|
ثورة الطبقة الوسطى و واقع ما بعد الثورة
الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي
(Altaib Abdsalam)
الحوار المتمدن-العدد: 7008 - 2021 / 9 / 3 - 17:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البشير لم يسقط لإنه اباد اهل دارفور و لا لإنه منع ندوة فكرية، البشير سقط لسبب وحيد و كبير و هو "توقف السيولة النقدية في البنوك"، و هنا إصطدم البشير بمصالح الطبقة الوسطى التي يعمل أغلبها في التجاره و الزراعه و المقاولات و الخدمات الفنية إضافة إلى المغتربين منها و هم لا يستهان بعديدهم،حينما احسوا ان النظام اراد سرقة مدخراتهم بعد توقف النفط و انغلاق ماسورة القروض هنا اراد النظام ان يطيل أمده بهم فأصطدم النظام ب ابناء قياداته انفسهم. هذه الطبقة البرغماتيه الصبورة التي تجيد إمتصاص "الصدمات الإقتصادية" و تسيير قوارب معاملاتها و تدابيرها على نهرها شريطة الا يتوقف ذلك النهر، بمعنى اوضح فهم لا يبالون كثيرا بتغير سعر الدولار لإن اي زيادة ستتلوها زيادة تمتص الفارق، هذه الطبقة التي رأينا ابناءها يخرجون من النسيان فيستشهدون في الشوارع و يموتون بحب في مجزرة الإعتصام، الطبقة التي تعبر عن نفسها في الميديا و يظهر نجومها هكذا بكل تلقائية من دون كبير تفكير في "مشروعية" ما يفعلون،هم ابطال هذه الموجة من الحرية التي ينعم بها الشعب اليوم، الطبقة لم تنتفض من أجل الحسين او من اجل مظلومية ايديلوجية سياسية متوهمة، هي الطبقة الواضحة و الا متوقعه، الطبقة التي حينما بلغت قلوبنا الحناجر نسينا أمرها ففاجأتنا بالثورة و بإدارتها لمرحلة ما بعد الثورة. هي طبقة وسطى ليست "بياقات بيضاء" ليست الطبقة الوسطى في تصور لينين و عبد الخالق محجوب بل هي طبقة وسطى خرجت من رحم الإنقاذ نفسها، هي طبقة وسطى تجارية و ليست صناعية، قائمة على علاقات المنفعة الرأسمالية و السيولة النقدية، ف الإنقاذ صفت كامل الطبقة الوسطى القديمة التي وجدت في المشاريع الصناعية و الزراعية القومية الكبرى و شردت الموظفين فيها و عائلاتهم بسياسة الصالح العام و التمكين التي طردت من البلاد كل من قد يقاوم مشروع الجبهة الإسلامية و هو في موقف قوة مادية، لذلك خصخصت كل المشاريع القومية، و إن لم تبعها خردة فقد سلمتها لشركات خاص يقف الإسلاميون و الأمنيون على سدتها بينما يديرها لهم و يعمل بها موظفون خرجوا من رحم جامعات "ثورة التعليم العالي" و "المناهج المعربة"، و بذلك ضمنت غياب منافس قومي ذو توجهات وطنية عبر بيع مؤسسات القطاع العام و ايللة اداراته و ملكياته لشركات تابعة لرجال اعمال الجبهة الإسلامية ف تمكنت من الدولة و اطمأنت ان من يدير تلك الدولة من كوادر هم خريجوها و ربيبوا جماعاتها الطلابية. عزز هذا الأمر نجاحات الجبهة الاسلامية في إستخراج النفط و هو الحلم الإقتصادي الذي قام على اكتافه المشروع الإسلامي،فتضاعفت الطبقة الوسطى "الجديدة" بتضاعف الثروات الإستهلاكية الجديدة، هذه الثروات التي تحتاج من يؤمنها و يحميها فتعددت الجيوش و المليشيات و فتح جهاز الأمن زراعيه لإستقبال اكبر عدد من المجندين و بأي مؤهلات لكي يحموا مكتسبات الجبهة