|
فيلم سينمائي طويل
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 7012 - 2021 / 9 / 7 - 00:59
المحور:
الادب والفن
عائدا إلى بيت أبي . سلكتُ نفس الطريق . كنتُ أمشي ، مطأطئا رأسي إلى الأرض ، بحثا عن آثار أقدامي الأولى ، عندما غادرتُ المدينة ، قبل أعوام بعيدة ، فوجدتُ أنها اختلطتْ بآثار أخرى ، ميّزتُ بينها أقدام البرابرة ، الذين انبثقوا من الماضي ، من بطون الأساطير وخرافات الكتب ، عندئذ فهمتُ لماذا لم أجد البيت ، الذي حملتُ نوافذه وأبوابه معي أين ما حللتُ .
بطريقة غير متوقعة رأيتُ المرأة التي أحبتني ، وأغرمتُ بها ، أيام كنتُ أملك قلبا وسيما ، لكنني لم أبق معها إخلاصا لأمر آخر ، تبيّن أنه لم يعد معنيا بمَن خان ، بمَن أخلص ، بمَن ذهب ، أو بمَن عاد . سارت ، هي الأخرى ، إلى جانبي ، ولم نتحدث عن شيء ، مثل بطلين في مشهد سينمائي ، فقد كان الصمتُ هو السيد ، وهو أبلغ ما يمكن أن تحمله الرسالة . هكذا فهمتُ ، وأنا أحبس دموعي عبثا ، أنها لم تتزوج قط ، بل لبثتْ تنتظرني ، حتى الأخير . أشارت برأسها إلى الحديقة التي كنا نلتقي ، خلسة ، فيها ، وقد تحوّلتْ إلى مكب نفايات ، وقادتني ـ بإشارة من رأسها ـ إلى الشجرة التي حفرنا اسمينا على جذعها الضخم ، فرأيتُ أكبرَ قرية من النمل قد انتشرت بين الحروف . أخيرا أومأتْ إلى مدرستها ، التي كنتُ أنتظر خروجها قريبا من بابها ، وقد أصبحتْ مخيما يأوي إليه النازحين من حروب الطوائف .
لم تتدفق موسيقى من نافذة بيت ، لم أرَ عصفورا على أسلاك الكهرباء ، ولم تخفق وردة واحدة في هواء الطريق !
عندئذ حدستُ ماذا حصل للحانات ، التي غنينا فيها عن الحب الضائع والمفقود ، وكيف جرى سبي رواد المقاهي بمواكب طويلة من النواح . فهمتُ لماذا مات الفرات ، من شدة اليأس ، وكيف أن لا أحد قد مشي في جنازته . عرفت أيضا أن المدينة لم تعد هي المدينة ، وأنني صرتُ الغريب فيها ، رغم أنها تحتفظ برفات أهلي ، وأن هناك مقابر متفرقة وبعيدة ، لم تزل تترددُ بين أركانها مناحات أمهات أقاربي وأصدقائي .
فجأة ، توقفتُ ، ولا أعرف لماذا ، ولم تتوقف هي ، بل واصلتْ السير ، وخلفها كان يمشي سرب من الأطفال والأولاد والصبيان : أبناء أشقاءها الذين قتلوا في الحروب المتتالية ، التي مرت على هذه البلاد ، مثل فيلم سينمائي طويل .
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحب و سؤال الكتابة : عزيزتي فلانة ( 1 )
-
في صحة ملاكك السومري
-
بيان مقاطعة مهرجان بغداد الشعري 2012
-
عندما فتحتَ المظروفَ الذي وصلكَ من كل مكان .. !
-
كان غريبا ، وخارج الوقت ..!
-
معرض الكتاب الدولي – بغداد 2012: دعوة للمقاطعة من الناشرين ا
...
-
حكاية العاشق المستحيل في ألف ليلة وليلة ..!
-
قصيدة نثر عن الأنذال ,,!
-
قصيدة : أنتِ..
-
علبة الصفيح .. !
-
اغنية عابرة ..
-
في طريق العودة من أتونا بشتم
-
هايكو الفراشة ..
-
قصيدة نثر إلى صديقنا الرائع دون كيشوت !
-
قصيدة نثر عن حمامةٍ ميتةٍ
-
في موكب فاضل العزاوي الصامت ..
-
عندما خطفتُ وسام الهزيمة ..
-
أنا الذي أحرقتُ اور .. !
-
مخطوطة الاعشاب الغامضة
-
اغنية البحث عن قوت القلوب
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|