا إذا تم أداؤه بمعدل اعتيادي محدد من الشدة (أو بكلمات أخرى أنه لا يثمر إلا إذا حقق ذلك) وتحقق هذا العمل الحقيقي، ذو الشدّة المعينة والكمية المعينة، مقاسة بالزمن، تحققاً مادياً فعلياً بهيئة منتوج. وإذا ما توقفت عملية العمل عند النقطة التي يكون فيها مقدار العمل المساهم في شكل غزل = العمل الذي تحتويه الأجور، فلن يتولد أي فائض قيمة. إذن، ففائض القيمة يتجلى في منتوج فائض، وفي الحالة الراهنة كمقدار من الغزول يزيد على المقدار الذي تكون قيمته مساوية لقيمة أجور العامل. لذلك فإن عملية العمل تصبح عملية إنماء للقيمة بفضل الواقع التالي، وهو أن العمل الملموس الموظف فيها هو كمية من العمل الضروري اجتماعياً (بفضل شدته) = كمية معينة من العمل الاجتماعي الوسطي؛ وبفضل الحقيقة الأخرى المتمثلة في أن هذه الكمية تمثل فائضاً يزيد على المقدار الذي تحتويه الأجور. إنه الحساب الكمي لمقدار ملموس معين، من العمل بوصفه متوسط عمل اجتماعي ضروري. وما يطابق هذا الحساب على أي حال هو العنصر الحقيقي لشدة العمل الاعتيادية أولا (أي لإنتاج منتوج بكمية معينة، لا يجري استهلاك سوى وقت العمل الضروري اجتماعياً) و [ثانيا] العنصر الحقيقي لإطالة عملية العمل خارج الوقت الضروري للتعويض عن قيمة رأس المال المتغير الموظف.
ينبع من محاججتنا حتى الآن، أن تعبير «العمل المتشییء»، والتضاد المؤسس بين رأس المال كعمل متشییء وبين العمل الحي، عرضة لسوء فهم جاد.
لقد بينت في السابق(1) أن تحليل السلعة بلغة «العمل» لم يتم إلا بصورة ناقصة وملتبسة على يد سائر الاقتصاديين السابقين. إذ لا يكفي إرجاع السلعة إلى «العمل»؛ بل ينبغي شطر العمل إلى شكله المزدوج، شطره من جهة: إلى عمل ملموس مائل في القيم – الاستعمالية للسلعة، ومن جهة أخرى إلى عمل ضروري اجتماعياً كما يحتسب في القيمة – التبادلية. في الحالة الأولى يتوقف كل شيء على خصوصية القيم – الاستعمالية، طبيعتها الخاصة، فهذا هو ما يمنح القيم – الاستعمالية عملا كهذا يخلق لها طابعها المميز ويجعلها قيمة – استعمالية مميزة عن غيرها، يجعلها هذا الصنف المحدد. في الحالة الثانية نتجرد كلياً عن منفعتها الخاصة، عن طبيعتها الخاصة، وعن نمط وجودها، لأن مثل هذا العمل يعتبر فقط من ناحية أهميته كعنصر خالق للقيمة، والسلعة كشكل شيئي له. وبهذه الصفة فإنه عمل غير متمایز، عمل عام، ضروري اجتماعياً، لا مبال تماما بأي محتوى خاص. ولهذا السبب بالذات، فإنه حتى في أكثر أشكاله استقلالاً كالنقود، أو السعر كما في حالة السلعة، يحدد بطريقة مشتركة مع سائر السلع، ولا يتميز عن غيره إلا كمياً. في مظهره الأول يتجلى العمل، إذن، بهيئة قيمة – استعمالية معينة للسلعة، وجودها المعين کشيء، وفي مظهره الثاني يتجلى بهيئة نقود، إما كنقود بالمعنی الحقيقي أو كمجرد نقد حسابي ماثل في سعر السلع. في الحالة الأولى نحن معنيون حصراً بـ نوعية العمل، وفي الثانية بـ كمية العمل. في الحالة الأولى يجري التعبير عن مختلف أنماط العمل الملموس في تقسيم العمل. أما في الحالة الثانية فلا نجد سوی تعبير بلغة النقود، لا تمايز فيه. إن هذا التمايز يواجهنا، داخل عملية الإنتاج، مواجهة فعالة. فلا نعود نحن من نصنعه؛ بل نراه ينخلق في عملية الإنتاج ذاتها.
