أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الخطيب - آدم ليس عائداً معي














المزيد.....

آدم ليس عائداً معي


بسمة الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 1646 - 2006 / 8 / 18 - 07:32
المحور: الادب والفن
    



ليست هذه المرة الأولى التي يخلف فيها آدم موعده معي. ولكنها مرة مختلفة... إنها الأشدّ ألماً.
آدم طفلٌ، ليس مهمّاً أن أحصي عمره، لكنه طفل جميل ووديع، كجميع الأطفال، الذين لا نعرف من أين يأتون بضحكاتهم وابتساماتهم في أوقات الحرب العصيبة وفي الأماكن الموحشة.
كان من المفترض أن يكون معي الآن، أعتني به وأغذّيه وأطوي ملابسه القطنية... لكن الحرب ظهرت فجأة في المسافة التي تربطنا ودفعت كلاً منّا في عالم.
أتصوّره يختفي بين جموع الفارّين من الموت. هو لا يعرف لماذا يركضون ويصرخون؟ لكنه يشعر بالذعر. ربما الغول الذي تتحدّث عنه الجدّات في حكاياتهن هو الذي يلاحقهم! أو لعلّها الديناصورات الجبّارة التي تجسّدها الأفلام الأميركية؟
يركض آدم مع الراكضين. كلما ابتعد خطوة اختفت قطعة من جسده، وكلما اختفت قطعة صار العالم أنقص وأظلم وأوحش.
بعدما تأكدت أنه لن يأتي قرّرت الرحيل.
رحت أحزم حقائبي، وأنا ألوم نفسي، لأنني لم أفعل شيئاً لأجل الدفاع عنه.
أفرغت الحقيبة.
جلست قرب النافذة أسمع هدير الطائرات الحربية وأنا أعرف أنها تكره الجمال وأنها إذا رأت حديقتي ودالية العنب الجميلة ستدمّرهما. قلت في نفسي: . تذكّرت طعم حلاوتها وحلمت بآدم يلعب بالطابة تحت الدالية.
عدت لأحزم حقائبي من جديد، فما دام آدم ليس معي لماذا عليّ أن أخاف من سلوك طريق الخطرة؟ ولماذا عليّ أن أبقى هنا مع ذكريات كثيرة نسجتها في انتظاره كما تنسج دودة بائسة شرنقتها وتختنق داخلها؟!
تركت حديقتي غير مشذّبة ولم أجمع الأوراق الذابلة ولا تودّدت إلى الزهرات الجميلات. تركت قارورة شراب التوت الشامي التي أعدّتها جدتي لي، وتركت الزيتون والزيت واللبنة البلدية. قلت إني سأعود قريباً وآخذ أطايب قريتي وجدتي معي لأتفاخر بها أمام أصدقائي في الدوحة. وقلت إني سأعود قريباً كي أبحث عن آدم من جديد وأصطحبه معي. أحتاج إلى الكثير من الصبر والقوّة كي أُمضي هذه الأيام أو الأسابيع في انتظار عودتي إلى لبنان. لكن الساعات بطيئة جداً، والليل لا ينتهي. كلما حاولت إغماض عينيّ؛ ذُعر النوم من رأسي وفرّ بلا رجعة... إنّه أنين الجرحى تحت الأنقاض في القرى الهادئة الوديعة.
أغادر السرير وأقوم لتشغيل الراديو، لكن أي مذيع أو مراسل لا يقول إنه تمّ وقف إطلاق النار وانتشال الجثث وتهدئة أرواح أصحابها وإسعاف الجرحى وتأمين الخبز والماء للمحاصرين.
أعرف أن آدم سعيد الآن، فهناك الكثير من الأطفال حوله، ارتفعت أرواحهم دفعات دفعات، تحلّقوا وشبكوا أيديهم وراحوا يلعبون لعبة <فتّحي يا وردة .. غمّضي يا وردة>، أتعرفونها؟ جميع الأطفال يلعبونها وهي تنتهي بالقفز والوقوع أرضاً، وانطلاق الضحكات <يلا ويلا وهيههه>، بعد كل جولة من اللعبة تنطلق ضحكات الأطفال. آدم تعلّم الضحك الحقيقي.
هنا، حيث أنا الآن، لا يوجد ذعرٌ ولا غارات، الأطفال ينامون هانئين وأهلهم يعدّونهم بوعود جميلة قبل النوم. هنا أيضاً لا يوجد درّاق طازج وعنب يضيء كالشمع، وليس للتفاح نكهة البخور التي تنبعث من تفاح <بشرّي>. تركناها هناك فاكهتنا السماوية وتركنا شاطئنا <دورة مياه> لأوساخ وفضلات البوارج الإسرائيلية. دنّست إسرائيل كل شيء جميل، ولا شكّ في أنها تحتفل كل ساعة بموت أطفالنا وإجهاض نسائنا، فكل طفل من هؤلاء سيزرع في غده شجرة وسيبني جسراً وسيبحر في مركب وسيؤلّف أغنية...
لذلك تقتلهم إسرائيل متعمّدة. آدم يعرف هذا رغم أنه طفل لا عمر ولا جسد له. وعدني بالعودة. عودته ستغيظ إسرائيل كثيراً لأنه أجمل من كلّ أطفالها ومن كلّ أطفال العالم، ولأنه يجيد زراعة الأشجار والاعتناء بالثمار وبناء الجسور والإبحار وإنشاد الأغنيات. لأنه مثل أمّه سيكون كاتباً، لكن ليت قلمه لا ينكسر، كما انكسرت هي وقلمها وأحلامها.

7-8-2006



#بسمة_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الخطيب - آدم ليس عائداً معي