|
المسبحة والسياسي – بحث في الرياء المقارن
باسم السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1646 - 2006 / 8 / 18 - 10:59
المحور:
كتابات ساخرة
ليس من اليسير أن تخطئ عين المراقب مدى التهافت الذي يجرف العراق نحو هاوية لايعلم كنهها إلا الله العليم الحكيم، ويعاني المتتبع للشأن العراقي من الألم وهو يجد في كل يوم فجوة تبعد العراق عن كل ما يمت الى الحضارة والمدنية ويقرِّبه بإتجاه التخلف والإنغلاق والتقوقع وذلك جارٍ (مع الأسف) على غالبية الصعد السياسية والأمنية والإقتصادية والأخلاقية والقانونية والإجتماعية والدينية والخدماتية. ولعل من أغرب هذه الصعد هي الجانب البروتوكولي للساسة المتداخل مع الجانب الديني ، ومع غض النظر عمّا (خفى) يستقطب أنظارنا ما (ظهر) من ممارسات .. تعد المسبحة أحد أهم مكونات الشخصية الدينية والإجتماعية (العشائرية) العراقية ، ومردُّ ذلك الى (الرياء) أولاً وأخيراً إذ يفترض العراقي في حامل المسبحة أن يكون من (أهل الله) أي مشغول عن الناس بذكر الله .. وعن كسب فتات الدنيا الى كسب رضا الرب ، هذا ما كان قد افترضه الأولون في حامل المسبحة حين كان كل شئ يمضي على سجيته وفطرته .. حتى أنها كانت في حقب سالفة من مزايا وسمات الزهاد والعاكفين على الآخرة. إكتشف العراقي أن التجارة طالت كل الميادين .. ومنها الدين ، فعرف بفطنته أن المسبحة (وهي رمز الوجاهة الأخروية) باتت رمزاً للوجاهة الدنيوية معتمدة على التخلف الذي يرزح تحته المجتمع، فيقدس المجتمع كل ما لا يتقدس مادام على صورة المقدس، وصارت صورة الدين التي يحترمها المجتمع (طيب القلب) رداءاً يرتديه كل من له إرب في تمويه الصورة أمام الفرد البسيط . يبدو (والله العالم) أن غالبية ساستنا وهم من الإسلاميين (التاركين) لاقدرة لهم على الإنفراد بالتوصيف (السياسي) من دون ارتداء جلباب الدين مبتدءاً باللحية ومتوجاً بالمسبحة، وربما نسي هؤلاء .. وربما (أنا من السذاجة بحيث أزعم) أن على السياسي أن يكون حاملاً لهموم المواطنين .. وبالأخص كونه يتحدث باسم الجماهير التي أوصلته لما هو عليه، فمن المستغرب والمستهجن (بحسب سذاجتي) أن يحمل السياسي المسبحة اثناء ممارساته البروتوكولية ولقاءاته الصحفية لسببين : 1- إن السياسي في هذه الممارسة لايجد الوقت لتسبيح البارئ عز وجل وتنزيهه وحمده وشكره ، وذلك بسبب إنشغاله في التباحث والتداول في الشؤون السياسية التي تهم المواطن وتحل مشاكله وتقوم من الأخطاء التي يعج بها المجتمع أو الرد على أسئلة الصحفيين والمراسلين. 2- أما إذا انشغل بالتسبيح والتحميد والشكر والحوقلة والاستعاذة وغيرها من الأذكار (وهذا ما لانراه أمام الكاميرات) إثناء الممارسة المذكورة ففي هذا إنصراف عن واجباته وتضييع لوقت المقابل إذا كان ضيفاً أو زائراً أو صحفياً أو مجموعة من الصحفيين والمراسلين، ولما ثبت (عياناً) عدم الإنشغال بالذكر فيكون السياسي (إياه) مرائياً .. أو باحثاً عما يلهي به يديه وهذان الخياران أحلاهما مرٌّ. وأما المسبحة فهي على أنواع وأصناف ، أشهرها الـ 101 وهي في الأصل ذات 99 حبة، وتمتاز بتلك الحبات بأنها صغيرة دقيقة خفيفة الوزن لاتأخذ حيزاً مهما إذا وضعت في الجيب ، يشتهر حملها لدى طلبة العلوم الدينية والدراويش والمتدينين ممن أدمن الأذكار الواردة في السنة كـ (تسبيح الزهراء عليها السلام) فهؤلاء لايستغنون عن هذه المسبحة في التعقيبات التي تلي الصلوات . ومنها الغليظة الملونة ذات (الكركوشة) المزركشة التي يشتهر بحملها التجار ووجهاء الدنيا وزعماء العشائر ،وفيها ثلاثة وثلاثون حبة في العادة وهذه المسبحة دنيوية صرف لادخل لها بالله ولا دخل لله بها وأثمنها وأرفعها مقاماً عند طلاب الدنيا