|
قراءة في نص أنا والطفولة / اهلكورد قهار /عايده بدر
عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة
(Ayda Badr)
الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 09:49
المحور:
الادب والفن
قراءة في نص أنا والطفولة / الشاعر: هلكورد قهار / الترجمة: ماجد الحيدر/ القراءة: عايده بدر
عندما يقف الشاعر على الطرف الآخر من الأرض ربما ينظر عن بعد لاحتراقات الحياة حينها يمكننا القول أن الشاعر يحايد نفسه ليخرج برؤيته لمشكلات الحياة لكن ماذا حين ينغمس الشاعر في تربة الأرض و يخرج منها بمواقف أكثر عمقا و ثباتا لرؤيته بل لا يكتفي فقد يعيش تلك الرؤى عن كثب و يخرج إيضا من ذاكرته ما أورثته إياه الأيام النصوص التي بين أيدينا تعيش على الموروث الاجتماعي - الثقافي للمجتمعات الشرقية و تدور من خلال تيمات مختلفة دينية - سياسية - اجتماعية لكنها تناقش قضايا ملحة ترتبط وثيقا بحياة الانسان في مجتمعه الحاضر استنادا على موروثه الثقافي الذي يتحكم فيه الدين و العرف بصورة كبيرة اتخذ الشاعر من ملاحقة الفساد هدفا له و قد حرص على تتبعه و كشف أوجهه المتعددة و تطرق لأبواب محظور الطرق عليها لأنها بالتوارث أصبحت تابوهات جاهزة للتصديق دون نقاش حولها أو سعي للتغيير خاصة وهو يرى الماضي كيف يسيطر على الحاضرو يمد ذراعيه نحو المستقبل إذا لم يع الجميع ما يحدث حولهم و يسعوون لتغييره اللغة الحكائية التي يعتمدها الشاعر تمنح النصوص أبعادا أكثر إتساعا من حدود مجتمع معين يحكي عنه أو يسرد عاداته أو مواقفه فالشرق جميعه و إن اختلفت مسميات بلاده يعيش بالتقريب نفس الحالة القائمة من الفساد و من الأفكار البالية التي تحتاج إلى مراجعات جديدة و رفض سيطرتها فلنستعد إذا لنعلم أننا سنعيش حالة من حالات الرجوع بالذاكرة و استدعاء الماضي الذي يسيطر على الحاضر لكنه ليس استدعاء لمناهضته و رفضه إجمالا بل ليعيد تفتيته و استخراج الصحيح منه الذي يناسب وضعية مجتمع جديد ينشأ نفسه على أسس حديثة تتناسب و متطلبات الحياة المعاصرة مع عدم اغفال الأصالة أو الابتعاد عن مقومات المجتمع الأساسية الشاعر المتمرد على واقع لم يخلقه لكنه يسعى و بكل جدية لرصد مشكلاته و مواطن ضعفه ليعيد له الوجه الذي يستحقه بعد طول نضال في سبيل نيل حريته و بما يتناسب و قدر شهدائه من ضحوا بحياتهم و من يضحون لحد الآن من حياتهم (1) أتذكَّرُ حين كان الخالُ (عه بي)) يقولُ إن مسؤولاً أُبعِدَ بتهمةِ الفساد، لكنه لم يحاكَمْ! والذي حلَّ محلّهُ لم نكن نعرفه ولكن، بعد أن عرفناه اكتشفنا أنهُ، هو الآخر مفصولٌ، قبل سنتين بالتهمةِ ذاتها! حينما يكون الفساد هو ركيزة الحياة و الموروث الذي تنشأ عليه المجتمعات و كل ما هنالك هو تغيير في الاسماء و الشخوص دون تغيير في الفكر الفاسد الذي تأسست عليه منذ البداية الدوائر المسؤولة حيث لا علاج جذري لمثل حالا تالفساد المكتشفة هو فقط إعادة تدوير لعجلة الفساد فيتم نقل مسؤول فاسد من مكان اكتشافه لمكان آخر سيتم آجلا اكتشاف فساد و تسير بهذا المنظومة دونما تغيير يذكر ماذا لو كان قد تم محاكمة الفاسد ألن يقطع يد الفساد من جذورها ؟ _____________________________________
