|
الإقتصاد الريعي
حاتم بن رجيبة
الحوار المتمدن-العدد: 7009 - 2021 / 9 / 4 - 20:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حتى أجد مدخلا جيدا للولوج إلى محور متشعب ولكنه أهم سبب في تأخر الأمم وفقرها وانتشار الظلم فيها اخترت تفسير الإقتصاد الريعي على أنه كل الأنشطة المخلة للتنافس الحر في الإقتصاد. هذا التعريف سيخيب آمال كل يساري يرى أن اقتصاد السوق الحر هو سبب بلاء الإنسانية.
هنا أعارض وأقول أن التنافس الحر ليس مرادفا بالأساس لاقتصاد السوق، هو جزء أساسي منه فقط . ما يعاب على اقتصاد السوق هو استقلال السوق التام عن رقابة الدولة بسياسييها وإدارتها وشرطتها ومحاكمها...وهو ما يؤدى إلى توزيع إجرامي للثروة لصالح أرستقراطية قليلة العدد و فاحشة الثراء وضد سواد الشعب المحروم من أبسط مقومات الحياة كما يؤدى اقتصاد السوق إلى تدمير المحيط وتلوثه وتهديد حياة البشرية عامة من أجل استثراء حفنة من الرأسماليين منعدمي الضمير. كما أن الإقتصاد الريعي كان تعريفا للأنشطة الإقتصادية الكسولة المعتمدة على الإنتفاع من إيرادات الأراضي والعقارات والمحلات. أي أن المنتفع لا يكون فاعلا وناشطا بل تقتصر كفاءته على التملك والميراث واشتراء عقارات وممتلكات ثابتة جديدة أو التفويت في بعضها فهو لا يصنع ولا ينتج ولا يفعل. هذا الإقتصاد تمارسه في العادة الأرستقراطية القروسطية و أحفاد،، النبلاء،، و طبقة الفرسان و الملوك و الأمراء و الإقطاعيين. أما ما أقدمه كتعريف للإقتصاد الريعي فهو حديث وشامل ومرادف للإقتصاد الفاسد.
الإقتصاد الريعي هو كل نشاط قانوني أو غير قانوني يهدف إلى تقييض المنافسة الحرة في الأنشطة الإقتصادية. فالمنافسة الحرة تقتضي أن تكون للمتنافسين على صفقة أو نشاط اقتصادي نفس الحظوظ. النجاح سيكون حليف من يقدم خدمات أو منتوجا أفضل أو ثمنا منخفضا أو إنهاء للمشروع في زمن أقصر أو بمواصفات أحسن ...أي أن الحريف سيكون أكبر منتفع من المنافسة الحرة لحصوله على أحسن عرض بأقل كلفة.
المنافسة الحرة ستوفر أحسن المنتوجات والبضائع والخدمات بأقل تكاليف للمواطنين وللمجموعة أي للدولة وللكون: المحيط.
أما إذا نشط المجرمون واللصوص والجراثيم لتعطيل هذه الآلية فسيكون الخراب والهلاك للأوطان والمجموعات البشرية وللكون عامة.
هذه الأنشطة الإجرامية تظهر جلية للعيان من خلال أنشطة المافيا الإيطالية: كأن ترتشي الساهرين على المناقصات الحكومية العامة حتى تتحصل على الصفقات العمومية بعروض جد باهضة وبخدمات رديئة أو أن تصد المنافسين وتجبرهم على الإنسحاب بالتهديد والوعيد أو تقصي المنافسين بتقديمها عروضا لا تقبل المنافسة ثم تقوم بحيل شيطانية برفع التكلفة وإجبار صاحب العرض على الدفع أو بتقليص التكلفة بعدم احترام القوانين والمواصفات العامة المكلفة مثل قوانين الجباية أو المحافظة على المحيط أو دفع رواتب زهيدة للعمال أو تشغيل عمالة غير كفأة...كما تسهر المافيا على أن يصل أعوانها أو من يخدمها إلى المناصب السياسية المؤثرة مثل رؤساء البلديات والمحافضات والموظفين السامين في الإدارة أو نواب البرلمان و أعضاء الأحزاب الكبرى وخاصة المحافظة والليبرالية حتى تستطيع تمرير قوانين تسهل عملها: مثل قوانين تسهل تبييض الأموال وتعطل مقاومة الجريمة و وتعرقل الشفافية والمنافسة الحرة وتسهل المراوغة والهروب من العقاب. كما تقنن التهرب الضريبي و تعرقل مراقبة المعاملات والحركات المالية ومقاومة الإرتشاء...أما الأنشطة الأشد عنفا فهي الإلتجاء إلى التهديد المباشر للجهاز الردعي للدولة من أمن وجيش وقضاة وصحافيين و رجال الدين وكل ضمير حي وذلك بالتهديد اللفظي والرسائل ثم الإختطاف والتصفية الجسدية. كما تقوم باللصوصية مباشرة بالسرقة كأي لص وضيع يمكنها من تكوين رأس مال بسرعة ودون جهد يذكر يمكنها تبييضه في الإقتصاد العام أو تحل محل الدولة وتفرض ضرائب مباشرة على كل ناشط اقتصادي و تتاجر بالممنوعات مثل المخدرات والأسلحة والبغاء.