إن التمايز بين العمل المتشیئ والعمل الحي يتجلى في عملية العمل الحقيقية. فرسائل الإنتاج، القطن، المغازل، إلخ، هي منتوجات، قیم – استعمالية تجسد أفعالا محددة، نافعة، ملموسة من العمل – زراعة القطن، بناء الآلات، إلخ. إن عمل الغزل، من جهة أخرى، رغم أنه نمط من العمل متضمن في وسائل الإنتاج، فهو لا يظهر کنمط متميز، خاص من العمل فحسب، بل يتجلى بوصفه عملا حياً في مجرى عملية تحقيق نفسه؛ إنه يولد باستمرار منتوجاته وبذلك يقف في تضاد مع العمل الذي سبق أن اكتسب، أصلا، شكلاً موضوعياً في مظهر منتوجات خاصة به. ومن هذه الزاوية المؤاتية أيضا نرى التناحر بين رأس المال في شكل وجوده القائم من جهة، وبين العمل الحي كمهمة حياتية مباشرة للعامل، من جهة أخرى. زد على ذلك، يؤلف العمل المتشییء، في عملية العمل، عنصراً شيئياً، عنصراً لأجل تحقيق العمل الحي.
غير أن الوضع يبدو على خلاف ذلك تماما حين نأتي على دراسة عملية إنماء القيمة، تكوين وخلق قيمة جديدة.
إن العمل الذي تحتويه وسائل الإنتاج هو كمية محددة من العمل الاجتماعي العام، ويمكن تمثيله، بناء على ذلك، باعتباره مقداراً معيناً من القيمة، أو مبلغا من النقود، أو بالحقيقة سعر وسائل الإنتاج هذه. والعمل المضاف إلى ذلك هو كمية إضافية معينة من العمل الاجتماعي العام ويمكن أن يمثل بوصفه مقدارا من القيمة أو مبلغا من النقود إضافية. إن العمل المحتوى أصلا في وسائل الإنتاج متماثل مع ما يضاف من عمل جديد الآن. ونوعا العمل هذان لا يتمایزان إلا بواقع أن الأول هو منشییء أصلا في قيم – استعمالية، أما الثاني فهو في مجرى عملية التشيوء على هذا النحو. الأول في الماضي، الثاني في الحاضر؛ الأول میت، الثاني حي؛ الأول متشییء في الماضي، الثاني يتشيأ في الحاضر. وبمقدار ما إن عمل الماضي يحل محل العمل الحي، فإنه هو ذاته يغدو صيرورة، يُنمّي قيمه ذاتياً، يصبح متغيراً (Fluens) يخلق تغيراً (Fluxion). وإن قيامه بامتصاص العمل الحي الإضافي في جوفه هو عملية نمو قيمته ذاتياً، تحوله الحقيقي إلى رأسمال، إلى قيمة مولدة لنفسها ذاتياً، تحوله من مقدار قيمة ثابت إلى قيمة متغيرة في حالة صيرورة. وينبغي الاعتراف أن هذا العمل الإضافي لا يمكن أن يتجلى إلا في مظهر عمل ملموس، ومن هنا تمكن إضافته إلى وسائل الإنتاج ولكن في شكلها الملموس بوصفها قيمة – استعمالية خاصة؛ وعلى النسق نفسه فإن القيمة المحتواة في وسائل الإنتاج هذه لا يمكن أن تصان إلا إذا استهلكت على يد العمل الملموس كجزء من وسائله. غير أن ذلك، على أي حال، لا يعني إنكار أن القيمة الحاضرة بالفعل، العمل المتشییء في وسائل الإنتاج، لا يمكن أن يزداد، أي يزداد ليس فقط بما يتجاوز قيمته السابقة، بل بما يتجاوز مقدار العمل المتشییء في رأس المال المتغير، إلا بمقدار ما يعتصر من العمل الحي ويشيئه کنقود، كعمل اجتماعي عام. وعليه فإننا بهذا المعنى البارز (eminently) – الذي ينطبق على عملية إنماء القيمة بوصفها الهدف الأصلي للإنتاج الرأسمالي – نقول إن رأس المال كعمل متشییء (عمل متراکم، عمل سابق، وهلمجرا) يمكن أن يوصف بأنه يقف في مواجهة العمل الحي (العمل المباشر، immediate labour، إلخ)، وإن الاقتصاديين يمايزونه على هذا النحو. غير أن هؤلاء الأخيرين يسقطون، باستمرار، في تناقضات والتباس – حتی ریکاردو – لأنهم يفشلون في صياغة تحليل واضح للسلعة بلغة الشكل المزدوج للعمل.
انطلاقا من عملية التبادل الأصلي بين الرأسمالي والعامل – كلاهما کمالك سلعة – فإن المكون الحقيقي الوحيد لرأس المال، الذي يدخل عملية الإنتاج، هو العنصر الحي، قدرة – العمل ذاتها. ولكن، في عملية الإنتاج الفعلية وحدها، إنما يتحول العمل المتشییء إلى رأسمال بامتصاصه العمل الحي، وعليه فإن العمل لا يحول نفسه إلى رأسمال إلا عندئذ(*5).