(2) أتذكَّرُ حين كان مذياعُ سيارةِ أبي على خطِّ "قصار العمر" يعدد أسماء الشهداء يقولُ: بدمائهم تحررتِ البلادُ.. في الغد كانت زوجة الشهيدِ تستدينُ من أبي بعض النقود لتداوي صغيرَها المريض! إذا كان الفساد متمثلا في مسؤول فاسد لكنه يعدد صور هذا الفساد الذي يبلغ أحيانا من قسوته أن يأتي على حق الحياة لمن بذلوا و ضحوا بأنفسهم ليقوم الوطن وفي ومضته الثانية حين يودع الشهيد ثرى وطنه يصبح اسما في لائحة طويلة المدى قصيرة العمر لا يتم تذكره إلا من خلالها لكنه ترك خلفه أسرة كاد الفساد أن يلتهم حياتها أيضا هناك زوجة تمد يدها تستجدي ثمن دواء للصغير في حين ضحى الأب الشهيد بحياته و جنى الفاسدوون من خلفه الكثير و تركوا عائلته و غيرها الكثير في عوّز و فاقة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (3) في صغَري أحببتُ صيدَ العصافير وكان "العم طاهر" يبيعنا أعواد المصائد اليدوية واحداً بربعٍ. فاشتريت واحدا وسرق "أوميد" ابن جارنا بعض أربطة المطاط التي يرزم أبوه بها.. نقوده. فأصبحنا أخيراً، أنا وهو، أصحاب مصائد! لكننا، ولعامين كاملين، ما اصطدنا عصفورا ولا جرحنا واحدا. في يومٍ، إذ نحن واقفان في ظل شجرةٍ أبصرت شرطياً يتقدم نحونا ويصفعنا قائلاً: إن حصاةً خرجت من مصيدتكم فحطمت تلكم النافذة وأقلقت مجلس المحافظة.. أيقظته من نومه! الشاعر مستمر في تعرية أشكال الفساد و مصر على كشف زيفهم و إسقاط أقنعتهم و ليكونوا أمام الناس على حقيقتهم الشعب الحائر الذي ما استطاع رغم وجود إمكانات الصيد أن يصيب هدفه يوما لأنه يزرح تحت نير فساد لا يترك له فسحة استنشاق هواء مختلف الاسقاط على طفلين في مرحلة الطفولة يمكننا أن نرى من خلاله مجتمع وليد يحاول أن يمنح نفسه فرصة أن يعيش روح الصياد و قوته و جبروته لكنه مع الأسف رغم وجود إمكاناته إلا أنه يظل في وضعية الفريسة دائما لم تفلح امكاناته أمام سطوة الفساد التي تغير وجه العدالة و تعيد تشكيل القانون وفقا للأقوى لا للأجدر _____________________________________________________________ (4) أتذكَّرُ الخال "حسن" إذ يتحدث عن نضالاته يقول: هذه الحرية التي ترونها ثمرةٌ لتك الثورات. لكنه لم يقل لنا كم من الثورات تلزمنا فقط كي يقرأ أحفاده بلغتهم الأم؟ في هذه الومضة ثمة ألم دفين يقتات على روح الشاعر حين يذكر كم من الدماء سالت في سبيل الحرية ... يفرد شراع الحكايا فكم من المنجزات حققت كثمرة لهذه الحرية .. لكنه يقف بوعي متألم أمام حال الحرية المختنقة وهي تتحدث بلغة ليست لغته هو ... بحال ليس حاله هو فلمن كانت الحرية إذن إذا لم تكن لهذه اللغة التي هي قومية الشعب الباحث عن الحرية و هي الوسيلة التي تستطيع جمع شتات المتفرقين بلغة واحدة . .فكم يلزم من ثورات لترتفع لغتهم هم ؟فرد ________________________________ (5)
أتذكَّرُ الخالة "سر" وهي في السبعين لم تكن لِتذكر الله ولا لتصّلي لأنها لم تُرِد تلكم الجنة التي لم تُصنَع الاّ للرجال! القضية هنا مختلفة و إن كان الفساد تيمة النص كاملا لكنه هنا يلج من باب آخر هو الاضطهاد الديني للمرأة و التحقير و التقليل من شأنها و هؤلاء رجال الدين الذين يروجون أن الجنة خلقت للرجل و المرأة متاع من ضمن متاع الجنة ... من يدعون أن الجنة حكرا على الرجال خلقت لهم و من أجل نعيمهم ...من يصيحون بفم مليئ بالملذات التي تكون بانتظار الرجل . فأي مكافأة للمرأة التي تعيش حياة الألم الدنيوي إذا كانت الدنيا و الآخرة حكرا على الرجال .. ليصبح الوصول للجنة على أجساد النساء و من خلالهم أيضا ... المرأة ترفض تلك الجنة التي ليس لها مكان فيها ... بعد عمر طويل ( 70 عاما ) قضته في شقاء الدنيا فلن تنتظر من جنة محتكرة لصالح تصنيف رجال الدين شيئا
