أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - عَاصِمَةُ مَنْ؟!















المزيد.....


عَاصِمَةُ مَنْ؟!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 486 - 2003 / 5 / 13 - 05:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


                                                             بقلم/

     إنطلقت منذ البارحة 10/5/03 ، بضاحية مشاكوس الكينية ، الجولة الجديدة السادسة من مفاوضات السلام السودانية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان ، وهى الجولة التى تجمع غالب التقديرات على صفتها الحاسمة ، كونها معنية بتوصيل أطرافها لاتفاق تام ونهائى فى ما يتعلق بالمشاركة فى مؤسسة الرئاسة والجهازين التنفيذي والشريعي ، على صعيد قضية السلطة ، وعائدات البترول والنظام المالي والبنك المركزي والعملة ، على صعيد قضية الثروة. على أن ثمة قضايا أخرى مُعلقة يشكل إدراجها ضمن جدول الأعمال نقطة خلاف بين الجانبين ، أهمها النظام القانونى الذى تحكم بموجبه "العاصمة القومية". فالحكومة ترفض مناقشتها لأنها قد نوقشت ، و"مخطئ من يظن أن مسألة الدين والدولة قابلة للحوار مرة أخرى" ، حسب د. أبراهيم عمر ، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم (الأيام ، 3/5/03) ، و"أن أمرها قد حُسم من خلال الجولات السابقة" ، حسب د. أمين عمر ، عضو الوفـد الحكـومى (أخبار اليوم ، 7/5/03) ، بينما تصر الحركة على أنها "لم تحسم بعد" ، حسب السيد ياسر عرمان ، الناطق باسم الحركة (الشرق الأوسط ، 7/5/03).
    وسواءً تمَّت أو لم تتم تسوية هذا الخلاف ، فإنه ينطوى ، منذ البداية ، على ثلاث مفارقات منهجيَّة تجعل المسافة بين الجانبين شاسعة ، بقدر ما هى شاسعة ، فى كلِّ الأحوال ، المسافة بين موقف الحكومة التفاوضى وبين جوهر القضية كما ينبغى لها أن تنطرح:
(أ) فمن الجهة الأولى ، وفى الوقت الذى يعتمد فيه نظام النخبة الاسلاموية خطاباً يقوم على إعلان "الاستماتة" فى ما يسميه "تطبيق الشريعة" ، باعتبارها قضية لا تقبل "المساومة" ، فإنه لا ينفكُّ يُبدى تراجعات كبيرة على قاعدة "فقه الضرورة" ، كلما اصطدم بعقبات الواقع ومنطقه العنيد. وربما لا يكون أول ذلك ولا آخره التسليم بالتعاملات "الربوية" فى ما يتصل بالديون الخارجية ، واستثمارات الشركات الأجنبية فى مجال البترول ، وغيرها. بل ، وسواء صحَّ أم لم يصِحُّ أن هذه القضية قد حُسمت خلال الجولات السابقة ، فإن القبول ، أصلاً ، بإدراجها ضمن المتفاوض عليه ، يعنى الاستعداد، ابتداءً ، لتحمُّل ما يفرضه منطق التفاوض نفسه من "تنازلات" متبادلة لأغراض إرساء دعائم  "السلام" ، إلا إذا كان التفاوض يعنى إملاء شروط المنتصر على المهزوم لأغراض توقيع وثيقة "الاستسلام" ، وهو أمر غير وارد هنا بالطبع.
(ب) أما من الجهة الثانية ، وعلى حين ينهض هذا الخطاب الحكومى على أسلوبيَّة عاطفيَّة وإثاريَّة بحتة: "لن نتنازل عن الشريعة إلا إذا متنا جميعاً" ، أو كما جرى التعبير عن ذلك من مستويات مختلفة وفى أكثر من مناسبة ، فإن الحركة من جانبها ظلت تبدى حرصاً ملحوظاً على توطين خطابها فى أسلوبيَّة السياسة العملية المباشرة ، وحججها التى تنحو إلى القطع والافحام ، بل وإلى إرباك الخصم وإحراجه أمام الشعب وأمام الأصدقاء والوسطاء: "العاصمة القومية ستكون عاصمة لكل السودانيين .. فهى ليست جزءا من الشمال أو الجنوب ، وإذا لم يتفق السودانيون على عاصمة موحدة لن يتفقوا على بلد موحد .. ونحن لا نسعى لعاصمة خالية من الاخلاق كما يتصور البعض ، ولكننا نسعى لعاصمة مثل القاهرة والرباط مليئة بالمآذن والقباب والكنائس وكريم المعتقدات. يجب ان تعود الخرطوم كما كانت في عهد السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي ، فهل يشك أحد في إسلامهما؟!" (الناطق الرسمى ، المصدر نفسه).
