|
الساكن والمتحرك... في فكر المسرح
فاضل خليل
الحوار المتمدن-العدد: 7016 - 2021 / 9 / 11 - 14:39
المحور:
الادب والفن
بيتر بروك، الاسم الأكبر في عالم المسرح المعاصر، الروسي الأصل الذي توغل بعمق في المسرح الانجليزي، الذي قال يوما لأحد طلابه العرب، الذي انطلق بسيل من المديح العربي، المشهود له بتكوين الدكتاتوريات في السياسة، والثقافة، وكافة المجالات الابداعية. الذي راعه خجل ( بيتر بروك ) من طوفان مديحه هذا، فقال ( بروك ) مبديا استغرابه من الاعجاب الذي بالغ فيه صديقنا العربي، أنه لم يفعل شيئا يستحق كل هذا الاطراء، وببساطة ـ قالها بروك ـ أنه فقط أراد أن يكسر السكون، والمألوف الذي يكتنف عمل المسرح المعاصر، فأراد أن يخرج عنه الى البحث عما هو خارج المألوف. من هنا انطلق ـ أنا بروك ـ الى كل ما هو يحمل بين طياته الغريب والعجيب في عام المسرح. الأمر الذي جعله في احدى محاولاته أن يقدمها بكل لغات العالم فكانت موضوعا غير اعتيادي استقاه من خارج المعروف من مألوفية الطرح المعتادة، فكانت موضوعا مشاكسا لواحد من أهم عروضه المسرحية. أو حين اختار ساحل البحر في مدينة ( شيراز ) الايرانية، موقعا مسرحيا يبعده عن العلبة المألوفة، لتكون مسرحا لملحمة ( أورجست )، مستثمرا فيها ساعة الغروب، واللون الأحمر القاني الذي يطغى على لون الشمس، ساعة المغيب، لونا يعبر عن لحظات الغياب الحزينه، كي تكون البداية التي يستهل فيها العرض المسرحي، كما أرادها أيضا للتعبير عن دموية الاحداث، وما يتبع ذلك حتى نهاية العرض. أو عند تفكيره، باخراج مسرحية ( مؤتمر الطيور ) التي عالج تقديمها بـ 3 مراحل، الأولى/ عندما تستيقظ الطيور صباحا، وهي بمنتهى الراحة، لتتهيأ الى الانطلاق الى العمل. والثانية/ الطيور بمنتهى النشاط والعمل في نهاراتها السعيدة، وما يتبع ذلك من اصواتها العالية. والثالثة/ عندما تأوي الطيور الى أعاشاشها، بعد يوم من العمل الشاق المضني على كائنات بضئالة الطيور حجما. هو ذات المنطلق الذي انتهجه مبدع كبير آخر هو ( برتولت بريخت ) عندما أطلق العنان لأفكاره في استخدام ( التغريب ) في الخروج عن المألوف، وله في ذلك مجموعة من الحكايات الكبيرة، التي اعتمدها من الواقع الملئ بتلك االحكايا الغريبة، التي تبعد الناس كثيرا عن الواقع المألوف. فما بالك عن حكاية من واحدة من مسرحياته التي تحاكم الضحية، ولا تحاكم المجرم، كما في مسرحيته ( القاعدة والاستثناء )!!. أو في طروحاته الشهيرة التي أوردها في مسرحيته، ( دائرة الطباشير القوقازية )، التي يدعو فيها الى قبول الرأي الغرائبي، في أن ( الارض لمن يزرعها، وليست لمالكها ) و( العربة لمن يقودها، وليست لصاحبها ) أو أن ( الابن لمن يحسن تربيته، وليس لأمه أو ذويه ). وهكذا تجد أن مثل هذه القامات المسرحية جهدت طويلا كي تبحث عن أفكارها ومشاكساتها في المسرح. وليس غريبا، أن يعتمد برتولد بريخت، التراث الانساني الاسلامي موضوعا، لأهم مسرحياته، حين لجأ الى احدى الحكايات الشهيرة، التي تروى من سيرة الامام علي بن أبي طالب (رض). من أجمل ما يروى من سير الإمام علي (رض)، حكاية أخذها الكاتب الألماني الشهير برتولد بريخت وكتب منها اجمل نصوصه وهو مسرحية [ دائرة الطباشير القوقازية ] . محتوى النص أن الحق حق ، حتى لو لم يرض الآخرين ، ومنطق العقل هو الذي يجب أن يسود ولا يسود المنطق التقليدي المتداول . الحكاية الأصل تقول : أن امرأتان احتكمتا عند سيدنا الإمام على (رض) بأحقية ابن ادعت كلتاهما انه لها ، وكل منهما أعطت براهينها التي تثبت أحقية امتلاكها للولد عن الأخرى ، وطال الحديث وكثر الادعاء ، وكل منهن متشبثة بابنها كما تدعي . فما كان من الإمام (رض) إلا أن يطلب من كل منهن أن تمسك بذراع منه ، ففعلتا . فرفع سيفه لقسم الولد نصفين بسيفه كل منهن تأخذ نصفا ، وكانتا مصغيتين لحله . فرفع سيفه ليهوي على رأس الولد حتى صرخت إحداهن برفضها الحل قائلة : المربية : لا يا مولاي لا تفعل، لتأخذه هي ( تقصد المرأة المدعية الأخرى). فقال لها الإمام (رض) : ألم تدعي أنه ابنك ؟ المربية : نعم ابني، لكني لا أريد له التقسيم، سيموت يا مولاي. فما كان إلا أن يأمر به لها ( للمربية )، مكافأة لها عن خوفها عليه وحرصها على سلامته، وحياته، في حين أن الأمرأة الأخرى ( أمه )، التي لم تحرك ساكنا وكانت راضية بالحل الذي اقترحه لهما وهو أن تسحب كل واحدة به الى جهتها. أما التصرف الذي ابتدعه برتولد بريخت فيذهب ابعد منها ، حين يحتكمان إلى ابسط الناس في ابن تتركه أمه في أحلك اللحظات وأدقها ، فتهتم بجمع ملابسها وحليها وتترك ابنها في ظرف الحرب لتهتم به خادمتها تضمه وتعتني به حتى تهدأ الأمور وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها ،فتعود ألام لتدعي بابنها . فيقرر الحاكم أن تضعا الابن وسط دائرة طباشير رسمها هو ، لتمسك كل واحدة منهما بذراع فتجذبانه وأي منهما تستطيع سحبه من الدائرة يكون لها . وهكذا تبدأآن بالشد حتى تتركه المربية خوفا على قطع ذراع الطفل الصغيرة الغضه، صارخة : المربية : لتأخذه لا أريده، فقط أن يظل سالما. فيحكم القاضي بالطفل لها. ومن هنا ذهبت الحكاية مثلا من خلال الحقائق التي تركتها في : أن الطفل لمن يحسن تربيه. والعربة لمن يقودها. والأرض لمن يزرعها.
#فاضل_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التكامل الفني في العروض الناقصة
-
المسرح الشعبي العربي .. حكاية واحتفال
-
السينوغرافيا وأسس تكنلوجيا التلقي في الخطاب المسرحي العربي
-
سعد الله ونوس .. الملك هو الملك - أنموذجا
-
التأليف...المهنة الأسهل في المسرح
-
صلاح القصب يؤول الصورة الى التحطيم الغاضب علي التقليد
-
جاهزية التلقي والنقد المسرحي
-
تكنولوجيا الخشبة توصل خطاب المخرج بلا ثغرات (فاختانكوف يسحر
...
-
هل يكتمل الصراع حين يغيب الآخر في المونودراما ؟
-
المؤثر القلق في ثبات الأنظمة التربوية والتعليمية في العراق
-
تطور عمل المخرج في المسرح العربي المعاصر
-
في ( المونودراما ) و ما تيسر من تاريخها ...
-
مستقبل المسرح العراقي ... حين تغيب العافية عن المسرح
-
الابن لمن يربيه !!!
-
الفن قوة
-
المخرج .. قائد للفريق في المسرح
-
المخرج ودينامية الحياة في المسرح
-
طرق الاخراج
-
* المنظور * السرعة الايقاعية * التشكيل الحركي في عمل الممثل
-
الديكور، نبض العرض الأول في المسرح
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|