______________________________
(6) في صغَري خفتُ مرّةً.. أصبتُ بالذعر حين سمعت إمام المسجد يحذرنا: بأن نهاية الدنيا قد دنتْ وإن الله سيفنيها عما قريب. غير إن الإمام لم يزل دائم الانشغال: يبني بيته الجديد ويُحكم الأساس لمائتي سنةٍ.. مقبلات! لازال الحديث عن أوجه الفساد قائم و هنا الفساد الديني الذي يروج له بعض رجالات الدين من خلال تناقض مواقفهم و تباين دواخلهم عن خوارجهم ففي حين يدعون الناس حولهم إلى الإيمان و التصديق أن الدنيا تسير إلى زوال و يزرعون في نفوس الناس اليأس من الدنيا وتصبح مدلولات الخطاب الديني قائمة على مفردات لا تتحدث إلا عن العذاب و الألم و الجحيم و لا مكان للأمل الجديد .. نجدهم هم يسعونه لتثبيت أقدامهم في الدنيا و إنعاش أحوالهم و كأن الدنيا فقط خلقت لهم و من خلالهم و أنها ستنتهي بفناء الناس و سيبقون هم على سدة التحكم في الدنيا و الآخرة للبشر و لن تدور عليهم عجلة الفناء
________________________________________
(7) أتذكَّرُ قُبالةَ مقهى (عَبو) كنتُ أصبغُ الأحذية حين جاءت فتاة تُمطرُ حسنا. غير أن الرجال كانوا يمرّون سراعاً من أمامها ومن خلفها يتحاشونها كأنها سقطت من بطن عاهرة! كلهم كان يلعنها لم يشفق أحد عليها أو يداوِ القروح التي تملأ منها الجسد. لا العلكة التي في فمها تنفجر ولا أيدي نهارها المليئة بالشقوق تلقى من يحنيّها. سحبتُ يدها أخرجتها من جيوبها سألتها: من أنت؟ أجابت في تروٍّ في خفوت: أنا.. أنا الحرية! الومضة الأخيرة في النص مشبعة بالأنين الصادر من عمق روح تأسى و تتوجع على حرية بذل فيها الغالي و الرخيص و لكنها بدلا أن تتمجد و ترسم حالا أفضل لشعوب لاقت الأمرين في سبيلها إذ بها تتحول على أيدي فئات من البشر إلى ما يشبه العاهرة التي سيقت لحتف روحها و جسدها دون أن تحقق لنفسها مكسبا بل تحقق للفاسدين منها ما أرادوا من متعة و ألقوا بها جثة لا حياة فيها بل يصل الأمر إلى التنصل منها و الابتعاد عنها فهل اكتفوا ؟ و ماذا عمن لم يستفد منها و لم يحصل من وجودها منفعة لماذا يتحاشاها و ينفر منها ؟ هل يخشى أن يدفع ثمنا ليس بقليل في سبيلها ؟ أم وجدوا أنهم لن يصلوا إلى شيء مما ظنوه و أن غيرهم حصل على مكاسبها و لم يترك حتى الفتات ؟
مع التقدير للشاعر الكوردي هلكورد قهار عايده بدر 5-2-2013
____________________________________
**هلكورد قهار: شاعر كوردي شاب. ولد عام 1981 في الرمادي حيث هجرت أسرته من قبل النظام البعثي. ثم انتقل عام 1988 الى تركيا ليعيش في معسكر للنازحين لأربعة أعوام قبل أن يستقر في دهوك ويكمل فيها دراسته الجامعية في كلية الإدارة والاقتصاد عام 2008. يعمل حاليا في إدارة حقوق الإنسان في إقليم كوردستان. يرأس جمعية الشعراء الشباب في دهوك
#عايده_بدر (هاشتاغ)
Ayda_Badr#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صمت .. عايده بدر
-
قراءة في نص (صمت ) للمبدعة عايده بدر / جوتيار تمر
-
ما بعد الثانية عشر جحيماً ...!/ عايده بدر
-
ما بعد الثانية عشر جحيماً ...!
-
للحب ... وأشياء أخرى
-
ارتقاء اليقظة
-
إلى بلاد قلبك
-
الطريق ....... نحو الموت الأزرق
-
مقارنة أسلوبية لقصائد فينقية للشاعرة عايده بدر / عادل عبد ال
...
-
الظل من الغياب إلى الحضور...تجسيد ل اللامحسوس
-
على مرمى صمتك
-
منذ آخر ليل
-
ال لاعابر
-
قفص الكلام
-
يداك والمطر
-
في الغرف المسكونة
-
أسير معك
-
لا ترقصي
-
من بين صمتك
-
ليلى ...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|