النفطية، و تضاعف عدد الجامعات حتى اصبح لكل ولاية جامعة تخرج الموالين و توظفهم في مرافقها. إنهار هذا الحلم بسبب إنفصال الجنوب الذي يحوي ما نسبته 70% من احتياطيات النفط في العام 2010 و لم يشعر النظام بهذا الإنفصال مباشرة لإن الإنفصال ما زال وليدا ولإن الأوضاع تأخذ وقتها في الإنتقال حتى تتمكن الحركة الشعبية من "فهم" واقعها الجديد، و سرعان ما توترت العلاقات بين الجنوب و الشمال و توقف النفط. هنا تسارعت الاوضاع في الشمال الذي بنت فيه الجبهة الإسلامية طبقة وسطى مستهلكة لا منتجه، طبقة وسطى تدير و تحمي لا تنتج و تفكر، فبدأت قيمة الجنيه في التراجع مما قاد لإحتجاجات شعبية في عام 2013 قمعها البشير بالحديد و النار، احتجاجات و ببساطة شديدة سببها هو رفع الدعم عن البترول لإن الحكومة باتت تستورده من الخارج عبر ميناء بورتسودان و ليس إستخراجه من الجنوب، مما جعل رأسمالييها و مديروا شركاتها بدلا عن ان يستثمروا في "انتاج النفط"، باتوا يستثمرون في استيراده و الإتجار فيه،و في المقابل "تسوء" العلاقات بين الشمال و الجنوب..بين الحركة الشعبية و الحركة الإسلامية..بين حركة تحرير تقف امريكا خلفها و بين نظام معزول توهم نفسه "قطبا عالميا" ينافس امريكا هيمنتها على العالم. تسارعت الأحداث في الشمال و زاد التضخم و وجدت الإنقاذ نفسها تدفع "اوراقا" نقدية بلا قيمة لطبقتها الوسطى المستهلكة الجديدة، و بلغت الأمور ذروتها في ثورة سبتمبر حيث تخلى عن الإنقاذ جهاز أمنها الجائع و جيشها الذي تضررت مصالحه مع جيوش العالم و تقادمت ترسانته من الأسلحة، الجيش الذي ارهقته الإنقاذ في حرب الجنوب و جنى قادة الحركة الاسلامية ثمار البترول، فكان ان ازاحها عن طريقه و "تخلى عنها". خلاصة الأمر ان ثورة سبتمبر كانت ثورة طبقة وسطى جديدة إستفادت من سياسات الإنقاذ في تصفية القطاع العام في من جهة و طرد قيادات الجيش الذين كان يمكن ان يهددوها و تصفيتهم في حوادث طائرات حرب الجنوب من جهة أخرى. طبقة وسطى ترعرعت في شركاتها و جامعاتها و "سوقها"و احتكاراتها و امتيازاتها، طبقة وسطى تحالفت مع النظام او هادنته حتى إذا قرر النظام "الأستيلاء على مدخراتها" اسقطته، و هي اليوم تعاني في إدارة البلاد لإنها بلا منطق إنتاجي لإنها اساسا لا تعرف الإنتاج و لا تمتلك خبرته و في المقابل هي محاصرة بالشق العسكري و الأمني الذي تغلغل في الدولة و سيطر على مؤسساتها "التي فيها روح انتاج". واقع ما بعد الثورة واقع معقد للغاية تعقيد فترة الإنقاذ نفسها و تركيبتها في السلطة اي تركيبة العسكر و الإسلاميين، عسكر اقصوا قيادات الإسلاميين الكبيرة في مفاصلة 99 قبل ان يتموا اقصاءهم تماما في ثورة سبتمبر، عسكر تمكنوا من مفاصل الدولة الإنتاجيه مسلمين اداراتها و مناصبها الشكلية ل "قوى الحرية و التغيير"، ذلك و ان احد اهم ابعاد هذه الفرضية انه كان للحكم بعدين بعد مدني يتكون من طبقة وسطى هي صنيعة علاقات اقتصادية استهلاكية تجارية و شق عسكري ضمنت الإنقاذ لقياداته "اقطاعات" اقتصادية كبرى يديرها رجال اعمال و موظفون بعيدون تماما عن الأضواء. لذلك فمن ثار هم الطبقة الوسطى الجديدة و من جنى الثمار هي الطبقة الوسطى العسكرية الجديدة و التي كان و ما زال وضعها افضل من المدنيين. الشاهد انه في خضم هذا التدافع الذي يتفوق فيه العساكر بخلق الأزمات الأمنية و قمع الشارع من جهة و يتفوق فيه المدنيون بكونهم الشعب المحكوم فإننا نجد انفسنا إزاء احداث بطلتها هي الطبقة الوسطى و بأمتياز. هي الرابحة و هي الخاسرة..