حازم العظمة
الحوار المتمدن-العدد: 1647 - 2006 / 8 / 19 - 12:18
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كثيراً ما يُمتدح في " المبادىء" الثبات .. ، و من هذا "الثبات "، رغم أن صنوفاً منه حتماً جميلة و نبيلة ، ما هو غبي و عنيد بلا طائل و يذكرك ببعض الجنود الذين رفضوا أن يقبلوا بهزيمة ما و اختبؤوا في الغابة و ظلوا يزيتون و يلمعون أسلحتهم القديمة مع أن تلك الحرب التي خاضوها كانت قد انتهت منذ عشرات سنين .. !
و ثمة من هم يساريون هكذا بسبب " الثبات " ، هذا النوع من الثبات ، و الأفكار التي يدافعون عنها غدت بالتقادم رجعية و متأخرة و هم بذلك يسيئون من حيث لا يقصدون إلى " اليسار" الذي ينافحون عنه
لا بد أن أشير ، من البداية ، إلى أن مفهوم " يسار " و " يمين" مثلها مثل الكثير من الكلمات و خاصة " الثنائيات" إن هي إلا مفاهيم نسبية و أنها تكون مفيدة طالما أنها تقدم " اختصاراً " ما أو " تركيزاً " لفكرة ما أو لموضوعة ما ، إلا أننا كثيراً ما نقع في حرفية الكلمات و ننسى معناها الأصلي و بالأحرى دلالاتها التاريخية الملموسة
ما كان يسارياً بالأمس قد يبقى يصر على أنه يساري اليوم ، فيما مفاهيمه تتآكل و التاريخ مضى أميالاً كثيرة بعيداً عن المكان الذي توقف عنده
و بالمقابل في العديد من الحالات لا يكون مفهوماً كيف أن اليسار و الموقف " اليساري " يتبدل في مرحلة ما و كيف أن "خطوط التماس" بين اليسار و اليمين تتداخل ، و لكنها ، هذه الخطوط ، بطبيعتها متبدلة
من البديهي أن أنظمة معينة و أحزاباً معينة تبقى دائماً " يمينية" من كل وجهة نظر و من كل زاوية شئت أن تنظر إليها ، نظام النازية و الفكر النازي مثلاً ( بالمناسبة حزب هذا النظام كان يسمي نفسه بـ القومي الإشتراكي .. )
نظام النازية الألمانية هذا انتهى ، و هكذا أيضاً انتهى نظام العنصرية -الأبارتيد – في جنوب أفريقيا ، على الأقل تفكك كبنية سياسية معلنة و مكرسة
كذلك الحركة الصهيونية التي نشأت من الفكر العنصري و الإستيطاني المستمد من كولونيالية القرن التاسع عشر ، نشأت من اليمين و ستبقى كذلك إلى أن تنتهي و تصبح جزء ً من التاريخ ، من تاريخ الكولونيالية الفاشية و العنصرية الأشد إظلاماً *
أنظمة الإستبداد و الإستعباد و الإستغلال و تقسيم النوع البشري إلى " مهيمنين " و " مهيمن عليهم" إلى بشر من طبقة أولى " و بشر من " طبقة ثانية " أو "عاشرة " إلى مواطنين من درجة " أولى" و غيرهم من درجة " صفر" ... ، الأنظمة التي تقوم على جلد الشعوب و خنق الفكر و الرأي لن تكون في يوم من الأيام أنظمة " تقدمية " مهما تزينت بالكلمات و النعوت و الإدعاءات ، منظومات سياسية و فكرية كهذه لن تكون " يسارية " في يوم ما و لن تجد لها مهما جهدت في أن تبحث لها عن" لون" يساري ما
نظام عبد الناصر في المنطقة العربية هو الذي بدأ أول من بدأ بالتأسيس لأنظمة المخابرات و السجون من الطراز " القومي" و تبعته في ذلك الأنظمة " البعثية" و هو خلال ذلك كله كان نظاماً إستبدادياً و نزلاء سجونه كانوا عموماً من كافة الآراء و الإتجاهات ، إلا أن معظمهم كانوا من الشيوعيين و من اليسار ، هذا النظام لا بد أن تصنفه ، في المحصلة العامة ( إن كان هذا التصنيف ضرورياً ) من اليمين ..
إلا أن موقف عبد الناصر حين أمم قناة السويس كان موقفاً يسارياً ، ربما أهم ما حدث لمصر في تاريخها الحديث ، و لكن هذا لا يعطي لعبد الناصر صفة " يساري" إلى الأبد ، هذا الموقف المحدد أعطاه هذه الصفة بصورة عابرة في هذه اللحظة و لم يعطه إياها إلى ما بعدها بالضرورة
أحياناً في حركة ما ، في اتجاه ما ثمة عناصر يسارية و يمينية على مستوى الفكر تتداخل ، المنظمات اليسارية التي بعضها ينشر هنا في " الحوار المتمدن " ، مثلاً ، ربما أتفق معها في رأي ما أو أعارضها ... في أشياء عديدة و لكن ما يلفتني شخصياً أن لها رموزاً صنمية
أعني صور ماركس و لينين و ماوتسي تونغ أحياناً و أحياناً تروتسكي أو – بالعكس- ستالين ، هذه الصور و الرايات التي تستخدمها كرموز أو ( لوغو) ...
