أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - 200 جنيه … تتلصَّصُ على المجتمع!














المزيد.....

200 جنيه … تتلصَّصُ على المجتمع!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7020 - 2021 / 9 / 15 - 13:20
المحور: الادب والفن
    




كأنكَ تتلصَّصُ على بيوت بعض أُسر المجتمع وأسرارِها، عبر عيني ورقة مالية من فئة الـ 200 جنيه، تلك التي راحت تسافرُ من يدٍ فقيرة، إلى يد عابثة لصّة، إلى يدٍ كادحة، إلى يدٍ فنانة، إلى يدٍ مقهورة، إلى يدٍ ثرية، إلى يدٍ مستغلِّة، إلى يدٍ كريمة، إلى يدٍ لاهية، إلى يدٍ مُعوزة، إلى يدٍ حاسدة، إلى يدٍ طامعة، إلى يدٍ عاجزة، إلى يدٍ شريفة، إلى يدٍ أرملَ، إلى يدٍ مريضة، إلى يدٍ خائنة، حتى تعود بلعنتِها إلى اليدِ العابثة التي سرقتها، ثمّ تُتِّمَ تعويذتَها وتسقط من جديد في يد صاحبتها الأولى: الأمّ الفقيرة التي صارت ثكلى؛ بعدما أطلقت لعنتَها القاتلة على صاحب اليد اللصّة؛ وهي لا تدري أنه ابنُها الأوحد. فيتصدَّعُ قلبُها المفجوعُ وتتساقط أشلاؤه مع تهاوي الورقة المالية الملعونة المختومة باسمها على أسفلت الطريق.
فلاشاتٌ وامضةٌ من مَشاهدَ خاطفةٍ غيرِ مشبَّعة، لا تحكي إلا ما يكفي أن نعرفَه عن أحوال نماذجَ من الناس، لكي نتعرَّفَ عليهم ونكون شهودًا على مآسيهم وأحلامهم. أبطالُ تلك المشاهد نجومٌ كبارٌ على الشاشة، بسطاءُ مهمَّشون مهشَّمون على أرض الواقع ذي الأطياف المتعددة. لكن اكتمالَ تلك المشاهد المبتسرة، في نُقصانها وعدم تشبّعها. ففي النقصِ اكتمالٌ. لأن عقل المُشاهد سوف يُكملُ ما نَقُصَ من خبراتِه الخاصة.
فيلم "200 جنيه" تأليف "أحمد عبد الله"، وإخراج "محمد أمين” وبطولة عدد هائل من نجوم الصفِّ الأول، يمثِّل كلٌّ منهم بطلَ حكاية قصيرة موجعة بالاشتراك مع البطلة الرئيسية التي تمثِّلُ القاسمَ المشترك في جميع الحكايا: "ورقة ال 200 جنيه"، التي كانت بمثابة "ظرف زمان" يتجوَّلُ بين ربوع الأمكنة في البيوت والشوارع والأزقّة والحواري والمؤسسات الحكومية وجيوب الأثرياء وأسمال الفقراء، حتى ترتسم لنا تابلوهاتٌ ناقصةٌ من حيوات بشر كثيرين تنقلت الورقة بين أياديهم لتقصَّ علينا ما تيسَّرَ من أوجاعهم وأحلامهم المُجهضة على نحو مقتضب وغير كامل، على أن نُكمِل نحن المشاهدين ما نقُصَ عمدًا في فلسفةٍ فنية مبتكرة وناجزة.
الخُطّةُ الإخراجية التي وضعها "محمد أمين" تقومُ على تعشيق فلاشات موزاييك بشرية حيّة من مَشاهدَ إنسانية في أوج لحظات ضعفها وانكسارِها؛ أبطالُها بشرٌ من البسطاء والأثرياء لا يعرفون بعضهم البعض، ولا تتقاطعُ حيواتُهم إلا من خلال ورقة مالية صغيرة، تعرفُهم ولا يعرفونها. ورقةٌ مالية صارت باليةً من فرط ما تناقلتها الأيادي ورشقتها العيون، فقررت هي أن ترشقَ عينَها الفاحصةَ داخلَ بيوتهم وأرواحهم لكي تتلصّص على أسرارهم وتحكيها لنا، بينما هم لا يرون فيها إلا عددَ مائتين من الجنيهات، وما بوسع قوتها الشرائية أن تسدَّ لهم من حاجة.
