|
-درمالا- عادات وتقاليد من ذهب
عبدالرحمن محمد محمد
الحوار المتمدن-العدد: 7012 - 2021 / 9 / 7 - 11:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كثيراً ما ننظر للعادات والتقاليد والثقافات الشعبية نَظرةً عابرة‘ دون التدقيق في التفاصيل التي تحمل في أغلب الأحيان من دقائق الأمور ما يبهر المرء وينعش الفكر، فالموروث الشعبي من عادات وتقاليد وفن وتراث لم يأتِ من فراغ كما يُقال، بل إنها نتاج فعل وممارسة فرضَت الظروف الحياتية بعضاً منها، وغيَّرَ الناس ورتبوا وبرمجوا بعضاً منها، لتخلق في النهاية شروطاً وتداولاً وتعاطياً لمجموعة من الأفعال والأعمال تترسخ في سلوك الفرد والمجتمع ولتصبح أسساً ومبادئ تسير وفقها تفاصيل الحياة اليومية.
اعتمد الكرد على الزراعة وتربية الحيوان منذ الأزل، وكانوا من أشد الشعوب تعلقاً بالطبيعة ومحافظين عليها وحماة لها، وكذلك كانوا من أوائل الشعوب التي اعتمدت على الزراعة وساهمت في تطويرها وإلى جانبها تربية الحيوان وتدجين أنواع كثيرة من الحيوانات وتربيتها ليعتمد عليها في العمل الزراعي، وكذلك في المأكل والمشرب والاستفادة من منتوجاتها وبخاصة اللحوم، كما وعُرف الكرد ببراعتهم في الصيد عبر العصور.
الـ «درمالا» كضرورة اقتصادية للتأمين والتوفير
توفر الصيد وكثرته في بعض المناطق وبعض الفصول وندرته في بعض الفصول الأخرى دفع بالكرد في مناطقهم المتعددة المناخات لابتكارات عدة من أجل الحفاظ على تلك الموارد من الصيد لتوفيرها في مواسم الندرة وقلة الصيد فاستعملوا التخزين تحت الثلوج، وكذلك الحفظ في الملح، وفيما بعد درجت هذه العادة في أغلب المناطق الكردية وعندما انتقلت العديد من المجموعات والقبائل الكردية إلى الاستقرار في مجتمعات قروية زراعية ريفية ترسخت عادات مجتمع الريف وتطورت في سبيل التآلف والتعايش بما يلائم المجتمع الزراعي الريفي، فتطورت تربية الحيوان للحصول على منتجاته من لحوم وألبان في كل وقت بدل الخروج لصيده، وبدل اللحوم المقددة أو المجمدة في الثلوج ولصعوبة ذلك في المناطق السهلية الدافئة كان لابد من طرائق لحفظ اللحوم لتكون في متناول اليد بشكل دائم فكانت الـ «درمالا» إحدى أهم تلك الحلول. طقوس وشروط لا بد منها في الـ «درمالا»
«درمالا» عادة قديمة لها طقوس ومعايير وعادات وهي تكون كالتالي: يقوم رب المنزل بانتقاء نعجة على الغالب أو عجل في بعض الأحيان، ويفضل أن تكون من اللون الأحمر أو الأصفر (الوجه أو الصوف) لأن لحوما أطيب، وإذا كانت نعجة فلا بد من أن تكون غير حامل حتى لا يُقتل حملها بعد ذبحها. في اليوم الأول يتم غسل النعجة جيداً ومن ثم يتم تكثيف وجبات إطعامها بالحبوب والخبز وفضلات الطعام حتى وبقايا الفاكهة من وجبات الأكل في المنزل ويستمر غسلها مرة في كل أسبوع أو أسبوعين على الأغلب، وبعد مرور حوالي الأسبوعين وبالتدريج تتعود الـ «درمالا» على تناول الطعام الكثير بالتدريج، ومن ثم يكثف برنامج إطعامها ويكون البدء بالتغذية في النصف الأول من تشرين الأول وتستمر حوالي الشهرين عادة، تكون قد اكتسبت خلالهما الكثير من الوزن واكتنزت بالشحم واللحم. بعد أن تسمن الـ «درمالا» وتمتلئ باللحم والشحم وتكسب أقصى وزنها، يتم الإعداد لذبحها ويكون عادة في النصف الثاني من شهر كانون الأول والأيام العشرة الأخيرة التي تسبق رأس السنة ويسمى «دهكي درمالا» وفي اليوم الأول يتم دعوة أفراد العائلة من الأصول والفروع لتناول اللحم المشوي، ويطبخ المعلاق في البيت ويوزع على الجيران مطبوخاً، بعدها يتم فرز اللحم الهبرة عن العظم وتقطع لقطع بحجم الكف وتملح وتشبع بالملح وترصف في سلال من عيدان الكرمة أو من القش أو توضع في جرة خزفية أو في وعاء يكون من جلد الماعز يدعى « هيز أو جودك» وتحفظ في بيت المونة أو في إحدى الغرف التي تكون أقل عرضة للشمس وأكثر برودة، ويُغلى ويُحمس اللحم في الشحم الذي يحويه لحم الـ «درمالا» والإلية لعدة ساعات حتى يحمرَّ ويمكن أن يُحفظ كذلك و يسمى بـ»كزرك، أو قلي أو قاورما». كانت ربة المنزل الكردية تستفيد كثيراً من تلك الطريقة فيكون اللحم في متناول يدها متى ما أرادت، وبعد وضعه عدة ساعات في الماء لتزول عنه الملوحة الزائدة وبذلك يمكنها أن تصنع عشرات الأطعمة التي تعتمد على اللحم كمكون أساس فيها كـ الـ:»كتلك، شمبورك، كرارا مزن، كرار وكوشت… وغيرها» وكانت مضمونة من الناحية الصحية كونها مملحة بالإضافة إلى القيمة الغذائية العالية التي كانت تضم إلى جانب اللحم الخضار لتكون وجبة كاملة، وربما كان ما يؤخذ عليها أنَّها أحيانا كانت تحوي الكثير من الدسم لكن طبيعة العمل والحركة الزائدة والعمل الشاق كانت كفيلة بإزالة الكثير من تلك الشحوم والدهون وحرقها. عادات وتقاليد ترسخت في الأذهان، لكنها كانت ومازالت تحمل الكثير من المعاني وتهدف دائماً لعمل جميل وغاية نبيلة مازلنا نفاخر بها، وستبقى ميراثا من ذهب للأجيال القادمة.
#عبدالرحمن_محمد_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أشتاقك في هديل احتراقي
-
كهوف مكرون وعبق التاريخ والفلسفة
-
“كوباني.. مملكة الماء والغرانيق”.. مدينة تولَد مرتين
-
قراءه في كتاب تاريخ كردستان... إمبراطورية الكرد الأيوبيين/ ا
...
-
محمود عزيز شاكر… نصف قرن مُكلّل بالعطاء. حاوره/عبد الرحمن مح
...
-
الشاعر والقصيدة… من يكتب الآخر؟
-
أرواح ثائرة في “رغبات مُهَشَّمة”
-
قراءة في كتاب -مالفا MALVA- -بين صخب اللون وهمس الشعر-
-
عيد الهالوين …بين طقوس الحصاد والاحتفاء بالموتى
المزيد.....
-
الحوثيون يصدرون بيانا عن الغارات الإسرائيلية: -لن تمر دون عق
...
-
البيت الأبيض يتألق باحتفالات عيد الميلاد لعام 2024
-
مصرع 6 أشخاص من عائلة مصرية في حريق شب بمنزلهم في الجيزة
-
المغرب.. إتلاف أكثر من 4 أطنان من المخدرات بمدينة سطات (صور)
...
-
ماسك يقرع مجددا جرس الإنذار عن احتمال إفلاس الولايات المتحدة
...
-
السجن مع وقف التنفيذ لنشطاء مغاربة مناهضين للتطبيع مع إسرائي
...
-
OnePlus تودع عام 2024 بهاتف مميز
-
70 مفقودا بينهم 25 ماليا إثر غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل ال
...
-
ضجة في إسرائيل بسبب صدور أمر بالتحقيق مع زوجة نتنياهو
-
-هذا لا يمكن أن يستمر-.. الجنود الأوكرانيون يأملون في التوص
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|