إذاً المافيا هي مثال يبسط كل أنشطة الإقتصاد الريعي بدئا من أوضعها كالسرقة المباشرة للبنوك والمغازات والمنازل والضيعات ...و الإبتزاز والتهديد والتصفية الجسدية والإختطاف والمتاجرة بالممنوعات إلى المخفية كفرض ضرائب حماية إلى شراء ذمم أصحاب النفوذ والقرار إلى اختراق الأجهزة التشريعية والتنفيذية للدولة بتمرير رجالها إلى البرلمان والحكومة والإدارة حتى تصل إلا أهم المناصب كرئيس الدولة أو رئيس الحكومة وسن القوانين التي تسهل عملها الإجرامي مباشرة في إطار نظام ديمقراطي من الخارج لكن مافيوزي في الكيان.
لكن حتى الدول فهي تمارس في جل البلدان ،، بنية سليمة،، الإقتصاد الريعي. وما الأنظمة الشيوعية إلا أشد الدول راديكالية في هذا المجال! فالدولة لما تحتكر فرعا اقتصاديا معينا مثل النقل أو الصحة أو التعليم أو عندما تحتكر كل الأنشطة الإقتصادية كما في الأنظمة الشيوعية فهي إما تعطل المنافسة الحرة أو تقوضها تماما بممارستها لسياسة الإحتكار. فعندما تكون الدولة هي الناشط الوحيد تنعدم المنافسة وبدون منافسة لا تتحسن الخدمات والبضائع فالحريف يكون مرغما على قبولها مهما كانت رديئة وباهضة لغياب البديل.
إقصاء المنافسين بأي طريقة كانت سيجبر المنافسين المقصيين على النشاط في الإقتصاد الموازي وبذلك ستكون الدولة أي المجموعة أكبر متضرر لغياب المداخيل الجبائية والضرائب. الإقصاء يكون إلى جانب الطرق المافيوزية الإجرامية التي ذكرتها أيضا بتفعيل قانون إسناد الرخص أو الدهاء في تقنين كراس شروط متشعب وخبيث. فيكون إسناد الرخص أو الموافقة على كراس الشروط في الإقتصاد الريعي مقرونا بشروط إعجازية على مقاس المحتكرين للنشاط .
أما في الأنظمة الغير ديمقراطية فيكون تدخل الزمرة الحاكمة من ملوك وأمراء وعائلة وأصهار ومقربين وأنصار وموالين وأعضاء الحزب في النشاط الإقتصادي بالإستحواذ على واحتكار الأنشطة المربحة والحصول على الإمتيازات والإعفاءات إلى جانب الحصول على القروض البنكية دون حدود ودون ضمانات تقويضا فضيعا للمنافسة الشريفة و تكريسا سافرا للظلم والفساد.
إذا وباقتضاب حتى نقاوم الإقتصاد الريعي الفاسد والكارثي وجب توفر العديد من المنافسين في كل الأنشطة أو جلها وأن تكون المنافسة حرة وشريفة أي أن لا يحتكر أي منافس امتيازات غير شريفة على منافسيه كأن يتحصل على قروض دون وجه حق أو يمتلك معلومات حصريا أو يؤثر على أصحاب القرار برشوة أو تدخل إجرامي أو سياسي ألخ : الكفاءة والجودة وقلة التكلفة هم المعايير الوحيدة للفوز.
#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا يريد قيس سعيد؟؟
-
ماذا تريد قطر ؟؟؟ok
-
عشر سنوات من حكم التنين الإخواني
-
تونس: كابوس انزاح!!
-
الإستعمار العربي البشع لشمال إفريقيا
-
،،الطاعون،، لألبار كامي أو الحرب ضد الموت
-
رواية ،،الموت السعيد،، لألبار كامي تحليل
-
كيف نصنع مجتمعا ثريا؟
-
سبل التوزيع العادل للثروة
-
مدن الملح ،،بادية الظلمات،، لعبد الرحمان منيف أو تأسيس الممل
...
-
رواية شرق المتوسط لعبد الرحمان منيف أو أي نوع من الكفاح نحتا
...
-
مدن الملح ،، الأخدود،، تحليل
-
،أولاد حارتنا،، أو،، الله مات،، لنجيب محفوظ
-
مدن الملح ،،التيه،، لعبد الرحمن منيف : تحليل
-
العالم الإسلامي ما بعد الخلافة
-
الأحزاب التونسية الفاشلة
-
في ذكرى المحرقة !
-
الهجرة شر أم نعمة؟
-
أسباب التضخم الرهيب في فنزويلا
-
لماذا تعاضد أمريكا إسرائيل؟
المزيد.....
-
محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج
...
-
الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو
...
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|