كيف يمكن أن تكون يسارياً و ثورياً و تدعو إلى الصنمية و لك " بطاركة" و "آباء" و " شيوخ" ... ،
في هذه الحالة " الصنمية" هذه تنتمي إلى موقف " يميني " في الفكر ، ماركس نفسه ربما أنه من أبرز من انتقد بلا هوادة الصنمية و الجمود و الأفكار الثابتة و " الآباء" و " المرشدين" و " الأنبياء "
مفهوم اليسار نفسه يتبدل ، لم يعد مقبولاً ، ربما لم يكن مقبولاً في يوم ما ، مفهوم " اليسار الإستبدادي" ... !!! و مفهوم " ديكتاتورية البروليتاريا " غدا من التاريخ
اليسار المعاصر في العالم ، الذي ينهض من جديد قوياً و نضراً ، يصر على أن الديموقراطية مفهوم أصيل في كل فكر يساري ، اليسار العالمي الآن يستمد من الأفكار الأصلية لـ"ماركس" جذوة الحرية ، و أفكاره التي تتحدث عن " إلغاء الدولة " و مفهوم أن الدولة – كل دولة – أداة للإستبداد ، اليسار العالمي تخلص من إرث الإستبداد الستاليني ، انتهى اليسار من تركة و عقدة الإستبداد الستاليني و أتم تصفيتها
اليسار من طبيعته التبدل و التطور و الذهاب إلى الأمام ، ما كان " تقدمياً " بالأمس يمكن أن يغدو اليوم أو غداً " رجعياً " و متأخراً ، ما كان في العلم " إكتشافاً " يصبح و أحياناً خلال سنين قليلة عائقاً و " فكرة ثابتة" تخنق و تئد أي تقدم جديد
في الكثير من الأحيان الخطوط ، بين يسار و يمين ، تتداخل ... ، كيف لنا أن نفسر أو أن نفهم أن الشيوعيين العراقيين ، بعض هؤلاء على الأقل ، يؤيدون بالفعل بقاء الإحتلال الأمريكي ...
و كيف نفهم أن اليسار في العالم كله وقف ضد الإحتلال الأمريكي ، و في نفس الوقت ، و بدون أي لبس ، أدان و ندد بنظام صدام الفاشي ، فيما "اليسار " العراقي أيد هذا الإحتلال ، و ما يزال ...
ربما أفهم الشيوعيين العراقيين ، في أنه ما كان من مخرج أمامهم و أمام العراق ، في حينه ، إلا أن يؤيدوا هذا الإحتلال - " التحرير" ، و لكن الآن فيما أصبح مرئياً لكل ذي عقل و لكل ذي بصيرة كيف أن هذا الإحتلال –" التحرير" طالما استمر لن يأتي للعراق إلا بالقتل الطائفي و التقسيم و الطائفي و الإثني ، و خاصة أنه ما يزال يأتي للعراق بأسفل أنواع المتأسلمين و المتمذهبين و اللصوص و المافيات و الإقطاعيات الإثنية و الطائفية ...
و أنه عن سابق تصميم يردّ العراق فعلاً إلى القرون الوسطى و يغرقه في المذابح و القتل ..
ما لا أفهمه أنه بعد هذا كله الآن الشيوعيون العراقيون ما زالوا يترددون في موقفهم من هذا الإحتلال و ما زالوا " يبحثون" في " فوائده" المحتملة ...
هل نستنتج من هذا أن الحزب الشيوعي العراقي " يميني" ...
و كيف لي أن أفهم ، و كيف لنا أن نفهم ، أن " إسلاميين " مثل المقاومة الوطنية اللبنانية يصبحون ، في هذه اللحظة على الأقل ، من اليسار .. ، العربي و العالمي .. و أن هذه المقاومة الآن تجد نفسها و يجدها العالم في مقدمة الجبهة المعادية للنظام الإمبراطوري الأمريكي ، و فرعه الإسرائيلي و هي هكذا في اليسار ...
و كيف لنا أن نفهم أن نظاماً يساريا ً مثل النظام الفنزويلي يسحب سفيره في تل أبيب ، تأييداً للمقاومة اللبنانية فيما " يساريون رسميون" عرب ينددون بـ "حزب الله" و بالمقاومة ...
* ربما أن بعض النظريين في الأربعينات و الخمسينات وجدوا لإسرائيل صفة يسارية ما قبل و أثناء إنشائها ، و من وجهات نظر ، بكل تأكيد ، استشراقية و مليئة بنظرة متعالية على العرب متأثرة بـ " إشتراكية" الكيبوتزات الإسرائيلية و التي انكشفت سريعأ بعد إنشائها عن نموذج كلاسيكي للكولونيالية في نسختها اليهودية و العنصرية
#حازم_العظمة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