(ج) وأما من الجهة الثالثة ، ففى الوقت الذى تتوجه فيه الحركة إلى المفاوضات مسنودة بثقل لا يستهان به من الرأى العام الجنوبى ، وربما الرأى العام فى كثير مما يصطلح عليه "بالمناطق المهمَّشة" ، كجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق ودارفور وغيرها ، والذى نشطت فى بلورته وكسبه ، خلال الفترة الماضية ، عبر العديد من المؤتمرات واللقاءات والترتيبات السياسية ، داخل البلاد وخارجها ، فإن الحكومة تذهب إلى هذه المفاوضات وليس ثمة من يستطيع المكابرة بشأن بؤس رصيدها من السند ، حتى وسط المستعربين المسلمين الذين رفضت إشراك قواهم السياسية المعارضة لها فى المفاوضات ، والذين لا تكاد تكلُّ أو تملُّ ، مع ذلك ، من ترديد الزعم بتعبيرها عن أشواقهم الدينية وإرادتهم السياسية. وقد يكفى أن نشير ، فى هذا الصَّدد ، إلى أنه لا يزال بينها وبين شقها الآخر ، المؤتمر الشعبى بقيادة د. حسن الترابى ، ما صنع الحدَّاد ، حتى ساعة دخولها قاعة المفاوضات ، دع عنك الذى بينها وبين أكبر طائفتين إسلاميتين ، الأنصار والختمية.
    حكم العاصمة القومية بمقتضى "الشريعة الاسلامية" ليس مجرَّد شعار تنافح عنه النخبة الاسلاموية الحاكمة على مائدة المفاوضات فى مشاكوس ، أو محض مشروع "مستقبلى" تدَّخره لما بعد توقيع اتفاق السلام النهائى ، بل لقد خَبرَه سكان العاصمة القومية جيداً ، المسلمون قبل سواهم ، حين أقدمت السلطة ، بالاستناد إلى أجهزة القمع وحدها ، على إنفاذ "تصوُّرها" هى له ، من خلال تشريعها وتطبيقها "لقانون النظام العام لسنة 1996م" ، فلم يتكشف إلا عن سوط عذاب مشرع ، باسم الاسلام ، فوق رءوس البشر.
    لقد طال هذا القانون حتى الاحتفاليات الأسرية الخاصة ، بل حتى كلمات الأغانى التى تتردَّد فيها ، حتى ولو كانت من الفولكلور الشعبى المتوارث! وتكفى أعجل نظرة لنصوصه للكشف عن المدى الذى يبلغه فى التغوُّل على حريات المواطنين الشخصية ، وحقوق الأسر ، وحرمات المنازل ، وخصوصية الجوار ، وعمل المرأة .. الخ ، وبمعايير مغرقة فى الغموض والاطلاق تركت لتقدير رجال الشرطة ، كما تكفى أيضاً للكشف عن  أن الهدف الحقيقى من ورائه هو ، فقط ، توسيع "حق" الدولة فى ضبط "سلوك" المواطنين على مقاس "حاجتها" هى للإبقاء على "إحساسهم العام" بها فى كل لحظة، حتى داخل أسرهم ، وفى نطاق مساكنهم الخاصة ، وعلائقهم بأهلهم وجيرانهم ، حيث الجميع متهمون بالفسوق والتحلل الأخلاقى إلى أن يثبت العكس (!)
