|
الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم (2)
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 7007 - 2021 / 9 / 2 - 20:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1- الاختلاف يعتبر دولوز أصل الأشياء هو الاختلاف، وليس المطابقة الذي يعتمد عليه الفكر المفارق، لإثبات هوية الإنسان. لهذا، عمل دولوز على إعادة قراءة الإرث الفلسفي الغربي، قديمه وحديثه، انطلاقا من مبدأ الاختلاف الذي يعني عنده التميز و الملفت والإبداع. من هنا، سميت الدولوزية بفلسفة الاختلاف، لأنها تنتصر للحق في الإبداع والتفكير المختلف، وللهامش والبعد، والسطح الظاهر، ضد التقليد، والمركز، والقرب، و العمق الخفي.. إن فلسفة الاختلاف الدولوزية، من جهة، تعيد الاعتبار للنضال في الحياة، ولكل ما هو إيجابي وجميل وعملي في الطبيعة و الوجود.. كما انها، من جهة أخرى، كانت تحاور، بل وجدت في وضع صراع فلسفي، ضد فلسفة المقولات والتجويد والتعالي، بدءا بفلسفة أفلاطون و ديكارت، مرورا بكانط وهيغل، وصولا إلى سارتر وهايدغر.. إنها فلسفة الأمل التي قالت لأعداءها الذين أعلنوا موتها: مازلت ممكنة.. مادام وجود الإنسان ممكنا كذلك.. لهذا دعمت الدولوزية فكر الصيرورة كفكر محايث بشكل كبير جدا.. 2- المسطح الفلسفي إنه مفهوم جديد في التفلسف الدولوزي. يعني به الحقل المعرفي الذي تخضع فيه المفاهيم الفلسفية للتنشئة والتكون، قبل مرحلة الإبداع، مثل مسطح الذات، ومسطح الله، ومسطح الفكر، ومسطح الموضوع.. إلخ. ولكل مفهوم فلسفي عند دولوز مسطحه الفلسفي الذي يناسبه. وقد تلتقي عدة مفاهيم فلسفية دولوزية، بسبب جذعها الفلسفي المشترك، حول نفس المعنى الفلسفي، الذي تكون وأبدع في إطار مسطح فلسفي واحد. من هنا، يكتسي مفهوم المسطحات الفلسفية عند دولوز بعدا فلسفيا محوريا، لأنه، على أساسه، يتم تقييم المفاهيم الفلسفية الكائنة والسائدة، وإبداع المفاهيم الفلسفية الممكنة الجديدة. هكذا، تتأسس الدولوزية كفلسفة عمل، على فعل الهدم، سعيا لتجاوز صورة الفكر، وليس الفكر، المهترئة، و إبداع فكر التحديث والحركة، التي هي جزء من الطبيعة البشرية. إنها دعوة جريئة، من دولوز كفيلسوف تنويوي، غالبا ما يصنف في إطار ما بعد الحداثة، رفقة ديريدا وفوكو، ليس إلى نبذ كل ما هو قديم أو أصلي..، بل إلى إعادة قراءته، وبعث الحياة فيه، سعيا لاستمرارية القيم الإنسانية العليا، والقطع، طبعا، بالضرورة، مع فكر الخرافة و النكوص و القطيع، الذي يستعمل إيديولوجيا لأغراض سياسية ضيقة. 3- الانقلاب الفلسفي أهم ما قام به دولوز، فلسفيا، هو التأكيد على الطابع المحايث للتفلسف، باعتبار التفكير الفلسفي عمل طبيعي يراد به الطبيعة البشرية. يعني توجيه خطاب الفلسفة، ليس إلى المتلقي العادي كمتلق أساسي، بل، غايته هي جمهور الفلاسفة، سواء منهم الحاضرين بوجودهم المادي والروحي، أو الغائبين بحضورهم الرمزي من خلال إرثهم الفلسفي. أما عن محتوى ذلك الخطاب، فيمكن القول أن دولوز حاول ممارسة نوعا من النقد الفلسفي الذاتي، ومحاولة إبداع مفهوم جديد للفيلسوف. أي اعتبار التفلسف نتيجة لفعل التفكير المحض اولا، بمعنى استقلالية الفلسفة كمعرفة فكرية جوهرها النقد، عن باقي المعارف الأخرى بكل انواعها و تجلياتها. وثانيا، النظر إلى الفلسفة كإبداع للمفاهيم الفلسفية، وليس مجرد سباق بين الثنائيات و الجدليات.. أو التموقع في المدارس و المذاهب و التوجهات.. بهذا المعنى، يعتبر الباحثون عمل دولوز في المجال الفلسفي، بمثابة انقلاب مختلف على مستوى منظوره في التفلسف. 4- مفهوم الجذمور إنه أحد المنجزات الدولوزية التي ابدعها دولوز من خلال اطروحته الفلسفية. ويقصد به عملية إعادة زرع و استنبات المعطى الفلسفي بطريقة تجعله أكثر قوة وتجديد وإبداع. وقد نجحت الدولوزية في قراءتها لتاريخ الفلسفة، إلى حد بعيد، في تجديد فهم التراث الفلسفي، قديما وحديثا. من هنا، يكتسي مفهوم الجذمور كأداة للتفكير والفهم الفلسفيين، طابع الهدم للنزعة الأصولية، ومن تم نقده الجذري لمجموعة من المفاهيم الفلسفية الكلاسيكية كالاصل والبداية والنهاية والهوية و التعالي.. إلخ. هكذا، يكون للدولوزية كفلسفة فكر مقاوم، اشتغال فلسفي أساسي في علاقتها بمثلث الحياة: 1-الذاكرة المشتركة سعيا لتحقيق التعايش الإنساني الطبيعي. 2- الديمومة كفعل الحركة الدائم، مستلهمة مفهوم الصيرورة السبينوزي. 3-الدافع الحيوي المرتبط بالتشكل الذاتي للكينونة الطبيعية التي يعتبر الإنسان جزءا منها. 5- دولوز قارئا لماركس يدخل اهتمام دولوز بماركس، في إطار فلسفته السياسية التي قرأت الفكر الماركسي من منظور مفهوم الاختلاف. يعني، باعتبار ذلك الفكر إحدى أسلحة الفلسفة المقاومة ضد الهيمنة الرأسمالية كنظام سياسي عنيف. لهذا، وارتباطا بمسألة الدولة، فدلوز هنا كفيلسوف الصيرورة، ردا على الفيلسوف الماركسي، يؤكد على أن الغاية من التاريخ البشري ليس هو التحرير، وإنما هو التعايش، أي جعل ما هو إيجابي وتقدمي حي في الشكل القديم للدولة، بل في أي مظهر من مظاهر الوضع البشري، يمتد و يستمر ويتناسب مع شكلها الحديث(مفهوم الديمومة). .
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم
-
سعيد ناشيد: محنة الفكر المضاد في المغرب
-
الفلسفة والحق في العيش المشترك
-
كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي
-
رهان العلاقة بين التربوي والإداري في المغرب
-
الإرتقاء بالفعل القرائي عند المتعلم في السلك الإبتدائي
-
نيتشه راقصا على جليد جثامين المدينة
-
سوس ماسة في القرن التاسع عشر من خلال كتاب: أخبار ابراهيم الم
...
-
كورونيات (9)
-
كورونيات (8)
-
كورونيات (7)
-
كورونيات (6)
-
كورونيات (5)
-
كورونيات (4)
-
كورونيات (3)
-
كورونيات (2)
-
كورونيات (1)
-
دشيريات (٣)
-
دشيريات (٢)
-
دشيريات (١)
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|