أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آدم الحسن - أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 2 )















المزيد.....

أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 2 )


آدم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 19:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


خلال النصف الثاني من القرن الماضي خاضت عملية التحديث لأدب و ثقافة شعوب عديدة حرب على جبهتين , الجبهة الأولى لمواجهة الحداثيين الذين ارادوا استئصال و تغييب التراث و الثقافة السائدة التي قد يمتد عمرها الى آلاف السنين و استبدالها بالثقافة الغربية التي انبهروا بها و حرب على جبهة ثانية لمواجهة التيار الأدبي و الثقافي المحافظ الذي يسعى للجمود و رفض كل ما هو جديد في اللغة و الأدب و كأن كل جديد قادم هو عدو دائما للتراث و الثقافة الأصيلة ...!
من بين التجارب المهمة للصراع بين الحداثة و التحديث ما جرى في الصين خلال الثورة الثقافية التي قادها الجناح المتطرف في الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ ...!
لا شك أن ما تعرضت له الثقافة الصينية العريقة خلال تلك الثورة الثقافية كان من اقسى و اشد التجارب التي شهدها الصراع بين الحداثة و التحديث في هذا العصر .
فرياح التغيير التي وصلت الصين و القادمة من اوربا حَملتْ معها الفكر الاشتراكي الشيوعي , جلب هذا الفكر معه عناصر فلسفية و منهاج ثوري اختلط فيه الصراع بين الطبقات حول المنافع الاقتصادية مع الصراع بين الثقافات و الذي ادى في نهاية المطاف الى اندلاع تلك الهجمة الشرسة على البيئة المجتمعية للثقافة الأصيلة للشعب الصيني .
اعتمدت الثورة الثقافية في الصين على مبدأ حداثي رافق التيار الموسوم بالماركسية اللينينية من أن لكل طبقة ثقافتها و بالتالي فأن الصراع بين الطبقات ضمن المجتمع الواحد لابد و أن يؤدي الى صراع بين ثقافات ضمن المجتمع الواحد ايضا , و إن محاربة الطبقات المسْتغِلة من الرأسماليين و الإقطاع يجب أن يرافقه محاربة لثقافة هذه الطبقات ايضا .
لقد اعتبرت الثورة الثقافية أن الثقافة السائدة في المجتمع الصيني هي من مخلفات مرحلة هيمنة الطبقة الرأسمالية و الإقطاعية التي كانت تحكم الصين قبل انتصار الثورة الشيوعية الصينية في 1949 لذلك يتوجب استئصالها بنفس القوة التي تم استئصال نفوذ و سيطرة هذه الطبقة على الاقتصاد الصيني .
لقد اتسمت الثورة الثقافية ضد الشرائح المثقفة في المجتمع الصيني بما اسماها الثوريون بالعنف الثوري التقدمي لمحاربة الأدب و الثقافة الرجعية حيث تم إفراغ المكتبات من الكثير من النتاج الأدبي و الثقافي لتلك المرحلة و المراحل التي سبقت الثورة الشيوعية في الصين , ثم ازداد اتساع ذلك العنف الثوري ليطال كافة الأديان في الصين , فالأديان حسب الفكر الحداثي القادم من الغرب هو افيون الشعوب و لابد من انهاء تأثير هذا الأفيون , فتم غلق جميع المعابد البوذية و الكنائس المسيحية و الجوامع الإسلامية و غيرها من دور العبادة و تم ارسال رجال الدين بمعية عدد كبير من المثقفين و الأدباء و مدرسي الفلسفة و التاريخ و الأدب الصيني الى معسكرات العمل الشعبي بشكل قسري و ادخالهم الى مدارس إعادة التأهيل الفكري و كان منهاجهم الوحيد هو الكتاب الأحمر الصغير من تأليف الزعيم ماو تسي تونغ و قد شملت تلك الحملة ايضا اعضاء بارزين في قيادات الحزب الشيوعي الصيني نفسه من الذين عارضوا تلك الثورة الثقافية و دعوا الى أجراء عملية تحديث للثقافة السائدة و ليس استئصالها و اقتلاعها من جذورها التاريخية المرتبطة بحضارة الصين العظيمة ....!
و لأن الثقافة في الصين نسيج مترابط و مندمج بالفلسفة الصينية التي يعود امتدادها الى فجر التاريخ و بالأديان و خصوصا الديانة البوذية و بالأدب و الفنون المرتبطة بالطقوس الدينية و العادات و التقاليد لذلك تعرض كل ذلك الى الأقصاء من قبل الحداثيون الصينيون .
لقد هز هذا الإقصاء اسس المجتمع الصيني بأسره و تحول الشيوعيون الثوريون الذين سيطروا على السلطة في الصين من منقذين للشعب الصيني مِنَ الظلم و الهيمنة الاستعمارية الى أداة لاقتلاع المجتمع الصيني بأسره من جذوره التاريخية العريقة و وضعه في قالب فكري ثقافي جديد غريب لا علاقة للصين و لا للصينيين به حيث ادتْ هذه الهزة الكبرى الى تراجع ليس فقط في المستوى الثقافي للفرد الصيني و انما في مستوى الإبداع في الإنتاج و التطور الذي ادى بدوره الى تدهور الاقتصاد الصيني ايضا .
لقد اعتمد الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في ثورته الثقافية على جيش من الفقراء و المحرومين الذي ساروا خلفه باعتباره زعيمهم و منقذهم من الجوع و الفقر الذي كان يعاني منه غالبية الشعب الصيني , اذ إن اكثر من 80% من الشعب الصيني في تلك الفترة كانوا تحت خط الفقر بسبب قرن من الذل و الهيمنة الاستعمارية للصين التي سبقت الثورة الشيوعية الصينية , ذلك القرن الذي يطلق عليه الصينيون بقرن الذل الذي امتد من منتصف القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين .
حقا أن الجوع ابو الكفار ...! فالجوع و الفقر الذي خلفه الاستعمار للصين هو الذي مَكنَ ماو تسي تونغ من قيادة جيش الفقراء و المحرومين في تلك الثورة الثقافية البشعة .
فحين يجوع الشعب لا يعد يهمه تاريخه و لا أدبه و لا فلسفته و لا تراثه فبسبب الجوع يصبح من السهل أن يكفر الشعب بكل ذلك ... !
و خلال عاصفة الثورة الثقافية الماوية اختار بعض قادة الحزب الشيوعي الصيني الانحناء امام تلك العاصفة الهوجاء , فرغم أنهم كانوا رافضين لثورة ماو الثقافية جملة و تفصيلا لكنهم لم يعلنوا ذلك علنا و صراحة فقد اعتمدوا الحكمة الصينية في التعامل مع هذه الحالات و التي تقول : أن النبتة الميتة اليابسة تكسرها العاصفة و النبتة الحية المرنة تنحني امام العاصفة ثم تعود للاستقامة من جديد بعد خفوت العاصفة .
ثم بدأ الحزب الشيوعي الصيني و قائده ماو بالتراجع التدريجي عن الثورة الثقافية بسبب الدمار الذي انتجته تلك الثورة في البنية الاقتصادية و الاجتماعية .... عندها بدأ صوت التحديثيين ( الإصلاحين ) يعلوا شيئا فشيئا و استقامت النبتة من جديد بعد خفوت العاصفة حيث بدأ الإصلاحيون يدعون الى تحديث الاقتصاد و الثقافة و الأدب و كل شيء , فكل شيء في الصين كان بحاجة الى تحديث لكن من خلال البناء على الموروث الثقافي و الحضاري للصين و ليس من خلال استبدالها بالثقافة الغربية التي انبهر بها الحداثيون .
لقد طور التحديثيون ( الإصلاحيون ) الصينيون نهجهم و صار امامهم فرصة حقيقة لجعل الصين في قمة التطور العلمي و التكنولوجي و الثقافي و ذلك بعد وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ و قضائهم على ما اسموه بعصابة الأربعة التي كانت تقودها ارملة ماو , و عصابة الأربعة هم من كبار قادة الثورة الثقافية .
و برز المفكر تنغ سياو بنغ ليكون قائدا للتحديثيين ( الإصلاحيين ) حيث طرح نهجا جديدا للنظام الاشتراكي في الصين و اختار له اسما جديدا هو بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية , لقد ركز كثيرا على مبدأ الخصائص الصينية لأنه اراد أن يقول أن انبهار الشرق بالحضارة الغربية مرض خطير يؤدي الى سقوط الشرق من جديد تحت الهيمنة الغربية بالإضافة الى تشوه ثقافة الإنسان الشرقي و بيئته الاجتماعية ... !