النجمة المثقفة والإعلامية الاستثنائية "إسعاد يونس" تفتتحُ لنا الفيلم كسيدة أُميّة فقيرة تبيتُ ليلتَها في الشارع حتى تفتحَ مؤسسةُ المعاشات شبابيكَها، فتضمنُ أن كيسَ نقودِها الظامئَ سوف "يبلّ ريقه" بحفنة من النقود بالكاد تكفي الخبزَ الذي يسدُّ الرمق، وبعض قطع حلوى لأطفال الحارة المحرومين. لكن القدر لن يكتفي بفقرها وعوزها، فقرر أن يضيف إليهما وجعَ الثكل فتفقد ابنَها الوحيد بعدما دعت عليه بالموت، وهي لا تدري أنه محطُّ دعوتها. تفتحُ لنا "إسعاد يونس" قوسَ الفيلم كامرأة فقيرة مبتهجة بالأمل، وتغلقُ لنا القوسَ الآخر كأمٍّ مفجوعة صارت قاتلةً لابنها العابث. وبين القوسين حكايا كثيرة قدّمها لنا نجومٌ كبار بوسع كلّ منهم أن يحملَ عملا مستقلا، لكنهم آثروا أن يقدّموا لنا سماءً مرصّعةً بالنجوم في هذا العمل الجميل. “ليلى علوي" الزوجة الجميلة المخلصة التي ترعى زوجها في مرضه، حتى تدفنه وتدفن معه حياتَها. “أحمد السقا" السائقُ الشهم الذي يجودُ بما لديه لكي يمسحَ دموعَ سيدة مفجوعة. “أحمد آدم" الطامعُ الذي لا يشبعُ من استغلال المعوزين. “غادة عادل" الراقصةُ التي تكره عرض جسدها للناهشين وتحلمُ بما يُنجيها من عوزها. “خالد الصاوي" الثريُّ الذي يحسد الخادمة الفقيرة على راحة البال وقلّة المَطالب، والخادمةُ التي تردُّ له الحسدَ حسدًا. “هاني رمزي" العاملُ الفقير الذي يقهره احتياجُ طفلته لارتداء فستان جديد في حفل المدرسة. “صابرين" الفنانة التي ترصدُ تحوّل سيدةٍ من تحت الأضواء إلى بائعة متجولة يقهرها المتنمرون. “أحمد السعدني" الذي يفتتح الفيلم كشابٍّ عابث يسرقُ أمَّه، وينتهي به الحال ممزقًّا على أسفلت الطريق بسبب لعنة السرقة الأولى. وغيرهم العديدُ من النجوم الذين غزلوا لنا نولَ خيوط هذا الفيلم الجميل، الذي يقدّم لنا بانوراما الطبقية والوجع في كل مجتمع.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تصيرُ مشهورًا وجماهيريًّا؟
- أمّي ... التي تموتُ كلَّ عام!
- سألتُ نجيب محفوظ: هل تعرفُ اسمَ طاعنك؟
- الرئيس السيسي … فارسُ التنوير الجسور
- أعلنها الرئيسُ: مسألة وعي!
- السيسي … قائدٌ يُنجِزُ … ثم يُعلن
- سمير الاسكندراني … وأبي!
- هاتزعل منّي يا ريس!
- فريال … فارسةُ مصرَ الذهبية
- العذراءُ المُطوّبة … وشمس الدين التبريزي
- العيّل بيجي … من رزقنا!
- صحوةُ الضمير الإنساني
- فنُّ التعليم … عبقريةُ مُعلّمة
- في الوحدةِ يصنعُ الإنسانُ كُرةً … أو يُطلقُ رصاصة
- درس علا غبور… في مناهج التعليم المصري
- نستحقُّ حياة كريمة… ولا يليقُ بنا أن نقلق!
- أنا سوّدت عيشة أهلي ... يا عمو حسين يعقوب!
- نفرتيتي تقولُ: -مِن مصرَ دعوتُ حابي-!
- هكذا كلّمنا الرئيسُ ... قبل سبع سنوات
- 30 يونيو حياةٌ … والقراءةُ حياة


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - 200 جنيه … تتلصَّصُ على المجتمع!