_____________
(*) بالقوة نقيض بالفعل، أي كامن، محض إمكانية، غير متحقق بعد. [ن. ع]. (**) رأس المال، المجلد الأول، الفصل الرابع، 3، بيع وشراء قوة العمل. [ن. ع]. (***) في هذه النقطة تحمل المخطوطة الرقم (2)، ولكن ليس هناك ما يشير إلى الرقم (1) المقابل. [ن. ع]. (*4) المجلد الأول من رأس المال، الفصل الرابع، (3): بيع وشراء قوة العمل. [ن. ع]. (1) ما كان من الممكن، في غياب هذا الخلط، أن يستعر الخلاف حول ما إذا كانت الطبيعة تسهم في صنع المنتوج بمعزل عن العمل تماما. لسنا معنيين هنا إلا بالعمل الملموس. (*5) عند هذه النقطة أدخل مارکس الملحوظة التالية: «إن محتويات الصفحات 96 – 107 المعنونة عملية الإنتاج المباشرة» تنتمي إلى هنا؛ وينبغي مزجها (to blend) مع ما سبق، بحيث تقوم كل فقرة بتصحيح (to rectify) الأخرى. وينطبق الشيء نفسه على الصفحات 262 – 264 من هذا الكتابه». واستنادا إلى توجيهات مارکس ندرج الآن هاتين الفقرتين كلتيهما، اللتين يذكرهما هنا. ولم تدرج أية تغييرات بحيث تقوم كل فقرة بتصحيح الأخرى. إن الصفحات الواجب ادخالها (في مخطوطة الأصل الصفحات 96 – 107) قد أعيد ترقيمها من قبل مارکس فأعطاها الأرقام 496m – 469a وعلى الصفحة 496a (ص 96 من المخطوطة) يبدأ النص بمواصلة الفقرة التي شطبها مارکس (مشطوبة بأربعة خطوط مائلة) مما يوطد الاستمرار مع الصفحات 1-95 (من المخطوطة)، المفقودة الآن. وكتب ماركس في أعلى الصفحة: “ینتمي هذا إلى الصفحة 496”. [هنا خطأ في الترقيم، فالرقم هو 469]. والنص الذي يلي ذلك من الفقرة المشطوبة يحمل عنوانا زائداً في النص الحالي الذي ننشره “عملية الإنتاج المباشرة”. إليكم نص الفقرة المشطوبة: […] لأن رأس المال المستخدم في شراء قدرة – العمل يتجسد، في الواقع، في وسائل عيش رغم أن وسائل العيش هذه تنتقل إلى العامل في شكل نقود. وعلى غرار أنصار المذهب النقدي (Monetary System) يمكن للعامل أن يجيب عن سؤال: ما هو رأس المال؟ بكلمات: رأس المال هو نقود. إذ بينما يكون رأس المال، في عملية العمل، موجوداً، طبيعياً، في شكل مواد اولية، وأدوات عمل، إلخ، فإنه يأخذ، في عملية التداول، شکل نقود. وبالطريقة نفسها، لو سئل اقتصادي من العصر القديم: ما هو العامل؟ لكان عليه أن يجيب، مقتفياً أثر المنطق المماثل: العامل هو عبد (لأن العبد كان العامل في عملية العمل في العصر القديم).
#كارل_ماركس (هاشتاغ)
Karl_Marx#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (101)
-
رأس المال: الفصل الخامس والعشرون نظرية الاستعمار الحديثة(1)
-
رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (99) 7) الميل التاريخي للتر
...
-
رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (98) 6) منشأ الرأسمالي الصن
...
-
رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (97) 5) انعکاس تأثير الثورة
...
-
رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (96) 4) منشأ المزارع الرأسم
...
-
رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (95) 3) التشريع الدموي ضد م
...
-
رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (93) ما يسمى بالتراكم الأول
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (92) 5) أمثلة إيضاحية عن ال
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (91) ه) البروليتاريا الزراع
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (90) 5) أمثلة إيضاحية عن ال
...
-
مقدّمة ل«أسس نقد الاقتصاد السياسي» (١٨٥
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (90)
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (89) 5) أمثلة إيضاحية عن ال
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (88) 5) أمثلة إيضاحية عن ال
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (87) 5) أمثلة إيضاحية عن ال
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (86) القانون العام للتراكم
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (85) القانون العام للتراكم
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (84) القانون العام للتراكم
...
-
رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (83)القانون العام للتراكم ا
...
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|