(( يتبع ))



#آدم_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 1 )
- الاقتصاد الريعي و الأنظمة الاستبدادية
- هل سيتشكل حلف ناتو اسرائيلي امريكي عربي ..؟
- ما سبب خشية امريكا من طريق الحرير الجديد ... ؟
- التضخم و علاقته بأجمالي الناتج المحلي للدول الصناعية
- مستقبل العراق ... و ثمن العودة للحاضنة العربية
- تسونامي افغانستان و التفكك التدريجي لحلف الناتو ..!
- مؤتمر بغداد للتعاون و الشراكة ... الأهداف و النتائج
- بعد الهروب الأمريكي ... أفغانستان الى اين ... ؟
- الحالة العراقية و الحالة الأفغانية ... مقارنة قسرية بين حالت ...
- عشرون سنة من السياسة الأمريكية الفاشلة في افغانستان ( 2 )
- عشرون سنة من السياسة الأمريكية الفاشلة في افغانستان ( 1 )
- سوريا الى اين ... ؟
- الممانعة الأمريكية في تحول الاتحاد الأوربي الى دولة اتحادية
- المحور الإقليمي لصد و محاربة الإسلام السياسي ( 2 )
- المحور الإقليمي لصد و محاربة الإسلام السياسي ( 1 )
- ماذا يلوح في افق التوتر المتنامي في منطقة الخليج ...؟
- التدخل الإيراني في العراق ... هل حقا هو التدخل الأكبر ...؟ ( ...
- التدخل الإيراني في العراق ... هل حقا هو التدخل الأكبر ...؟ ( ...
- التدخل الإيراني في العراق ... هل حقا هو التدخل الأكبر ...؟ ( ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آدم الحسن - أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 2 )