هي الكهرب الروسي والياقوت والزمرد. النوع الثالث هو متوسط الحجم أصغر من الثانية وأكبر من الأولى وفيها أيضاً 33 حبة تصنع من (اليسر) وهو من نبات بحري على مايقال يحمل همَّ صاحبه عنه فتنفطر حبة اليسر إذا ما كان قلب صاحبها مكروباً أو مهموماً ، ومنها السندلوس وهو أحد انواع البوليمرات (على مايشاع) ومنها الفيروز أو الفيروزج والمرجان واللؤلؤ او الماس أحياناً قليلة جداً تكاد لاتعد على أصابع اليد.. وتوجد أنواع أخرى لامجال لذكرها .. هذا الصنف من المسبحات هو أيضاً لأهل الدنيا وليس لأهل الآخرة ، كونها غالية الثمن لايشتريها من يريد وجه الله بل من يريد إنتزاع إعجاب البسطاء والمتخلفين والمتملقين. الصنف الرابع (وهو حديث العهد) أو يمكن الإصطلاح على أنه (سبورت تك باب) وهو المسبحة ذات الـ 21 حبة وتصنع من الفضة أو من الفيروز ، صغيرة الحجم تحتوي (كركوشة معدنية) من المعادن البرّاقة تضفي على حاملها صفة (اليسر) والرفعة وإنعدام المعدنة (من المعدان) . وفي الحضارات الشرقية والغربية العديد من الأنواع كالزوجية (وتحتوي أعداداً زوجية من الحبات 22- 44 -66) وألفية فيها ألف حبة .. لايعنينا الخوض فيها. نعود الى سياسيينا أو ساستنا (رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين) .. من خلال دراستي للمسبحات التي يحملها الساسة وجدت ترابطاً (عضوياً) نعم عضوياً بين المسبحة وبين السياسي .. وأحياناً يكون الرابط عقدياً يضفي على حاملها صفة القرب من ساحة القدس الإلهي وهذا بالضبط هو الهدف من حملها (الإضفاء وليس القرب) . فالرابط العضوي يتضح جلياً في الرئيس مام جلال وعادل عبد المهدي نائبه .. فكلاهما متكرشان يحملان مسبحات من النوع الغليظ (متكرشة أيضاً ) تمتاز بطقطقتها المثيرة والملفتة للنظر بما يتلائم مع الصفة الجسمانية لكل منهما . وهنالك المسبحة من النوع الرابع (سبورت تك باب) رأيت الدكتور حسين الشهرستاني يحملها ويتبختر بـ (لامعدانيته) من خلالها لتعبّر عن رقيِّه وتعاليه وترفعه ، وشاركه هذا الصنف السيد محمود عثمان النائب الكردستاني معلناً عن إنضمامه لتجمع الفوقيين الديمقراطيين. أما الصنف العقدي فيمتاز به جلُّ المعممين وعلى رأسهم الشيخ جلال الدين الصغير الذي يبرز في كل مرّة أمام عدسات الكاميرا مستعيناً بمسبحته لتمرير (هيئته) الإضفائية على كل الذين يترددون في التصويت للقائمة 555. الرابط الوحيد الذي يجمع هؤلاء وأشباههم هو عدم جدِّية التعاطي مع المسبحة بحسب وظيفتها .. بل تشكل لديهم ديكوراً (يخرب من الضحك) أمام ضيوفهم وعدسات المصورين .. متناسين أن المسبحة حالها حل سجادة الصلاة ليس من المناسب لاأخلاقياً ولا دينياً ولا إجتماعياً حملها من دون الإرادة لعمل عبادي يتعلق بوجودها نفسه. بغداد
#باسم_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذيان وطنٍ يُحْتَضَر – يونيفورم
-
هذيان وطنٍ يُحْتَضَر – مآذن
-
هذيان وطنٍ يُحْتَضَر - نيسانيات
-
دفرسوار لبنانية أم عربية هذه المرَّة ؟
-
مروحين
-
من أسكت موفق الربيعي ضمنت له الجنَّة –6
-
من أسكت موفق الربيعي ضمنت له الجنّة – 5
-
من أسكت موفق الربيعي ضمن له الجنّة -4
-
من أسكت موفق الربيعي ضمنت له الجنّة – 3
-
من أسكت موفق الربيعي ضمنت له الجنّة -2
-
أسكت موفق الربيعي ضمنتُ له الجنَّة - 1
-
الخطة الأمنية في الميزان
-
عقدة الإستشهاد .. زكام الأمَّة
-
أسامة الجدعان .. شهيد خطيئتين
-
زهرة اللوتس
-
الملابس الداخلية .. للدولة
-
الى فخامة زعيم عصابات منطقة الفضل المحترم .. عتب أخوي
-
وقفوهم إنهم .. عراقيون
-
ولاية الفقيه .. بين النفط واللفط
-
ديكتاتورية الريزيستانسيا
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|