    ورغم تحفظنا ، الذى سبق أن طرحناه فى أكثر من مناسبة ، على منهج الاحتجاج ، فى أمر كهذا ، بحقوق غير المسلمين أو أهل الثقافات الأخرى ، لقناعتنا بأنه منهجٌ كاسِدٌ بائرٌ لا يحِلُّ الأزمة بقدر ما ينضاف إليها ، وأن على المستعربين المسلمين الذين لا يجدون إسلاماً فى هذا النوع من القوانين أن يُحْسنوا تصدِّيهم لها من داخل اثقافة الاسلامية ذاتها ، إلا أن الكارثة تتجلى ، بالفعل ، كأبشع ما تكون إذا وضعنا فى اعتبارنا واقع التنوع والتعدد الثقافى فى أقاليم السودان المختلفة ، حتى بين القوميات والقبائل والمجموعات السكانية التى تدين بالاسلام ، ناهيك عن غير المسلمين ، وأن العاصمة القومية ، النطاق الجغرافى لسريان هذا القانون ، قد شهدت خلال الأعوام الأخيرة ، ولا تزال تشهد ، حركة نزوح كثيف إليها من هذه الأقاليم التى يغالب مواطنوها الفقر وتردى الظروف المعيشية ، حيث أن 83% من سكان الريف فقراء غذائياً ، أى تقل دخولهم عن خط الفقر الغذائى ، وأن 45% منهم يعيشون فى "فقر مدقع" ، مما يتسق تماماً مع دعاوى التنمية غير المتوازنة وتهميش الريف والتحيُّز لصالح الحضر ، حسب التقرير الاستراتيجى السودانى لعام 1998م ، الصادر مركز الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم. وبافتراض أن المُشرِّع لا يمكن ألا يكون مدركاً  لواقع التنوع والتعدد الثقافى هذا ، فإن الشئ الوحيد الذى يمكن استنتاجه هنا هو  أنه ينظر إلى "العاصمة القومية" كبلد "آخر" (!) فيصبح المنطق الذى يتأسس عليه القانون الواجب التطبيق فيها ، ومدى إلزاميته بالنسبة لأهل السودان "الآخرين" الذين تجبرهم ظروف الفقر على النزوح إليها بهذه الكثافة ، هو نفسه المنطق الذى يفرض عليهم الخضوع لقانون الدولة "الأجنبية" عند حلولهم "ضيوفاً" عليها! وقد عبر السيد مدير شرطة النظام العام بالخرطوم عن فهم دقيق لمنطق هذا القانون بقوله ، تعليقاً على مدخلنا النقدى هذا حين طرحناه فى بعض ورش العمل: "على من لا يرغب فى الخضوع لهذا القانون ألا يجىء إلى العاصمة" (مساهمة فى ورشة عمل حول "قانون النظام العام ومدى مساسه بالحقوق والحريات" ، مركز التدريب القانونى بالخرطوم ، فبراير 2000م).
    مشاكوس تعكس ، بالقطع ، أكثر من أزمة النخبة الاسلاموية الحاكمة تجاه النظام القانونى لعاصمة البلاد ، أزمة الجماعة المستعربة المسلمة كلها فى السودان ، حيث تجابه قضية علاقاتها المأزومة مع مساكنيها من غير المسلمين ، بينما هى نفسها لم تحسِم ، بعدُ، صراعات الاقسام المختلفة داخلها ، برؤاها وتصوُّراتها شديدة التبايُن والتعارض ، حول سؤال "الدين والدولة" بخاصة ، بكل ما يترتب على هذا القصور من تهديد لصورة هذه الجماعة ، فى عيون المساكنين "الأغيار" ، بالتصدُّع المريع ، والاسهام التاريخى لثقافتها ، فى بنية التعدد السودانى ، بالانهيار الشامل.

 

 



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- فانس: بايدن نام طوال فترة رئاسته وزوجته كانت تدير البلاد
- مجلس الأمن الدولي يوافق على بيان يدين العنف في سوريا
- وزير الأوقاف الفلسطيني: الاحتلال يرفض تسليم الحرم الإبراهيمي ...
- وزير الدفاع الفرنسي: مقترح وقف إطلاق النار في أوكرانيا يشكل ...
- فانس: ترامب يعارض نشر الأسلحة النووية في أوروبا الشرقية
- سفراء سعوديون يؤدون القسم أمام ولي العهد محمد بن سلمان (فيدي ...
- البرتغال: الرئيس يحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة في 18 ...
- إيران تدرس رسالة ترامب وأميركا تصعد عقوباتها
- إدارة ترامب تبحث خيارات عسكرية لضمان الوصول إلى قناة بنما
- إيكواس تفعل قوة احتياطية لمحاربة الإرهاب


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - عَاصِمَةُ مَنْ؟!