هي التي كبرت و هللت و هي التي "ثارت" و اسقطت. لذلك فأي نهضة جديدة او فرصة لإستثمار و انقاذ الثورة عليها ان تتجه و تخاطب تلك الطبقة الوسطى بهمومها و تستنهضها لتفكر بمنطق إنتاجي بدلا عن هبات صندوق النقد الدولي، فتحرر مدخراتها و مضارباتها التجارية و استثماراتها في الأصول الثابته من بيوت و منازل و اراضي فتسيلها لأصل انتاجي، و هنا ستجابه بواقع فرضه العساكر عليهم من نهب و سرقات و اغتيال و تصفيات لكل من ينافس من يحمونهم من رجال اعمال. اذا هو تحدي ذو بعدين اولهما بعد شخصي بتحويل عقليتها من عقلية استهلاك لعقلية انتاج و تحدي مع العساكر و دولتهم العميقة و الأهم تحدي مع التركيبة الإجتماعية القبلية المتنازعه و الملتقية في دولة وطنية هشة انشأها الإنجليز لتدير "حواشات القطن" لمصانع لانكشير. و هنا نقترب اكثر فأكثر من ملامح تلك الطبقة الوسطى التي ليست متحدة او متطابقة بقدر ما هي متعددة و متنافسه و تواجه مشاكلها الخاصة المرتبطة بعقلياتها و قومياتها و تفسيراتها للحياة و تفاوتاتها الداخلية، هي ليست طبقة منزهة بل امامها اسئلة صعبة عليها مواجهتها. و بالتالي فأي حزب سياسي يفكر بعمق و تروي عليه ان يتجه لتلك الطبقة الوسطى الحرة من اي ايديلوجيا و يستطيع العمل معها عبر فهمها اولا و فهم "عقلها" و "بنية وعيها" ليقودها في درب إستكمال الدولة الوطنية الحديثة، محققا ذلك التكامل بين الاصالة و الحداثة و بين معنى الرزق و معنى السعي و الكد و الابتكار.
#الطيب_عبد_السلام (هاشتاغ)
Altaib_Abdsalam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جامعة الخرطوم..المركز الثقافي الفرنسي و بالعكس.. كلام في الز
...
-
من الاسلام الإستشراقي إلى الاسلام التاريخي
-
اركون قارئا و مقرؤاً
-
إستعراب السودان / حوار مع البروفيسير عبد الله علي إبراهيم
-
المهدي السوداني
-
تدوين تاريخ السودان المفقود
-
السودان من حكم الفونج الأفارقة إلى حكم الجلابه العرب..قرأة ف
...
-
القربان البشري بين الرؤية الإستشراقية و الرؤية النقدية
-
ما هي الفلسفة؟ حوار جماعي مع خالد تورين
-
محمود محمد طه بعيون محمد اركون / الإسلام السوداني و إمكان ال
...
-
من شاعرية اللفظ إلى شاعرية المعنى.. نحو رؤية جمالية جديدة.
-
تأملات في رحلة المعراج.. في تحيين المتخيل العربي
-
من تاريخ التفكيك إلى تاريخ الصيرورة... نحو نظرية جديدة في ال
...
-
بين العرب و المغول - تأملات جديدة في حاضر التاريخ
-
فوكو نيتشويا
-
من حداثة التقليد إلى حداثة التأويل
-
تأملات في مشروع محمد أركون
-
الاحتفاظ و الإنتشار.. تصور جديد للمرأة و الرجل
-
تأملات في سورة القدر
-
الحزب الشيوعي السوداني من المؤسسة إلى الرمز
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|