شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 7020 - 2021 / 9 / 15 - 15:28
المحور:
الادب والفن
كيف نقنع الذي يحتضر أن باطن الأرض قد يكون أرحم من خارجها؟ كيف نقنع الذي يحتضر أن قبره ينتظره ولن يكون ضيفاً ثقيل الظل ، لكن المخرج والكاتب الفلسطيني "نصري حجاج" قرر أن ينهي حواره مع الأرض ، أن يتأمل جسده من فوق، بعيداً عن نزاعات الأرض والتشتت واللجوء المقيت المُذل ، ويضع قدمه على أول درجات الرضى ، لا يريد أن يبيت في أرض تصرخ في وجهه كل لحظة : أنت لاجئ لا يحق لك النوم في رحمي .
أيها الحزن والتساؤل لا تعبث مع الفلسطيني " نصري حجاج " الذي صوب بندقيته صوب العبث العابر من خيام الحرية ، صوب المدن والأنظمة التي رفضته ومحطات القطارات والطائرات التي كانت تنقله من منفى إلى منفى، لقد عاش المنافي جميعها وكانت المحطة الأخيرة مدينة فينا – النمسا – التي عرف أن ظله سيبقى حبيساً في قبو يسحب الهواء من داخل مأساته الفلسطينية .
كان " نصري حجاج " يعرف لا نجاة من الغربة ، وجسده الذي كان يلامس طين أرض الوطن ، بعد موته سيصبح قبراً غريباً في أرض غريبة تتوهم طحالب الزمن أنها ستنال منه ، لكن قبل موته ، قبل أن ينسج عنكبوت النسيان ثوبه الضيق ضيق حفرة " الجلبوع " سينسج هو ثوبه ويحرقه وينثر رماده ، لا يريد قبراً عنوانه يتعرض مستقبلاً للتفتيش والتلفيق وشاهده يتكسر تحت لعنات الغربة والغرباء الذين سيعلنون أن قبره احتلالاً واستغلالاً لأرضهم، وعليهم طرد الغرباء .
لقد اختصر " نصري حجاج " الذي ولد عام 1951 في مخيم عين الحلوة في لبنان ومات في فينا بعد صراع مع المرض في 11 / 9 / 2021 ، حيث كانت وصيته حرق جثمانه ونثر جزءاً من رماده لاحقاً في مخيم عين الحلوة، وعند قبر والدته فاطمة في مدينة صيدا و جزءاً في قريته الناعمة شمال فلسطين و جزءاً في سوريا و جزءاً فوق تراب تونس حيث عاش عمره ، وليعلن " نصري حجاج " صراحة بعد ذلك أن لا قبر له، وبهذه الوصية ينهي الجدل التاريخي بين الفلسطيني وقبره التائه ، حيث الفلسطيني الذي يموت في الغربة تبقى شهقته الأخيرة معلقة " أمنيتي أن أدفن في فلسطين " .
من المعروف أن " نصري حجاج " كان كاتباً وقد كتب في عدة صحف عربية وأجنبية و أخرج عدة أفلام وثائقية لاقت الكثير من الاحتفاء النقدي، منها " ميونخ حكاية فلسطينية " وهو فيلم يقدم وجهة نظر عربية لما جرى في ميونخ 1972وفلم "ظل الغياب" الذي يحكي مأساة موت الفلسطيني بعيدًا عن فلسطين .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